خطبة عن ( اغْتَنِمْ : فَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ )
يوليو 9, 2016خطبة عن (اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ )
يوليو 9, 2016الخطبة الأولى ( اغْتَنِمْ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ)
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله هو خير الخلق وحبيب الحق ورحمة الله للخلق أجمعين .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الحاكم في مستدركه ،عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه : ( اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ : شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ)، وروى البخاري في صحيحه :(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ – رضى الله عنهما – قَالَ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – بِمَنْكِبِي فَقَالَ « كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ ، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ » . وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ إِذَا أَمْسَيْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الْمَسَاءَ ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ)
أيها الموحدون
توقفت معكم في اللقاء السابق عند قوله صلى الله عليه وسلم ( وشَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ ) : فيالها من غنيمة مفيدة ، فعلى المؤمن أن يُقبل على الله تعالى في شبابه وفتوته وقوته بطاعة ربه فيما أمر ، ويبتعد عما نهى عنه وزجر وذلك في سلوكه ومعاملاته وأحواله كلها مع الله تعالى مقتديا بهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم ، فقد جاء في الحديث المتفق عليه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ الإِمَامُ الْعَادِلُ ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ . وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ »، نعم (شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ ) . فالشباب هو : الطاقة القادرة على الفعل .وهذا هو الذي يتأتى بعد عمر الطفولة ..لكن الأنسان لا يظل شابا ، بل كلما تقدم به العمر قل نشاطه .وكلما تقدم وهن عظمه . ولم يقدر على ما كان يقدر عليه. فلا تتصور أنك ستظل شابا . ولكن سيأتي عليك وقت لا تنهض بحركة . فاستغل إذن شبابك هذا. حتى تخزن منه أعمال ، هذه الأعمال تكون لك عونا حين لا تقدر على العمل . حتى في أمر الدنيا . يعني اجتهد وأنت تستطيع أن تتحرك .وهذه يضرب مثل بها في الدنيا والأخرة. فالله تعالى قد أعطاك دنيا وأعطاك كونا ينفعل لك . فإن غرست . وراعيت الزرع وسقيته ورويته . . فستأخذ حقك . فكذلك عملك في الشباب يوصلك إلى الآخرة.. فكثير من الشباب لا يدرك قيمة الوقت ولا أهميته , ولا يعرف أن سوف يحاسب يوم القيامة وسوف يسأل عن كل دقيقة من عمره . عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( لاَ تَزُولُ قَدَمَا ابْنِ آدَمَ ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ ، حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ : عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلاَهُ ، وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ , وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ ). أخرجه الترمذي وحسنه الألباني ، قال الحسن البصري: أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشدّ منكم على دراهمكم ودنانيركم ،وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول : إني لأكره أن أرى الرجل فارغا ، لا في عمل الدنيا ، ولا في عمل الآخرة . وقال الشاعر : خذ من شبابك قبل الموت والهرم ** وبادر التوب قبل الفوت والندم
واعلم بأنك مجزئ ومرتهن *** وراقب الله واحذر زلة القدم
وقال أحد السلف: الليل والنهار يعملان فيك فاعمل أنت فيهما.
والوقتُ أنفسُ ما عُنيتَ بحفظه *** وأراه أسهل ما عليك يضيعُ
نعم أيها الشاب : وقتك هو عمرك ، فلا تضيع عمرك فيما لا يفيد والوقت لا يُقدّر بثمن .قال أحد الحكماء: من أمضى يوماً من عمره في غير حق قضاه ، أو فرض أداه ، أو مجد أثله ، أو حمد حصله ، أو خير أسسه ، أو علم اقتبسه ، فقد عق يومه ، وظلم نفسه!.وقال ابن مسعود رضي الله عنه : ما ندمت على شيء ندمي على يومٍ غربت شمسه ، نقص فيه أجلي ولم يَزِد فيه عملي .وقال تعالى : ( يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي) الفجر 24 .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (اغْتَنِمْ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ)
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله هو خير الخلق وحبيب الحق ورحمة الله للخلق أجمعين .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وأما نصيحته صلى الله عليه وسلم بقوله صلى الله عليه وسلم ( وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ ): فيبين لنا فيها صلى الله عليه وسلم أن صحتك أيها المؤمن غنيمة ومكسب رابح لمن استعملها في طاعة الله ومرضاته ، وأن هذه الصحة فيها للعبد المؤمن مجال وتجوال في طاعة الله ومرضاته ، وذلك في جميع الوجوه ، يستعمل هذه الصحة والقوة في جهاد في سبيل الله على الأعداء ،ويعمل ويغني نفسه ومن يعول عن سؤال الناس ، ويساعد العاجز والمريض ، ويقوم بطاعة الله وعبادته في جميع العبادات مستمرا فيها حتى الممات . وفي وقوله صلى الله عليه وسلم : وصحتك قبل سقمك .فكأنه يقول لك : لما تكن عندك فترة شباب وصحة فاستغلهما واعمل النافع . الذي قد ينفعك فيما إذا جاء المرض أو جاءت الكهولة توقفت عنه ولم تستطعه ،وفي صحيح البخاري (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضى الله عنهما – قَالَ ،قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ، الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ » ثم ننتقل إلى وصيته صلى الله عليه وسلم بقوله صلى الله عليه وسلم ( وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ )، فالإنسان المؤمن الذي أعطاه الله من المال ما شاء الله ، فواجب عليه أن ينفق منه على نفسه وعلى والديه وعلى رحمه وفي طرق الخير وفي سبيل الله تعالى ، ولا يبخل به ، فإنما المال وديعة من الودائع ، فإما أن المال يفارق صاحبه أو صاحب المال يفارق ماله ، وهذا شيء معروف ولا يخفى على أحد ، فعليك أيها المؤمن الثري الذي أعطاك الله هذا المال ووسّع عليك أن لا تبخل بهذا المال ، فإنه ليس لك من مالك إلا ما أنفقت في طاعة الله ومرضاته ، وأما مالك الذي بعد موتك فإنه لورثتك . ففي صحيح البخاري (قَالَ عَبْدُ اللَّهِ قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « أَيُّكُمْ مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا مِنَّا أَحَدٌ إِلاَّ مَالُهُ أَحَبُّ إِلَيْهِ . قَالَ « فَإِنَّ مَالَهُ مَا قَدَّمَ ، وَمَالُ وَارِثِهِ مَا أَخَّرَ » ومن معاني الوصية (وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ) أي، إذا كنت غنيا فابذل الخير حتى يكون لك رصيد إن افتقرت ، فكما أعنت غيرك . يعينك سواك ، فيوم لك ويوم عليك (وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ) أي اجعل من غناك في الدنيا ، زادا لفقرك يوم القيامة . ونستكمل الحديث في لقاء قادم إن شاء الله
الدعاء