خطبة عن (الربا: أقسامه وصوره وحرمته)
يناير 30, 2016خطبة ( خطورة التهاون في العبادة التعاملية)
يناير 30, 2016الخطبة الأولى ( الربا : معناه وأقسامه )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له .. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. وصفيه من خلقه وحبيبه .. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279) وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280) وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281 ) البقرة ،وروى مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ ». قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ قَالَ « الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَأَكْلُ الرِّبَا وَالتَّوَلِّى يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاَتِ الْمُؤْمِنَاتِ ».
أيها الموحدون
لقد انتشر التعامل بالربا في هذا الزمان انتشارا رهيبا فأصبح التعامل بالربا شيئا مألوفا بين الأفراد والجماعات والشركات والبنوك والدول مسلمين وغير مسلمين ولم يعبأ الجميع ولم يهتموا بما حكم الله به من حرمة التعامل بالربا وكأن هذا الأمر لا يعنيهم من قريب أو من بعيد فتحقق قول النبي كما في البخاري : ((عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم قَالَ :« لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لاَ يُبَالِى الْمَرْءُ بِمَا أَخَذَ الْمَالَ ، أَمِنْ حَلاَلٍ أَمْ مِنْ حَرَامٍ » والربا من أكبر الكبائر التي حذر الله تعالى منها في كتابه الكريم وحذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته المطهرة وأجمع المسلمون على تحريمها ، وذلك لأن الربا فساد في الدين والدنيا والآخرة ،وإنه فساد وظلم في المجتمع واستغلال مبني على الشح والطمع، ولكن المرابي قد زين له الشيطان والطمع سوء عمله فرآه حسنا، وهو من الأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. فالمرابي مستغل لحاجة الفقراء وظالم لنفسه ولمجتمعه
ولكن ما هو الربا ؟ ،وما أقسامه ؟ ، وما هي صوره وأشكاله في حياتنا؟ ، ولماذا حرمه الله سبحانه وتعالى ؟ ، وما جزاء من تعامل بالربا في الدنيا والاخرة ؟ ،هذه الاسئلة سوف أحاول الإجابة عليها إن شاء الله تعالى ، فأقول : الربا في اللغة معناه الزيادة وفي الشرع ينقسم الربا إلى قسمين القسم الأول : ويسمى ( ربا النسيئة) وهو ( الزيادة على راس المال في نظير تأخير أجل سداد الدين) ، وله في حياتنا صور متعددة منها أن تقرض أحد الناس قرضا قد يكون مالا وقد يكون ماشية أو طعاما أو مأكولات وتشترط عليه الزيادة عند وفاء الدين فهذا ربا محرم لأن فيه استغلال لحاجة المقترض وظلم له ،ولكن في الطعام والماشية مثلا إذا لم تشترط عليه الزيادة و زادك المقترض من تلقاء نفسه ومن باب الكرم و المعروف ، و رد الجميل دون أن تطلب منه ذلك فهذا جائز ففي صحيح البخاري ومسلم (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كَانَ لِي عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- دَيْنٌ فَقَضَانِى وَزَادَنِى ) ، كما روى الإمام مالك في الموطأ – أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلاً أَتَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنِّي أَسْلَفْتُ رَجُلاً سَلَفًا وَاشْتَرَطْتُ عَلَيْهِ أَفْضَلَ مِمَّا أَسْلَفْتُهُ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَذَلِكَ الرِّبَا. قَالَ فَكَيْفَ تَأْمُرُنِي يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ السَّلَفُ عَلَى ثَلاَثَةِ وُجُوهٍ سَلَفٌ تُسْلِفُهُ تُرِيدُ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ فَلَكَ وَجْهُ اللَّهِ وَسَلَفٌ تُسْلِفُهُ تُرِيدُ بِهِ وَجْهَ صَاحِبِكَ فَلَكَ وَجْهُ صَاحِبِكَ وَسَلَفٌ تُسْلِفُهُ لِتَأْخُذَ خَبِيثًا بِطَيِّبٍ فَذَلِكَ الرِّبَا. قَالَ فَكَيْفَ تأمرني يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ أَرَى أَنْ تَشُقَّ الصَّحِيفَةَ فَإِنْ أَعْطَاكَ مِثْلَ الذي أَسْلَفْتَهُ قَبِلْتَهُ وَإِنْ أَعْطَاكَ دُونَ الذي أَسْلَفْتَهُ فَأَخَذْتَهُ أُجِرْتَ وَإِنْ أَعْطَاكَ أَفْضَلَ مِمَّا أَسْلَفْتَهُ طَيِّبَةً بِهِ نَفْسُهُ فَذَلِكَ شُكْرٌ شَكَرَهُ لَكَ وَلَكَ أَجْرُ مَا أَنْظَرْتَهُ)
وصورة أخرى من قرض الربا أن يقرض أحدهم للآخر قرضا ويشترط عليه مقابل القرض أن يزرع أرضه أو يسكن بيته أو يبيع في متجره أو يستخدم ماشيته أو يركب دابته أو سيارته أو يشتري نخله أو ثمار حديقته فهذا قرض جر منفعة فهو ربا فقد روى البيهقي. عَنْ فَضَالَّةَ بْنِ عُبَيْدٍ صَاحِبِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- مَوْقُوفا أَنَّهُ قَالَ : ( كل قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً فَهُوَ وَجْهٌ مِنْ وُجُوهِ الرِّبَا.) ، ولكن إذا أردت أن تأخذ إحدى هذه الأشياء رهينة مثلا لتضمن دينك فلك ذلك ولكن دون أن تستخدمها أو تنتفع بها ويجوز (و بناء علي رغبته هو وبدون ظلم أو ضغط عليه ) أن يؤجر لك إحدى ممتلكاته علي أن تخصم قيمة الإيجارة من مبلغ الدين حتى تستوفي حقك
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الربا ) 1
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له .. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. وصفيه من خلقه وحبيبه .. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ونواصل الحديث عن أقسام الربا : القسم الثاني من الربا هو ربا الفضل : وهو مبادلة الجنس بجنسه مع الزيادة متقابضين في المجلس او غير متقابضين كبيع التمر بالتمر صاعا بصاعين أو أكثر وكبيع القمح بالقمح كيلة بكيلتين أو أكثر او زيادة جنس على جنسه في البيع لأجل أو لغير أجل فكل ذلك ربا محرم ، ففي سسن البيهقي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَ عِنْدَ زَوْجَتِهِ أُمِّ سَلَمَةَ : « إِنِّى أَشْتَهِى تَمْرَ عَجْوَةٍ ». وَأَنَّهَا بَعَثَتْ بِصَاعَيْنِ مِنْ تَمْرٍ عَتِيقٍ إِلَى مَنْزِلِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَأُتِيَتْ بَدَلَهُمَا بِصَاعٍ مِنْ عَجْوَةٍ فَقَدَّمَتْهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَعْجَبَهُ فَتَنَاوَلَ تَمْرَةً ثُمَّ أَمْسَكَ فَقَالَ :« مِنْ أَيْنَ لَكُمْ هَذَا ». قَالَتْ : بَعَثْتُ بِصَاعَيْنِ مِنْ تَمْرٍ عَتِيقٍ إِلَى مَنْزِلِ فُلاَنٍ فَأَتَيْنَا بَدَلَهَا مِنْ هَذَا الصَّاعِ الْوَاحِدِ فَأَلْقَى التَّمْرَةَ مِنْ يَدِهِ وَقَالَ : « رُدُّوهُ رُدُّوهُ لاَ حَاجَةَ لي فِيهِ التَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ يَدًا بِيَدٍ مِثْلاً بِمِثْلٍ لَيْسَ فِيهِ زِيَادَةٌ وَلاَ نُقْصَانُ فَمَنْ زَادَ أَوْ نَقَصَ فَقَدْ أَرْبَى وَكُلُّ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ ) ، وفي سنن البيهقي عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : لاَ تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ وَلاَ تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ وَلاَ تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالذَّهَبِ أَحَدُهُمَا غَائِبٌ وَالآخَرُ نَاجِزٌ وَإِنِ اسْتَنْظَرَكَ حَتَّى يَلِجَ بَيْتَهُ فَلاَ تُنْظِرْهُ إِلاَّ يَدًا بَيْدٍ هَاتِ وَهَذَا إني أَخْشَى عَلَيْكُمُ الرِّبَا. )، ومن أمثلته في حياتنا استبدال الذهب بالذهب ويكون الذهب المستعمل أكثر وزنا من الذهب الجديد وهذا ربا ولكن علي من أراد ذلك أن يبيع الذهب المستعمل أولا ثم يشتري الذهب الجديد . ونستكمل الموضوع في لقاء قادم إن شاء الله
الدعاء