خطبة عن (خلق التوكل على الله )
فبراير 8, 2016خطبة عن (الزواج وحقوق الزوجين والأبناء)
فبراير 9, 2016الخطبة الأولى ( حقوق الأبناء على الآباء )
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى : (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً) النحل (72)
إخوة الإسلام
حديثنا اليوم -إن شاء الله تعالى- عن الزواج وحقوق الأبناء على الآباء : فغالبا ما تكون الأسرة مكونة من زوجين وأبناء ، وقد تعرفنا في لقاء سابق على حقوق الزوجين كلاهما على الآخر ، فما هي حقوق الأبناء على الآباء ؟ ،وما هي حقوق الآباء على الأبناء ؟ ،وبداية أقول : إن الأبناء بالنسبة لآبائهم هم ثمرة الحياة ، وعطرها الفواح ، هم شمسها المشرقة ، وروحها الساري ، وجمالها الباقي ، هم في الدنيا رفقاء ، وفي الآخرة شفعاء ، لذا من أهم حقوقهم : أولا : اختيار الأم ، فيختار الوالد لولده أما يتشرف بها ، ويسعد بالانتساب إليها ، أما ذات عفة ووقار ، أما تحافظ على شرفها وسمعتها ومطيعة لربها ، ومقتدية برسولها ،جاء رجل إلى عمر بن الخطاب يشكو إليه عقوق ابنه فأحضر عمر الولد و أنّبه على عقوقه لأبيه و نسيانه لحقوقه عليه، فقال الولد : يا أمير المؤمنين أليس للولد حقوق على أبيه ؟ ،قال : بلى ، قال : فما هي يا أمير المؤمنين ؟ ،قال عمر : أن ينتقي أمه ، و يحسن اسمه ،و يعلّمه الكتاب أي “القرآن ” قال الولد : يا أمير المؤمنين إنّ أبي لم يفعل شيئًا من ذلك، أما أمي فإنها زنجيّة كانت لمجوس… و قد سمّاني جُعْلاً أي ” خنفساء ” و لم يعلّمني من الكتاب حرفاً واحداً . فالتفت عمر رضي الله عنه إلى الرجل وقال له : جئت إليّ تشكو عقوق ابنك وقد عققته قبل أن يعقّك، و أسأت إليه قبل أن يسيء إليك… ثانيا : من حقوق الأبناء على الآباء أن يعيذ ذريته من الشيطان الرجيم ففي صحيح البخاري (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ ،قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ قَالَ { اللَّهُمَّ } جَنِّبْنِي الشَّيْطَانَ ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنِي . فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ لَمْ يَضُرُّهُ الشَّيْطَانُ ، وَلَمْ يُسَلَّطْ عَلَيْهِ » . ثالثا : من حقوق الأبناء على الآباء ، أن يؤذن في أذنه عند الولادة ، ويختار له أسما حسنا ، ويذبح له عقيقة ، ففي سنن الترمذي :(عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى رَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَذَّنَ فِي أُذُنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِىٍّ حِينَ وَلَدَتْهُ فَاطِمَةُ بِالصَّلاَةِ ). ،وله أن يحسن اختيار اسمه ويذبح له عقيقة ، (فعَنِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الْغُلاَمُ مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ يُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ وَيُسَمَّى وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ ». وفي مسند أحمد (عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِكُمْ فَأَحْسِنُوا أَسْمَاءَكُمْ ». وفي مسند أحمد وغيره (وعَنْ عَلِىٍّ قَالَ لَمَّا وُلِدَ الْحَسَنُ سَمَّيْتُهُ حَرْباً فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ : « أَرُونِي ابْنِى مَا سَمَّيْتُمُوهُ ». قَالَ قُلْتُ حَرْباً. قَالَ « بَلْ هُوَ حَسَنٌ ». فَلَمَّا وُلِدَ الْحُسَيْنُ سَمَّيْتُهُ حَرْباً فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « أَرُونِي ابْنِى مَا سَمَّيْتُمُوهُ ». قَالَ قُلْتُ حَرْباً. قَالَ « بَلْ هُوَ حُسَيْنٌ » رابعا : من حق الولد على والديه أن يحسنا أدبه ، ففي سنن الترمذي (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَا نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدًا مِنْ نَحْلٍ أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ »، وفي صحيح البخاري (أَبَا هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ أَخَذَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ – رضى الله عنهما – تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ ، فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « كِخٍ كِخٍ – لِيَطْرَحَهَا ثُمَّ قَالَ – أَمَا شَعَرْتَ أَنَّا لاَ نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ » ،وأيضا يعلمانه دينه كما في مسند أحمد (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلاَةِ لِسَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ )، وأن يشربا قلبه الحب والعطف ، ويظهرا له الحنان والرحمة والشفقة ، بالقبلات والمداعبات الرقيقة ، ففي الحديث المتفق عليه (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ أَبْصَرَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يُقَبِّلُ الْحَسَنَ فَقَالَ إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ وَاحِدًا مِنْهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّهُ مَنْ لاَ يَرْحَمْ لاَ يُرْحَمْ ». وفي سنن البيهقي والنسائي ومسند أحمد :(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ حَامِلٌ أَحَدَ ابْنَيْهِ الْحَسَنَ أَوِ الْحُسَيْنَ ، فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَوَضَعَهُ عِنْدَ قَدَمِهِ الْيُمْنَى ، فَسَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- سَجْدَةً أَطَالَهَا . قَالَ أَبِى فَرَفَعْتُ رَأْسِي مِنْ بَيْنِ النَّاسِ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- سَاجِدٌ وَإِذَا الْغُلاَمُ رَاكِبٌ عَلَى ظَهْرِهِ ، فَعُدْتُ فَسَجَدْتُ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ النَّاسُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ سَجَدْتَ فِي صَلاَتِكَ هَذِهِ سَجْدَةً مَا كُنْتَ تَسْجُدُهَا أَفَشَيْءٌ أُمِرْتَ بِهِ أَوْ كَانَ يُوحَى إِلَيْكَ؟ قَالَ : « كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ ، إِنَّ ابْنِى ارْتَحَلَنِي فَكَرِهْتُ أَنْ أُعْجِلَهُ حَتَّى يَقْضِىَ حَاجَتَهُ ». خامسا : ومن حق الولد على والديه النفقة حتى يبلغ ، فقد روى مسلم في صحيحه (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ وَدِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذِى أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ ». وفي مسند أحمد (عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِيكَرِبَ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا أَطْعَمْتَ نَفْسَكَ فَهُوَ لَكَ صَدَقَةٌ وَمَا أَطْعَمْتَ وَلَدَكَ فَهُوَ لَكَ صَدَقَةٌ وَمَا أَطْعَمْتَ زَوْجَتَكَ فَهُوَ لَكَ صَدَقَةٌ وَمَا أَطْعَمْتَ خَادِمَكَ فَهُوَ لَكَ صَدَقَةٌ » ،وروى الطبراني في معجمه (عن كعب بن عجرة قال مر على النبي صلى الله عليه و سلم رجل فرأى أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم من جلده ونشاطه ما أعجبهم فقالوا يا رسول الله لو كان هذا في سبيل الله فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن كان خرج يسعى على ولده صغارا فهو في سبيل الله وإن خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله وإن كان يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله وإن كان خرج رياء وتفاخرا فهو في سبيل الشيطان )
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (الزواج : حكمه وفوائده وحقوق الزوجين والأبناء ) 4
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ونواصل الحديث عن حقوق الولد على والديه : سادسا : ومن حق الولد على والديه أن يعدل بين الأبناء ، ولا يعطي أحدهم عطية ويحرم الآخرين ، فإن ذلك يوغر صدورهم ، ويزرع الكراهية والحقد في قلوبهم ، وفي الصحيحين واللفظ لمسلم (عَنِ الشَّعْبِيِّ حَدَّثَنِي النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ أَنَّ أُمَّهُ بِنْتَ رَوَاحَةَ سَأَلَتْ أَبَاهُ بَعْضَ الْمَوْهِبَةِ مِنْ مَالِهِ لاِبْنِهَا فَالْتَوَى بِهَا سَنَةً ثُمَّ بَدَا لَهُ فَقَالَتْ لاَ أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى مَا وَهَبْتَ لاِبْنِي .فَأَخَذَ أَبِى بِيَدِي وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلاَمٌ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمَّ هَذَا بِنْتَ رَوَاحَةَ أَعْجَبَهَا أَنْ أُشْهِدَكَ عَلَى الَّذِى وَهَبْتُ لاِبْنِهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يَا بَشِيرُ أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا ». قَالَ نَعَمْ. فَقَالَ « أَكُلَّهُمْ وَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ هَذَا ». قَالَ لاَ. قَالَ « فَلاَ تُشْهِدْنِي إِذًا فَإِنِّي لاَ أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ ». أيها المسلمون
أما عن حقوق الآباء على الأبناء فهي كثيرة ،وأهمها البر والإحسان والدعاء لهما في حياتهما وبعد مماتهما ، وقد قال الحق تبارك وتعالى في محكم آياته : (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ) النساء 36، وقال سبحانه : (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) الاسراء 22 ، 23 ، وقال تعالى (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ) لقمان 13 : 15 ،وفي الصحيحين (عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَأَلْتُ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ قَالَ « الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا » . قَالَ ثُمَّ أَيُّ قَالَ « ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ ». قَالَ ثُمَّ أَيُّ قَالَ « الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ » وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر ببر الوالدين فقد حذر من عقوقهما ، ففي صحيح البخاري (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو – رضى الله عنهما – قَالَ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْكَبَائِرُ قَالَ « الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ » . قَالَ ثُمَّ مَاذَا قَالَ « ثُمَّ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ » . وفي سنن الترمذي (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَلاَ أُحَدِّثُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ». قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ ».
الدعاء