خطبة عن (التفاؤل والتشاؤم في ميزان الإسلام)

الخطبة الأولى ( التفاؤل والتشاؤم في ميزان الإسلام )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) الأعراف 131 ،وقال تعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ (45) قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46) قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ) (47) النمل ،وقال تعالى (قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) (19) يس ،وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما ( أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « لاَ طِيَرَةَ ، وَخَيْرُهَا الْفَأْلُ » . قَالُوا وَمَا الْفَأْلُ قَالَ « الْكَلِمَةُ الصَّالِحَةُ يَسْمَعُهَا أَحَدُكُمْ » . وفي رواية (عَنْ أَنَسٍ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ ، وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ الصَّالِحُ ، الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ »، وفي سنن أبي داود (عَنْ عُرْوَةَ بْنِ عَامِرٍ – قَالَ أَحْمَدُ الْقُرَشِيُّ -قَالَ ذُكِرَتِ الطِّيَرَةُ عِنْدَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « أَحْسَنُهَا الْفَأْلُ وَلاَ تَرُدُّ مُسْلِمًا فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ فَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ لاَ يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إِلاَّ أَنْتَ وَلاَ يَدْفَعُ السَّيِّئَاتِ إِلاَّ أَنْتَ وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِكَ ». وفي سنن ابن ماجة (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يُعْجِبُهُ الْفَأْلُ الْحَسَنُ وَيَكْرَهُ الطِّيَرَةَ ).
إخوة الإسلام

كثيرا ما يتفاءل الانسان بشيء ، وكثيرا ما يتشاءم من شيء , فهل لذلك اصل في الشريعة الغراء؟ وما حكمه شرعا؟
وبداية نقول : التفاؤل: هو اسْتِبْشَار وتَيَمُّنٌ بكلام حسن يسمعه ، فَيُسَرُّ به ، وَيُؤَمِّلُ منه خيرًا.” مثال أن يكون الرجل مريضًا فيسمع قائلا يقول: يا سالم فيتفاءل بما سمع ويقع في ظنه أنه يبرأ من مرضه, أو يكون طالب ضالة فيسمع آخر يقول: يا واجد فيتفاءل ويقع في ظنه أنه يجد ضالته” وهكذا . وأما الطيرة أو التشاؤم والشؤم : فهو عَدُّ الشَّيْءِ مشئوما, أي يكون وجوده سببًا في وجود ما يحزن أو يضر . ونقول : إن شعور الإنسان بالتفاؤل والبشر عند سماعه الكلمة الطيبة , أو رؤية الشيء الحسن, أو شعوره بالتشاؤم والانقباض عند سماع الكلمة المستكرهة او رؤية الشيء القبيح ، هو أمر فطرت عليه النفوس البشرية ، كما يشير إليه الحديث الذي أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مَرْفُوعًا : { ثَلَاثٌ لَا يَسْلَمُ مِنْهُنَّ أَحَدٌ الطِّيَرَةُ وَالظَّنُّ ، وَالْحَسَدُ قِيلَ:فَمَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : إذَا تَطَيَّرْت فَلَا تَرْجِعْ وَإِذَا ظَنَنْت فَلَا تُحَقِّقْ ، وَإِذَا حَسَدْت فَلَا تَبْغِ } ،والناس في ذلك متفاوتون, فمنهم من ينمو هذا الشعور في نفسه ويقوى بالاعتياد وشدة الانتباه ودقة الملاحظة, حتى لا يكاد يفارقه في كل شئونه, ومنهم من يقل احساسه به ويضعف شعوره حتى يكاد يتلاشى وفيما بين ذلك درجات ومراتب. فاذا اعتمد الانسان في شئونه على التفاؤل والتشاؤم بحيث يجعل لهما سلطانا على نفسه فقد أوى إلى وهم ، وركن إلى سراب ، وضل سواء السبيل , فإن الإقدام على الشيء أو الإحجام عنه ، إنما يكون بالعزم والتصميم ، والتوكل على الله تعالى. ولفظ الطيرة جاء من فعل العرب الجاهلين ، فلقد كانت العرب قديماً إذا أردت سفراً نفرت أول طائر تلقاه, فإن طار يمنة سارت وتفاءلت وإن طار يسرة رجعت وتشاءمت, حكى عكرمة فقال: كنا جلوساُ عند ابن عباس رضي الله عنهما فمر طائر يصيح فقال رجل من القوم خير. فقال ابن عباس لا خير ولا شر, وأنشد قول الشاعر لبيد: لعمرك ما تدري الضوارب بالحصى * * * ولا زاجرات الطير ما الله صانع      هكذا كان العرب في جاهليتهم يتطلبون معرفة الخير والشر من خلال حركات الطير أو الوحش وأصواتها وأسمائها وممرها, فيتفاءلون بأشياء منها ويتشاءمون بأشياء أخرى, فتصدهم عن سفرهم أو غزوهم أو تجارتهم أو عملهم,
فلما بعث الله خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام وأكرم البشرية بنور الإسلام أبطل عليه الصلاة والسلام ذلك ونهى عنه, وبين كذبه. ولكن بقيت هذه الأفكار والعادات الجاهلية في نفوس بعض الناس إلى يومنا هذا ، فهم يتعاطونها ويعملون بها ، كما كان أهل الجاهلية.
أيها المسلمون
إن الإسلام دينً عظيم بنى عقيدته علي أساس العقل السليم ، والمنطق القويم ، في دراسة الأمور ، والبعد عن التردد الذي هو أول درجات الفشل, وقبل ذلك كله وبعده لابد من تفويض الأمر لله رب العالمين, فالمسلم العاقل هو من يأخذ بأسباب الأمور ، ثم يترك نتائجها إلي الله تعالي ، الذي له الأمر من قبل ومن بعد. ومن هنا فقد ربى الإسلام أتباعه علي التفاؤل والأمل ، والبعد عن التطير والتشاؤم, ولقد ذم القرآن الكريم هؤلاء المتطيرين بدعاوى الأنبياء فقال سبحانه : ” قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) (19) سورة يس . كما نهى الرسول صلي الله عليه وسلم عن الطيرة , فعَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ :(لاَ طِيَرَةَ ، وَخَيْرُهَا الْفَأْلُ ، قَالُوا : وَمَا الْفَأْلُ ؟ قَالَ : الْكَلِمَةُ الصَّالِحَةُ يَسْمَعُهَا أَحَدُكُمْ ).أخرجه البُخاري و مسلم ،كما ثبت في الصحيحين : (من حديث عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: « الشُّؤْمُ فِي الْمَرْأَةِ وَالدَّارِ وَالْفَرَسِ». وفي لفظ فيهما: « لَا عَدْوَى, وَلَا طِيَرَةَ, إِنَّمَا الشُّؤْمُ فِي ثَلَاثٍ: فِي الْفَرَسِ وَالْمَرْأَةِ وَالدَّارِ». وفي لفظ للبخاري: «إِنَّمَا الشُّؤْمُ فِي ثَلَاثَةٍ: فِي الْفَرَسِ وَالْمَرْأَةِ وَالدَّارِ». وفي رواية عنه « إِنْ كَانَ الشُّؤْمُ فِي شَيْءٍ فَفِي الدَّارِ وَالْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ». وفي لفظ آخر فيهما « إنْ يَكُنْ مِنَ الشُّؤْمِ شَيْءٌ حَقٌّ فَفِي الفَرَسِ والْمَرْأَةِ والدَّارِ». وهذا المسلك الشائن من العرب قديماً قد نبذه الإسلام الحكيم , وشدد عليه ,عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ ، عَنْ عَبْداللهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: الطِّيَرَةُ شِرْكٌ ، وَمَا مِنَّا إِلاَّ ، وَلَكِنِ اللَّهُ يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ ) . أخرجه أحمد والبُخاري في الأدب المفرد . وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَالْحَسَنِ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: مَنْ أَتَى كَاهِنًا ، أَوْ عَرَّافًا ، فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ) . أخرجه أحمد . وفي حديث مسلم الذي رواه ابن عباس رضي الله عنهما , في صفات الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب قال صلى الله عليه وسلم : ” يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ لا يَرْقُونَ ، وَلا يَسْتَرْقُونَ ، وَلا يَكْتَوُونَ ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ” أخرجه مسلم ،وثبت عنه – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: ” لَا طِيَرَةَ والطِّيَرَة عَلَى مَنْ تَطَيَّرَ” أي إثمها أو شؤمها وعاقبتها على من تطير.
أيها المسلمون
وقد أرشدنا النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى كيفية الوقاية من الطِّيَرَة والتخلص من أثرها فأمرنا بالتوكل على الله – عز وجل -, وعدم الالتفات إلى ما يخطر بالقلب من الطِّيَرَة, فمن خطر له شيء من ذلك فليمض ولا تصدنه الطِّيَرَة عن حاجته. فقد روى أبو داود بسند صحيح عَنْ عُرْوَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ ذُكِرَتِ الطِّيَرَة عِنْدَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ: «أَحْسَنُهَا الْفَأْلُ وَلاَ تَرُدُّ مُسْلِمًا فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ فَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ لاَ يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إِلاَّ أَنْتَ وَلاَ يَدْفَعُ السَّيِّئَاتِ إِلاَّ أَنْتَ وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِكَ». وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ رَدَّتْهُ الطِّيَرَة مِنْ حَاجَةٍ فَقَدْ أَشْرَكَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كَفَّارَةُ ذَلِكَ قَالَ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمْ اللَّهُمَّ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُكَ وَلَا طَيْرَ إِلَّا طَيْرُكَ وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ» رواه أحمد . وفي صحيح مسلم عن معاوية بن الحكم السلمي أنه قال يا رسول الله وَمِنَّا رِجَالٌ يَتَطَيَّرُونَ. قَالَ: «ذَاكَ شَيْءٌ يَجِدُونَهُ فِي صُدُورِهِمْ فَلاَ يَصُدَّنَّهُمْ». وقد أثنى النبي – صلى الله عليه وسلم – على من استطاع التخلص من التطير وبشرهم بدخول الجنة مع السبعين ألفا من أمته الذين يدخلون الجنة بغير حساب, فقال: «هُمْ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ وَلَا يَكْتَوُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ» البخاري ومسلم . وفي الأثر عن ابن مسعود – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «الطِّيَرَة شِرْكٌ الطِّيَرَة شِرْكٌ ». ثَلاَثًا «وَمَا مِنَّا إِلاَّ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ» رواه أحمد وأبو داود . وقوله: “وما منا إلا ولكن يذهبه الله بالتوكل” الصواب أن هذا من كلام ابن مسعود. ومعناه: وما منا إلا من يعتريه الطِّيَرَة, ويسبق إلى قلبه الكراهة فيه, فحذف اختصارا للكلام واعتمادا عل فهم السامع. فمن وجد في نفسه شيئًا من الطِّيَرَة فعليه ألا يحقق ذلك فلا يَصُدَّنَّه عن حاجته وعليه أن يجاهد نفسه للتخلص من آثار الطِّيَرَة ليبلغ تلك المرتبة العالية التي بشر النبي – صلى الله عليه وسلم – من تحقق بها أنه مع الذين يدخلون الجنة بغير حساب.
أيها المسلمون
وأما التفاؤل: فهو منهج الرسل جميعا, فهذا نبي الله يعقوب عليه السلام لم يعرف اليأس إلى قلبه سبيلا رغم عظم المصاب, فكان متفائلا بلقاء ولده, فقال لبنيه : (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (87)) يوسف ،على حين أنّ كل من حوله يئس, ولم يعد يفكر في يوسف بل يلومونه على تفاؤله هذا, بل قَالُوا (قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ) (85) يوسف .
وقال تعالى (وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ (94) قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ) (95) يوسف ،وهذا هو حال سيدنا نوح عليه السلام ، فقد كابد قومه ألف سنة إلا خمسين عاما ،كما قال تعالى: ( فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا ) العنكبوت 14, وما يئس ، إلى أن أخبره الله 🙁 أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ ) هود 36 , عندها دعا عليهم بالهلاك. ولذا كان من قواعد الإسلام وأصول الشريعة أن يكون الحزن استثناء, ومن أجل ألا يتمكن من النفوس ، وحدده بثلاثة أيام مهما كان المصاب, عدا الزوجة على زوجها فقط – دون الابن أو الأب – جعله أربعة أشهر وعشرا, لحكمة ذكرها العلماء في مواطنها. فقال – صلى الله عليه وسلم -: قال: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ فَإِنَّهَا تُحِدُّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا».
أما التشاؤم : فهو من أخطر الأمراض النفسية والعقلية, والذي قد يؤول إلى الاكتئاب المدمر للنفس والبدن, والتشاؤم عدو القرارات الناجحة, ومدمر العلاقات الإنسانية والاجتماعية, وأول ما يبدأ بالأسرة, فرب الأسرة المتشائم أول من يكتوي بنار تشاؤمه أسرته, وهكذا المدير في إدارته, ورب العمل في عمله. لذا وقف الإسلام من التشاؤم والتطير موقفا حازما؛ لأنه مرض إذا زرع في الأمة أنهك قواها, وكان كفيلا بانهزامها نفسيا وداخليا قبل غزو أعدائها لها, والمتشائمون هم خير من يخدمون أعداءهم ،ومن هنا فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبث في نفوس صحابته رضوان الله عليهم روح التفاؤل والجد والإقدام حتى في أحرج الظروف وأشدها وأقساها , فعَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ ، قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وَهُْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ ، فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ ، فَقُلْنَا : أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا ، أَلاَ تَدْعُو لَنَا ، فَقَالَ : قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ ، فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ ، فَيُجْعَلُ فِيهَا ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ ، فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ ، فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ ، وَيُمَشَّطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ ، مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ ، فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ ، وَاللهِ ، لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ ، لاَ يَخَافُ إِلاَّ اللهَ ، وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ. أخرجه ” أحمد و البُخَارِي ،وفي الغار والأخطار محدقة به صلى الله عليه وسلم هو وصاحبه أبي بكر الصديق , ففي البخاري (عَنْ أَبِى بَكْرٍ – رضى الله عنه – قَالَ قُلْتُ لِلنَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – وَأَنَا فِى الْغَارِ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لأَبْصَرَنَا . فَقَالَ « مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا » ،وفي صلح الحديبية وبعد قبوله صلى الله عليه وسلم بشروط الصلح المجحفة واعتراض بعض الصحابة عليها , حتى قال عمر رضي الله عنه : نعطي الدنية عَنْ أَبِى وَائِلٍ , قَالَ : قَامَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ , يَوْمَ صِفِّينَ , فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ اتَّهِمُوا أَنْفُسَكُمْ لَقَدْ كُنَّا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَلَوْ نَرَى قِتَالاً لَقَاتَلْنَا وَذَلِكَ فِى الصُّلْحِ الذي كَانَ بَيْنَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ فَجَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَأَتَى رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ الله أَلَسْنَا عَلَى حَقٍّ وَهُمْ عَلَى بَاطِلٍ قَالَ بَلَى قَالَ أَلَيْسَ قَتْلاَنَا في الْجَنَّةِ وَقَتْلاَهُمْ في النَّارِ قَالَ بَلَى قَالَ فَفِيمَ نُعْطِى الدَّنِيَّةَ في دِينِنَا وَنَرْجِعُ وَلَمَّا يَحْكُمِ الله بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فَقَالَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ إني رَسُولُ الله وَلَنْ يضيعني الله أَبَدًا قَالَ فَانْطَلَقَ عُمَرُ فَلَمْ يَصْبِرْ مُتَغَيِّظًا فَأَتَى أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَسْنَا عَلَى حَقٍّ وَهُمْ عَلَى بَاطِلٍ قَالَ بَلَى قَالَ أَلَيْسَ قَتْلاَنَا في الْجَنَّةِ وَقَتْلاَهُمْ في النَّارِ قَالَ بَلَى قَالَ فَعَلاَمَ نُعْطِى الدَّنِيَّةَ في دِينِنَا وَنَرْجِعُ وَلَمَّا يَحْكُمِ الله بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فَقَالَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ إِنَّهُ رَسُولُ الله وَلَنْ يُضَيِّعَهُ الله أَبَدًا. قَالَ فَنَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم بِالْفَتْحِ فَأَرْسَلَ إِلَى عُمَرَ فَأَقْرَأَهُ إِيَّاهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ الله أَوَفَتْحٌ هُوَ قَالَ نَعَمْ فَطَابَتْ نَفْسُهُ وَرَجَعَ ). أخرجه والبُخَارِي ومسلم ،وفي غزوة الخندق حينما اعترضت صخرة عظيمة طريق المسلمين , أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم المعول وضرب به ثلاث ضربات , وفتح باب الأمل للصحابة في انتصار الإسلام , قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحُدّثْت عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيّ ، أَنّهُ قَالَ ضَرَبْت فِي نَاحِيَةٍ مِنْ الْخَنْدَقِ ، فَغَلُظَتْ عَلَيّ صَخْرَةٌ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَرِيبٌ مِنّي ؛ فَلَمّا رَآنِي أَضْرِبُ وَرَأَى شِدّةَ الْمَكَانِ عَلَيّ نَزَلَ فَأَخَذَ الْمِعْوَلَ مِنْ يَدِي ، فَضَرَبَ بِهِ ضَرْبَةً لَمَعَتْ تَحْتَ الْمِعْوَلِ بُرْقَةٌ قَالَ ثُمّ ضَرَبَ بِهِ ضَرْبَةً أُخْرَى ، فَلَمَعَتْ تَحْتَهُ بُرْقَةٌ أُخْرَى ؛ قَالَ ثُمّ ضَرَبَ بِهِ الثّالِثَةَ فَلَمَعَتْ تَحْتَهُ بُرْقَةٌ أُخْرَى . قَالَ قُلْت : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي يَا رَسُولَ اللّهِ مَا هَذَا الّذِي رَأَيْت لَمَعَ تَحْتَ الْمِعْوَلِ وَأَنْتَ تَضْرِبُ ؟ قَالَ أَوَقَدْ رَأَيْت ذَلِكَ يَا سَلْمَانُ ؟ قَالَ قُلْت : نَعَمْ قَالَ أَمّا الْأُولَى فَإِنّ اللّهَ فَتَحَ عَلَيّ بِهَا الْيَمَنَ ؛ وَأَمّا الثّانِيَةُ فَإِنّ اللّهَ فَتَحَ عَلَيّ بِهَا الشّامَ وَالْمَغْرِبَ وَأَمّا الثّالِثَةُ فَإِنّ اللّهَ فَتَحَ عَلَيّ بِهَا الْمَشْرِقَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّهُ كَانَ يَقُولُ حِينَ فُتِحَتْ هَذِهِ الْأَمْصَارُ فِي زَمَانِ عُمَرَ وَزَمَانِ عُثْمَانَ وَمَا بَعْدَهُ افْتَتِحُوا مَا بَدَا لَكُمْ فَوَ اَلّذِي نَفْسِي أَبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ مَا افْتَتَحْتُمْ مِنْ مَدِينَةٍ وَلَا تَفْتَتِحُونَهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إلّا وَقَدْ أَعْطَى اللّهُ سُبْحَانَهُ مُحَمّدًا صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَفَاتِيحَهَا قَبْلَ ذَلِكَ) . سيرة ابن هشام . وعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ( لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ ، وَلاَ يَتْرُكُ اللهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلاَ وَبَرٍ ، إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللهُ هَذَا الدِّينَ ، بِعِزِّ عَزِيزٍ ، أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ ، عِزًّا يُعِزُّ اللهُ بِهِ الإِسْلاَمَ ، وَذُلاًّ يُذِلُّ اللهُ بِهِ الْكُفْرَ) .أخرجه أحمد والسلسلة الصحيحة ،وعَنْ ثَوْبَانَ ، مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّ اللهَ زوي لِيَ الأَرْضَ ، فَرَأَيْت مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا ، فَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا , وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ : الأَحْمَرَ وَالأَبْيَضَ ). أخرجه أحمد ومسلم ،فهو صلى الله عليه وسلم من تلك المواقف كلها يريد أن يبعد عن نفوس أصحابه ؛ بل عن نفوس المسلمين جميعهم روح التشاؤم والاستسلام والخنوع , واستبدال تلك الروح بروح المتفائل الواثق بنصر الله تعالى .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم

الخطبة الثانية ( التفاؤل والتشاؤم في ميزان الإسلام )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

أما بعد أيها المسلمون
ولقد سلك الإسلام كل سبيل ففي غرس هذه الروح في المجتمع المسلم فأمرنا صلى الله عليه وسلم بأن نلقى إخواننا بوجه طلق حتى نشيع في المجتمع روح التفاؤل والأمل , عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ( كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ ، وَإِنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ ، وَأَنْ تُفْرِغَ مِنْ دَلْوِكَ في إِنَاءِ أَخِيكَ ) . أخرجه: أحمد ،والبُخَارِي في (الأدب المفرد) ،كما أمرنا بإفشاء السلام بيننا حتى تسود المحبة والألفة , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا ، وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا ، أَوَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ ؟ أَفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُمْ ) .أخرجه مسلم ،وأمرنا – كذلك – بمجالسة الجليس الصالح الذي يشبه حامل المسك حتى نتلمس من مصاحبته روح الصلاح والخير . كما أمرنا – أيضاً – بتحسن أسمائنا وأسماء أبنائنا لأن في تحسينها مدعاة للتفاؤل والاستبشار ,عن بريدة رضي الله عنها قال : ولما شارف رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة لقيه أبو عبد الله بريدة بن الحصيب الأسلمي في سبعين من قومه من بني سهم، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: (من أنت) ؟ قال: بريدة، فقال لأبي بكر: (برد أمرنا وصلح).ثم قال: (ممن) ؟ قال: من أسلم. فقال لأبي بكر: (سلمنا).ثم قال: (من بني من) ؟ قال: من بني سهم. قال: (خرج سهمك (يا أبا بكر)). فقال بريدة للنبي صلى الله عليه وسلم: من أنت ؟ قال: (أنا محمد بن عبد الله رسول الله).فقال بريدة: أشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله. فأسلم بريدة وأسلم من كان معه جميعا. قال بريدة: الحمد لله الذي أسلم بنو سهم طائعين غير مكرهين، فلما أصبح قال بريدة للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله لا تدخل المدينة إلا ومعك لواء).فحل عمامته ثم شدها في رمح ثم مشى بين يديه حتى دخلوا المدينة) .أخرجه البيهقي في الدلائل ،وفي حديث الأنصاري الذي لزم المسجد متطيراً من كثرة همومه وديونه , أرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى استبدال الرسائل السلبية في حياته برسائل ايجابية , وأن عليه أن يترك اليأس والتشاؤم ويحسن التوكل على الله تعالى , عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ الْمَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ : أَبُو أُمَامَةَ فَقَالَ « يَا أَبَا أُمَامَةَ مَا لِي أَرَاكَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلاَةِ ». قَالَ هُمُومٌ لَزِمَتْنِي وَدُيُونٌ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ : أَفَلاَ أُعَلِّمُكَ كَلاَمًا إِذَا أَنْتَ قُلْتَهُ أَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّكَ وَقَضَى عَنْكَ دَيْنَكَ ». قَالَ قُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ « قُلْ إِذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ ». قَالَ فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَ بَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمِّى وَقَضَى عَنِّى دَيْنِي ) .أخرجه أبو داود . وعَنْ عُرْوَةَ بْنِ عَامِرٍ الْقُرَشِيِّ ، قَالَ: ذُكِرَتِ الطِّيَرَةُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ : أَحْسَنُهَا الْفَأْلُ ، وَلاَ تَرُدُّ مُسْلِمًا ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ ، فَلْيَقُلْ : اللَّهُمَّ لاَ يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إِلاَّ أَنْتَ ، وَلاَ يَدْفَعُ السَّيِّئَاتِ إِلاَّ أَنْتَ ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِكَ ) . أخرجه أبو داود ، كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إشاعة روح التشاؤم في المجتمع بسب الدهر أو الإدعاء بأن الناس قد هلكوا وأن الخير قد انتهى من الناس , عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (لاَ تَسُبُّوا الدَّهْرَ ، فَإِنَّ اللهَ هُوَ الدَّهْرُ ) . أخرجه أحمد ،وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لاَ تَسُبُّوا الدَّهْرَ ، فَإِنَّ اللهَ هُوَ الدَّهْرُ ، قَالَ اللهُ تَعَالَى : يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ ، يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ ، بِيَدِي الْخَيْرُ ، أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ) .أخرجه البُخاري ومسلم ، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِذَا سَمِعْتَ الرَّجُلَ يَقُولُ : هَلَكَ النَّاسُ ، فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ) رواه مسلم . ولله در من قال : نعيبُ زماننا والعيبُ فينا *** وما لزمانِنا عيبٌ سوانا .. ونهجو ذا الزمانَ بغير ذنبٍ *** ولو نطقَ الزمانُ لنا هجانا ..وليس الذئبُ يأكل لحمَ ذئبٍ *** ويأكلُ بعضُنا بعضًا عيانا …. فعلينا أن نعلم أن التفاؤل والتشاؤم ينبعان من داخل النفس , فصاحب النفس الصحيحة ينظر إلى الحياة بمنظار مستقيم جليّ , فلا يرى فيها إلا كل جميل باعث على الأمل , وأما صاحب النفس السقيمة فإنه ينظر إلى الحياة بمنظار أسود كئيب , فلا يرى منها إلا كل سيء باعث على القنوط والتشاؤم واليأس , قال الشاعر في ذلك :
أَيُّهَذَا الشَّاكِي! وَمَا بِكَ دَاءٌ * * * كَيْفَ تَغْدُو إِذَا غَدَوْتَ عَلِيلا! … إِنَّ شَرَّ الْجُنَاةِ فِي الْأَرْضِ نَفْسٌ * * * تَتَوَخَّى قَبْلَ الرَّحِيلِ الرَّحِيلا … وَتَرَى الشَّوْكَ فِي الْوُرُودِ وَتَعْمَى أ* * * َنْ تَرَى فَوْقَهَا النَّدَى إِكْلِيلا …وَالّذِي نَفْسُهُ بِغَيْرِ جَمَالٍ لَا* * * يَرَى فِي الْحَيَاةِ شَيْئاً جَمِيلا …. وعلينا أن نضع نصب أعيننا, وأن يكون شعارنا قول الله عز وجل : ” وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (216) سورة البقرة .
أيها المسلمون
واعلموا أن كلا من التفاؤل والتشاؤم يؤثر في تشكيل سلوك الفرد، وعلاقاته الاجتماعية وصحته النفسية والجسمية، فالمتفائل يتوقع الخير والسرور والنجاح، وينجح في تحقيق التوافق النفسي والاجتماعي، وينظر إلى الحياة بمنظار ايجابي ويكون أكثر إشراقاً واستبشاراً بالمستقبل وبما حوله، ويتمتع بصحة نفسية وجسمية جيدة، بينما المتشائم يتوقع الشر واليأس والفشل وينظر إلى الحياة بمنظار سلبي. مع أهمية مفهومي التفاؤل في الحياة الإنسانية لان الناس ترغب في صحبة المتفائل أكثر من صحبة المتشائم، كما أنهم يودون سماع الأخبار والأحاديث السارة المتفائلة أكثر من المتشائمة، بل يوصي البعض بضرورة التحلي بصفة التفاؤل والابتعاد عن التفكير التشاؤمي. فقد جاء الإسلام وأبطل التشاؤم والطيرة وما على شاكلتها , وأرشدهم إذا أراد أحدهم أن يفعل ما لا يترجح له فيه شيء أن يستخير الله. ففي الصحيحين عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ – رضي الله عنهمَا – قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ, يَقُولُ: «إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالْأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ ركْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ, ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ, وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ, وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ؛ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ, وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ, وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ, اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي, أَوْ قَالَ عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي, ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ, وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي, أَوْ قَالَ فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ, فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ, وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ, ثُمَّ أَرْضِنِي قَالَ وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ». ثم يتوكل على الله, فإن تيسر الأمر, وانشرح له صدره, فهو خير إن شاء الله, وإن تعسر, وضاق صدره, فهو لا خير فيه, وبهذا يحسم أمره, ويرضى بقضاء الله وقدره, ويحمده عليه على كل حال. وهذا فعل أولي العزم والقوة من المؤمنين الذين صح توكلهم على الله واطمأنت قلوبه إلى ربهم ووثقوا به وعلموا أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وأنهم لن يصيبهم ألا ما كتب الله لهم, وأنه ما أصابهم من مصيبة إلا وهي في كتاب من قبل أن يخلقهم, وعلموا أنه لابد أن يَصِيروا إلى ما كتبه وقدّره, ولا بد أن يجري عليهم, وأن تطيرهم لا يرد قضاءه وقدره عنهم, بل قد يكون تطيرهم من أعظم الأسباب التي يجري عليهم بها القضاء والقدر, فيعينون على أنفسهم وقد جرى لهم القضاء والقدر بأن نفوسهم هي سبب إصابة المكروه لهم فطائرهم معهم. وأما المتوكلون على الله, المفوضون إليه, العالمون بأمره, فنفوسهم أشرف من ذلك, وهممهم أعلى, وثقتهم بالله وحسن ظنهم به عدة وقوة وجُنَّة مما يتطير به المتطيرون, ويتشاءم به المتشائمون, عالمون أنه لا طير إلا طيره, ولا خير إلا خيره, ولا إله غيره, ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين.
الدعاء