خطبة عن ( الحلال بين والحرام بين )
يناير 18, 2016خطبة عن (الرياء: أقسامه وصوره )
يناير 30, 2016الخطبة الأولى ( الرياء )
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله هو خير الخلق وحبيب الحق ورحمة الله للخلق أجمعين .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى البخاري في صحيحه : ( قَالَ النَّبِىُّ – صلى الله عليه وسلم – « مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ ، وَمَنْ يُرَائِى يُرَائِى اللَّهُ بِهِ »
إخوة الإسلام
قد يعمل المسلم العمل لله تعالى لا للناس فيمدحه الناس عليه فلا يعتبر ذلك رياء ولا يذم عليه؛ بل يكون بشرى طيبة له، فقد روى مسلم في صحيحه (عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ مِنَ الْخَيْرِ وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عَلَيْهِ قَالَ : « تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ ». وإذا فرح العبد لثناء الناس عليه والحالة هذه فلا يعتبر ذلك رياء، كما قال صاحب كتاب تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد: فأما إذا عمل العمل لله خالصاً ثم ألقى الله له الثناء الحسن في قلوب المؤمنين ففرح بفضل الله ورحمته واستبشر بذلك لم يضره. انتهى.، وأما حب إبراز النفس والتفوق فهو مذموم لأن العبد مطالب بالتواضع، وعلى قدر تواضعه تكون رفعته ومنزلته عند الله تعالى، ففي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « وَإِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَىَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لاَ يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ وَلاَ يَبْغِى أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ ».
إخوة الإسلام
وللرياء في حياتنا صور كثيرة ومتعددة ومتنوعة ، فمن صور الرياء في حياتنا : الرياء في الدين بإظهار الورع والتقوى والاصلاح أمام الناس ، وكذا النحول والصفار ليوهم بذلك شدة الاجتهاد وعظم الحزن على أمر الدين وغلبة خوف الآخرة . ومنها الرياء بالهيئة والزي وذلك مثل تشعيث الشعر ، وإطراق الرأس في المشي ، والهدوء في الحركة ، وإبقاء أثر السجود على الوجه ، كل ذلك يراءى به . ومنها الرياء بالقول فرياء أهل الدين بالوعظ والتذكير والنطق بالحكمة والآثار لإظهار شدة العناية بأحوال الصالحين وتحريك الشفتين بالذكر في محضر الناس . وأما الرياء في العمل فكمراءاة المصلى بطول القيام وطول السجود والركوع وإطراق الرأس وترك الالتفات . وأما المراءاة بالأصحاب والزائرين كالذي يتكلف أن يستزير عالما من العلماء ليقال : إن فلانا قد زار فلانا .
إخوة الاسلام
ومن الناس من يترك العمل خوفا من أن يكون مرائيا به ، وذلك خطأ وموافقة للشيطان وترك للخير ، فما دام الباعث على العمل صحيحا وهو في ذاته موافق للشرع الحنيف فلا يترك العمل لوجود خاطر الرياء ، بل على العبد أن يجاهد خاطر الرياء ويلزم قلبه الحياء من الله وأن يستبدل بحمده حمد المخلوقين .قال الفضل بن عياض : العمل من أجل الناس شرك ، وترك العمل من أجل الناس رياء ، والإخلاص أن يعافيك الله منهما . وقال غيره : من ترك العمل خوفا من الرياء فقد ترك الإخلاص والعمل . كما يجدر التنبه إلى أن الخوف الدائم من الرياء والنفاق والحذر من الوقوع فيهما، دليل خير ولا يعد من الوسواس، وهو محمود ما لم يصل بصاحبه إلى اليأس، فقد كان السلف الصالح من الصحابة ومن بعدهم يخافون من النفاق ويحذرون من الرياء، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحذر أمته منهما، ففي سنن البيهقي (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : خَرَجَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ : « أَيُّهَا النَّاسُ إِيَّاكُمْ وَشِرْكَ السَّرَائِرِ ». قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا شِرْكُ السَّرَائِرِ؟ قَالَ : « يَقُومُ الرَّجُلُ فَيُصَلِّى فَيُزَيِّنُ صَلاَتَهُ جَاهِدًا لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ النَّاسِ إِلَيْهِ ، فَذَلِكَ شِرْكُ السَّرَائِرِ ». وقد كان الحسن البصري يحلف بالله بالذي لا إله إلا هو ما مضى مؤمن قط ولا بقي إلا وهو يخاف من النفاق، وما آمنه إلا منافق، وما خافه إلا مؤمن،
أيها المسلمون
ونأتي إلى سؤال الخاتمة عن الرياء وهو : كيف تعالج الرياء في قلبك وتجعل عملك خالصا لله ؟ والإجابة : عليك باتباع الآتي : أولا : أن تعالج نيتك لتكون لله خالصة لوجهه سبحانه، وبأن تجاهد نفسك لتبعد الرياء عن قلبك وهو أمر ليس باليسير إلا على من يسره الله عليه؛ ولذلك قيل “إخلاص ساعة نجاة الأبد”، ثانيا :ومن طرق معالجة الرياء : معرفة خطر الرياء ومضرته، فإنه يحبط العمل في كثير من صوره – والعياذ بالله عز وجل – وقد قال تعالى: ((وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا))[الفرقان:23]. وقد تقدم قوله جل وعلا في الحديث القدسي: « قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِى تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الرياء )
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله هو خير الخلق وحبيب الحق ورحمة الله للخلق أجمعين .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وما زلنا مع خطر الرياء ، فبهذا النظر يحصل للمؤمن وجل من أن يحبط عمله عدا تعرضه لمقت الله عز وجل وغضبه بل وتعرضه أيضاً لعذابه، ففي سنن الترمذي ( حَدَّثَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَنْزِلُ إِلَى الْعِبَادِ لِيَقْضِىَ بَيْنَهُمْ وَكُلُّ أُمَّةٍ جَاثِيَةٌ فَأَوَّلُ مَنْ يَدْعُو بِهِ رَجُلٌ جَمَعَ الْقُرْآنَ وَرَجُلٌ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَرَجُلٌ كَثِيرُ الْمَالِ فَيَقُولُ اللَّهُ لِلْقَارِئِ أَلَمْ أُعَلِّمْكَ مَا أَنْزَلْتُ عَلَى رَسُولِي قَالَ بَلَى يَا رَبِّ. قَالَ فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عُلِّمْتَ قَالَ كُنْتُ أَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ. فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ كَذَبْتَ وَتَقُولُ لَهُ الْمَلاَئِكَةُ كَذَبْتَ وَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ إِنَّ فُلاَنًا قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ. وَيُؤْتَى بِصَاحِبِ الْمَالِ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ أَلَمْ أُوَسِّعْ عَلَيْكَ حَتَّى لَمْ أَدَعْكَ تَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ قَالَ بَلَى يَا رَبِّ. قَالَ فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا آتَيْتُكَ قَالَ كُنْتُ أَصِلُ الرَّحِمَ وَأَتَصَدَّقُ. فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ كَذَبْتَ وَتَقُولُ لَهُ الْمَلاَئِكَةُ كَذَبْتَ وَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ فُلاَنٌ جَوَادٌ فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ. وَيُؤْتَى بِالَّذِي قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ فِى مَاذَا قُتِلْتَ فَيَقُولُ أُمِرْتُ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِكَ فَقَاتَلْتُ حَتَّى قُتِلْتُ. فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ كَذَبْتَ وَتَقُولُ لَهُ الْمَلاَئِكَةُ كَذَبْتَ وَيَقُولُ اللَّهُ بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ فُلاَنٌ جَرِيءٌ فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ ». ثُمَّ ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى رُكْبَتِي فَقَالَ :« يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أُولَئِكَ الثَّلاَثَةُ أَوَّلُ خَلْقِ اللَّهِ تُسَعَّرُ بِهِمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ». فباستحضار هذا المعنى يخاف المؤمن من حبوط عمله من جهة ومن تعرضه لمقت الله وعذابه من جهة أخرى، فيكون أبعد الناس عنه. ثالثا : لعلاج الرياء : معرفة فضيلة الإخلاص ، رابعا : الحرص على الأعمال التي يقدر الإنسان على إخفائها ولكن دون مبالغة في ذلك ، قال تعالى: ((إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ))[البقرة:271]. ، خامسا: لعلاج الرياء يلزمك الحرص على مصاحبة أهل الخير ، فإن الإنسان إذا جالس أهل الخير وأهل الإخلاص وأهل المعرفة وسمع كلامهم حصل له اقتداء بأحوالهم وسهل عليه أن يتخلق بأخلاقهم، ولذلك جاء في البخاري ومسلم (عَنْ أَبِى مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً ». ، سادسا : لمعالجة الرياء : عدم إظهار التحرز من الرياء على طريق المبالغة أمام الناس، كمن تبذل جهدها أن تتحرز من الرياء فتكون بذلك قد وقعت في الرياء على الحقيقة؛ لأنها تظهر للناس أنها من المخلصين، فالصواب هو العمل الصالح الذي يصدر على سجيته، فإن احتجت إلى الصلاة أمام أخواتك وصاحباتك فصلي لا حرج عليك في ذلك، ولا تتجنبي ذلك لأجل الخوف من الرياء، ولذلك قيل: “إن ترك العمل الصالح خوفاً من الرياء هو من الرياء”، ، سابعا: لمعالجة الرياء : لزوم باب التضرع والإكثار من اللجوء إلى الله تعالى ودعائه أن يصرف هذه الآفة الماحقة عن القلب، وبخاصة هذا الدعاء الجليل الذي علمنا إياه النبي صلى الله عليه وسلم: كما في المعجم الأوسط (خطبنا أبو موسى فقال خطبنا رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال أيها الناس اتقوا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل فقال من شاء الله أن يقول وكيف نتقيه يا رسول الله وهو أخفى من دبيب النمل قال قولوا : اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئا تعلمه ونستغفرك لمالا نعلم ) ، وقد كان من دعاء عمر رضي الله عنه: اللهم اجعل عملي كله صالحاً واجعله لوجهك خالصاً ولا تجعل لأحد فيه شيئاً.
الدعاء