خطبة عن (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ)
نوفمبر 8, 2016خطبة عن قوله تعالى (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا، وَأَكِيدُ كَيْدًا)
نوفمبر 9, 2016الخطبة الأولى(التحذير من مجالسة المستهزئين (فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : {وَإِذَا رَأَيْت الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}.[ الأنعام – 68] ،وقال الله تعالى:” وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا “[ النساء – 140]
إخوة الإسلام
أمر الله نبيه والذين آمنوا معه بالإعراض عن الذين يخوضون في آيات الله، وهي القرآن، بالتكذيب وإظهار الاستخفاف إعراضا يقتضي الإنكار عليهم وإظهار الكراهة لما يكون منهم إلا أن يتركوا ذلك ويخوضوا في حديث غيره. وعلينا ترك مجالسة الملحدين وسائر الكفار عند إظهارهم الكفر والشرك وما لا يجوز على الله تعالى ، وعلينا اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فيما أمره الله به ،ثم قال تعالى: {فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} يعني: بعدما تذكر نهي الله تعالى لا تقعد مع الظالمين. وذلك عموم في النهي عن مجالسة سائر الظالمين من أهل الشرك وأهل الملة لوقوع الاسم عليهم جميعا، وفي هذه الآيات موعظة عظيمة لمن يتمسح بمجالسة المبتدعة ، الذين يحرّفون كلام الله ، ويتلاعبون بكتابه وسنة رسوله ، ويردّون ذلك إلى أهوائهم المضلة وبدعهم الفاسدة ، فإن إذا لم ينكر عليهم ويغير ما هم فيه فأقلّ الأحوال أن يترك مجالستهم ، وذلك يسير عليه غير عسير . وقد يجعلون حضوره معهم مع تنزّهه عما يتلبسون به شبهة يشبهون بها على العامة ، فيكون في حضوره مفسدة زائدة على مجرد سماع المنكر . قال القرطبي: ( من خاض في آيات الله تركت مجالسته وهجرته مؤمنا كان أو كافرا وقد منع اصحابنا الدخول الى ارض العدو ودخول كنائسهم وبيعهم وكذلك منعوا مجالسه الكفار واهل البدع ،فقد قال بعض اهل البدع لابى عمران النخعي اسمع منى كلمه فاعرض عنه وقال ولا نصف كلمه ،وروى الحاكم عن عائشه رضى الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من وقر صاحب بدعه فقد اعانه على هدم الاسلام ) ،والبعض يظن أنه ما دام كارهاً للمنكر فلا بأس عليه بمخالطة فاعله والجلوس معه حال مواقعته المنكر.. أو البقاء في مكان فيه منكر في الشرع وهذا مخالف لما دل عليه القرآن والسنة. ولكن في هذه الآيات نهي صريح عن مجالستهم حال مواقعتهم لهذا المنكر.. فما دام لا يقدر على الإنكار باليد أو اللسان فلا بد إذاً من مفارقته للمنكر.. هذا هو الصحيح (2) . وقال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي –رحمه الله- عند هذه الآية: (وكذلك يدخل فيه حضور مجالس المعاصي والفسوق التي يستهان فيها بأوامر الله ونواهيه، وتقتحم حدوده التي حدها لعباده. ومنتهى هذا النهي عن القعود معهم حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ أي: غير الكفر بآيات الله ولا الاستهزاء بها. ( إِنَّكُمْ إِذًا )أي إن قعدتم معهم في الحال المذكور (مثلهم) لأنكم رضيتم بكفرهم واستهزائهم، والراضي بالمعصية كالفاعل لها، والحاصل أن من حضر مجلساً يعصى الله به فإنه يتعين عليه الإنكار عليهم مع القدرة، أو القيام مع عدمها) ،وقال القرطبي –رحمه الله- عند هذه الآية: (.. فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر، لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم والرضا بالكفر كفر،
قال الله عز وجل:( إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ ) فكل من جلس في مجلس معصية ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء، وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعملوا بها، فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية.. وإذا ثبت تجنب أهل المعاصي فتجنب أهل البدع والأهواء أولى..)
أيها المسلمون
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه من بعده لا يجالسون أهل الأهواء والمعاصي عملا بهذه الآيات
وقد بوب البخاري في صحيحه الجامع بابا ، قال البخاري –رحمه الله-: (باب: هل يرجع إذا رأى منكراً في الدعوة؟).
ثم ساق بسنده عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ – رضى الله عنها – أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَامَ عَلَى الْبَابِ ، فَلَمْ يَدْخُلْهُ ، فَعَرَفْتُ فِى وَجْهِهِ الْكَرَاهِيَةَ ، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ – صلى الله عليه وسلم – مَاذَا أَذْنَبْتُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « مَا بَالُ هَذِهِ النُّمْرُقَةِ » . قُلْتُ اشْتَرَيْتُهَا لَكَ لِتَقْعُدَ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدَهَا . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعَذَّبُونَ ، فَيُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ » . وَقَالَ « إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِى فِيهِ الصُّوَرُ لاَ تَدْخُلُهُ الْمَلاَئِكَةُ » ،وذكر البخاري في هذا الباب ، فقال : (وَرَأَى ابْنُ مَسْعُودٍ صُورَةً فِى الْبَيْتِ فَرَجَعَ . وَدَعَا ابْنُ عُمَرَ أَبَا أَيُّوبَ فَرَأَى فِى الْبَيْتِ سِتْرًا عَلَى الْجِدَارِ ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ غَلَبَنَا عَلَيْهِ النِّسَاءُ ، فَقَالَ مَنْ كُنْتُ أَخْشَى عَلَيْهِ ، فَلَمْ أَكُنْ أَخْشَى عَلَيْكَ ، وَاللَّهِ لاَ أَطْعَمُ لَكُمْ طَعَامًا ، فَرَجَعَ . وقال ابن ماجه: (باب إذا رأى الضيف منكراً رجع). وذكر حديث علي رضي الله عنه ( حَدَّثَنَا سَفِينَةُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ رَجُلاً أَضَافَ عَلِىَّ بْنَ أَبِى طَالِبٍ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا فَقَالَتْ فَاطِمَةُ لَوْ دَعَوْنَا النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- فَأَكَلَ مَعَنَا. فَدَعَوْهُ فَجَاءَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى عِضَادَتَىِ الْبَابِ فَرَأَى قِرَامًا فِى نَاحِيَةِ الْبَيْتِ فَرَجَعَ فَقَالَتْ فَاطِمَةُ لِعَلِىٍّ الْحَقْ فَقُلْ لَهُ مَا رَجَعَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « إِنَّهُ لَيْسَ لِى أَنْ أَدْخُلَ بَيْتًا مُزَوَّقًا ». وقال علي بن أبي صالح السواق: (كنا في وليمة، فجاء أحمد بن حنبل، فلما دخل نظر إلى كرسي في الدار عليه فضة، فخرج، فلحقه صاحب الدار، فنفض يده في وجهه وقال: زي المجوس، زي المجوس) وقال في رواية صالح: (إذا كان في الدعوة مسكر أو شيء من آنية المجوس: الذهب والفضة، أو ستر الجدران بالثياب، خرج ولم يطعم)
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( تحذير المسلمين من مخالطة المستهزئين بالدين )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: وروى أبو بكر الخلال بإسناده عن محمد بن سيرين : (أن حذيفة بن اليمان أتى بيتاً فرأى فيه حارستان، فيه أباريق الصفر والرصاص فلم يدخله وقال: من تشبه بقوم فهو منهم –وفي لفظ آخر: فرأى شيئاً من زي العجم فخرج وقال: من تشبه بقوم فهو منهم). ويختلف الحكم من شخص لآخر ، فإذا كان الرجل ممن يقتدى بمثله والمنكر في تلك الوليمة أو المناسبة مشتهر عند الناس ففي هذه الحالة قد لا يفهم الناس من جلوسه إلا الإقرار فعليه أن يفارق ،هذا ولا يفهم من كون الإنكار بالقلب يقتضي مفارقة المنكر أن ندع بعض الأعمال المشروعة ، أو قصد بعض ما يشرع قصده من الأماكن لوجود بعض المنكرات هناك.. فلا يهجر المسجد لكونه مزخرفاً مثلاً، أو كان أهله يسبلون ثيابهم. كما إذا اتبعت الجنازة، ثم جاء من يضرب بالدف، أو يظهر النياحة، فلا تدع ما أنت فيه لأجل هذا المنكر.. وقد كان الإمام أحمد –رحمه الله- إذا حضر جنازة ثم ظهر هناك بعض المنكرات لم يرجع عنها ويقول كما قال الحسن لابن سيرين: لا ندع حقاً لباطل
أيها المسلمون
واعلموا أن إقامة الأعياد والاحتفالات التي تدور على مناسبة شركية، هو إقرار على هذا المناسبة واعتراف بها،
وإن المشاركة في مثل هذه الاحتفالات بالحضور أو هدية أو طعام أو شراب يعتبر من شهود الزور والكذب،
ولو أن أحدنا دعاه شاتم أبيه أو شاتم أخيه أو شاتم أهله وعشيرته لما أجاب دعوته ولنفر منها أشد ما بكون النفور، أفيكون حظ الله تعالى منا أقل من حظ أنفسنا ،ولا يخدعنك أيها الغيور على توحيد الله عز وجل دعاوى المغرضين أن هذا نوع من التعايش والتسامح، فإن التعايش والتسامح لا يستلزم حضور زورهم وكذبهم، وليس في ترك حضور مناسبة دينية لغير المسلمين أي عدوان عليهم، بل العدوان هو على حق الله تعالى في صيانة جناب التوحيد وطمس معالم الشرك في العلن، فاحفظ الله يحفظك، واعلم أن تمسكك بالتوحيد وهجرانك للباطل هو أفضل ما تقدمه لهؤلاء إن كنت حريصاً على نفعهم والإحسان إليهم إحساناً عاماً، فإن كلمة التوحيد أغلى ما نملك وأغلى ما نهدي وأغلى ما نغار عليه. قال أبو محمد بن تميم الحنبلي –رحمه الله- عند ذكره لعقيدة الإمام أحمد:.. وكان يتحرج أن يدخل إلى دار فيها صور، أو دعوة فيها لهو أو غناء أو جنازة يتبعها نوح أو مزمار، فإذا حضرها لم يرجع عنها. (أي الجنازة) وأخرج ابن جرير بإسناد صحيح عن هشام بن عروة قال: أخذ عمر بن عبد العزيز قوماً على شراب، فضربهم وفيهم صائم. فقالوا: إن هذا صائم فتلا عليهم قوله تعالى : (فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ) [النساء: 140]
الدعاء