خطبة عن الصحابي (أبو موسى الأشعري)
يوليو 20, 2016خطبة عن (الإمام الحسن بن علي رضي الله عنه)
يوليو 20, 2016الخطبة الأولى ( الصحابي : أبي بن كعب)
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الفتح:29]، وروى مسلم في صحيحه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ وَأَنَا أَمَنَةٌ لأَصْحَابِي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِى مَا يُوعَدُونَ ».
إخوة الاسلام
إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هم – أبر الناس قلوباً، وأعمقهم علماً ، وأحسنهم خلقاً ،واليوم إن شاء الله نريد أن نقترب من أولئك الرجال الأبرار ، لنستقبل فيهم أروع نماذج البشرية ، ولنرى في سيرتهم اسمى ما عرفت البشرية من عظمة ونبل ورشاد ،نقترب منهم لنرى إيمانهم ، وثباتهم ، وبطولاتهم ، وولاءهم لله ورسوله ، لنرى البذل الذي بذلوا ، والهول الذي احتملوا ، والفوز الذي أحرزوا ،نرى الدور الجليل الذي نهضوا به لتحرير البشرية كلها من وثنية الضمير ، وضياع المصير ، حقا ، إنهم فتية آمنوا بربهم ، فزادهم الله هدى ، واليوم إن شاء الله موعدنا مع صحابي جليل إنه الصحابي : ( أبي بن كعب) ،أما عن نسبه : فهو أُبيّ بن كعب بن قيس الأنصاري الخزرجي، وله كنيتان: أبو المنذر؛ كناه بها النبي صلى الله عليه وسلم ،وأبو الطفيل؛ كناه بها عمر بن الخطاب بابنه الطفيل. وأمه هي صهيلة بنت النجار، وهي عمة أبي طلحة الأنصاري . وكان أُبيّ أبيض الرأس واللحية لا يخضب. أما عن إسلامه : فكان أبي ممن أسلم مبكرًا، وقد شهد بيعة العقبة الثانية، وبعد الهجرة آخى الرسول صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل . وقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أثر في تربية الصحابي أبي بن كعب ،فقد روى الترمذي في سننه بسند صحيح (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- خَرَجَ عَلَى أُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يَا أُبَىُّ ». وَهُوَ يُصَلِّى فَالْتَفَتَ أُبَىٌّ وَلَمْ يُجِبْهُ وَصَلَّى أُبَىٌّ فَخَفَّفَ ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « وَعَلَيْكَ السَّلاَمُ مَا مَنَعَكَ يَا أُبَىُّ أَنْ تُجِيبَنِى إِذْ دَعَوْتُكَ ». فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى كُنْتُ فِى الصَّلاَةِ. قَالَ « أَفَلَمْ تَجِدْ فِيمَا أَوْحَى اللَّهُ إِلَىَّ أَنِ (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) ». قَالَ بَلَى وَلاَ أَعُودُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. قَالَ « تُحِبُّ أَنْ أُعَلِّمَكَ سُورَةً لَمْ يَنْزِلْ فِى التَّوْرَاةِ وَلاَ فِى الإِنْجِيلِ وَلاَ فِى الزَّبُورِ وَلاَ فِى الْفُرْقَانِ مِثْلُهَا ». قَالَ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « كَيْفَ تَقْرَأُ فِى الصَّلاَةِ ». قَالَ فَقَرَأَ أُمَّ الْقُرْآنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ مَا أُنْزِلَتْ فِى التَّوْرَاةِ وَلاَ فِى الإِنْجِيلِ وَلاَ فِى الزَّبُورِ وَلاَ فِى الْفُرْقَانِ مِثْلُهَا وَإِنَّهَا سَبْعٌ مِنَ الْمَثَانِى وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِى أُعْطِيتُهُ) .
أيها المسلمون
ومن ملامح شخصية الصحابي الجليل أبي بن كعب : أنه كان عميد قرّاء الصحابة ، فقد روى البخاري ومسلم واللفظ للبخاري (عَنْ أَنَسٍ – رضى الله عنه – قَالَ قَالَ النَّبِىُّ – صلى الله عليه وسلم – لأُبَىٍّ « إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِى أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ » . قَالَ أُبَىٌّ آللَّهُ سَمَّانِى لَكَ قَالَ « اللَّهُ سَمَّاكَ لِى » . فَجَعَلَ أُبَىٌّ يَبْكِى . قَالَ قَتَادَةُ فَأُنْبِئْتُ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَيْهِ : ( لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ) . وكان رضي الله عنه ممن جمعوا القرآن على عهد رسول الله ؛ ففي البخاري ومسلم ما رواه : (قَتَادَةُ قَالَ سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ – رضى الله عنه – مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ أَرْبَعَةٌ كُلُّهُمْ مِنَ الأَنْصَارِ أُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ، وَأَبُو زَيْدٍ) رضي الله عنهم جميعًا. وقد شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه أقرأ الأمة؛ فقد روى الترمذي في سننه بسند حسن (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَرْحَمُ أُمَّتِى بِأُمَّتِى أَبُو بَكْرٍ وَأَشَدُّهُمْ فِى أَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلاَلِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَقْرَؤُهُمْ أُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ ». كما شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسعة علمه ، ففي صحيح مسلم : ( عَنْ أُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِى أَىُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ ». قَالَ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ « يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِى أَىُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ ». قَالَ قُلْتُ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ. قَالَ فَضَرَبَ فِى صَدْرِى وَقَالَ « وَاللَّهِ لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ ». فكان أُبَي بن كعب من أعلم الصحابة بكتاب الله تعالى، ولعل من أهم عوامل معرفته بمعاني كتاب الله، هو أنه كان حَبْراً من أحبار اليهود، العارفين بأسرار الكتب القديمة، وما ورد فيها، وكونه من كُتَّاب الوحي لرسول الله ، وهذا بالضرورة يجعله على مبلغ عظيم من العلم بأسباب النزول ومواضعه، وناسخه ومنسوخه، ثم لا يُعقل بعد ذلك أن تمر عليه آية من القرآن يشكل معناها عليه دون أن يسأل عنها الرسول ، لهذا كله عُدّ أُبَي بن كعب من المكثرين في التفسير، الذين يُعتدَّ بما صح عنهم، ويُعوَّل على تفسيرهم ،وقد أخذ عن أُبيّ قراءة القرآن: ابنُ عباس، وأبو هريرة، وعبدُ الله بن السائب، وعبدُ الله بن عياش بن أبي ربيعة، وأبو عبد الرحمن السلمي رضي الله عنهم جميعًا، وحدَّث عنه سُوَيْد بن غَفَلَة، وعبد الرحمن بن أَبْزَى، وأبو المهلب رحمهم الله، وآخرون. وكان رضي الله عنه يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد ثبت أن أول من كتب لرسول الله عند مقدمه المدينة أبي بن كعب ، وهو أول من كتب في آخر الكتاب: وكتب فلان. قال: وكان أُبيّ إذا لم يحضر دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت فكتب. ومن مآثره وفضائله وملامح شخصيته أنه في بيته يُؤتى الحَكَم ، فعن ابن سيرين قال: اختصم عمر بن الخطاب ومعاذ بن عفراء رضي الله عنهما، فحكَّما أبي بن كعب فأتياه، فقال عمر بن الخطاب : في بيته يُؤتَى الحَكَمُ. فقضى على عمر باليمين فحلف، ثم وهبها له معاذ.
أيها المسلمون
ومن بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم ما رواه البخاري بسنده عن سُوَيْدَ بْنَ غَفَلَةَ قَالَ لَقِيتُ أُبَىَّ بْنَ كَعْبٍ – رضى الله عنه – فَقَالَ أَخَذْتُ صُرَّةً مِائَةَ دِينَارٍ فَأَتَيْتُ النَّبِىَّ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ « عَرِّفْهَا حَوْلاً » . فَعَرَّفْتُهَا حَوْلَهَا فَلَمْ أَجِدْ مَنْ يَعْرِفُهَا ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَقَالَ « عَرِّفْهَا حَوْلاً » فَعَرَّفْتُهَا فَلَمْ أَجِدْ ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ ثَلاَثًا فَقَالَ « احْفَظْ وِعَاءَهَا وَعَدَدَهَا وَوِكَاءَهَا ، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا ، وَإِلاَّ فَاسْتَمْتِعْ بِهَا » . فَاسْتَمْتَعْتُ فَلَقِيتُهُ بَعْدُ بِمَكَّةَ فَقَالَ لاَ أَدْرِى ثَلاَثَةَ أَحْوَالٍ أَوْ حَوْلاً وَاحِدًا ) ، وروى الترمذي بسند حسن (عَنِ الطُّفَيْلِ بْنِ أُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ قَامَ ،فَقَالَ « يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا اللَّهَ اذْكُرُوا اللَّهَ جَاءَتِ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ ». قَالَ أُبَىٌّ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى أُكْثِرُ الصَّلاَةَ عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلاَتِى فَقَالَ « مَا شِئْتَ ». قَالَ قُلْتُ الرُّبُعَ.قَالَ « مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ ». قُلْتُ النِّصْفَ. قَالَ « مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ ». قَالَ قُلْتُ فَالثُّلُثَيْنِ. قَالَ « مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ ». قُلْتُ أَجْعَلُ لَكَ صَلاَتِى كُلَّهَا. قَالَ « إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ »
أيها المسلمون
وأما من بعض المواقف من حياته رضي الله عنه مع الصحابة الكرام رضوان الله عليهم جميعا ،فكان من مواقفه مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، ما رواه ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال عمر بن الخطاب : اخرجوا بنا إلى أرض قومنا. قال: فخرجنا فكنت أنا وأبي بن كعب في مؤخرة الناس، فهاجت سحابة ،فقال أُبيّ : اللهم اصرف عنا أذاها. فلحقناهم وقد ابتلت رحالهم، فقال عمر: ما أصابكم الذي أصابنا؟ قلت: إن أبا المنذر دعا الله أن يصرف عنا أذاها. فقال عمر : ألا دعوتم لنا معكم؟
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الصحابي: أبي بن كعب)
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وقد كان للصحابي أبي بن كعب رضي الله عنه أثره في الآخرين فقد روى مسلم في صحيحه عن (زِرَّ بْنَ حُبَيْشٍ يَقُولُ سَأَلْتُ أُبَىَّ بْنَ كَعْبٍ – رضى الله عنه – فَقُلْتُ إِنَّ أَخَاكَ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ مَنْ يَقُمِ الْحَوْلَ يُصِبْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ. فَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَرَادَ أَنْ لاَ يَتَّكِلَ النَّاسُ أَمَا إِنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّهَا فِى رَمَضَانَ وَأَنَّهَا فِى الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ وَأَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ. ثُمَّ حَلَفَ لاَ يَسْتَثْنِى أَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ فَقُلْتُ بِأَىِّ شَىْءٍ تَقُولُ ذَلِكَ يَا أَبَا الْمُنْذِرِ قَالَ بِالْعَلاَمَةِ أَوْ بِالآيَةِ الَّتِى أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهَا تَطْلُعُ يَوْمَئِذٍ لاَ شُعَاعَ لَهَا.) ، وعن أسلم المنقري قال: سمعت عبد الله بن عبد الرحمن بن أَبْزَى يحدث عن أبيه قال: لما وقع الناس في أمر عثمان قلت لأبيّ بن كعب : أبا المنذر، ما المخرج من هذا الأمر؟ قال: “كتاب الله، وسنة نبيه ما استبان لكم فاعملوا به، وما أشكل عليكم فكلوه إلى عالمه”. وقد روى رضي الله عنه الكثير من الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ومنها : ما رواه أبو داود في سننه ، عَنْ أُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا الصُّبْحَ فَقَالَ « أَشَاهِدٌ فُلاَنٌ ». قَالُوا لاَ. قَالَ « أَشَاهِدٌ فُلاَنٌ ». قَالُوا لاَ. قَالَ « إِنَّ هَاتَيْنِ الصَّلاَتَيْنِ أَثْقَلُ الصَّلَوَاتِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ وَلَوْ تَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأَتَيْتُمُوهُمَا وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الرُّكَبِ وَإِنَّ الصَّفَّ الأَوَّلَ عَلَى مِثْلِ صَفِّ الْمَلاَئِكَةِ وَلَوْ عَلِمْتُمْ مَا فَضِيلَتُهُ لاَبْتَدَرْتُمُوهُ وَإِنَّ صَلاَةَ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلاَتِهِ وَحْدَهُ وَصَلاَتُهُ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلاَتِهِ مَعَ الرَّجُلِ وَمَا كَثُرَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ». وفي سنن البيهقي وغيره (عَنْ أُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا سَلَّمَ فِى الْوِتْرِ قَالَ :« سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ ». وفي صحيح البخاري : (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ عُمَرُ – رضى الله عنه – أَقْرَؤُنَا أُبَىٌّ ، وَأَقْضَانَا عَلِىٌّ ، وَإِنَّا لَنَدَعُ مِنْ قَوْلِ أُبَىٍّ ، وَذَاكَ أَنَّ أُبَيًّا يَقُولُ لاَ أَدَعُ شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ( مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نَنْسَأْهَا ) [ البقرة : 106 ] . وروى الطبراني في المعجم (عن أبي سعيد قال : قال أبي : يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما جزاء الحمى ؟ قال : تجري الحسنات على صاحبها . فقال : اللهم إني أسألك حمى لا تمنعني خروجا في سبيلك . فلم يمس أبي قط إلا وبه الحمى ) . ومن علمه وفطنته وحكمته أنه كان يقول : ( إن الدنيا فيها بلاغنا ، وزادنا إلى الآخرة ، وفيها أعمالنا التي نجزى بها في الآخرة . ) ، وقال رجل لأبي بن كعب : أوصني ، قال : (اتخذ كتاب الله إماما ، وارض به قاضيا وحكما ، فإنه الذي استخلف فيكم رسولكم ، شفيع ، مطاع ، وشاهد لا يتهم ، فيه ذكركم وذكر من قبلكم ، وحكم ما بينكم ، وخبركم وخبر ما بعدكم ) . وعن أبي في قوله تعالى (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ) الانعام 65 ، قال : هن أربع ، كلهن عذاب ، وكلهن واقع لا محالة ، فمضت اثنتان بعد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بخمس وعشرين سنة ، فألبسوا شيعا ، وذاق بعضهم بأس بعض ، وبقي ثنتان واقعتان لا محالة : الخسف والرجم . وفي سنن البيهقي عن : (مُوسَى بْنُ عُلَىٍّ عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ خَطَبَ النَّاسَ بِالْجَابِيَةِ فَقَالَ : مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ الْقُرْآنِ فَلْيَأْتِ أُبَىَّ بْنَ كَعْبٍ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ الْفَرَائِضِ فَلْيَأَتِ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ الْفِقْهِ فَلْيَأْتِ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ الْمَالِ فَلْيَأْتِنِي فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَنِي لَهُ خَازِنًا وَقَاسِمًا )
أيها المسلمون
ومن كلمات الصحابي أبي بن كعب وأقواله الخالدة أيضا :قوله :( تعلموا العربية كما تعلّمون حفظ القرآن ). وقوله : الصلاة الوسطى صلاة العصر. وقوله أيضًا: ما ترك عبد شيئًا لا يتركه إلا لله إلا آتاه الله ما هو خير منه من حيث لا يحتسب، ولا تهاون به فأخذه من حيث لا ينبغي له إلا أتاه الله بما هو أشد عليه. وقوله: وآخِ الإخوان على قدر تقواهم، ولا تجعل لسانك بذلة لمن لا يرى فيه، ولا تغبط الحي إلا بما تغبط الميت. وقال لرجل قال أوصني يا أبا المنذر. فقال: (لا تعرضنَّ فيما لا يعنيك، واعتزل عدوك، واحترز من صديقك، ولا تغبطنَّ حيًا بشيء إلا ما تغبطه به ميتًا، ولا تطلب حاجة إلى من لا يبالي أن لا يقضيها لك ). وقال : ما من عبد ترك شيئًا لله عز وجل، إلا أبدله الله عز وجل به ما هو خير منه من حيث لا يحتسب. وما تهاون به عبد فأخذه من حيث لا يصلح، إلا أتاه الله عز وجل بما هو أشد عليه منه، من حيث لا يحتسب. قال رجل لأُبي بن كعب رضي الله عنه: أوصني. قال: اتخذ كتاب الله إمامًا، وارضَ به قاضيًا وحكمًا، فإنه الذي استخلف فيكم رسولكم، شفيع مطاع، وشاهد لا يتهم. فيه ذكركم، وذكر من قبلكم، وحكم ما بينكم، وخبركم وخبر ما بعدكم. وقال: عليكم بالسبيل والسنّة، فإنه ليس من عبد على سبيل وسنّة، ذَكَرَ الرحمن عز وجل ففاضت عيناه من خشية الله فتمسَّه النار. وليس من عبد على سبيل وسنّة، ذكر الرحمن فاقشعر جلده من خشية الله، إلا كان مثله كمثل شجرة يبس ورقها، فبينما هي كذلك، إذ أصابتها الريح فتحاتَّ عنها ورقها، إلا تحاتت عنه ذنوبه كما تحاتَّ عن هذه الشجرة ورقها. وإن اقتصادًا في سبيل وسنَّة، خير من اجتهاد في خلاف من سبيل وسنّة. فانظروا أعمالكم، فإن كانت اجتهادًا أو اقتصادًا، أن تكون على منهاج الأنبياء وسنتهم. وقال : المؤمن بين أربع: إن ابتلي صبر، وإن أعطي شكر، وإن قال صدق، وإن حكم عدل. فهو يتقلب في خمسة من النور، وهو الذي يقول الله: ( نُّورٌ عَلَى نُورٍ) [سورة النور، آية (35)] ، كلامه نور، وعلمه نور، ومدخله في نور، ومخرجه من نور، ومصيره إلى النور يوم القيامة. والكافر يتقلب في خمسة من الظلم، فكلامه ظلمة، وعمله ظلمة، ومدخله ظلمة، ومخرجه في ظلمة، ومصيره إلى الظلمات يوم القيامة. وقال: تعلموا العلم، واعملوا به، ولا تتعلموه لتتجملوا به، فإنه يوشك إن طال بكم زمان، أن يتجمل بالعلم كما يتجمل الرجل بثوبه ، وقال رجل لأُبي بن كعب رضي الله عنه: عظني ولا تكثر علي. فقال له: اقبل الحق ممن جاءك به، وإن كان بعيدًا بغيضًا، واردد الباطل على من جاءك به، وإن كان حبيبًا قريبًا.
أيها المسلمون
وأما عن وفاته رضي الله عنه فقد اختلف في سنة وفاته ؛ فقيل: تُوُفِّي في خلافة عمر سنة تسع عشرة، وقيل: سنة عشرين، وقيل: سنة اثنتين وعشرين. وقيل: إنه مات في خلافة عثمان سنة اثنتين وثلاثين. قال في المستدرك: وهذا أثبت الأقاويل؛ لأن عثمان أمره بأن يجمع القرآن.
الدعاء