خطبة عن ( الدنيا: هي دار ابتلاء واختبار )
مارس 10, 2016خطبة عن (الرحمة: صورها ومجالاتها)
مارس 10, 2016الخطبة الأولى ( من صور الرحمة ومجالاتها )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
في صحيح مسلم (عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ جَاءَتْنِى مِسْكِينَةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا فَأَطْعَمْتُهَا ثَلاَثَ تَمَرَاتٍ فَأَعْطَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً وَرَفَعَتْ إِلَى فِيهَا تَمْرَةً لِتَأْكُلَهَا فَاسْتَطْعَمَتْهَا ابْنَتَاهَا فَشَقَّتِ التَّمْرَةَ الَّتِى كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا بَيْنَهُمَا فَأَعْجَبَنِى شَأْنُهَا فَذَكَرْتُ الَّذِى صَنَعَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْجَبَ لَهَا بِهَا الْجَنَّةَ أَوْ أَعْتَقَهَا بِهَا مِنَ النَّارِ ».
إخوة الإسلام
من صور الرحمة في حياتنا : الرحمة بالاطفال الصغار عامة وبالطفل اليتيم خاصة وبين لنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن الرحمة بالأطفال توجب رحمة الغفار، وفي رواية للطبراني في الكبير(فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ” قَدْ رَحِمَهَا اللَّهُ بِرَحْمَتِهَا ابْنَيْهَا) وفي مسند الامام احمد (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلاً شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَسْوَةَ قَلْبِهِ فَقَالَ لَهُ « إِنْ أَرَدْتَ أَنْ يَلِينَ قَلْبُكَ فَأَطْعِمِ الْمِسْكِينَ وَامْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ ».وفي البخاري أنه صلى الله عليه وسلم قَالَ« أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِى الْجَنَّةِ هَكَذَا) وَقَالَ بِإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى) ، ومن صور الرحمة ومجالاتها الرحمة بالفقراء والمحتاجين وخاصة الأقارب منهم فإطعام الجائع منهم أو كسوة العاري وعلاج المريض منهم رحمة تثقل الموازين يوم القيامة وفي قصة هذا العابد خير دليل ففي صحيح ابن حبان (عن أبي ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( تعبد عابد من بني إسرائيل فعبد الله في صومعته ستين عاما فأمطرت الأرض فاخضرت فأشرف الراهب من صومعته فقال لو نزلت فذكرت الله لازددت خيرا فنزل ومعه رغيف أو رغيفان فبينما هو في الأرض لقيته امرأة فلم يزل يكلمها وتكلمه حتى غشيها ثم أغمي عليه فنزل الغدير يستحم فجاءه سائل فأومأ إليه أن يأخذ الرغيفين أو الرغيف ثم مات فوزنت عبادة ستين سنة بتلك الزينة فرجحت الزنية بحسناته ثم وضع الرغيف أو الرغيفان مع حسناته فرجحت حسناته فغفر له) ،هكذا كانت رحمة العابد بهذا الفقير سببا في رجحان كفة ميزانه والمغفرة ودخول الجنة ومن صور الرحمة ومجالاتها أن تشارك في الأعمال الصالحة التي تنفع المؤمنين فالمؤمن ذو القلب الرحيم تراه يساعد الناس ويقف بجانبهم ويهتم بأمرهم ، لذلك فقد سأل الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ففي المعجم الكبير للطبراني (قَالَ أَبُو ذَرٍّ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَاذَا يُنَجِّي الْعَبْدَ مِنَ النَّارِ ؟ قَالَ : الإِيمَانُ بِاللَّهِ ، قُلْتُ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، إِنَّ مَعَ الإِيمَانِ عَمِلٌ ، قَالَ : يُرْضَخُ مِمَّا رَزَقَهُ اللَّهُ ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فَقِيرًا ، لا يَجِدُ مَا يُرْضَخُ بِهِ ؟ قَالَ : يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ ، وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَيِيًّا لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَأْمُرَ بِالْمَعْرُوفِ ، وَلا يَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ ؟ قَالَ : يَصْنَعُ لأَخْرَقَ ، قُلْتُ : أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ أَخْرَقَ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَصْنَعَ شَيْئًا ؟ قَالَ : يُعِينُ مَغْلُوبًا ، قُلْتُ أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ ضَعِيفًا ، لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُعِينَ مَظْلُومًا ؟ فَقَالَ : مَا تُرِيدُ أَنْ تَتْرُكَ فِي صَاحِبِكَ ، مِنْ خَيْرٍ تُمْسِكُ الأَذَى ، عَنِ النَّاسِ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ دَخَلَ الْجَنَّةَ ؟ قَالَ : مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَفْعَلُ خَصْلَةً مِنْ هَؤُلاءِ ، إِلا أَخَذَتْ بِيَدِهِ حَتَّى تُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ) ، ويؤيد ذلك أيضا نبأ هذا الأعرابي الذي أخذ بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي سنن البيهقي : (أَنَّ رَجُلاً أَعْرَابِيًّا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ : أَخْبِرْنِى بِعَمَلٍ يَقَرِّبُنِى مِنْ طَاعَتِهِ وَيُبَاعِدُنِى مِنَ النَّارِ قَالَ :« أَوَهُمَا أَعْمَلَتَاكَ ». قَالَ : نَعَمْ قَالَ :« تَقُولُ الْعَدْلَ وَتُعْطِى الْفَضْلَ ». قَالَ : وَاللَّهِ مَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقُولَ الْعَدْلَ كُلَّ سَاعَةٍ ، وَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أُعْطِىَ فَضْلَ مَالِى قَالَ :« فَتُطْعِمُ الطَّعَامَ وَتُفْشِى السَّلاَمَ ». قَالَ : هَذِهِ أَيْضًا شَدِيدَةٌ قَالَ :« فَهَلْ لَكَ إِبِلٌ ». قَالَ : نَعَمْ قَالَ :« فَانْظُرْ بَعِيرًا مِنْ إِبِلِكَ وَسِقَاءً ثُمَّ اعْمِدْ إِلَى أَهْلِ أَبْيَاتٍ لاَ يَشْرَبُونَ الْمَاءَ إِلاَّ غِبًّا فَاسْقِهِمْ فَلَعَلَّكَ أَنْ لاَ يَهْلِكَ بَعِيرُكَ ، وَلاَ يَنْخَرِقَ سِقَاؤُكَ حَتَّى تَجِبَ لَكَ الْجَنَّةُ ».قَالَ فَانْطَلَقَ الأَعْرَابِىُّ يُكَبِّرُ قَالَ فَمَا انْخَرَقَ سِقَاؤُهُ وَلاَ هَلَكَ بَعِيرُهُ حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا )
ومن مجالات الرحمة وصورها التيسير على الناس والتجاوز عن المعسرين منهم فهذه رحمة عظيمة وأجرها كبير ففي صحيح مسلم (عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ « أُتِىَ اللَّهُ بِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِهِ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَقَالَ لَهُ مَاذَا عَمِلْتَ فِى الدُّنْيَا – قَالَ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا – قَالَ يَا رَبِّ آتَيْتَنِى مَالَكَ فَكُنْتُ أُبَايِعُ النَّاسَ وَكَانَ مِنْ خُلُقِى الْجَوَازُ فَكُنْتُ أَتَيَسَّرُ عَلَى الْمُوسِرِ وَأُنْظِرُ الْمُعْسِرَ. فَقَالَ اللَّهُ أَنَا أَحَقُّ بِذَا مِنْكَ تَجَاوَزُوا عَنْ عَبْدِى »وفيه (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم« مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ فِى عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِى عَوْنِ أَخِيهِ) ، ومن صور الرحمة ومجالاتها عيادة المرضى للتخفيف عنهم وكذا اطعم الطعام ويؤيد ذلك ما جاء في الحديث القدسي الذي رواه الامام مسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِى. قَالَ يَا رَبِّ كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ. قَالَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِى فُلاَنًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِى عِنْدَهُ يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِى. قَالَ يَا رَبِّ وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ. قَالَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِى فُلاَنٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِى يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِى. قَالَ يَا رَبِّ كَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ اسْتَسْقَاكَ عَبْدِى فُلاَنٌ فَلَمْ تَسْقِهِ أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِى »
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( من صور الرحمة ومجالاتها )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وقد تتعدى الرحمة الانسان إلى الحيوان لأن الحيوان مخلوق يحس ويتألم لذلك جعل الله الجنة لمن رحم الحيوان والنار لمن قسى قلبه عليه وخير شاهد على ذلك أن الله غفر لبغي بني اسرائيل بسبب سقيا كلب ففي البخاري (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه قَالَ قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم « بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ ، إِذْ رَأَتْهُ بَغِىٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِى إِسْرَائِيلَ ، فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَسَقَتْهُ ، فَغُفِرَ لَهَا بِهِ » وعلى النقيض من ذلك تلك المرأة التي حبست الهرة فكان نصيبها النار كما في البخاري ( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضى الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم قَالَ « عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِى هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ، فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ، لاَ هِىَ أَطْعَمَتْهَا وَلاَ سَقَتْهَا إِذْ حَبَسَتْهَا ، وَلاَ هِىَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ »
أيها الموحدون
إن الرحمة تغسل الإنسان من كل أوزاره وتضع عنه كل أثقاله فأوصيكم وأوصي نفسي أن تلزموا بابا من أبواب الرحمة وأن تثبتوا عليه حتى الممات لتدخلوا به ان شاء الله الجنة وأحذركم ونفسي من قسوة القلب فإنه باب من أبواب حهنم ففي البخاري يَقُولُ صلى الله عليه وسلم « أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ ، أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ كُلُّ عُتُلٍّ ( هو الجافي غليظ القلب) جَوَّاظٍ (الذي يجمع المال من كل جهة ولا ينفق في سبيل الله) مُسْتَكْبِرٍ » وأخيرا أذكركم بما بدأت به (« الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ ارْحَمُوا مَنْ فِى الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ من في السماء )
الدعاء