خطبة عن ( أسباب سوء العلاقة بين الناس)
سبتمبر 12, 2016خطبة عن (الاستقامة: أسبابها وثمراتها)
سبتمبر 12, 2016الخطبة الأولى (الاتحاد قوة وتمكين )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ) آل عمران 103
إخوة الإسلام
إذا كانت الفرقة هي طريق الانحطاط، ،فإن الوحدة هي سبيل الارتقاء وتبوء المكانة الفاضلة من جديد. وإن اتحاد الأمة الإسلامية على أسس من ديننا العظيم أمل كل المسلمين الصادقين في كل مكان، ذلك أن الإسلام هو الذي جعل من العرب المتناحرين إخوة في دين الله {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10]. وفي الصحيحين عن (النُّعْمَان بْن بَشِيرٍ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « تَرَى الْمُؤْمِنِينَ فِى تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى » ،كما أن الإسلام بعقيدته الصحيحة وعبادته الصادقة وأخلاقه الرفيعة، صهر الأمم والشعوب والحضارات التي دخلت فيه، وجعل منهم أمة واحدة مترابطة ترابط الجسد الواحد، لا فرق بين الفارسي ولا البربري، ولا الرومي ولا العربي إلا بالتقوى. وفي مسند أحمد (عَنْ أَبِى نَضْرَةَ حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ خُطْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَالَ « يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلاَ إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ أَلاَ لاَ فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلاَ لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلاَ لأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلاَ أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلاَّ بِالتَّقْوَى أَبَلَّغْتُ » . قَالُوا بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ) ، فالأمة الإسلام أمة واحدة في عقيدتها وتصوراتها ومنهجها، وانعكس ذلك في توادهم وتراحمهم فيما بينهم وأصبحوا كالجسد الواحد، الذي يخفق فيه قلب واحد، وتسري فيه روح واحدة، ويتأثر كل عضو فيه بما يصيب بقية الأعضاء، أو هو كالجدار المتين الذي تجتمع لبناته لتشكل فيما بينها وحدة واحدة متماسكة متراصة.. قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران: 103].
أيها المسلمون
إن طريق الوحدة والتعاون والتآخي والاجتماع على البر والتقوى طريق أهل السنة والجماعة الذين التزموا في جميع أمورهم بما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في العقائد والأخلاق والعبادة والمعاملات وكل شئون الحياة، فمن أهم أسس وأصول أهل السنة والجماعة هي :الاعتصام بالكتاب والسنة، وحصر التلقي لأحكام الدين؛ أصوله وفروعه في هذا المصدر، وأن يرد الخلاف إليهما عند التنازع، وأن لا يعارضا بشيء من المعارضات
وإن الكتاب والسنة هما الميزان الذي توزن به الأقوال والأعمال والمعتقدات، وهما الحق الذي يجب اتباعه، وبه يحصل الفرقان بين الحق والباطل، وما سواه من كلام الناس يُعرض عليه، فإن وافقه قُبِل، وإلاّ رُدّ على صاحبه .
وروى مسلم في صحيحه (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلاَثًا وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلاَثًا فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَيَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةَ الْمَالِ ». ولذلك أمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم بكل ما يحفظ على المسلمين جماعتهم وألفتهم، ونهى عن كل ما يعكر صفو هذا الأمر العظيم. وإن ما حصل من فرقة بين المسلمين وتدابر وتقاطع وتناحر؛ بسبب عدم مراعاة هذا الأصل وضوابطه، قد ترتب عليه تفرُّق في الصفوف، وضعف في الاتحاد، وأصبحوا شيعًا وأحزابًا، كل حزب بما لديهم فرحون. وهذا الأمر وإن كان مما قدره الله عز وجل كونًا، ووقع كما قَدَّر، إلا أنه -سبحانه- لم يأمر به شرعًا؛ فوحدة المسلمين واجتماعهم مطلب شرعي، ومقصد عظيم من مقاصد الشريعة، بل من أهم أسباب التمكين لدين الله تعالى، ونحن مأمورون بالتواصي بالحق والتواصي بالصبر، قال تعالى: {إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11]. فلا بد من تضافر الجهود بين الدعاة وقادة الحركات الإسلامية وبين علماء المسلمين وطلبة العلم لإصلاح ذات البين إصلاحًا حقيقيًّا ؛ لأن أنصاف الحلول تفسد أكثر مما تصلح،
قال الشيخ السعدي -رحمه الله-: “الجهاد نوعان: جهاد يقصد به صلاح المسلمين، وإصلاحهم في عقائدهم وأخلاقهم وآدابهم، وجميع شئونهم الدينية والدنيوية، وفي تربيتهم العلمية. وهذا النوع هو الجهاد وقوامه، وعليه يتأسس النوع الثاني، وهو جهاد يقصد به دفع المعتدين على الإسلام والمسلمين من الكفار والمنافقين والملحدين وجميع أعداء الدين ومقاومتهم، وهذان النوعان: جهاد بالحجة والبرهان واللسان، وجهاد بالسلاح المناسب في كل وقت وزمان” . ولذلك نرى أن الأخذ بالأسباب نحو تأليف قلوب المسلمين وتوحيد صفهم من أعظم الجهاد؛ لأن هذه الخطوة مهمة جدًّا في إعزاز المسلمين، وإقامة دولتهم، وتحكيم شرع ربهم.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الاتحاد قوة وتمكين )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
نعم في الاتحاد قوة، وفي التفرقة والتشتت ضعف، ولن يقوي بناء هذه الأمة إلا بتلاحم أبنائها وباتحادهم وبترابطهم، وهذا الأمر ليس بدعة وليس بحيلة، بل إنما هو من أساسيات الدين السماوي الحقيقي، إنه الدين الذي يَجمع ولا يُفرق، يَبني ولا يهدم، وهذا الأمر دعت إليه الأمة الإسلامية في الكثير من المواقف القرآنية والأحاديث النبوية ،وهذه المواقف والمشاهد ليس من أجل الدين وسنة نبيه بقدر ما هو من أجل الإنسان وكرامته وعزة نفسه، ومن ذلك.. النداء الذي وجهه سبحانه وتعالى إلى أبناء هذه الأمة في قرآنه المجيد (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا). وهذا رسول الله يبني أسس الدولة الإسلامية في المدينة المنورة بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، فهل من الصعب على شعب متحد في عبادته وقبلته وبشرائعه الإسلامية أن لا يَجد سبيلاً لتحقيق الوحدة ؟ أليست كل العبادات المفروضة علينا تعتبر من أسس الوحدة والدعوة إليها؟
ألم يأت القرآن والسنة النبوية بأبجديات الوحدة ، فهي ليست فقط ضرورة دينية بل هي ضرورة حياتية، فتاريخنا العربي والإسلامي كان زاخراً بالتقدم في العلوم إبان العصر الزاهر للدولة العربية والإسلامية، وحقق الانتصارات العسكرية إبان الفتوحات الإسلامية في عصر الدولة الراشدية والأموية والعباسية، وأدخل الكثير من الأمم الأعجمية في صرح الدولة العربية، لذلك فإن أعداءنا فطنوا إلى أهمية هذه الوحدة، ومدى تأثير الاتحاد في تحقيق المعجزات، فعملوا على تمزيق هذه الأمة من خلال دبَّ الخلاف والتفرقة بين أبنائها، فتحولت القوة إلى ضعف، والمهابة والعزة إلى الذل والانكسار، وانتقلوا من مُقدمة الأقوام إلى مؤخرتها، فتسلط عليهم العدو من كل حدبٍ وصوب، فانحلت قوة الأمة ووهنت قواها. فنحن -المسلمين – جميعا نحلم بالوحدة لنجني ثمارها ولا نريد أن نكون كتلك العصي المنفردة التي يسهل كسرها، ولا نريد أن نكون كالثيران الثلاثة (الأبيض والأسود والأحمر) الذي أكلهم الأسد الواحد بعد الآخر بعد أن تخلى كل واحدٍ منهم عن الآخر، ولا نريد أن نكون كالنمل الذي تفرق عن أقدام الفيل الذي استطاع أن يدهسها جميعاً دون رحمة،
الدعاء