خطبة عن ( خشية الله وأسباب قسوة القلب وعلاجها)
يوليو 11, 2016خطبة عن ( من خصائص الرجولة وسمات الرجال)
يوليو 11, 2016الخطبة الأولى ( البكاء من خشية الله )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام….. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الترمذي : “عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « لاَ يَلِجُ النَّارَ رَجُلٌ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ فِى الضَّرْعِ وَلاَ يَجْتَمِعُ غُبَارٌ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَدُخَانُ جَهَنَّمَ »
إخوة الاسلام
البكاءُ فطرةٌ بشريّةٌ ، وهو فعل غريزي بمعني لا يملك الإنسان دفعه أو منعه، وهو صفة من صفات البشر للتعبير عن المشاعر والأحاسيس قال الله تعالى : { وأنّه هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى } [ النجم / 43 ] ، والبكاء أنواع ، وقد ذكر العلماء منها : بكاء الخوف والخشية من الله .وبكاء الرحمة والرقة .وبكاء المحبة والشوق .وبكاء الفرح والسرور .وبكاء الجزع من الألم وعدم احتماله .و بكاء الحزن وبكاء النفاق وهو : أن تدمع العين والقلب قاس .والبكاء المستعار والمستأجر عليه ، كبكاء النائحة بالأجرة وبكاء الموافقة : وهو أن يرى الرجل الناس يبكون لأمر فيبكي معهم ولا يدري لأي شيء يبكون .والبكاء من خشية الله تعالى هو أصدق بكاء تردده النفوس ، وأقوى مترجم عن القلوب الوجلة الخائفة . لذا سوف يكون حديثي معكم اليوم -إن شاء الله- عن البكاء من خشية الله ،جعلني الله وإياكم ممن دمعت عيونهم من خشية الله ،ووجلت قلوبهم من عظمة الله ،وذلك امتثالا لقوله تعالي : (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ) الحديد 16 ، فسوف نتعرف -إن شاء الله – علي أسباب البكاء من خشية الله ، وموانعه ، وطرق تحصيله و فضله وجزاء البكائين من خشية الله ، فالبكاء من خشية الله علامة من علامات الإيمان وصفة من صفات المؤمنين الأطهار ،وهذا هو رسول الله صلي الله عليه وسلم يبكي خشية من ربه ، فقد روى البخاري ومسلم عَن ابن مَسعودٍ – رضي اللَّه عنه – قالَ : قال لي النبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : ” اقْرَأْ علَّي القُرآنَ ” قلتُ : يا رسُولَ اللَّه ، أَقْرَأُ عَلَيْكَ ، وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ ؟ ، قالَ : ” إِني أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي ” فقرَأْتُ عليه سورَةَ النِّساء ، حتى جِئْتُ إلى هذِهِ الآية : { فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّة بِشَهيد وِجئْنا بِكَ عَلى هَؤلاءِ شَهِيداً } [ النساء : 40 ] قال ” حَسْبُكَ الآن ” فَالْتَفَتَّ إِليْهِ ، فَإِذَا عِيْناهُ تَذْرِفانِ) رواه البخاري ومسلم ، وروى أحمد والنسائي عَن عبد اللَّه بنِ الشِّخِّير – رضي اللَّه عنه – قال : أَتَيْتُ رسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَهُو يُصلِّي ولجوْفِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ المرْجَلِ مِنَ البُكَاءِ)، والمِرْجل :هو القِدر الذي يغلي فيه الماء . كما روى ابن حبان عن عبيد بن عمير رحمه الله : ” أنه قال لعائشة – رضي الله عنها – : أخبرينا بأعجب شيء رأيتيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : فسكتت ثم قالت : لما كانت ليلة من الليالي .قال : ” يا عائشة ذريني أتعبد الليلة لربي ” .قلت : والله إني أحب قُربك ، وأحب ما يسرك .قالت : فقام فتطهر ، ثم قام يصلي .قالت : فم يزل يبكي ، حتى بل حِجرهُ !قالت : وكان جالساً فلم يزل يبكي صلى الله عليه وسلم حتى بل لحيته ! قالت : ثم بكى حتى بل الأرض ! فجاء بلال يؤذنه بالصلاة ، فلما رآه يبكي ، قال : يا رسول الله تبكي ، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟! قال : ” أفلا أكون عبداً شكورا ؟! لقد أنزلت علي الليلة آية ، ويل لم قرأها ولم يتفكر فيها ! { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ … } الآية [ آل عمران / 190 ] ” رواه ابن حبان وغيره ، وصححه الشيخ الألباني ،وكما بكي رسول الله صلي الله عليه خشية من ربه فقد بكي ايضا صلي الله عليه وسلم شفقة على أمته .فقد روى مسلم .( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- تَلاَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِى إِبْرَاهِيمَ ( رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِى فَإِنَّهُ مِنِّى) الآيَةَ. وَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ ( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ « اللَّهُمَّ أُمَّتِى أُمَّتِى ». وَبَكَى فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ – عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ – فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِمَا قَالَ. وَهُوَ أَعْلَمُ. فَقَالَ اللَّهُ يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِى أُمَّتِكَ وَلاَ نَسُوءُكَ) ،وكما بكي رسول الله صلي الله عليه وسلم فقد بكي اصحابه ايضا . روى البخاري (عَنْ أَنَسٍ – رضى الله عنه – قَالَ خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – خُطْبَةً مَا سَمِعْتُ مِثْلَهَا قَطُّ ، قَالَ : « لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا » . قَالَ فَغَطَّى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وُجُوهَهُمْ لَهُمْ خَنِينٌ) ، وفي رواية مسلم : (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ أَصْحَابِهِ شَىْءٌ فَخَطَبَ فَقَالَ « عُرِضَتْ عَلَىَّ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ فِى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَلَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا » .قَالَ فَمَا أَتَى عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمٌ أَشَدُّ مِنْهُ – قَالَ – غَطَّوْا رُءُوسَهُمْ وَلَهُمْ خَنِينٌ ) ” ،والخنين : هو البكاء مع غنّة . وفي مسند أحمد : (عَنِ الْحَسَنِ قَالَ لَمَّا احْتُضِرَ سَلْمَانُ بَكَى وَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَهِدَ إِلَيْنَا عَهْداً فَتَرَكْنَا مَا عَهِدَ إِلَيْنَا أَنْ يَكُونَ بُلْغَةُ أَحَدِنَا مِنَ الدُّنْيَا كَزَادِ الرَّاكِبِ. قَالَ ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا تَرَكَ فَإِذَا قِيمَةُ مَا تَرَكَ بِضْعَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَماً أَوْ بِضْعَةٌ وَثَلاَثُونَ دِرْهَماً ) – وفي سنن الترمذي : (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَحِيرٍ أَنَّهُ سَمِعَ هَانِئًا مَوْلَى عُثْمَانَ قَالَ كَانَ عُثْمَانُ إِذَا وَقَفَ عَلَى قَبْرٍ بَكَى حَتَّى يَبُلَّ لِحْيَتَهُ فَقِيلَ لَهُ تُذْكَرُ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَلاَ تَبْكِى وَتَبْكِى مِنْ هَذَا فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنَازِلِ الآخِرَةِ فَإِنْ نَجَا مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ ». قَالَ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا رَأَيْتُ مَنْظَرًا قَطُّ إِلاَّ وَالْقَبْرُ أَفْظَعُ مِنْهُ » رواه أحمد، والترمذي، وحسنه الشيخ الألباني
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( البكاء من خشية الله )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد أيها المسلمون
ونواصل حديثنا عن البكاء من خشية الله فكما بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد بكى أصحابه ،فقد بكى معاذ رضي الله عنه بكاء شديدا فقيل له ما يبكيك ؟ قال : لأن الله عز وجل قبض قبضتين واحدة في الجنة والأخرى في النار ، فأنا لا أدري من أي الفريقين أكون . وبكى الحسن فقيل له : ما يبكيك ؟ قال : أخاف أن يطرحني الله غداً في النار ولا يبالي . وقال مسروق رحمه الله : ” قرأت على عائشة هذه الآيات : { فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ } [ الطور / 27 ] فبكت ، وقالت ” ربِّ مُنَّ وقني عذاب السموم ” . وبكى أبو هريرة رضي الله عنه في مرضه . فقيل له : ما يبكيك ؟! فقال : ” أما إني لا أبكي على دنياكم هذه ، ولكن أبكي على بُعد سفري ، وقلة زادي ، وإني أمسيت في صعود على جنة أو نار ، لا أدري إلى أيتهما يؤخذ بي !! ” . هكذا كان الرسول صلي الله عليه وسلم واصحابه رضي الله عنهم كثيري البكاء من خشية الله ونحن اليوم اصبحنا نعاني من جفاف العين وقلة البكاء من خشية الله وحسبنا هذا التهديد الإلهي المخيف ) قال تعالى :(فَوَيْلٌ لّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِى ضَلَالٍ مُّبِينٍ ) [الزمر:22]. وحسبنا ما ذكره علي رضي الله عنه في وصف الصحابة الكرام، فقد جاء في ترجمته رضي الله عنه كأنه صلى صلاة الفجر وجلس حزيناً مطرقاً، فلما طلعت الشمس قبض على لحيته وجعل يبكي ويقول: (لقد رأيت أصحاب محمد، فما رأيت شيئاً يشبههم، كانوا يصبحون شعثاً غبراً صفراً، بين أعينهم كأمثال ركب المعزى قد باتوا لله سجداً وقياماً يراوحون بين جباههم وأقدامهم، فإذا طلع الفجر ذكروا الله فمادوا كما يميد الشجر في يوم الريح وهطلت أعينهم بالدموع، والله لكأن القوم باتوا غافلين! وما رؤي رضي الله عنه بعد ذلك متبسماً حتى لحق بربه! والسؤال الذي يطرح نفسه ماهي الأسباب التي أدت إلى قسوة القلب وجفاف العين وقلة البكاء من خشية الله ذلك ما نستكمله إن شاء الله
الدعاء