خطبة عن (الحسد: أنواعه ومراتبه)
فبراير 13, 2016خطبة عن ( عقوبة الظلم، والسكوت عليه، ومهابة أهله)
فبراير 14, 2016الخطبة الأولى (الحسد حكمه وأسبابه وعلاجه ) 1
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ) سورة الفلق ،وقال تعالى : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ) النساء 54، وروى البخاري ومسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ ، وَلاَ تَحَسَّسُوا ، وَلاَ تَجَسَّسُوا ، وَلاَ تَحَاسَدُوا ، وَلاَ تَدَابَرُوا ، وَلاَ تَبَاغَضُوا ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا »، وفي صحيح ابن حبان وسنن النسائي واللفظ له (وَلاَ يَجْتَمِعَانِ فِي جَوْفِ مُؤْمِنٍ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَفَيْحُ جَهَنَّمَ وَلاَ يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ الإِيمَانُ وَالْحَسَدُ ».
إخوة الإسلام
الحسد مرض من أمراض القلوب والنفوس، وهو مرض غالب فلا يخلص منه إلا قليل من الناس؛ ولهذا يقال: ما خلا جسد من حسد، لكن اللئيم يبديه ، والكريم يخفيه، وقد قيل للحسن البصري: أيحسد المؤمن؟ فقال: ما أنساك إخوة يوسف ،ولهذا قيل: أول ذنب عصى اللّه به ثلاثة: الحرص، والكبر، والحسد، فالحرص من آدم، والكبر من إبليس، والحسد من قابيل حيث قتل هابيل. وفي سنن الترمذي (أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمُ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ لاَ أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعْرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ) ، فسمى الحسد داء، كما سمى البخل داء، وفي سنن أبي داود (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِيَّاكُمْ وَالْحَسَدَ فَإِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ ». أَوْ قَالَ « الْعُشْبَ ».
أيها المسلمون
والحسد هو تمني زوال النعمة عن المحسود ، وإن لم يصر للحاسد مثلها. ومن أجل ذلك فقد حرمه الإسلام ، لأنه شر مذموم ، وصاحبه مغموم والحسد بخلاف الغبطة ، فالغبطة تمني ما عند الغير، من غير حب زوالها عن المغبوط فهذا هوعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه نافس أبا بكر رضي اللّه عنه في الإنفاق وهذا من الغبطة وليس من الحسد ففي سنن أبي داود وغيره (عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ – رضى الله عنه – يَقُولُ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا أَنْ نَتَصَدَّقَ فَوَافَقَ ذَلِكَ مَالاً عِنْدِي فَقُلْتُ الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ ». قُلْتُ مِثْلَهُ. قَالَ وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ – رضى الله عنه – بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ ». قَالَ أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. قُلْتُ لاَ أُسَابِقُكَ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا )، فكان ما فعله عمر من المنافسة والغبطة المباحة، ولكن حال الصديق رضي اللّه عنه كان أفضل منه وهو أنه خال من المنافسة مطلقاً ولا ينظر إلى حال غيره.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (الحسد حكمه وأسبابه وعلاجه ) 1
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة ، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن صور الغبطة ، ما جاء على لسان سيدنا موسى عليه السلام ، فسيدنا موسى صلى الله عليه وسلم في حديث المعراج حصل له منافسة وغبطة للنبي صلى الله عليه وسلم حتى بكى لما تجاوزه النبي صلى الله عليه وسلم ، ففي صحيح البخاري (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ – رضى الله عنهما – أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – حَدَّثَهُمْ عَنْ لَيْلَةَ أُسْرِىَ بِهِ …..ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ السَّادِسَةَ ، فَاسْتَفْتَحَ ، قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ . قِيلَ مَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ . قِيلَ وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ . قَالَ مَرْحَبًا بِهِ ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ ، فَلَمَّا خَلَصْتُ ، فَإِذَا مُوسَى قَالَ هَذَا مُوسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِ ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ . فَلَمَّا تَجَاوَزْتُ بَكَى ، قِيلَ لَهُ مَا يُبْكِيكَ قَالَ أَبْكِى لأَنَّ غُلاَمًا بُعِثَ بَعْدِى ، يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أَكْثَرُ مَنْ يَدْخُلُهَا مِنْ أُمَّتِى . )، وكذلك كان في الصحابة أبو عبيدة بن الجراح ونحوه، كانوا سالمين من جميع هذه الأمور، فكانوا أرفع درجة ممن عنده منافسة وغبطة، وإن كان ذلك مباحاً؛، ولهذا استحق أبو عبيدة رضي اللّه عنه أن يكون أمين هذه الأمة، فإن المؤتمن إذا لم يكن في نفسه مزاحمة على شيء مما اؤتمن عليه، كان أحق بالأمانة ممن يخاف مزاحمته؛
أيها المسلمون
ولست أدري ، لم يتحاسد الناس ، وقد علموا أن الدنيا لا تدوم ، وأنهم عنها راحلون ، وأنهم إلى ربهم راجعون ، وفي سنن الترمذي :(قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يَا بُنَىَّ إِنْ قَدَرْتَ أَنْ تُصْبِحَ وَتُمْسِىَ لَيْسَ فِي قَلْبِكَ غِشٌّ لأَحَدٍ فَافْعَلْ ». ثُمَّ قَالَ لِي « يَا بُنَىَّ وَذَلِكَ مِنْ سُنَّتِي وَمَنْ أَحْيَا سُنَّتِي فَقَدْ أَحَبَّنِي . وَمَنْ أَحَبَّنِي كَانَ مَعِي فِي الْجَنَّةِ ». ونستكمل الحديث عن الحسد في لقاء قادم إن شاء الله
الدعاء