خطبة عن (الاستغفار: شروطه وفضائله وفوائده)
يوليو 24, 2016خطبة عن ( الإنفاق في سبيل الله تعالى )
يوليو 24, 2016الخطبة الأولى ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (104) ) آل عمران ،وقال تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ) آل عمران: 110 ،وقال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) التوبة 71 ، وروى البخاري في صحيحه 🙁 عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ – رضى الله عنه أَنَّ النَّبِىَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ بِالطُّرُقَاتِ » . فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَنَا مِنْ مَجَالِسِنَا بُدٌّ نَتَحَدَّثُ فِيهَا . فَقَالَ « إِذَا أَبَيْتُمْ إِلاَّ الْمَجْلِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ » . قَالُوا وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « غَضُّ الْبَصَرِ ، وَكَفُّ الأَذَى ، وَرَدُّ السَّلاَمِ ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْىُ عَنِ الْمُنْكَرِ »، وفي البخاري (أنه صلى الله عليه وسلم (قَالَ « فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ ، تُكَفِّرُهَا الصَّلاَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْىُ عَنِ الْمُنْكَرِ » . وروى الترمذي في سننه بسند حسن (عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلاَ يُسْتَجَابُ لَكُمْ ».
إخوة الإسلام
المعروف : هو اسم جامع لكل ما عرف من طاعة الله، والتقرب إليه، والإحسان إلى الناس، وكل ما ندب إليه الشرع ونهى عنه من المحسنات والمقبحات ، والمنكر :هو كل ما قبحه الشرع وحرمه وكرهه. وقيل: كل قول وفعل وقصد قبحه الشارع ونهى عنه. وقد اتفق علماء الأمة على القول بوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيما أثر عنهم من الأقوال مستدلين على ذلك بالكتاب والسنة، وقد اختلف العلماء في هذا الوجوب هل هو عيني أو كفائي، فقال الزجاج: معنى (ولتكن منكم أمة ) ولتكونوا كلكم أمة تدعون إلى الخير، وتأمرون بالمعروف، ولكن (من) تدخل هنا لتحض المخاطبين من سائر الأجناس، وهي مؤكدة أن الأمر للمخاطبين ،وقال القرطبي: و(من) في قوله (منكم) للتبعيض، ومعناه أن الآمرين يجب أن يكونوا علماء، وليس كل الناس علماء، والقول الأول أصح، فإنه يدل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض على الكفاية وقد يخرج الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الوجوب إلى الاستحباب، وذلك في ثلاث حالات:- الأولى: أن يكون المأمور به مستحباً، ولم يتواطأ أهل بلد على تركه، ومن ذلك الأمر بنوافل الصلاة والصوم، والصدقة ونحو ذلك من المستحبات. أو يكون الفعل المرتكب مكروهاً فيكون النهي عنه مستحباً. الثانية: أن يكون المأمور به أمراً واجباً، أو الفعل المرتكب أمراً محرماً، لكنه يخشى إذا أمر، أو نهى أن يلحقه الضرر أو الهلاك، فيسقط عنه الوجوب ويبقى مستحباً في حقه .الثالثة: أن ينتصب لهذا الأمر، بمعنى أن يتطوع مع أهل الحسبة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولم يكن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجباً على هذه الأمة فحسب، بل كان واجباً من قبل على الأمم المتقدمة، كما دل على ذلك القرآن الكريم على النحو التالي:- قال تعالى : ﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [المائدة: 78، 79] .وترك النهي عن المنكر كان سبباً في استحقاق الكفار من بني إسرائيل اللعنة على ألسن الأنبياء داود وعيسى ابن مريم، لعنوا في التوراة والإنجيل وفي الزبور وفي الفرقان، ولو لم يكن النهي عن المنكر واجباً عليهم لما استحقوا اللعنة على تركه.
أيها المسلمون
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أجل الأعمال وأشرفها، لما فيها من المزايا العديدة والفضائل الحميدة، ولما فيه من الخير العظيم للفرد والمجتمع، ومن فضائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : 1- أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب في الخيرية: فقد جعل الله سبحانه وتعالى هذه الأمة، أمة محمد صلى الله عليه وسلم، خير أمة أخرجت للناس، وذكر من أسباب هذه الخيرية أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، كما في قوله سبحانه وتعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110] ، وفي صحيح البخاري (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) قَالَ خَيْرَ النَّاسِ لِلنَّاسِ ، تَأْتُونَ بِهِمْ فِي السَّلاَسِلِ فِي أَعْنَاقِهِمْ حَتَّى يَدْخُلُوا فِي الإِسْلاَمِ . ) ، فمن اتصف من هذه الأمة بهذه الصفات دخل معهم في هذا الثناء عليهم والمدح، كما قال قتادة: بلغنا أن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) في حجة حجها، رأى من الناس سرعة، فقرأ هذه الآية : ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ [آل عمران: 110] ، ثم قال: ((من سره أن يكون من تلك الأمة، فليؤد شرط الله فيها))…ومن لم يتصف بذلك أشبه أهل الكتاب الذين ذمهم الله بقوله تعالى: ﴿ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ ﴾ [المائدة: 79] الآية ، ومما يؤكد أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب للخيرية ما رواه الإمام أحمد عَنْ دُرَّةَ بِنْتِ أَبِى لَهَبٍ قَالَتْ قَامَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ فَقَالَ -صلى الله عليه وسلم- « خَيْرُ النَّاسِ أَقْرَؤُهُمْ وَأَتْقَاهُمْ وَآمَرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأَوْصَلُهُمْ لِلرَّحِمِ ». . وكما أن هذا الفضل لهذه الأمة على سائر الأمم، فهو أيضاً فضل يتفاضل به أفراد هذه الأمة بعضهم على بعض، فمن قام منهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو أفضل من غيره، وهو خير الناس للناس، ومن كان منهم أكثر بذلاً في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأكثر تضحية فلاشك أنه أفضل ممن هو دونه. 2- أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب في الفلاح: وكما أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جعله الله سبحانه سبباً لخيرية هذه الأمة، فقد جعله أيضاً سبباً للفلاح لمن قام به، كما في قوله سبحانه وتعالى ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 104] ،والفلاح مكسب عظيم للإنسان فهو الفوز بالمطلوب، والنجاة من المرهوب، فلاح في الدنيا، وفلاح في الآخرة، فلاح في الدنيا بالحياة الطيبة، بما فيها من سعة الرزق، وصحة البدن، وأمن في الوطن، وصلاح في الأهل والولد، وغير ذلك الكثير من جوانب الحياة الطيبة. وفوق ذلك كله الفلاح بالآخرة بالفوز بجنة عرضها السماوات والأرض، ورضوان من الله، ولذة النظر إلى وجهه الكريم، ومع ذلك النجاة من العذاب الأليم. فياله من فضل عظيم يحصل عليه الإنسان بقيامه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 3- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أخص صفات النبي صلى الله عليه وسلم: كما في قوله سبحانه وتعالى: ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ… ﴾ [الأعراف: 157] . وتظهر أهمية هذه الصفة إذا علمت أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو مدار رسالة الرسل التي بعثوا من أجلها، فهم يدعون إلى كل خير ويحذرون من كل شر، فهو زبدة الرسالة ومدار البعثة. وفي صحيح البخاري (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ – رضى الله عنهما – أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ الَّتِي فِي الْقُرْآنِ ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ) قَالَ فِي التَّوْرَاةِ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَحِرْزًا لِلأُمِّيِّينَ ، أَنْتَ عَبْدِى وَرَسُولِي سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلَ لَيْسَ بِفَظٍّ وَلاَ غَلِيظٍ وَلاَ سَخَّابٍ بِالأَسْوَاقِ وَلاَ يَدْفَعُ السَّيِّئَةَ بِالسَّيِّئَةِ وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ بِأَنْ يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ فَيَفْتَحَ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا وَآذَانًا صُمًّا وَقُلُوبًا غُلْفًا ) ، فإذا علمت أخي المسلم أن هذه الصفة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) هي أخص صفات النبي صلى الله عليه وسلم فاعلم أنك مأمور بالاقتداء بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم إن كنت ترجو الله واليوم الآخر، 4- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أخص صفات المؤمنين: فكما سبق بيان أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو أخص صفات النبي صلى الله عليه وسلم فهو أيضاً أخص أوصاف أتباعه على دينه من المؤمنين، كما وصفهم الله سبحانه وتعالى بقوله : ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 71] . والإنسان الذي لا يقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على إحدى حالين:- الأولى: لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر، وبهذا يكون متشبها بالذين كفروا من بني إسرائيل الذين حقت عليهم اللعنة على لسان الأنبياء ،الثانية: أنه يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف، وهذا فيه شبه من المنافقين السابق ذكرهم في الآية، ويستحق من الجزاء ما ورد في حقهم. 5- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب للنجاة من الهلاك: وقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك مثلاً بديعاً ، ففي صحيح البخاري :(النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ – رضى الله عنهما – عَنِ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا ، فَكَانَ الَّذِينَ فِى أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِى نَصِيبِنَا خَرْقًا ، وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا . فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا ، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا » وكما في الصحيحين (عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِى سُفْيَانَ عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ – رضى الله عنهن أَنَّ النَّبِىَّ – صلى الله عليه وسلم – دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ « لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ » . وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الإِبْهَامِ وَالَّتِى تَلِيهَا . قَالَتْ زَيْنَبُ ابْنَةُ جَحْشٍ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ قَالَ « نَعَمْ ، إِذَا كَثُرَ الْخُبْثُ » . ولا يكثر الخبث في مجتمع من المجتمعات إلا إذا قل فيه أهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ومما يدل على نجاة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر إذا أراد الله إهلاك الظالمين ما قصه الله سبحانه وتعالى علينا في محكم كتابه عن بني إسرائيل حين قال تعالى : ﴿ وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [الأعراف: 163 – 164] ، فيبين الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات حال ثلاثة أصناف من بني إسرائيل، حينما نهاهم الله سبحانه وتعالى عن الاصطياد في يوم السبت، فصنف أهملوا النهي وتحايلوا في الاصطياد في هذا اليوم، ووقعوا فيما حرم الله سبحانه وتعالى عليهم، وصنف آخر لم يرتكبوا ما حرم الله عليهم فاعتزلوا ولم يأمروا ولم ينهوا، بل قالوا للمنكرين ﴿ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ﴾ [الأعراف: 164]. أما الصنف الثالث : فهم مع اجتنابهم المحرم وامتثال أمر الله سبحانه وتعالى فيه، لم يسكتوا على فعل الصنف الأول بل بادروا بالإنكار عليهم ونهيهم عن ارتكاب المحرم محتجين بقولهم ﴿ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [الأعراف: 164]. فماذا كان جزاء كل صنف من هذه الأصناف؟ قال تعالى ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ﴾ [الأعراف: 165] ،فقد أنجى الله سبحانه وتعالى الذين ينهون عن السوء وهم الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، وأهلك الله الذين ظلموا وهم الذي وقعوا في الحرام. وأما الذين سكتوا فقد سكت الله سبحانه وتعالى عنهم ولم يبين حالهم، وقد اختلف المفسرون في مآلهم . والشاهد أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب للنجاة إذا نزل العذاب على قوم. 6- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من المكفرات: فمن فضل الله سبحانه وتعالى على عباده أن جعل لهم من الأعمال الصالحة ما يكون سبباً لتكفير الذنوب، كالصلاة والصوم والحج ونحوها، ومن هذه المكفرات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لما في الصحيحين من حديث حذيفة (رضي الله عنه) قال: كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ (رضي الله عنه) فَقَالَ: أَيُّكُمْ يَحْفَظُ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فِي الْفِتْنَةِ كَمَا قَالَ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: أَنَا،قَالَ: إِنَّكَ لَجَرِيءٌ، وَكَيْفَ؟ قَالَ: قَالَ قُلْتُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَقُولُ: ((فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَنَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ يُكَفِّرُهَا الصِّيَامُ وَالصَّلَاةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ فَقَالَ عُمَرُ لَيْسَ هَذَا أُرِيدُ، إِنَّمَا أُرِيدُ الَّتِي تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ، قَالَ: فَقُلْتُ: مَا لَكَ وَلَهَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا، قَالَ: أَفَيُكْسَرُ الْبَابُ أَمْ يُفْتَحُ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا بَلْ يُكْسَرُ، قَالَ: ذَلِكَ أَحْرَى أَنْ لَا يُغْلَقَ)) .7- ومن فضائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أنه يزيد في الإيمان: فقد روى مسلم في صحيحه (عَنْ أَبِى ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ « يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلاَمَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ وَنَهْىٌ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى ». 8- الأمر بالمعروف سبب في كسب الأجر الكثير: فمن فضل الله سبحانه وتعالى أن جعل هذا العمل العظيم سبباً لحصول الإنسان على ثواب عبادات لم يباشرها، فمن أمر بصلاة مثلاً كان له مثل أجر من صلاها، ومن أمر بصدقة أو صوم أو حج أو نحو ذلك من الطاعات، الواجبات أو المستحبات، كان له من الأجر مثل أجر من فعلها، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ففي صحيح مسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلاَلَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا ». 9- في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نجاة من إثم القول: فإن اشتغال الإنسان في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فوق ما يكسبه من الأجر الكثير والثواب الجزيل، فإنه يكون سبباً في سلامته من إثم القول، ومن عثرات اللسان، وقد قال المولى سبحانه وتعالى ﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 114] .كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم أن كلام ابن آدم عليه لا له إلا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ففي سنن الترمذي بسند حسن : (عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « كُلُّ كَلاَمِ ابْنِ آدَمَ عَلَيْهِ لاَ لَهُ إِلاَّ أَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهْىٌ عَنْ مُنْكَرٍ أَوْ ذِكْرُ اللَّهِ »
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وإذا كان الإسلام قد رغب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فقد حذر أيضا من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،ولذلك جاء عن سعيد بن المسيب في تفسير قوله تعالى : ﴿ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾ [المائدة: 105] ، قال: إذا أمرتَ بالمعروف ونهيت عن المنكر، لا يضرّك من ضلّ إذا اهتديت . وقال أبو بكر (رضي الله عنه): يا أيها الناس لا تغترّوا بقول الله: (عَليكُمْ أنْفُسَكُمْ ) فيقول أحدكم عليّ نفسي. والله لتأمرنّ بالمعروف وتنهونّ عن المنكر أو لتستعملنّ عليكم شراركم فليسومنكم سوء العذاب، ثم ليدعون الله خياركم فلا يستجيب لهم . ويقول ابن جرير الطبري في تفسير (﴿ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾ [المائدة: 105] أي : لا يضرّكم ضلال من ضلّ إذا أنتم لزمتم العمل بطاعة الله، وأدّيتم فيمن ضلّ من الناس ما ألزمكم الله به فيه من فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يركبه أو يحاول ركوبه، والأخذ على يديه إذا رام ظلما لمسلم أو معاهد ومنعه منه فأبى النزوع عن ذلك، ولا ضير عليكم في تماديه في غيه وضلاله إذا أنتم اهتديتم وأدّيتم حقّ الله تعالى فيه… – وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يكون إلا في حالات خاصة: ومنها : عندما تكثر المنكرات وتعم، ويكون الأمر والنهي وقتها غير نافع، فحينئذ لا يضر ضلال الضالين، كما في سنن الترمذي عَنْ أَبِى أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيِّ قَالَ أَتَيْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ فَقُلْتُ لَهُ كَيْفَ تَصْنَعُ فِى هَذِهِ الآيَةِ قَالَ أَيَّةُ آيَةٍ قُلْتُ قَوْلُهُ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) قَالَ أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْهَا خَبِيرًا سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « بَلِ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنَاهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْىٍ بِرَأْيِهِ فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ وَدَعِ الْعَوَامَّ فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلاً يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ ». قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَزَادَنِي غَيْرُ عُتْبَةَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ رَجُلاً مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ قَالَ « لاَ بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ »، كما سأل رجلٌ ابن مسعود (رضي الله عنه) عن قول الله : ﴿ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾ [المائدة: 105]، فقال: إن هذا ليس بزمانها، إنها اليوم مقبولة، ولكنه قد أوشك أن يأتي زمانها، تأمرون فيصنع بكم كذا وكذا، أو قال: فلا يقبل منكم، فحينئذ عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل)) . – التوعد بالعقاب لمن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: ففي سنن الترمذي : (عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلاَ يُسْتَجَابُ لَكُمْ ». ولا يشترط في الآمر والناهي أن يكون كامل الحال ممتثلاً ما يأمر به، مجتنباً ما ينهى عنه، بل عليه الأمر وإن كان مخلاً بما يأمر به، والنهي وإن كان متلبساً بما ينهى عنه فإنه يجب عليه شيئان، أن يأمر نفسه وينهاها، ويأمر غيره وينهاه، فإذا أخل بأحدهما كيف يباح له الإخلال بالآخر ، وقال مالك عن ربيعة: سمعت سعيد بن جبير يقول: ((لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر. قال مالك: وصدق من ذا الذي ليس فيه شيء؟)) .وقال الحسن لمطرّف بن عبد اللّه: ((عِظ أصحابك فقال إني أخاف أن أقول ما لا أفعل قال: يرحمك الله! وأيّنا يفعل ما يقول! ويودّ الشيطان أنه قد ظَفِر بهذا، فلم يأمر أحد بمعروف ولم ينه عن منكر)) . وقد يقول بعض الناس : إن الناس لا يستجيبون للأمر مر بالمعروف والنهى عن المنكر، فلا فائدة إذا للقيام بهذه العمل. فنقول لمثل هؤلاء : لا شك أن الأنبياء والرسل أكمل الناس في جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومع ذلك واجهوا من أقوامهم ما واجهوا من الصد والعناد، حتى أن بعضهم لم يؤمن له أحد، ففي صحيح البخاري عن (ابْن عَبَّاسٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « عُرِضَتْ عَلَىَّ الأُمَمُ ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ وَالنَّبِيَّانِ يَمُرُّونَ مَعَهُمُ الرَّهْطُ ، وَالنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ )، ففي هذا الحديث بيان لأتباع الأنبياء الذين يدخلون معهم الجنة، ومنهم النبي وليس معه أحد من الناس، أي لم يستجب له أحد، وهذا لا يعني أنه لم يبلغهم دعوة الله سبحانه وتعالى، ولم يأمرهم وينههم، لا. بل أمرهم ونهاهم، ولكنهم لم يستجيبوا. ويقول بعض الناس أنا لا ينبغي لي أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، لأنني لست من أهل العلم الذين يسوغ لهم ذلك. فنقول : صحيح أنه لابد للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من العلم بالمأمور به والمنهي عنه، حتى يكون الأمر والنهي على بصيرة، ولكن أي درجة من العلم يحتاجها الآمر والناهي؟ ، فلا شك أن الناس متفاوتون فيما عندهم من العلم بالله وبدين الله، وكلما كان الإنسان أعلم، كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حقه ألزم. ولا يتصور أن مسلماً ليس عنده من العلم بالله وبدين الله ولو الشيء اليسير، فكل يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حقه واجباً على قدر ما عنده من العلم. والعلم المطلوب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يتوقف على نوع المأمور به، والمنهي عنه، فهناك أمور من المعروف معلومة من الدين بالضرورة، لا تحتاج إلى مزيد من العلم حتى يجادل الإنسان ويحاج بها. فعلى سبيل المثال إذا رأيت تارك الصلاة، هل يحتاج أمرك له، بأداء الصلاة إلى كثير علم؟ لا، بل يكفي للأمر في هذه الحال أن يعرف أن الصلاة من أركان الإسلام، ولا يقوم الإسلام إلا بها. وكذلك من رأى مسلماً يأكل ويشرب في نهار رمضان من غير عذر، فهذا منكر بين لا يحتاج إلى كثير علم، فمن المعلوم لدى كل مسلم أن الصيام من أركان الإسلام، وأن الإنسان يجب عليه الإمساك عن الطعام والشراب وجميع المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس. وفي هذه الحالة وأمثالها يجب الإنكار ولو لم يكن لديه كثير علم. وما يحصل في الأسواق من المنكرات من تبرج النساء، والمعاكسات ونحوها، منكر ظاهر ومعروف لعامة الناس، فهل إنكار مثل هذه الأمور يحتاج إلى كثير علم؟ معلوم أن المرأة المسلمة مأمورة بالتستر والاحتشام، ومخالفة ذلك مخالفة لشرع الله سبحانه وتعالى، وارتكاب لمنكر يحتاج إلى إنكار. وغير ذلك الكثير من المنكرات الظاهرة، والمعروفة لعامة الناس، فإنكارها واجب على المتعلم وغير المتعلم، وليست قلة العلم عذراً في عدم إنكار مثل هذه الأمور. ولقد كان بعض صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمجرد أن يسلموا ويتعلموا من رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمور الضرورية، يأمرهم عليه الصلاة والسلام، بدعوة قومهم وأمرهم ونهيهم، وفي الصحيحين (حَدَّثَنَا مَالِكٌ أَتَيْنَا إِلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ ، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ يَوْمًا وَلَيْلَةً ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – رَحِيمًا رَفِيقًا ، فَلَمَّا ظَنَّ أَنَّا قَدِ اشْتَهَيْنَا أَهْلَنَا أَوْ قَدِ اشْتَقْنَا سَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا بَعْدَنَا فَأَخْبَرْنَاهُ قَالَ « ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ فَأَقِيمُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ – وَذَكَرَ أَشْيَاءَ أَحْفَظُهَا أَوْ لاَ أَحْفَظُهَا – وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّى ، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ »
الدعاء