خطبة عن (الصحابي: الطفيل بن عمرو الدوسي )
يوليو 20, 2016خطبة عن (الصحابي: المقداد بن الأسود أو( المقداد بن عمرو)
يوليو 20, 2016الخطبة الأولى (الصحابي: العباس بن عبد المطلب )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الفتح:29]، وروى مسلم في صحيحه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ وَأَنَا أَمَنَةٌ لأَصْحَابِي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِى مَا يُوعَدُونَ ».
إخوة الاسلام
إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هم – أبر الناس قلوباً، وأعمقهم علماً ، وأحسنهم خلقاً ،واليوم إن شاء الله نريد أن نقترب من أولئك الرجال الأبرار ، لنستقبل فيهم أروع نماذج البشرية ، ولنرى في سيرتهم اسمى ما عرفت البشرية من عظمة ونبل ورشاد ،نقترب منهم لنرى إيمانهم ، وثباتهم ، وبطولاتهم ، وولاءهم لله ورسوله لنرى البذل الذي بذلوا ، والهول الذي احتملوا ، والفوز الذي أحرزوا ،نرى الدور الجليل الذي نهضوا به لتحرير البشرية كلها من وثنية الضمير ، وضياع المصير ، حقا ، إنهم فتية آمنوا بربهم ، فزادهم الله هدى ،واليوم إن شاء الله موعدنا مع صحابي جليل إنه الصحابي : ( العباس بن عبد المطلب ) ،أما عن نسبه ومولده : فهو العباس بن عبد المطلب بن هاشم عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويكنى أبا الفضل، ولد في مكة قبل مولد الرسول بعامين أو ثلاثة. وأمه نتيلة بنت جناب بن كليب، وهي أول من كسا الكعبة الحرير والديباج، وذلك أن العباس ضاع وهو صغير، فنذرت إن وجدته أن تكسو البيت، فوجدته ففعلت. له أحد عشر أخًا، وست أخوات. وقد وُلد للعباس عشرة من الذكور ما عدا الإناث. وكانت السقاية في الجاهلية لبني هاشم، وكان أبو طالب يتولاها، فلما اشتد الفقر بأبي طالب، أسند السقاية إلى أخيه العباس، وكان من أكثر قريش مالاً، فقام بها، وعليه كانت عمارة المسجد. وكان نديمه في الجاهلية أبا سفيان بن حرب. وفي بيعة العقبة الثانية عندما قدم مكة في موسم الحج وفد الأنصار، ثلاثة وسبعون رجلاً وامرأتان؛ ليعطوا الله ورسوله بيعتهم، وليتفقوا مع الرسول على الهجرة إلى المدينة، أنهى الرسول نبأ هذا الوفد إلى عمه العباس ، فقد كان يثق بعمه في رأيه كله، فلما اجتمعوا كان العباس أول المتحدثين فقال: “يا معشر الخزرج، إن محمدًا منا حيث قد علمتم، وقد منعناه من قومنا، ممن هو على مثل رأينا فيه، فهو في عز من قومه، ومنعة في بلده، وإنه قد أَبَى إلا الانحياز إليكم واللحوق بكم، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه، ومانعوه ممن خالفه فأنتم وما تحملتم من ذلك، وإن كنتم ترون أنكم مسلِّموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم فمن الآن فدعوه، فإنه في عز ومنعة من قومه وبلده”. كان العباس يلقي بكلماته الحازمة هذه, وعيناه تحدقان كعيني الصقر في وجوه النصر.. يتتبع وقع الكلام وردود فعله العاجلة.. ولم يكتف العباس بهذا, فذكاؤه العظيم ذكاء عملي يتقصّى الحقيقة في مجالها المادي, ويواجه كل أبعادها مواجهة الحاسب الخبير.. هناك استأنف حديثه مع الأنصار بسؤال ذكي ألقاه, ذلك هو: ” صفوا لي الحرب, كيف تقاتلون عدوّكم”! كان الأنصار الذين يصغون للعباس رجالا كالأطواد.. ولم يكد العباس يفرغ من حديثه, لا سيما ذلك السؤال المثير الحافز حتى شرع الأنصار يتكلمون.. وبدأ عبدالله بن عمرو بن حرام مجيبا على السؤال:” نحن, والله, أهل الحرب.. غذينا بها ,ومرّنا عليها, وورثناها عن آبائنا كابرا فكابر.. نرمي بالنبل حتى تفنى.. ثم نطاعن بالرماح حتى تنكسر..ثم نمشي بالسيوف, فنضارب بها حتى يموت الأعجل منا أو من عدونا”..! وأجاب العباس متهللا:” أنتم أصحاب حرب إذن, فهل فيكم دروع”..؟ قالوا:” نعم.. لدينا دروع شاملة”.. وكان الرسول يذكُر بالمدينة ليلة العقبة فيقول: “أيِّدتُ تلك الليلة بعمّي العبّاس، وكان يأخذ على القومِ ويُعطيهم”.
أيها المسلمون
وأُخرج العباس إلى بدر مكرهًا مثل غيره من بني هاشم، فأسر وشد وثاقه، وسهر النبي تلك الليلة ولم ينم، فقالوا: ما يسهرك يا نبي الله؟ قال: “أسهر لأنين العباس”. فقام رجل من القوم فأرخى وثاقه، ثم أمر الرسول أن يفعل ذلك بالأسرى كلهم. وفدى العباس نفسه وابني أخيه عقيل بن أبي طالب، ونوفل بن الحارث، وحليفه عتبة بن عمرو، وكان أكثر الأُسارى يوم بدر فداءً، لأنه كان رجلاً موسرًا، فافتدى نفسه بمائة أوقية من ذهب. وفي مسند أحمد : (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ الَّذِى أَسَرَ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَبُو الْيَسَرِ بْنُ عَمْرٍو وَهُوَ كَعْبُ بْنُ عَمْرٍو أَحَدُ بَنِى سَلِمَةَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « كَيْفَ أَسَرْتَهُ يَا أَبَا الْيَسَرِ ». قَالَ لَقَدْ أَعَانَنِي عَلَيْهِ رَجُلٌ مَا رَأَيْتُه بَعْدُ وَلاَ قَبْلُ هَيْئَتُهُ كَذَا هَيْئَتُهُ كَذَا. قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لَقَدْ أَعَانَكَ عَلَيْهِ مَلَكٌ كَرِيمٌ ». وَقَالَ لِلْعَبَّاسِ « يَا عَبَّاسُ افْدِ نَفْسَكَ وَابْنَ أَخِيكَ عَقِيلَ بْنَ أَبِى طَالِبٍ وَنَوْفَلَ بْنَ الْحَارِثِ وَحَلِيفَكَ عُتْبَةَ بْنَ جَحْدَمٍ ». أَحَدُ بَنِى الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ قَالَ فَأَبَى وَقَالَ إِنِّى قَدْ كُنْتُ مُسْلِماً قَبْلَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا اسْتَكْرَهُونِى. قَالَ « اللَّهُ أَعْلَمُ بِشَأْنِكَ إِنْ يَكُ مَا تَدَّعِى حَقًّا فَاللَّهُ يَجْزِيكَ بِذَلِكَ وَأَمَّا ظَاهِرُ أَمْرِكَ فَقَدْ كَانَ عَلَيْنَا فَافْدِ نَفْسَكَ ». وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ قَدْ أَخَذَ مِنْهُ عِشْرِينَ أُوقِيَّةَ ذَهَبٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ احْسِبْهَا لِي مِنْ فِدَايَ . قَالَ « لاَ ذَاكَ شَيْءٌ أَعْطَانَاهُ اللَّهُ مِنْكَ ». قَالَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِي مَالٌ. قَالَ « فَأَيْنَ الْمَالُ الَّذِى وَضَعْتَهُ بِمَكَّةَ حَيْثُ خَرَجْتَ عِنْدَ أُمِّ الْفَضْلِ وَلَيْسَ مَعَكُمَا أَحَدٌ غَيْرَكُمَا – فَقُلْتَ إِنْ أُصِبْتُ فِي سَفَرِي هَذَا فَلِلْفَضْلِ كَذَا وَلِقُثَمَ كَذَا وَلِعَبْدِ اللَّهِ كَذَا ». قَالَ فَوَ الَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا عَلِمَ بِهَذَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ غَيْرِى وَغَيْرُهَا وَإِنِّي لأَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ. ) ، ولم يعلن العباس إسلامه إلا عام الفتح، مما جعل بعض المؤرخين يعدونه ممن تأخر إسلامهم، بيد أن روايات أخرى من التاريخ توحي أنه كان من المسلمين الأوائل، ولكن كتم إسلامه؛ يقول أبو رافع خادم الرسول : “كنت غلامًا للعباس بن عبد المطلب، وكان الإسلام قد دخلنا أهل البيت، فأسلم العباس، وأسلمت أمُّ الفضل، وأَسْلَمْتُ، وكان العباس يكتم إسلامه”. فكان العباس إذن مسلمًا قبل غزوة بدر، وكان مقامه بمكة بعد هجرة الرسول وصحبه خُطَّة أدت غايتها على خير نسق، وكانت قريش دومًا تشك في نوايا العباس ، ولكنها لم تجد عليه سبيلاً، كما ذُكِرَ أن الرسول قد أمر العباس بالبقاء في مكة. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يجلّه بقدر ما كان يحبه, وكان يمتدحه ويطري سجاياه قائلا: ” هذه بقيّة آبائي”.. وروى الترمذي بسند صحيح (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الْعَبَّاسُ مِنِّى وَأَنَا مِنْهُ » وقَالَ « وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لاَ يَدْخُلُ قَلْبَ رَجُلٍ الإِيمَانُ حَتَّى يُحِبَّكُمْ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ ». ثُمَّ قَالَ « يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ آذَى عَمِّى فَقَدْ آذَانِي فَإِنَّمَا عَمُّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ » وروى الترمذي بسند حسن (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِلْعَبَّاسِ « إِذَا كَانَ غَدَاةُ الاِثْنَيْنِ فَأْتِنِي أَنْتَ وَوَلَدُكَ حَتَّى أَدْعُوَ لَهُمْ بِدَعْوَةٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهَا وَوَلَدَكَ ». فَغَدَا وَغَدَوْنَا مَعَهُ وَأَلْبَسَنَا كِسَاءً ثُمَّ قَالَ « اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْعَبَّاسِ وَوَلَدِهِ مَغْفِرَةً ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً لاَ تُغَادِرُ ذَنْبًا اللَّهُمَّ احْفَظْهُ فِي وَلَدِهِ ».
أيها المسلمون
ومن أهم ملامح شخصية العباس بن عبد المطلب أنه كان جوّادًا مفرط الجود، وصولاً للرحم والأهل، فطنًا إلى حدّ الدهاء، وبفطنته هذه التي تعززها مكانته الرفيعة في قريش، استطاع أن يدرأ عن الرسول حين يجهر بدعوته الكثير من الأذى والسوء. ومن بعض المواقف من حياته رضي الله عنه مع الرسول صلى الله عليه وسلم لم تكن قريش تُخفي شكوكها في نوايا العباس ؛ ولذا فقد وجدت في غزوة بدر فرصة لاختبار حقيقة العباس، فدخل العباس الغزوة مكرهًا، ويلتقي الجمعان في غزوة بدر، وينادي الرسول في أصحابه قائلاً: “إن رجالاً من بني هاشم ومن غير بني هاشم قد أخرجوا كرهًا، لا حاجة لهم بقتالنا، فمن لقي منكم أحدهم فلا يقتله، من لقي أبا البختري بن هشام فلا يقتله، ومن لقي العباس بن عبد المطلب فلا يقتله، فإنما أخرج مستكرهًا”.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (الصحابي: العباس بن عبد المطلب )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وبعد اسلامه يوم فتح مكة ، يجيء يوم حنين ليؤكد فدائية العباس ، فقد كان صوت العباس يومئذٍ وثباته من ألمع مظاهر السكينة والاستبسال، فبينما كان المسلمون مجتمعين في أحد أودية “تهامة” ينتظرون مجيء عدوهم، كان المشركون قد سبقوهم إلى الوادي وكمنوا لهم في شعابه شاحذين أسلحتهم، وعلى حين غفلة انقضوا على المسلمين في مفاجأة مذهلة جعلتهم يهرعون بعيدًا، وكان حول النبي ساعتئذٍ أبو بكر، وعمر، وعليّ، والعباس وبعض الصحابة ولم يكن العباس بجواره فقط، بل كان بين قدميه آخذًا بخطام بغلته، يتحدى الموت والخطر، وأمره الرسول أن يصرخ في الناس، وكان جسيمًا جهوري الصوت، فراح ينادي: “يا معشر الأنصار، يا أصحاب البيعة”. فردوا “لبيك لبيك”، وانقلبوا راجعين جميعًا بعد أن شتتهم هجوم المشركين المفاجئ، وقاتلوا وثبتوا، فنصرهم الله. ومن مواقفه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رواه البخاري في صحيحه :(عَنْ أَنَسٍ – رضى الله عنه – قَالَ أُتِىَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – بِمَالٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ فَقَالَ « انْثُرُوهُ فِى الْمَسْجِدِ » . وَكَانَ أَكْثَرَ مَالٍ أُتِىَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – إِلَى الصَّلاَةِ ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلاَةَ جَاءَ فَجَلَسَ إِلَيْهِ ، فَمَا كَانَ يَرَى أَحَدًا إِلاَّ أَعْطَاهُ ، إِذْ جَاءَهُ الْعَبَّاسُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَعْطِنِي فَإِنِّي فَادَيْتُ نَفْسِى وَفَادَيْتُ عَقِيلاً ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « خُذْ » . فَحَثَا فِى ثَوْبِهِ ، ثُمَّ ذَهَبَ يُقِلُّهُ فَلَمْ يَسْتَطِعْ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أُؤْمُرْ بَعْضَهُمْ يَرْفَعُهُ إِلَىَّ . قَالَ « لاَ » . قَالَ فَارْفَعْهُ أَنْتَ عَلَىَّ . قَالَ « لاَ » . فَنَثَرَ مِنْهُ ، ثُمَّ ذَهَبَ يُقِلُّهُ ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أُؤْمُرْ بَعْضَهُمْ يَرْفَعْهُ عَلَىَّ . قَالَ « لاَ » . قَالَ فَارْفَعْهُ أَنْتَ عَلَىَّ . قَالَ « لاَ » . فَنَثَرَ مِنْهُ ، ثُمَّ احْتَمَلَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى كَاهِلِهِ ثُمَّ انْطَلَقَ ، فَمَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يُتْبِعُهُ بَصَرَهُ حَتَّى خَفِىَ عَلَيْنَا ، عَجَبًا مِنْ حِرْصِهِ ، فَمَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَثَمَّ مِنْهَا دِرْهَمٌ . ) ، ومن بعض المواقف من حياته رضي الله عنه مع الصحابة رضوان الله عليهم : في عام الرمادة, وحيث أصاب العباد والبلاد قحط وبيل, خرج أمير المؤمنين عمر والمسلمون معه إلى الفضاء الرحب يصلون صلاة الاستسقاء, ويضرعون إلى الله الرحيم أن يرسل إليهم الغيث والمطر..ووقف عمر وقد أمسك يمين العباس بيمينه, ورفعها صوب السماء وقال: ” اللهم إنا كنا نسقى بنبيك وهو بيننا..اللهم وإنا اليوم نستسقي بعمّ نبيّك فاسقنا”.. وَأَمَّا الْعَبَّاسُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ قَالَ : ” اللَّهُمَّ إنَّهُ لَمْ يَنْزِلْ بَلَاءٌ مِنْ السَّمَاءِ إلَّا بِذَنْبٍ وَلَمْ يَنْكَشِفْ إلَّا بِتَوْبَةٍ ، وَقَدْ تَوَجَّهَتْ بِي الْقَوْمُ إلَيْك لِمَكَانِي مِنْ نَبِيِّك ، وَهَذِهِ أَيْدِينَا إلَيْك بِالذُّنُوبِ وَنَوَاصِينَا إلَيْك بِالتَّوْبَةِ فَاسْقِنَا الْغَيْثَ فَأَرَخَّتْ السَّمَاءُ مِثْلَ الْجِبَالِ حَتَّى أَخْصَبَتْ الْأَرْضُ ” ولم يغادر المسلمون مكانهم حتى جاءهم الغيث, وهطل المطر, يزفّ البشرى, ويمنح الريّ, ويخصب الأرض.. وأقبل الأصحاب على العباس يعانقونه, ويقبّلونه, ويتبركون به وهم يقولون: ” هنيئا لك.. ساقي الحرمين”.. فمن كان ساقي الحرمين هذا..؟ ومن ذا الذي توسل به عمر إلى الله.. إنه العباس عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم.. ودخل عليه عثمان بن عفان ، وكان العباس خال أمه أروى بنت كريز فقال: يا خال، أوصني. فقال : “أوصيك بسلامة القلب، وترك مصانعة الرجال في الحق، وحفظ اللسان، فإنك متى تفعل ذلك تُرضي ربك، وتصلح لك رعيتك”. وكان رضي الله عنه ذا أثر في الآخرين فمن أثره في الآخرين يقول العباس لعبد الله بن العباس -رضي الله عنهما- ناصحًا: “يا بني، إن الله قد بلغك شرف الدنيا فاطلب شرف الآخرة، واملك هواك، واحرز لسانك إلا مما لك”. ومن بعض الأحاديث التي نقلها رضي الله عنه عن المصطفى صلى الله عليه وسلم عن عامر بن سعد، عن العباس بن عبد المطلب ، أنه سمع رسول الله يقول: “ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد رسولاً”.
أيها المسلمون
ومن كلماته ومقولاته المأثورة ، وحكمه الخالدة : قال العباس بن عبد المطلب لابنه عبد الله بن عباس حين اختصه عمر بن الخطاب وقرّبه: “يا بُنيّ، لا تكذبه فيطرحك، ولا تغتب عنده أحدًا فيمقتك، ولا تقولن له شيئًا حتى يسألك، ولا تفشين له سرًّا فيزدريك”. وقيل للعباس : أنت أكبر أم رسول الله؟ فقال: “هو أكبر مني وأنا ولدتُ قبله”. أما عن الوفاة فكانت وفاته في يوم الجمعة لأربع عشرة ليلة خلت من رجب سنة اثنتين وثلاثين، وصلى عليه عثمان ، ودُفن بالبقيع.
الدعاء