خطبة عن ( أحوال البكائين من خشية الله)
فبراير 24, 2016خطبة عن (البكاء من خشية الله)
فبراير 24, 2016الخطبة الأولى (البكاء من خشية الله من سمات الصالحين)
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ) ( 107): (109) الاسراء
إخوة الإسلام
فنظر أخي المسلم – في قلبك – أفيه خشيةٌ وخشوع، وتعظيم لله وتأنيب للنفس؟، وانظر في طرْفك الجافِّ، وعوِّده دموًعا صادقة تثقِّل ميزانَك يوم المعاد والحساب والجزاء، وإياك والغفلةَ؛ فإنها تجارة خاسرة ، وبضاعةُ المغفَّلين، وقد كان البكاء ديدن النبي صلى الله عليه وسلم كما روى البخاري ومسلم (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « اقْرَأْ عَلَىَّ » . قَالَ قُلْتُ أَقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ قَالَ :« إِنِّي أَشْتَهِى أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِى » . قَالَ فَقَرَأْتُ النِّسَاءَ حَتَّى إِذَا بَلَغْتُ ( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدًا ) . قَالَ لِي « كُفَّ – أَوْ أَمْسِكْ – » . فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَذْرِفَانِ .)، وقد خطبهم صلى الله عليه وسلم يوما كما في صحيح مسلم (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ أَصْحَابِهِ شَيْءٌ فَخَطَبَ فَقَالَ :« عُرِضَتْ عَلَىَّ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَلَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا ». قَالَ فَمَا أَتَى عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمٌ أَشَدُّ مِنْهُ – قَالَ – غَطَّوْا رُءُوسَهُمْ وَلَهُمْ خَنِينٌ – ) رواه البخاري ومسلم ، وبكى صلى الله عليه وسلم يوما شفقة على أمته .كما في صحيح مسلم (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- تَلاَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي إِبْرَاهِيمَ ( رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّى) الآيَةَ. وَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ ( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ « اللَّهُمَّ أُمَّتِى أُمَّتِي ». وَبَكَى فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ – عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ – فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِمَا قَالَ. وَهُوَ أَعْلَمُ. فَقَالَ اللَّهُ يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلاَ نَسُوءُكَ. )
أيها المسلمون
وكان البكاء من خشية الله سمة من سمات أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم أجمعين ، فقد روى البخاري ومسلم (قَالَ الأَسْوَدُ قَالَ كُنَّا عِنْدَ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – فَذَكَرْنَا الْمُوَاظَبَةَ عَلَى الصَّلاَةِ وَالتَّعْظِيمَ لَهَا ، قَالَتْ لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – مَرَضَهُ الَّذِى مَاتَ فِيهِ ، فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَأُذِّنَ ، فَقَالَ « مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ » . فَقِيلَ لَهُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ ، إِذَا قَامَ فِى مَقَامِكَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّىَ بِالنَّاسِ ، وَأَعَادَ فَأَعَادُوا لَهُ ، فَأَعَادَ الثَّالِثَةَ فَقَالَ « إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ » ،وكان أبو بكر يقول: ابكوا وإن لم تبكوا فتباكوا، تكلفوا ذلك فإن في ذلك النجاة لكم. وكما كان هذا حال أبي بكر كذلك كان حال عمر بن الخطاب الخليفة الراشد، فقد ورد عنه أنه كان يكثر من قراءة سورة يوسف في العشاء والفجر، وكان إذا قرأها يبكي حتى يسيل دمعه على ترقوته، وقرأها يومًا حتى بلغ قوله تعالى على لسان يعقوب: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ}[يوسف:86]. فبكى حتى سمع الناس نشيجه ونحيبه من خلف الصفوف. وسمع يومًا آية فمرض أيامًا يعوده الناس لا يعرفون سبب مرضه. وكان في وجه ابن عباس خطان أسودان من كثرة البكاء.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (البكاء من خشية الله من سمات الصالحين)
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وخطب أبو موسى الأشعري رضي الله عنه الناس مرة بالبصرة : فذكر في خطبته النار، فبكى حتى سقطت دموعه على المنبر! وبكى الناس يومئذ بكاءً شديداً. وقرأ ابن عمر رضي الله عنهما : {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ} فلما بلغ: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} بكى حتى خرَّ ولم يقدر على قراءة ما بعدها… وكان يقول: (( لأن أدمع من خشية الله أحب إلي من أن أتصدق بألف دينار!)) ، وعن نافع قال : كان ابن عمر إذا قرأ : { ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله } [ الحديد / 16 ] ، بكى حتى يغلبه البكاء . وفي قوله تعالى : { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ } الحديد / 16 : قال ابن مسعود رضي الله عنه : ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية إلا أربع سنين. رواه مسلم وقال مسروق رجمه الله : ” قرأت على عائشة هذه الآيات : { فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ } [ الطور / 27 ] فبكت ، وقالت ” ربِّ مُنَّ وقني عذاب السموم ” . وبكى أبو هريرة رضي الله عنه في مرضه . فقيل له : ما يبكيك ؟، فقال : ” أما إني لا أبكي على دنياكم هذه ، ولكن أبكي على بُعد سفري ، وقلة زادي ، وإني أمسيت في صعود على جنة أو نار ، لا أدري إلى أيتهما يؤخذ بي ” . ونستكمل حديثنا إن شاء الله
الدعاء