خطبة عن (من الجوانب العاطفية في حياة الرسول)
ديسمبر 6, 2016خطبة عن (مواقف من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم)
ديسمبر 6, 2016الخطبة الأولى ( الرسول يضحك ويداعب ويمازح أصحابه )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ) الاحزاب (21) ،وروى الترمذي بسند صحيح : (عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا فقال (فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلاَلَةٌ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِىي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ ». وفي سنن البيهقي : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« إِنِّي قَدْ خَلَّفْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا مَا أَخَذْتُمْ بِهِمَا أَوْ عَمِلْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِي وَلَنْ تَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَىَّ الْحَوْضَ ».
إخوة الإسلام
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتدلا في أخلاقه ومعاملاته ، فكان صلى الله عليه وسلم بين الحين والآخر يضحك معهم ويداعبهم ويمازح أهله وأصحابه ،فعلى الرغم من كون النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نبياً من الأنبياء يتلقّى الوحي من السماء ، غير أن المشاعر الإنسانية المختلفة تنتابه كغيره من البشر ، وتمر به حالات من الضحك والبكاء ، والفرح والحزن ، وتبرز قيمة العنصر الأخلاقي في حياة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في وضع هذه المشاعر المتباينة في إطارها الشرعي ، حيث صانها عن الإفراط والتفريط ، بل أضاف لها بُعْداً راقياً حينما ربطها بقضيّة الثواب والاحتساب ، فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « تَبَسُّمُكَ فِى وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ ) رواه الترمذي . وعَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ قَالَ لِيَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ ». (ضاحك مستبشر) ) رواه مسلم . ويقول ابن كثير رحمه الله في “تفسيره : “وكان من أخلاقِه صلى الله عليه وسلم أنه جميل العِشْرَة، دائم البِشْر، يداعِب أهلَه ويتلطَّف بهم، ويوسعُهُم نفقتَه، ويضاحك نساءَه حتى إنَّه كان يسابِق عائشة أمَّ المؤمنين يتودَّد إليها بذلك”. فقد أخرج الإمامُ أحمد عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَأَنَا جَارِيَةٌ لَمْ أَحْمِلِ اللَّحْمَ وَلَمْ أَبْدُنْ فَقَالَ لِلنَّاسِ « تَقَدَّمُوا ». فَتَقَدَّمُوا ثُمَّ قَالَ لِي « تَعَالَىْ حَتَّى أُسَابِقَكِ ». فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقْتُهُ فَسَكَتَ عَنِّى حَتَّى إِذَا حَمَلْتُ اللَّحْمَ وَبَدُنْتُ وَنَسِيتُ خَرَجْتُ مَعَهُ فِى بَعْضِ أَسْفَارِهِ فَقَالَ لِلنَّاسِ « تَقَدَّمُوا ». فَتَقَدَّمُوا ثُمَّ قَالَ « تَعَالَىْ حَتَّى أُسَابِقَكِ ». فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقَنِي فَجَعَلَ يَضْحَكُ وَهُوَ يَقُولُ « هَذِهِ بِتِلْكَ » ، وأخرج أبو يعلى وابن عساكر عن عائشة رضي الله عنها قالت: “أتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بخزيرةٍ قد طبختُها له، فقلت لسودةَ – والنبيُّ صلى الله عليه وسلم بيني وبينها -: كُلِي، فأَبَت، فقلتُ: لتأكُلِنَّ أو لأُلطِّخَنَّ وجهَك، فأبَت، فوضعتُ يدي في الخزيرةِ فطليتُ وجهَها، فضحك النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فوضع بيده لها، وقال لها: ((الطَخِي وجهَها))، فضحك النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فمرَّ عمر، فقال: ((يا عبدالله، يا عبدالله))، فظنَّ أنَّه سيدخل، فقال: قوما فاغسِلا وجوهكما، فقالت عائشة رضي الله عنها: فما زِلتُ أهاب عمرَ لهيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم”؛ (الصحيحة: 3131). وأخرج أبو داود والنسائي عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها قَالَتْ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ أَوْ خَيْبَرَ وَفِى سَهْوَتِهَا سِتْرٌ فَهَبَّتْ رِيحٌ فَكَشَفَتْ نَاحِيَةَ السِّتْرِ عَنْ بَنَاتٍ لِعَائِشَةَ لُعَبٍ فَقَالَ « مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ ». قَالَتْ بَنَاتِى. وَرَأَى بَيْنَهُنَّ فَرَسًا لَهُ جَنَاحَانِ مِنْ رِقَاعٍ فَقَالَ « مَا هَذَا الَّذِى أَرَى وَسْطَهُنَّ ». قَالَتْ فَرَسٌ. قَالَ « وَمَا هَذَا الَّذِى عَلَيْهِ ». قَالَتْ جَنَاحَانِ. قَالَ « فَرَسٌ لَهُ جَنَاحَانِ ». قَالَتْ أَمَا سَمِعْتَ أَنَّ لِسُلَيْمَانَ خَيْلاً لَهَا أَجْنِحَةٌ قَالَتْ فَضَحِكَ حَتَّى رَأَيْتُ نَوَاجِذَهُ. “؛ (صححه الألباني في المشكاة ). ومرَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على صهيب وبه رمدٌ وهو يأكل تمرًا، فقال له: ((أتأكل التمرَ وأنت رَمِدٌ؟))، فقال صهيب رضي الله عنه: إنَّما آكلُ بالشِّق الآخَرِ يا رسولَ الله، فتبسَّم صلى الله عليه وسلم؛ (أخرجه ابن ماجه بسند حسن، ومن مزاحه صلى الله عليه وسلم كذلك: ما رواه أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ – رضى الله عنه – يَقُولُ إِنْ كَانَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – لَيُخَالِطُنَا حَتَّى يَقُولَ لأَخٍ لِى صَغِيرٍ « يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ » رواه البخاري وقال الترمذي رحمه الله في “الشمائل” “وَفِقْه هذا الحديث: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يمازِح، وفيه: أنَّه كنَّى غلامًا صغيرًا، فقال له: ((يا أبا عمير))، وفيه: أنَّه لا بأس أن يعطَى الصبيُّ الطيرَ ليلعبَ به، وإنَّما قال له النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((يا أبا عمير، ما فعل النغير؟))؛ لأنَّه كان له نُغيرٌ يلعبُ به فمات، فحزِنَ الغلامُ عليه، فمازَحَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقال: ((يا أبا عمير، ما فعل النغير؟)). ومن مزاحه صلى الله عليه وسلم: ما رواه البخاريُّ ومسلم عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ قَالَ عَقَلْتُ مِنَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – مَجَّةً مَجَّهَا فِى وَجْهِى وَأَنَا ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ مِنْ دَلْوٍ . قال النووي رحمه الله: “قال العلماء: المجُّ طرح الماءِ من الفم بالتزريق؛ وفي هذا مُلاطفة الصِّبيان، وتأنيسُهم، وإكرام آبائهم بذلك، وجواز المزاح…”. (شرح مسلم:). وعَنْ أَنَسٍ قَالَ رُبَّمَا قَالَ لِيَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « يَا ذَا الأُذُنَيْنِ ». قَالَ أَبُو أُسَامَةَ يَعْنِى يُمَازِحُهُ. (رواه الترمذي)، وكان صلى الله عليه وسلم يقول لعليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه: ((قُم أبا تُرابِ، قُم أبا تُرابٍ)) فَقد جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَهْوَ مُضْطَجِعٌ ، قَدْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ شِقِّهِ ، وَأَصَابَهُ تُرَابٌ ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَمْسَحُهُ عَنْهُ وَيَقُولُ « قُمْ أَبَا تُرَابٍ ، قُمْ أَبَا تُرَابٍ » ؛ (رواه البخاري ). وكان صلى الله عليه وسلم يقول لحذيفة رضي الله عنه: « قُمْ يَا نَوْمَانُ ». (رواه مسلم). عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ لِي النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « يَا أَبَا هِرٍّ » (رواه البخاري). وكان صلى الله عليه وسلم يقول لعائشة رضي الله عنها: ((يا عائشُ))؛ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَوْمًا « يَا عَائِشَ ، هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكِ السَّلاَمَ » (رواه البخاري ومسلم). وكان صلى الله عليه وسلم يقول لأنجشة رضي الله عنه : ((يا أنجشُ، فعَنْ أَنَسٍ – رضى الله عنه – قَالَ كَانَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ فِى الثَّقَلِ وَأَنْجَشَةُ غُلاَمُ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – يَسُوقُ بِهِنَّ ، فَقَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « يَا أَنْجَشَ ، رُوَيْدَكَ ، سَوْقَكَ بِالْقَوَارِيرِ » (رواه البخاري ومسلم).
أيها المسلمون
فلا شك أن من مكارم الأخلاق إدخال السرور على المسلم ، ومن ثم فقد كان مزاحه ـ صلى الله عليه وسلم ـ تأليفا ومداعبة ، وتفاعلا مع أهله وأصحابه ، وإدخالا للسرور عليهم ، وكان مشتملاً على كل المعاني الجميلة ، والمقاصد النبيلة ، فصار من شمائله الحسنة ، وصفاته الطيبة ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ قَالَ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ تَبَسُّمًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. ـ ) رواه الترمذي . والضحك والمزاح أمر مشروع كما دلت علي ذلك النصوص القولية ، والمواقف الفعلية للرسول ـ صلي الله عليه وسلم – ، وما ذلك إلا لحاجة الفطرة الإنسانية إلي شيء من الترويح ، يخفف عنها أعباء الحياة وقسوتها ، وهمومها وأعبائها ، ولا حرج فيه ما دام منضبطا بهدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ،ولا يترتب عليه ضرر ، بل هو مطلوب ومرغوب ، لأن النفس بطبعها يعتريها السآمة والملل ، فلا بد من فترات راحة ، وليس أدل على مشروعية الضحك والمزاح والحاجة إليه ، مما كان عليه سيد الخلق وخاتم الرسل ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فقد كان يداعب أهله ، ويمازح أصحابه ، ويضحك لضحكهم . وقد سئل ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ هل كان أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يضحكون ؟ ، قال : نعم ، والإيمان في قلوبهم أعظم من الجبل . وقال بلال بن سعد : أدركتهم يضحك بعضهم إلى بعض ، فإذا كان الليل ، كانوا رهبانا .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الرسول يضحك ويداعب ويمازح أصحابه )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ولكن المزاح والضحك في هدي وحياة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مقيد بضوابط لابد وأن تُراعى ، منها : ألا يقع في الكذب ليضحك الناس ، ولهذا قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : « وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ بِالْحَدِيثِ لِيُضْحِكَ بِهِ الْقَوْمَ فَيَكْذِبُ وَيْلٌ لَهُ وَيْلٌ لَهُ ». رواه الترمذي . وقد كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يمزح ويضحك ولا يقول إلا حقا وصدقا ، ومن ثم فينبغي ألا يشتمل المزاح والضحك علي تحقير لإنسان آخر ، أو استهزاء به وسخرية منه ، قال الله تعالي : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } (الحجرات : 11) . وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : « بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ ». رواه مسلم . ومن ضوابط المزاح والضحك في هدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ألا يترتب عليه تفزيع وترويع لمسلم ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِماً »رواه أحمد . وأن يكون بقدر يسير معقول ، وفي حدود الاعتدال والتوازن ، الذي تقبله الفطرة السليمة ، ويرضاه العقل الرشيد ، ويتوافق مع المجتمع الإيجابي العامل ، ولهذا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تُكْثِرُوا الضَّحِكَ فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ ». رواه ابن ماجه . فالمنهي عنه هو الإكثار ، فالمبالغة في المزاح والضحك يُخشي من ورائه الإلهاء عن الأعباء ، أو تجرؤ السفهاء ، أو إغضاب الأصدقاء، أو الوقوع فيما حرم الله . والمواقف التي مزح وضحك فها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فهي كثيرة ومتنوعة ، فتجده ـ صلى الله عليه وسلم ـ يضحك فرحا بكرامة وفتح لأمته ، أو تفاعلا مع أصحابه، أو مداعبة لزوجاته ، أو لإدخال السرور على الأطفال .فعَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنِّى لأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولاً الْجَنَّةَ وَآخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا رَجُلٌ يُؤْتَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ اعْرِضُوا عَلَيْهِ صِغَارَ ذُنُوبِهِ وَارْفَعُوا عَنْهُ كِبَارَهَا. فَتُعْرَضُ عَلَيْهِ صِغَارُ ذُنُوبِهِ فَيُقَالُ عَمِلْتَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا وَعَمِلْتَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا. فَيَقُولُ نَعَمْ. لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنْكِرَ وَهُوَ مُشْفِقٌ مِنْ كِبَارِ ذُنُوبِهِ أَنْ تُعْرَضَ عَلَيْهِ. فَيُقَالُ لَهُ فَإِنَّ لَكَ مَكَانَ كُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةً. فَيَقُولُ رَبِّ قَدْ عَمِلْتُ أَشْيَاءَ لاَ أَرَاهَا هَا هُنَا ». فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ. (أضراسه) رواه مسلم . ومن مزاحه مع أصحابه : كما في البخاري ومسلم عَنْ جَرِيرٍ – رضى الله عنه – قَالَ مَا حَجَبَنِي النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – مُنْذُ أَسْلَمْتُ ، وَلاَ رَآنِي إِلاَّ تَبَسَّمَ فِي وَجْهِى ) وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلاً اسْتَحْمَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « إِنِّي حَامِلُكَ عَلَى وَلَدِ النَّاقَةِ ». فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَصْنَعُ بِوَلَدِ النَّاقَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « وَهَلْ تَلِدُ الإِبِلَ إِلاَّ النُّوقُ ». رواه الترمذي . فكان قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مداعبة للرجل ومزاحاً معه ، وهو حق لا باطل فيه . وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ أَصَبْتُ جِرَابًا مِنْ شَحْمٍ يَوْمَ خَيْبَرَ – قَالَ – فَالْتَزَمْتُهُ فَقُلْتُ لاَ أُعْطِى الْيَوْمَ أَحَدًا مِنْ هَذَا شَيْئًا – قَالَ – فَالْتَفَتُّ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مُتَبَسِّمًا.) رواه مسلم . وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ تُدَاعِبُنَا. قَالَ « إِنِّى لاَ أَقُولُ إِلاَّ حَقًّا ». رواه الترمذي . ومن مزاحه مع الأطفال : قَالَ أَنَسٌ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خُلُقًا فَأَرْسَلَنِي يَوْمًا لِحَاجَةٍ فَقُلْتُ وَاللَّهِ لاَ أَذْهَبُ. وَفِى نَفْسِى أَنْ أَذْهَبَ لِمَا أَمَرَنِي بِهِ نَبِيُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَخَرَجْتُ حَتَّى أَمُرَّ عَلَى صِبْيَانٍ وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي السُّوقِ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَدْ قَبَضَ بِقَفَاىَ مِنْ وَرَائِى – قَالَ – فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَضْحَكُ فَقَالَ « يَا أُنَيْسُ أَذَهَبْتَ حَيْثُ أَمَرْتُكَ ». قَالَ قُلْتُ نَعَمْ أَنَا أَذْهَبُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ) .رواه مسلم .
أيها المسلمون
لقد كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ إماما للناس ، ومعلما للدين ، وحاكما وقاضيا ، وقائدا للجيوش ، كما كان أبا رحيما ، وزوجا بارا ، وصاحبا وفيا ،ومع هذا كله فقد كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ ضحاكًا بساماً ، يربي ويهذب بالابتسامة والممازحة ، فلضحكاته منافع ، ولابتساماته وممازحاته مقاصد وفوائد ، ولو ترك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ طريق الابتسامة إلى العبوس ، لأخذ الناس أنفسهم بذلك ، على ما فيه من مخالفة الفطرة من المشقة والعناء .قال الإمام النووي : ” المزاح المنهي عنه هو الذي فيه إفراط ويداوم عليه ، فإنه يورث الضحك وقسوة القلب ، ويشغل عن ذكر الله تعالى ، ويؤول في كثير من الأوقات إلى الإيذاء ، ويورث الأحقاد ، ويسقط المهابة والوقار ، فأما من سلم من هذه الأمور فهو المباح الذي كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يفعله ” .وقال رجل لسفيان بن عيينة : المزاح هجنة أي مستنكر؟! ، فقال : ” بل هو سُنَّة ، ولكن لمن يُحسنه ويضعه في موضعه ” . ومن مزاحه صلى الله عليه وسلم : جاءت امرأة عجوز من الصحابيات إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت له: يا رسول الله ادع الله أن يدخلني الجنة، فداعبها صلى الله عليه وسلم قائلاً: إن الجنة لا تدخلها عجوز، فانصرفت العجوز باكية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للحاضرين: أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز، إن الله تعالى يقول : {إنَّا أنشأناهن إنشاءً فجعلناهن أبكاراً} الواقعة 35 ، 36 :أي أنها حين تدخل الجنة سيعيد الله إليها شبابها وجمالها رواه الطبراني. وعن امية بن مخشي – رضي الله عنه – قال : قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- جَالِسًا وَرَجُلٌ يَأْكُلُ فَلَمْ يُسَمِّ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْ طَعَامِهِ إِلاَّ لُقْمَةٌ فَلَمَّا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ فَضَحِكَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- ثُمَّ قَالَ « مَا زَالَ الشَّيْطَانُ يَأْكُلُ مَعَهُ فَلَمَّا ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ اسْتَقَاءَ مَا فِى بَطْنِهِ ».رواه أبو داود وفيه :(عَنْ حُصَيْنٍ عَنِ الشَّعْبِىِّ عَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ ). قَالَ أَخَذْتُ عِقَالاً أَبْيَضَ وَعِقَالاً أَسْوَدَ فَوَضَعْتُهُمَا تَحْتَ وِسَادَتِى فَنَظَرْتُ فَلَمْ أَتَبَيَّنْ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَضَحِكَ فَقَالَ « إِنَّ وِسَادَكَ لَعَرِيضٌ طَوِيلٌ إِنَّمَا هُوَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ ». قَالَ عُثْمَانُ « إِنَّمَا هُوَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ ».
الدعاء