خطبة عن ( خلق الاستقامة)
فبراير 24, 2016خطبة عن (البكاء من خشية الله من سمات الصالحين)
فبراير 24, 2016الخطبة الأولى ( أحوال البكائين من خشية الله)
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى : ( وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ) (109) الاسراء
إخوة الإسلام
وماذا عن البكاء من خشية الله وأحوال الصحابة والتابعين : فقد كان عبد الله بن رواحة رضي الله عنه واضعاً رأسه في حجر امرأته فبكى فبكت امرأته فقال ما يبكيك فقالت رأيتك تبكي فبكيت قال إني ذكرت قول الله عز وجل { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً } [ مريم / 71 ] فلا أدري أأنجو منه أم لا . (وعَنْ أَنَسٍ قَالَ اشْتَكَى سَلْمَانُ فَعَادَهُ سَعْدٌ فَرَآهُ يَبْكِى فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ مَا يُبْكِيكَ يَا أَخِي أَلَيْسَ قَدْ صَحِبْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَلَيْسَ أَلَيْسَ قَالَ سَلْمَانُ مَا أَبْكِى وَاحِدَةً مِنَ اثْنَتَيْنِ مَا أَبْكِى صَبًّا لِلدُّنْيَا وَلاَ كَرَاهِيَةً لِلآخِرَةِ ،وَلَكِنْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَهِدَ إِلَىَّ عَهْدًا فَمَا أُرَانِي إِلاَّ قَدْ تَعَدَّيْتُ. قَالَ وَمَا عَهِدَ إِلَيْكَ قَالَ عَهِدَ إِلَىَّ أَنَّهُ يَكْفِى أَحَدَكُمْ مِثْلُ زَادِ الرَّاكِبِ وَلاَ أُرَانِي إِلاَّ قَدْ تَعَدَّيْتُ وَأَمَّا أَنْتَ يَا سَعْدُ فَاتَّقِ اللَّهَ عِنْدَ حُكْمِكَ إِذَا حَكَمْتَ وَعِنْدَ قَسْمِكَ إِذَا قَسَمْتَ وَعِنْدَ هَمِّكَ إِذَا هَمَمْتَ. قَالَ ثَابِتٌ فَبَلَغَنِي أَنَّهُ مَا تَرَكَ إِلاَّ بِضْعَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا مِنْ نَفَقَةٍ كَانَتْ عِنْدَهُ. ) رواه ابن ماجه، وصححه الشيخ الألباني في” صحيح ابن ماجه ” .(وعَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ لأُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ « إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِى أَنْ أُقْرِئَكَ الْقُرْآنَ » . قَالَ آللَّهُ سَمَّانِى لَكَ قَالَ « نَعَمْ » . قَالَ وَقَدْ ذُكِرْتُ عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ قَالَ « نَعَمْ » . فَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ ) رواه مسلم
أيها المسلمون
وبالجملة فقد كان هذا هو حال الصحابة أجمعين، ولو ذهبنا نستقصي أحوالهم ونذكر مناقبهم في هذا الجانب لطال بنا المقام، ولكن اسمع لوصفهم من رجل يعلم حالهم فهو منهم وإمام من أئمتهم وخليفتهم الرابع عليّ رضي الله عنه: فبعد أن صلى الصبح يومًا جلس يبكي حتى طلعت الشمس، ثم قبض على لحيته وقال: “لقد رأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فما رأيت أحدًا يشبههم؛ كانوا يصبحون شعثًا غبرًا صفرًا بين أعينهم كمثل ركب المعزى، قد باتوا لله سجدا وقيامًا يتلون كتاب الله، يراوحون بين جباههم وأقدامهم، فإذا طلع الفجر مادوا كما يميد الشجر في يوم الريح وهطلت أعينهم بالدموع فاخضلت بها لحاهم، والله لكأن القوم باتوا غافلين”. فما رؤى بعدها مبتسمًا حتى مات رضي الله عنه. وجاء من بعد الصحابة التابعون، فسلكوا الجادة واتبعوا سبيلهم واهتدوا بهديهم، فكان حالهم مثل حال الصحابة أو قريبًا منه. فهذا محمد بن المنكدر، إمام من أئمة التابعين، بكى يومًا بكاءً شديدًا، فاجتمع عليه أهله فسألوه عن سبب بكائه فاستعجم لسانه، فدعوا أبا حازم سلمة بن دينار، فلما جاء وسكن محمد سأله أبو حازم عن سبب بكائه؟ فقال: قرأت قوله تعالى: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ}[الزمر:47] فبكيت، فبكى أبو حازم وعاد محمد إلى البكاء، فقال أهله: جئناك تخفف عنه فزدته بكاءً؟!وعندما احتضر جعل يردد هذه الآية، ثم ابتسم وقال: لو تعلمون لأي شيء أصير لفرحتم. ووعظ مالك بن دينار رحمه الله يوماً فتكلم، فبكى حوشب، فضرب مالك بيده على منكبه، وقال: (ابكِ يا أبا بشر! فإنه بلغني أن العبد لا زال يبكي؛ حتى يرحمه سيده ، فيعتقه من النار).
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( أحوال البكائين من خشية الله)
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فإذا أردت أن تدمع عينك، ويسيل دمعك فدع الذنوب والزم الصدق فبهما يلين القلب قال مكحول رحمه الله : (( أرقُّ الناس قلوباً أقلهم ذنوباً )) .وقال أبو معاوية الأسود لأحمد بن سهل: (يا أبا علي من أكثر لله الصدق نَدِيت عيناه، وأجابته إذا دعاهما). (وعَنْ أَبِى أُمَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ قَطْرَتَيْنِ وَأَثَرَيْنِ قَطْرَةٌ مِنْ دُمُوعٍ فِي خَشْيَةِ اللَّهِ وَقَطْرَةُ دَمٍ تُهَرَاقُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ )”[ رواه الترمذي] ، وليس معنى ذلك أن يظهر الإنسان البكاء رئاء الناس ليحسبوه خاشعًا وليس هو كذلك، وإنما المراد حث النفس وتعويدها على البكاء حتى يصير عادة وسجية لها، وكما جاء في الحديث: “إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم”. فكذلك إنما البكاء بالتباكي والتباكي يستجر البكاء، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: “عينان لا تمسهما النار، عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله” [رواه الترمذي بسند حسن عن ابن عباس]. وقال: “لا يلج النار أحد بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع” [رواه الترمذي وأحمد بسند صحيح عن أبي هريرة].
الدعاء