خطبة عن (البكاء من خشية الله من سمات الصالحين)
فبراير 24, 2016خطبة عن ( الفتنة التي أصابت عثمان بن عفان وأسبابها )
فبراير 25, 2016الخطبة الأولى ( البكاء من خشية الله )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى البخاري في صحيحه (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ ، رَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ » ، وروى الترمذي بسند صحيح (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ يَلِجُ النَّارَ رَجُلٌ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ فِى الضَّرْعِ وَلاَ يَجْتَمِعُ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدُخَانُ جَهَنَّمَ ». وفي رواية (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « عَيْنَانِ لاَ تَمَسُّهُمَا النَّارُ عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ » ،وفي سنن ابن ماجة (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا مِنْ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ يَخْرُجُ مِنْ عَيْنَيْهِ دُمُوعٌ وَإِنْ كَانَ مِثْلَ رَأْسِ الذُّبَابِ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ثُمَّ تُصِيبُ شَيْئًا مِنْ حُرِّ وَجْهِهِ – إِلاَّ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ ».
إخوة الإسلام
لا تدمع العين إلا إذا طهرت النفس، وزكت الروح، وصفى القلب، فعندئذ تأتي الرقة فتسيل الدمعة، فالبكاء من خشية الله سنة عظيمة وعادة لصالحي المؤمنين قديمة، ورثها أصحاب الرسل عنهم، كما ورثها أصحاب نبينا عن رسولنا الكريم عليه أفضل الصلوات والتسليم.. ومن العجيب ، أننا في هذا الزمان ، قلما تجد باكيا من خشية الله ، وكثيرا ما نرى باكيا لهم من هموم الدنيا ، أو لفرحة بنعيمها وشهواتها ، ولكننا حرمنا من لذة البكاء من خشية الله بسبب ذنوبنا ،فكيف لا يذرف المؤمن الدموعَ إذا خلا بنفسه، وتفكَّر في حاله؟ وها هي نِعَمُ الله – تعالى – تحيط به من كل جانب ظاهرةً وباطنة، والعنايةُ الإلهية تَكلَؤه ، بينما هو غافل عنها، يستمتع بالنعمة وينسى المنعم؛ بل يبذل النعمة في معصية المنعم. ينظر، فيرى نفسه سابحًا في لجةٍ من العطايا الربانية، والآلاء السماوية، وهو مقصر في حقِّ الله – تعالى – فيتذكر قول الله – عز وجل -: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} [الزمر: 56]، فالجدير به أن يبكي؛ لعل دموعه تطفئ نارًا تلظَّى تتربص به. المؤمن العاقل الفطن يخلو بنفسه في محرابه، أو معتكفه، أو زاويته المنفردة، ويذكر مصيره: أليس أمامه قبرٌ سيُؤويه؟! فما الله فاعلٌ به مع الضيق والظلمة، والوحدة والضمَّة، التي لو نجا منها أحدٌ، لنجا منها سعد بن معاذ؟، أتُفتَح له نافذةٌ على مقعده من الجنة أم من النار؟ ثم أليس بعد القبر نشورٌ ووقوف بين يدي الجبار – جل جلاله؟ ، هذا العبد ترتعش فرائصه في الدنيا لو قام بين يدي قاضٍ، أو مدير عام، أو وزير، فكيف بذلك القيام الأخروي؛ حيث ينشر الديوان، ويوضع الميزان، وتتكلم أعضاء الجسم، وليس في الموقف محامٍ ولا شفيعٌ، ولا عملة سوى الحسنات والسيئات؟، قال الله تعالى : {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [البقرة: 281].، وقال الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ} [البقرة: 254].
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( البكاء من خشية الله)
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فكيف لا يبكي مَن هذا حالُه؟! أم كيف يستمرئ ما عليه دنيانا مَن تغافَلَ عن الآخرة، وانخرط في حياة الشهوات والغرائز، واللعب واللهو؟، ألم يأنِ للمؤمنين أن يتحرَّروا من سطوة الإعلام، الذي حوَّل الوجود إلى ساحةٍ للغناء والرقص، والضحك والتفاهات؟، أليس غريبًا أن يبكي الناسُ لفوز فريق لكرة القدم أو لإخفاقه ، ثم تجف أعينُهم ولو شيَّعوا الجنائز، ودفنوا الموتى، وسمعوا المواعظ، ومرَّتْ بهم آياتُ الوعد والوعيد، ودلائل القدرة، وأخبار المبدأ والمعاد، وأنباء ما يحدث للمسلمين من تقتيلٍ واستضعاف في أكثر من مكان؟! هل أمِنَّا مكرَ الله – عز وجل، {أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24]، ذلك هو بيت القصيد، لو خشعتِ القلوبُ، لانهمرت العيونُ بالعبرات؛ بكاءً على النفس الأمارة بالسوء، وخوفًا من الجليل، وطمعًا في جنةٍ لا يدخلها؛ {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 89]. ومشكلة القلب والعين مشكلةُ تربية، وقد قال بعض الصالحين: “عوِّدوا أعينَكم البكاءَ، وقلوبَكم الخشيةَ”. يحدث هذا والمسلمون يقرؤون سُنة نبيِّهم – عليه الصلاة والسلام – وفيها: ((عينان لا تمسُّهما النار: عينٌ بكتْ من خشية الله، وعين باتتْ ساهرة في سبيل الله))؛ رواه الترمذي. ((ليس شيء أحب إلى الله من قطرتين: قطرة دموع من خشية الله، وقطرة دم تهراق في سبيل الله))؛ رواه الترمذي. ((لا يلج النارَ رجلٌ بكى من خشية الله، حتى يعود اللبنُ في الضرع))؛ رواه الترمذي. ومن السبعة الذين يظلهم الله في ظلِّه، يوم لا ظل إلاَّ ظلُّه: ((رجلٌ ذَكَرَ اللهَ خاليًا ففاضتْ عيناه))؛ متفق عليه. نعم، نؤمن بالقرآن الكريم والسنة ونحبُّهما؛ لكن استفحال التوجُّه المادي، وتمكُّن الدنيا من القلوب، أفقدَنا الرشدَ، فتصلبتِ المشاعرُ، وجفَّتِ المآقي، فينا من يبكي من شدة الفرح، أو لدغة الحزن، فينا من يبكي من فرط اللذَّة أو الألم، هذه أمور يشترك فيها الناسُ، فأين البكاء من خشية الله – تعالى – الذي لا يُحسِنه إلا المؤمنون؟! ونستكمل الحديث عن البكاء من خشية الله إن شاء الله
الدعاء