خطبة عن ( الرضا عن الله )
يوليو 11, 2016خطبة عن ( من هو أسعد الناس؟ )
يوليو 11, 2016الخطبة الأولى ( الزهد: معناه وأقسامه ومتعلقاته )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى ابن ماجة وغيره : (عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِىِّ قَالَ أَتَى النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ دُلَّنِى عَلَى عَمَلٍ إِذَا أَنَا عَمِلْتُهُ أَحَبَّنِىَ اللَّهُ وَأَحَبَّنِىَ النَّاسُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « ازْهَدْ فِى الدُّنْيَا يُحِبَّكَ اللَّهُ وَازْهَدْ فِيمَا فِى أَيْدِى النَّاسِ يُحِبُّوكَ ».
إخوة الإسلام
هذه وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذا الصحابي ، بل ولكل من أراد أن يحبه الله ويحبه الناس، أن يكون زاهدا في الدنيا ، ولكن ما معنى الزهد ؟ وما هي حقيقته ؟ ،فأقول : الزهد في اللغة هو القلة في الشيء ،أما الزهد في الشرع ، فهو أن تجعل الدنيا مطيتك للآخرة ، الزهد :هو تطويع المباحات في كل ما يرضي رب الأرض والسموات ،الزهد :هو أن تنظر للدنيا بعين الزوال فتصغر في عينك فيسهل عليك الإعراض عنها ، لذلك ، سئل أحدهم ،الرجل يكون معه ألف دينار هل يكون زاهدا ؟، فقال نعم على شريطة أن لا يفرح إذا زادت ، ولا يحزن إذا نقصت ،يقول سبحانه : ( لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ) الحديد 23 ، نعم ، الزهد في الدنيا هو الإنصراف عن كل ما لا ينفع في الآخرة ، وأن تخرج من قلبك حب الدنيا ،والحرص عليها ، والرغبة فيها ،فتصبح الدنيا في يدك وليست في قلبك ،فلا تحزن على ما فاتك منها ،ولا تفرح بما آتاك منها ، يحكى ، أن ملكا من بني إسرائيل خرج يوما في موكب له ،فأخذ الناس ينظرون إليه ،حتى مر على رجل يعمل مكبا على عمله ،فلم يرفع رأسه إليه ،فوقف الملك ،وقال :كل الناس تتطلع الي إلا أنت ،قال الرجل : إني رأيت ملكا قبلك كان على هذه القرية ،مات هو ورجل مسكين في يوم واحد ،فدفن الملك والمسكين متجاورين ،فلم أزل أتعهدهما ،كل يوم أنظر إليهما ،حتى تفرقت أوصالهما (المفاصل والأعضاء ) وكشف الريح عن قبريهما ،ثم اختلط رأس هذا ورأس هذا ،وعظام هذا مع عظام هذا ،فلم أعرف رأس الملك من رأس المسكين ،فلذلك لم أنظر إليك ؟؟
إخوة الإسلام
يقول ابن عباس رضي الله عنه 🙁 الزهد ألا يسكن قلبك إلى موجود في الدنيا ،ولا يرغب في مفقود منها ) ،ويقول آخر : ( الزهد ترك راحة الدنيا ،طلبا لراحة الآخرة ) ، نعم ، فالزاهد يكون صابرا في البلاء ، وشاكرا في الرخاء ، ولكن من المؤسف أن البعض منا فهم الزهد فهما خاطئا وعلى غير حقيقته ، البعض منا ، فهم أن الزهد هو رفض الدنيا بالكلية ،والابتعاد عنها ،فحرم على نفسه ما أحل الله له ، لأنه فهم أن الزهد هو ترك التنعم بالدنيا ، فهم أن الزهد أن يأكل أردأ الطعام ،ويلبس أخشن الثياب ،وأن يترك النظافة والتجمل ،فعاش أشعث الرأس أغبر الهيئة متسخ الملابس ،تركوا الفراش وناموا على التراب ،تركوا المنازل والبيوت وسكنوا الجبال والكهوف ،تركوا الزواج وعاشوا بلا أسرة ولا أولاد ،تركوا العمل والكسب الحلال وعاشوا عالة على الناس ،تركوا مجالس العلم وعبدوا الله بالجهالات ،تركوا مخالطة الناس وعاشوا في الشعاب ، تركوا العطور وفاحت منهم رائحة العرق ونتن الثياب ،وأنا أسألكم بالله ، هل كان هذا هو حال رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وهو إمام الزاهدين ،وإمام المتقين ؟، فأقول لا والله لم يكن رسول الله كذلك ، ولم يفهم الزهد كما فهمه هؤلاء الجهلة ممن يدعون الزهد والورع والتقوى والولاية والصلاح ، لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك بل كان يأكل أطايب الطعام إذا قدمت إليه ،فإن لم يجد رضي بما قدم إليه ففي البخاري (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – فِى دَعْوَةٍ ، فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ ، وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ ، فَنَهَسَ مِنْهَا نَهْسَةً وَقَالَ « أَنَا سَيِّدُ الْقَوْمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) ( الحديث ) ، وكان صلى الله عليه وسلم يلبس أحسن الثياب إذا أتيحت له ،فإن لم يجد رضي بما أفاء الله عليه وكان صلى الله عليه وسلم جميل المنظر ،جميل الهيئة ففي صحيح البخاري (عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ – رضى الله عنهما – قَالَ كَانَ النَّبِىُّ – صلى الله عليه وسلم – مَرْبُوعًا ، بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ ، لَهُ شَعَرٌ يَبْلُغُ شَحْمَةَ أُذُنِهِ ، رَأَيْتُهُ فِى حُلَّةٍ حَمْرَاءَ ، لَمْ أَرَ شَيْئًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ)، وكان يفوح منه العطر والطيب ،كيف لا وهو القائل كما في صحيح مسلم : « إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ )، وفي البخاري : (أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ قَالَ سَأَلْتُ أَنَسًا رضى الله عنه عَنْ صِيَامِ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ مَا كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَرَاهُ مِنَ الشَّهْرِ صَائِمًا إِلاَّ رَأَيْتُهُ وَلاَ مُفْطِرًا إِلاَّ رَأَيْتُهُ ، وَلاَ مِنَ اللَّيْلِ قَائِمًا إِلاَّ رَأَيْتُهُ ، وَلاَ نَائِمًا إِلاَّ رَأَيْتُهُ ، وَلاَ مَسِسْتُ خَزَّةً وَلاَ حَرِيرَةً أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – ، وَلاَ شَمِمْتُ مِسْكَةً وَلاَ عَبِيرَةً أَطْيَبَ رَائِحَةً مِنْ رَائِحَةِ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم)، وكان صلى الله عليه وسلم يمتلك المال وينفقه في سبيل الله ،وكان يعيش مع الناس ويخالطهم ،وكان له منزل وزوجات وأولاد ولم يسكن في جبل ولا لبس المرقع قاصدا ولا (الشوال ) ،ولا ترك شعره أشعث أغبر ، وللأسف البعض منكم يعتقد أن هؤلاء هم الصالحون بل وقد يتمنى البعض منكم أن يكون مثلهم ،وهو لا يعلم أن هؤلاء عبدوا الله على جهالة ،فكانت عاقبة أمرهم خسرا
أيها المؤمنون
وقد قسم بعض العلماء متعلقات الزهد إلى خمس : أولها :المال ،وقالوا ليس المراد من الزهد رفض المال ،ولكن كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في مسند الامام احمد (نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلْمَرْءِ الصَّالِحِ » ، فالمال يكون نعمة إذا أعان صاحبه على طاعة الله ويكون نقمة إذا جعل صاحبه يفسد ويطغى ،يقول سبحانه (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ) العلق 6،7 ، وثاني متعلقات الزهد: الملك والرئاسة ،فليس المراد بالزهد أيضا بفض الملك والرياسة ،فسيدنا سليمان وداود عليهما السلام كانا ملكين وكانا من أزهد الناس في زمانهما ،وإنما الملك الذي يطغي صاحبه هو الذي نهى الله عنه وذكر الله ، ولنا قصة هذا الملك الذي كفر وطغى فقال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) البقرة 258
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الزهد: معناه وأقسامه ومتعلقاته)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
كان أول متعلقات الزهد :المال، وثانيها: الملك والرئاسة ،أما ثالثها :الصورة والهيئة والشكل ،فليس من الزهد أم يكون المرء أشعث أغبر لا يحسن ما يلبس فعندما سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ملبسه ،كما في صحيح مسلم : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ ». قَالَ رَجُلٌ إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً. قَالَ « إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ ». أما رابع متعلقات الزهد فهو الزهد عما في أيدي الناس ،ويقصد بذلك عدم طلب ما في أيدي الناس والرضى بما أعطاك الله وعم التطلع الى ما في ايدي الغير ،فكله عرض زائل ، أما آخر متعلقات الزهد وخامسها :فهو النفس ويقصد بذلك عدم إعجاب الانسان بنفسه ،فلا يظن أنه سوف يخرق الأرض أو يبلغ الجبال طولا ،فلا يتكبر على خلق الله بمنصبه أو بماله أو بقوته فهو ضعيف وإلى زوال، قال تعالى : (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) الرحمن 26، 27
أيها المسلمون
اعلموا أن الحياة الدنيا ظل زائل (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ )آل عمران 185 ، واعلموا أن وراء الدنيا دارا باقية هي أعظم منها قدرا ،وأعلى منزلة ،وهي دار الخلود والبقاء ،واعلموا أن زهد الزاهدين في الدنيا لا يمنعهم شيئا كتب لهم منها ،وأن حرص الحريصين لا يجلب لهم ما لا يقض لهم فيها ، واعلموا أن الزهد في القلب يصدقه القول والعمل وليس بالهيئة أو بالشكل أو بالتمثيل والخداع وأذكركم بما بدأت به ،ما رواه ابن ماجة وغيره (عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِىِّ قَالَ أَتَى النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ دُلَّنِى عَلَى عَمَلٍ إِذَا أَنَا عَمِلْتُهُ أَحَبَّنِىَ اللَّهُ وَأَحَبَّنِىَ النَّاسُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « ازْهَدْ فِى الدُّنْيَا يُحِبَّكَ اللَّهُ وَازْهَدْ فِيمَا فِى أَيْدِى النَّاسِ يُحِبُّوكَ »
الدعاء