خطبة عن ( الإمام : أحمد بن حنبل )
يوليو 23, 2016خطبة عن ( الإمام مالك بن أنس)
يوليو 23, 2016الخطبة الأولى (الإمام الشافعي:أبو عبد الله محمد بن إدريس)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ) (28) ) فاطر ،وروى أبو داود في سننه : (عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا ». وفي سنن الترمذي (رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَبْتَغِى فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِى السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِى الأَرْضِ حَتَّى الْحِيتَانُ فِى الْمَاءِ وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ » .
إخوة الإسلام
حديثنا اليوم إن شاء الله عن عالم جليل ، وإمام فقيه ، إنه الإمام الشافعي ، والامام الشافعي هو أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة ، أما عن نسبه ومولده : فهو أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف. ويلتقي الشافعي مع الرسول صلى الله عليه وسلم في جَدِّه عبد مناف، فالإمام الشافعي : (رحمه الله) قرشي أصيل. أمَّا أمُّه فإن أكثر من أرَّخ للشافعي أو ترجم له قد اتفقوا على أن أمَّه أزدية أو أسدية، فهي من قبيلة عربية أصيلة. وقد وُلِد بغزَّة في شهر رجب سنةَ 150هـ/ أغسطس 767م، ولما مات أبوه انتقلت به أمُّه إلى مكة؛ وذلك لأنهم كانوا فقراء، ولئلا يضيع نَسَبُه، ثم تنقَّل (رحمه الله) بين البلاد في طلب العلم. وكان الإمام الشافعي (رحمه الله) رجلاً طويلاً، حسن الخلق، محببًا إلى الناس، نظيف الثياب، فصيح اللسان، شديد المهابة، كثير الإحسان إلى الخلق، وكان يستعمل الخضاب بالحمرة عملاً بالسنة، وكان جميل الصوت في القراءة. ولقد عُرف الإمام الشافعي بالنجابة والذكاء والعقل منذ أن كان صغيرًا، وشهد له بذلك الشيوخ من أهل مكة؛ قال الحميدي: “كان أهل مكة يصفون الشافعي ويعرفونه منذ صغره، مقدمًا عندهم بالذكاء والعقل والصيانة، لم يُعرف له صبوة”. وقال الربيع بن سليمان – تلميذ الشافعي وخادمه وراوي كتبه -: “لو وُزِن عقل الشافعي بنصف عقل أهل الأرض لرجحهم، ولو كان من بني إسرائيل لاحتاجوا إليه”.وأما عن دراسته وتعلمه ففي مكة المكرمة حفظ القرآن وهو حدث ،ثم أخذ يطلب اللغة والأدب والشعر حتى برع في ذلك كله . قال إسماعيل بن يحيى : سمعت الشافعي يقول : حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين وحفظت الموطأ وأنا ابن عشر سنين . وقال ابن نصر : كنا إذا أردنا أن نبكي قال بعضنا لبعض : قوموا الى هذا الفتى المطلبي يقرأ القرآن ، فاذا أتيناه (يصلي في الحرم ) استفتح القران حتى يتساقط الناس ويكثر عجيجهم بالبكاء من حسن صوته فاذا رأى ذلك أمسك من القراءة وقد لحق بقبيلة هذيل العربية لتعلم اللغة والفصاحة . وكانت هذيل أفصح العرب ، ولقد كانت لهذه الملازمة أثر في فصاحته وبلاغة ما يكتب، وقدلفتت هذه البراعة أنصار معاصريه من العلماء بعد أن شب وكبر ، حتى الأصمعي وهو من أئمة اللغة المعدودين يقول : ( صححت أشعار هذيل على فتى من قريش يقال له محمد بن ادريس ) وبلغ من اجتهاده في طلب العلم أن أجازه شيخه مسلم بن خالد الزنجي بالفتيا وهو لا يزال صغيرا . وحفظ الشافعي وهو ابن ثلاث عشرة سنة تقريبا كتاب الموطأ للإمام مالك ورحلت به أمه إلى المدينة ليتلقى العلم عند الإمام مالك . ولازم الشافعي الإمام مالك ست عشرة سنة حتى توفى الإمام مالك (179 هجرية ) وفي بنفس الوقت تعلم على يد ابراهيم بن سعد الانصاري ، ومحمد بن سعيد بن فديك وغيرهم . يقول إبن خلكان: ” وقدم بغداد سنة 195هـ، فأقام فيها سنتين، ثم خرج إلى مكة، ثم عاد إلى بغداد سنة 198هـ فأقام شهرا، ثم خرج إلى مصر، وكان وصوله إليها في سنة 199هـ وقيل سنة 201هـ ، ولم يزل بها إلى أن توفي يوم الجمعة آخر يوم من رجب سنة204هـ”.
أيها المسلمون
وأما عن تلامذة الإمام الشافعي ، الذين تعلموا على يديه ، فقد نبغ على الإمام الشافعي كثير من الناس، في مقدمتهم أبو عبد الله أحمد بن حنبل، والحسن بن محمد الصباح الزعفراني، والحسين الكرابيسي، وغيرهم ، وكان الشافعي رحمه الله يجلس في حلقته إذا صلى الصبح، فيجيئه أهل القرآن فإذا طلعت الشمس قاموا ، وجاء أهل الحديث فيسألونه تفسيه ومعانيه، فإذا إرتفعت الشمس قاموا فاستوت الحلقة للمذاكرة والنظر ، فإذا إرتفع الضحى تفرقوا، وجاء أهل العربية والعروض والنحو والشعر فلا يزالون إلى قرب إنتصاف النهار ، ثم ينصرف، رضي الله عنه. وكان الشافعي رحمه الله فقيه النفس ، موفور العقل ، صحيح النظر والتفكر ، عابدا ذاكرا . وكان رحمه الله محبا للعلم حتى انه قال : ” طلب العلم افضل من صلاة التطوع ” ومع ذلك روى عنه الربيع بن سليمان تلميذه أنه كان يحي الليل صلاة الى ان مات رحمه الله ، وكان يختم في كل ليلة ختمة . فكما كان الإمام الشافعي (رحمه الله) إمامًا في الاجتهاد والفقه، كان كذلك إمامًا في الإيمان والتقوى والورع والعبادة؛ فعن الربيع قال: “كان الشافعي قد جزّأ الليل ثلاثة أجزاء: الثلث الأول يكتب، والثلث الثاني يصلي، والثلث الثالث ينام”. وكان رحمه الله لا يقرأ قرآنًا بالليل إلا في صلاة، يقول المزني: “ما رأيت الشافعي قرأ قرآنًا قَطُّ بالليل إلا وهو في الصلاة”. وعن تواضعه وورعه وعبادته قالوا : كان الشافعي رضي الله عنه مشهورا بتواضعه وخضوعه للحق، تشهد له بذلك مناظراته ودروسه ومعاشرته لأقرانه ولتلاميذه وللناس . قال الحسن بن عبدالعزيز الجروي المصري: قال الشافعي: ما ناظرت أحدا فأحببت أن يخطئ، وما في قلبي من علم، إلا وددت أنه عند كل أحد ولا ينسب لي. وقال حرملة بن يحيى: قال الشافعي :كل ما قلت لكم فلم تشهد عليه عقولكم وتقبله وتراه حقا فلا تقبلوه، فإن العقل مضطر إلى قبول الحق. وقال الشافعي رضي الله عنه: والله ما ناظرت أحدا إلا على النصيحة. وقال أيضا: ما أوردت الحق والحجة على أحد فقبلهما إلا هبته و إعتقدت مودته، ولا كابرني على الحق أحد ودافع الحجة إلا سقط من عيني. وقال: أشد الأعمال ثلاثة: الجود من قلة، والورع في خلوة، وكلمة الحق عند من يرجى ويخاف.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (الإمام الشافعي:أبو عبد الله محمد بن إدريس)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وأما ورعه وعبادته فقد شهد له بهما كل من عاشره استاذا كان أو تلميذا ، أو جارا ،أو صديقا. قال الربيع بن سليمان: كان الشافعي يختم القرآن في رمضان ستين مرة كل ذلك في صلاة. وقال أيضا: قال الشافعي: والله ما شبعت منذ ست عشرة سنة إلا شبعة طرحتها لأن الشبع يثقل البدن، ويزيل الفطنة، ويجلب النوم، ويضعف صاحبه عن العبادة. أما عن فصاحته وشعره وشهادة العلماء له ،فلقد كان الشافعي رضي الله عنه فصيح اللسان بليغا حجة في لغة العرب ونحوهم، اشتغل بالعربية عشرين سنة مع بلاغته وفصاحته، ومع أنه عربي اللسان والدار والعصر وعاش فترة من الزمن في بني هذيل فكان لذلك أثره الواضح على فصاحته وتضلعه في اللغة والأدب والنحو، قال الأصمعي : صححت أشعار الهذليين على شاب من قريش بمكة يقال له محمد بن ادريس. قال أحمد بن حنبل : كان الشافعي من أفصح الناس، وكان مالك تعجبه قراءته لأنه كان فصيحا. وقال أحمد بن حنبل: ما مس أحد محبرة ولا قلما إلا وللشافعي في عنقه منة. وأما سخاؤه رحمه الله فقد بلغ فيه غاية جعلته علما عليه، لا يستطيع أحد أن يتشكك فيه أو ينكره، وكثرة أقوال من خالطه في الحديث عن سخائه وكرمه. قال عمرو بن سواد السرجي : كان الشافعي أسخى الناس عن الدنيا والدرهم والطعام، وقال الربيع : كان الشافعي إذا سأله إنسان يحمارّ وجهه حياء من السائل، ويبادر بإعطائه.
أيها المسلمون
أما عن منهج الإمام الشافعي فقد أخذ الإمام الشافعي بالمصالح المرسلة والاستصلاح، ولكن لم يسمها بهذا الاسم، وأدخلها ضمن القياس وشرحها شرحًا موسعًا. وكذلك كان الشافعي يأخذ بالعرف مثل مالك. وكان الشافعي يتمسك بالأحاديث الصحيحة، ويُعرِض عن الأخبار الواهية والموضوعة، واعتنى بذلك عناية فائقة؛ قال أبو زُرعة: “ما عند الشافعي حديث فيه غلط”. ومن كلمات الإمام الشافعي المأثورة : طلب العلم أفضل من صلاة النافلة. – من ضُحِكَ منه في مسألة لم ينسها أبدًا. – من حضر مجلس العلم بلا محبرة وورق، كان كمن حضر الطاحون بغير قمح. – من تعلم القرآن عظمت قيمته، ومن نظر في الفقه نبل مقداره، ومن تعلم اللغة رقَّ طبعه، ومن تعلم الحساب جزل رأيه، ومن كتب الحديث قويت حجته، ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه.
أيها المسلمون
وأما عن وفاة الإمام الشافعي : فقد ألحَّ عليه المرض وأذابه السقم ووقف الموت ببابه ينتظر انتهاء الأجل. وفي هذه الحال، دخل عليه تلميذه المزني فقال: كيف أصبحت؟ قال: “أصبحتُ من الدنيا راحلاً، وللإخوان مفارقًا، ولكأس المنيَّة شاربًا، وعلى الله جلَّ ذكره واردًا، ولا والله ما أدري روحي تصير إلى الجنة فأهنِّئها، أو إلى النار فأعزِّيها”، ثم بكى. قال الربيع بن سليمان: توفي الشافعي ليلة الجمعة بعد العشاء الآخرة- بعد ما حل المغرب- آخر يوم من رجب ودفناه يوم الجمعة فانصرفنا فرأينا هلال شعبان سنة أربع ومائتين. وقد دُفِنَ الإمام الشافعي (رحمة الله تعالى عليه) بالقاهرة في أول شعبان، يوم الجمعة سنةَ 204هـ/ 820م. وكان له ولدان ذكران وبنت، وكان قد تزوج من امرأة واحدة
الدعاء