خطبة عن (الصحابي: ثوبان مولى الرسول)
يوليو 20, 2016خطبة عن (الصحابي: حذيفة بن اليمان)
يوليو 20, 2016الخطبة الأولى (الصحابي: جابر بن عبد الله)
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الفتح:29] ،وروى مسلم في صحيحه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ وَأَنَا أَمَنَةٌ لأَصْحَابِي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِى مَا يُوعَدُونَ ».
إخوة الاسلام
إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هم – أبر الناس قلوباً، وأعمقهم علماً ، وأحسنهم خلقاً، واليوم إن شاء الله نريد أن نقترب من أولئك الرجال الأبرار ، لنستقبل فيهم أروع نماذج البشرية ، ولنرى في سيرتهم اسمى ما عرفت البشرية من عظمة ونبل ورشاد ،نقترب منهم لنرى إيمانهم ، وثباتهم ، وبطولاتهم ، وولاءهم لله ورسوله لنرى البذل الذي بذلوا ، والهول الذي احتملوا ، والفوز الذي أحرزوا ،نرى الدور الجليل الذي نهضوا به لتحرير البشرية كلها من وثنية الضمير ، وضياع المصير ،حقا ، إنهم فتية آمنوا بربهم ، فزادهم الله هدى ،واليوم إن شاء الله موعدنا مع صحابي جليل إنه الصحابي: ( جابر بن عبد الله ) : أما عن نسب جابر بن عبد الله وكنيته: فهو جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري السلمي من بني سلمة، يكنى أبا عبد الله. وأمه نسيبة بنت عقبة بن عدي، وهي من بني سلمة أيضًا. وأبوه هو عبد الله بن عمرو بن حرام الصحابي الجليل الذي استشهد في غزوة أُحد. وكان رضي الله عنه ممن أسلم مبكرًا، وهو أحد الستة الذين شهدوا العقبة، وذلك حينما لقي رسول الله عند العقبة في الموسم نفرًا من الأنصار، كلهم من الخزرج وهم: أبو أمامة أسعد بن زرارة بن عدس، وعوف بن الحارث بن رفاعة وهو ابن عفراء، ورافع بن مالك بن العجلان، وقطبة بن عامر بن حديدة، وعقبة بن عامر بن نابي، وجابر بن عبد الله؛ فدعاهم رسول الله إلى الإسلام، فأسلموا مبادرة إلى الخير، ثم رجعوا إلى المدينة فدعوا إلى الإسلام، ففشا الإسلام فيها حتى لم تبق دار إلا وقد دخلها الإسلام. وكان جابر من المكثرين الحفّاظ للسنن، وكُفّ بصره في آخر عمره. وكان للرسول صلى الله عليه وسلم أثر في تربية جابر بن عبد الله رضي الله عنه : فلما أسلم جابر وأبوه عبد الله -رضي الله عنهما- مبكرين، ونال جابر من عطف النبي وحنانه الكثير. وقد اهتم به النبي صلى الله عليه وسلم اهتمامًا كبيرًا، وكان يسأله عن حياته ومعاشه وأحواله كلها، ويوجِّهه دائمًا نحو الخير. فقد روى الإمام أحمد في مسنده : (عَنْ جَابِرٍ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمُ الْمَرْأَةَ فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ مِنْهَا إِلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ ». قَالَ فَخَطَبْتُ جَارِيَةً مِنْ بَنِى سَلِمَةَ فَكُنْتُ أَتَخَبَّأُ لَهَا تَحْتَ الْكَرَبِ حَتَّى رَأَيْتُ مِنْهَا بَعْضَ مَا دَعَانِي إِلَى نِكَاحِهَا فَتَزَوَّجْتُهَا. ) ،وفي البخاري : (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ – رضى الله عنهما – قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يُعَلِّمُنَا الاِسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ يَقُولُ « إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ وَأَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِى – أَوْ قَالَ عَاجِلِ أَمْرِى وَآجِلِهِ – فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِى – أَوْ قَالَ فِي عَاجِلِ أَمْرِى وَآجِلِهِ – فَاصْرِفْهُ عَنِّى وَاصْرِفْنِي عَنْهُ ، وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ أَرْضِنِي – قَالَ – وَيُسَمِّى حَاجَتَهُ » . .وروى البخاري في صحيحه (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ – رضى الله عنهما – قَالَ كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فِي سَفَرٍ ، فَكُنْتُ عَلَى جَمَلٍ ثَفَالٍ ، إِنَّمَا هُوَ فِي آخِرِ الْقَوْمِ ، فَمَرَّ بِي النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ « مَنْ هَذَا » . قُلْتُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ . قَالَ « مَا لَكَ » . قُلْتُ إِنِّي عَلَى جَمَلٍ ثَفَالٍ . قَالَ « أَمَعَكَ قَضِيبٌ » . قُلْتُ نَعَمْ . قَالَ « أَعْطِنِيهِ » . فَأَعْطَيْتُهُ فَضَرَبَهُ فَزَجَرَهُ ، فَكَانَ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ مِنْ أَوَّلِ الْقَوْمِ قَالَ « بِعْنِيهِ » . فَقُلْتُ بَلْ هُوَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ « بِعْنِيهِ قَدْ أَخَذْتُهُ بِأَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ ، وَلَكَ ظَهْرُهُ إِلَى الْمَدِينَةِ » . فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ أَخَذْتُ أَرْتَحِلُ . قَالَ « أَيْنَ تُرِيدُ » . قُلْتُ تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً قَدْ خَلاَ مِنْهَا . قَالَ « فَهَلاَّ جَارِيَةً تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ » . قُلْتُ إِنَّ أَبِى تُوُفِّىَ وَتَرَكَ بَنَاتٍ ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَنْكِحَ امْرَأَةً قَدْ جَرَّبَتْ خَلاَ مِنْهَا . قَالَ « فَذَلِكَ » . فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ قَالَ « يَا بِلاَلُ اقْضِهِ وَزِدْهُ » . فَأَعْطَاهُ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ ، وَزَادَهُ قِيرَاطًا . قَالَ جَابِرٌ لاَ تُفَارِقُنِي زِيَادَةُ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – . فَلَمْ يَكُنِ الْقِيرَاطُ يُفَارِقُ جِرَابَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ) ، وروى الامام أحمد في مسنده : (عَنْ جَابِرٍ قَالَ َمَّا تَزَوَّجْتُ قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « هَلِ اتَّخَذْتُمْ أَنْمَاطاً ». قَالَ قُلْتُ أَنَّى لَنَا أَنْمَاطٌ قَالَ « أَمَا إِنَّهَا سَتَكُونُ ». وَأَنَا أَقُولُ لاِمْرَأَتِي نَحِّى عَنِّى نَمَطَكِ فَتَقُولُ أَوَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّهَا سَتَكُونُ ».
أيها المسلمون
وكان جابر بن عبد الله رضي الله عنه لا يَبلغ إزارُه كعبَهُ، وكان يكره جَرَّ الإِزَارِ والرِّداءِ ويقول: هو خُيَلاء. وروى مسلم في صحيحه : (جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ يَسِيرُ عَلَى جَمَلٍ لَهُ قَدْ أَعْيَا فَأَرَادَ أَنْ يُسَيِّبَهُ قَالَ فَلَحِقَنِى النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فَدَعَا لِي وَضَرَبَهُ فَسَارَ سَيْرًا لَمْ يَسِرْ مِثْلَهُ قَالَ « بِعْنِيهِ بِوُقِيَّةٍ ». قُلْتُ لاَ. ثُمَّ قَالَ « بِعْنِيهِ ». فَبِعْتُهُ بِوُقِيَّةٍ وَاسْتَثْنَيْتُ عَلَيْهِ حُمْلاَنَهُ إِلَى أَهْلِي فَلَمَّا بَلَغْتُ أَتَيْتُهُ بِالْجَمَلِ فَنَقَدَنِي ثَمَنَهُ ثُمَّ رَجَعْتُ فَأَرْسَلَ فِي أَثَرِي فَقَالَ « أَتُرَانِي مَاكَسْتُكَ لآخُذَ جَمَلَكَ خُذْ جَمَلَكَ وَدَرَاهِمَكَ فَهُوَ لَكَ ». وروى في مسند البزار أيضًا قال: لما قُتِلَ أبي يوم أُحُدٍ دعاني النبي صَلَّى الله عليه وسلم فقال: “أتُحِبُّ الدراهمَ”؟ قال: قلتُ: نعم، قال: “لَوْ قَدْ جاءتني دراهمُ أَعطَيتك هكذا وهكذا” قال: فمات النبي صَلَّى الله عليه وسلم قبل أن يُعْطِيني، فلما اسْتُخْلِفَ أبو بكر رحمه الله أتاه مالٌ من البحرين فدعاني فقال: خذ كما قال رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم ،قال: فأخذت بكفَّيّ جميعًا وأخذت الثالثة أقلّ منه، فقلت عُدَّ هذا، فأعطوني مثلَهُ مرتين، فَعُدّ فوجد سبعمائة وخمسون، وأعطوني مثلها مرتين. ويروي رضي الله عنه قائلا: جاءنا رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم، فقلت لامرأتي لا تسألي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم شيئًا، فقالت: يخرج رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم من عندنا ولم نسأله! فنادته، يا رسول الله صَلِّ عَلَيّ وعَلَى زوجي، فقال: “صلى الله عليك وعلى زوجك”، وروى الامام أحمد وغيره (عَنْ جَابِرٍ قَالَ شْتَكَيْتُ وَعِنْدِي سَبْعُ أَخَوَاتٍ لِي فَدَخَلَ عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَنَضَحَ فِي وَجْهِى فَأَفَقْتُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أُوصِى لأَخَوَاتِي بِالثُّلُثَيْنِ قَالَ « أَحْسِنْ ».قُلْتُ بِالشَّطْرِ قَالَ « أَحْسِنْ ». قَالَ ثُمَّ خَرَجَ وَتَرَكَنِي ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ يَا جَابِرُ إِنِّي لاَ أَرَاكَ مَيِّتاً مِنْ وَجَعِكَ هَذَا فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَنْزَلَ فَبَيَّنَ الَّذِى لأَخَوَاتِكَ فَجَعَلَ لَهُنَّ الثُّلُثَيْنِ فَكَانَ جَابِرٌ يَقُولُ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِيَّ : (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ ). [ النساء: 167].
أيها المسلمون
ومن أهم ملامح شخصية الصحابي الجليل جابر بن عبد الله رضي الله عنه : حرصه على الجهاد: فلقد أقبل جابر على الجهاد من أول فرصة واتته للجهاد، ولقد منعه أبوه عبد الله من الخروج إلى بدر وأُحد، واستأثر بذلك الخروج لنفسه، وترك جابرًا الشاب لأخواته الست، ولما استشهد أبوه في غزوة أُحد بادر إلى الخروج إلى الجهاد لا تفوته غزوة مع رسول الله ؛ نصرةً لدين الله وإعلاء لكلمته. قال جابر : “غزا رسول الله إحدى وعشرين غزوة، غزوت معه تسع عشرة غزوة، ولم أشهد بدرًا ولا أحدًا، منعني أبي، حتى إذا قُتل أبي يوم أُحد لم أتخلف عن غزوة غزاها “.ومن بعض مواقف الصحابي جابر بن عبد الله رضي الله عنه مع الرسول صلى الله عليه وسلم : فقد روى البخاري في صحيحه (جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ – رضى الله عنهما – قَالَ لَمَّا قُتِلَ أَبِى جَعَلْتُ أَكْشِفُ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ أَبْكِى ، وَيَنْهَوْنِي عَنْهُ وَالنَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – لاَ يَنْهَانِي ، فَجَعَلَتْ عَمَّتِي فَاطِمَةُ تَبْكِى ، فَقَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « تَبْكِينَ أَوْ لاَ تَبْكِينَ ، مَا زَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رَفَعْتُمُوهُ » ، ومن بعض مواقف جابر بن عبد الله مع الصحابة: فمع أبيه: ففي مسند الإمام أحمد : (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى الْمُشْرِكِينَ لِيُقَاتِلَهُمْ وَقَالَ لِي أَبِى عَبْدُ اللَّهِ : يا جَابِرُ لاَ عَلَيْكَ أَنْ تَكُونَ فِي نَظَّارِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ حَتَّى تَعْلَمَ إِلَى مَا يَصِيرُ أَمْرُنَا فَإِنِّي وَاللَّهِ لَوْلاَ أَنِّى أَتْرُكُ بَنَاتٍ لِي بَعْدِى لأَحْبَبْتُ أَنْ تُقْتَلَ بَيْنَ يَدَىَّ. قَالَ َبَيْنَمَا أَنَا فِي النَّظَّارِينَ إِذْ جَاءَتْ عَمَّتِي بِأَبِي وَخَالِي عَادِلَتَهُمَا عَلَى نَاضِحٍ فَدَخَلَتْ بِهِمَا الْمَدِينَةَ لِتَدْفِنَهُمَا فِي مَقَابِرِنَا إِذْ لَحِقَ رَجُلٌ يُنَادِى أَلاَ إِنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَرْجِعُوا بِالْقَتْلَى فَتَدْفِنُوهَا فِي مَصَارِعِهَا حَيْثُ قُتِلَتْ. فَرَجَعْنَا بِهِمَا فَدَفَنَّاهُمَا حَيْثُ قُتِلاَ فَبَيْنَمَا أَنَا فِي خِلاَفَةِ مُعَاوِيَةَ بْنُ أَبِى سُفْيَانَ إِذْ جَاءَنِي رَجُلٌ فَقَالَ يَا جَابِرُ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَاللَّهِ لَقَدْ أَثَارَ أَبَاكَ عُمَّالُ مُعَاوِيَةَ. فَبَدَا فَخَرَجَ طَائِفَةٌ مِنْهُ فَأَتَيْتُهُ فَوَجَدْتُهُ عَلَى النَّحْوِ الَّذِى دَفَنْتُهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ إِلاَّ مَا لَمْ يَدَعِ الْقَتْلُ أَوِ الْقَتِيلُ فَوَارَيْتُهُ – قَالَ – وَتَرَكَ أَبِى عَلَيْهِ دَيْناً مِنَ التَّمْرِ فَاشْتَدَّ عَلَىَّ بَعْضُ غُرَمَائِهِ فِي التَّقَاضِي فَأَتَيْتُ نَبِيَّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقُلْتُ َا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّ أَبِى أُصِيبَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا وَتَرَكَ عَلَيْهِ دَيْناً مِنَ التَّمْرِ وَقَدِ اشْتَدَّ عَلَىَّ بَعْضُ غُرَمَائِهِ فِي التَّقَاضِي فَأُحِبُّ أَنْ تُعِينَنِي عَلَيْهِ لَعَلَّهُ أَنْ يُنَظِّرَنِي طَائِفَةً مِنْ تَمْرِهِ إِلَى هَذَا الصِّرَامِ الْمُقْبِلِ. فَقَالَ « نَعَمْ آتِيكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ قَرِيباً مِنْ وَسَطِ النَّهَارِ ». وَجَاءَ مَعَهُ حَوَارِيُّهُ ثُمَّ اسْتَأْذَنَ وَدَخَلَ وَقَدْ قُلْتُ لاِمْرَأَتِي ِنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- جَاءَنِي الْيَوْمَ وَسَطَ النَّهَارِ فَلاَ أَرَيَنَّكِ وَلاَ تُؤْذِى رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي بَيْتِي بِشَيْءٍ وَلاَ تُكَلِّمِيهِ فَدَخَلَ فَفَرَشَتْ لَهُ فِرَاشاً وَوِسَادَةً فَوَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ – قَالَ – وَقُلْتُ لِمَوْلًى لِيَ ذْبَحْ هَذِهِ الْعَنَاقَ وَهِىَ دَاجِنٌ سَمِينَةٌ وَالْوَحَا وَالْعَجَلَ افْرُغْ مِنْهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَيْقِظَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَنَا مَعَكَ فَلَمْ نَزَلْ فِيهَا حَتَّى فَرَغْنَا وَهُوَ نَائِمٌ فَقُلْتُ لَهُ ِإنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا اسْتَيْقَظَ يَدْعُو بِالطَّهُورِ وَإِنِّي أَخَافُ إِذَا فَرَغَ أَنْ يَقُومَ فَلاَ يَفْرَغَنَّ مِنْ وُضُوئِهِ حَتَّى تَضَعَ الْعَنَاقَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَمَّا قَامَ قَالَ « يَا جَابِرُ ائْتِنِي بِطَهُورٍ ». فَلَمْ يَفْرُغْ مِنْ طُهُورِهِ حَتَّى وَضَعْتُ الْعَنَاقَ عِنْدَهُ فَنَظَرَ إِلَىَّ فَقَالَ « كَأَنَّكَ قَدْ عَلِمْتَ حُبَّنَا لِلَّحْمِ ادْعُ لِى أَبَا بَكْرٍ ». قَالَ ثُمَّ دَعَا حَوَارِيِّيهِ الَّذِينَ مَعَهُ فَدَخَلُوا فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِيَدِهِ وَقَالَ « بِسْمِ اللَّهِ كُلُوا ».فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا وَفَضَلَ لَحْمٌ مِنْهَا كَثِيرٌ – قَالَ – وَاللَّهِ إِنَّ مَجْلِسَ بَنِى سَلِمَةَ لَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَهُوَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ أَعْيُنِهِمْ مَا يَقْرُبُهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ مَخَافَةَ أَنْ يُؤْذُوهُ فَلَمَّا فَرَغُوا قَامَ وَقَامَ أَصْحَابُهُ فَخَرَجُوا بَيْنَ يَدَيْهِ وَكَانَ يَقُولُ « خَلُّوا ظَهْرِي لِلْمَلاَئِكَةِ ». وَاتَّبَعْتُهُمْ حَتَّى بَلَغُوا أُسْكُفَّةَ الْبَابِ – قَالَ – وَأَخْرَجَتِ امْرَأَتِي صَدْرَهَا وَكَانَتْ مُسْتَتِرَةً بِسَقِيفٍ فِي الْبَيْتِ قَالَتْ َيا رَسُولَ اللَّهِ صَلِّ عَلَىَّ وَعَلَى زَوْجِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ. فَقَالَ « صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكِ وَعَلَى زَوْجِكِ ». ثُمَّ قَالَ « ادْعُ لِي فُلاَناً ». لِغَرِيمِي الَّذِى اشْتَدَّ عَلَىَّ فِي الطَّلَبِ – قَالَ – فَجَاءَ فَقَالَ « أَيْسِرْ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ – يَعْنِى إِلَى الْمَيْسَرَةِ – طَائِفَةً مِنْ دَيْنِكَ الَّذِى عَلَى أَبِيهِ إِلَى هَذَا الصِّرَامِ الْمُقْبِلِ ». قَالَ َا أَنَا بِفَاعِلٍ وَاعْتَلَّ وَقَالَ ِنَّمَا هُوَ مَالُ يَتَامَى. فَقَالَ « أَيْنَ جَابِرٌ ». فَقَالَ أَنَا ذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « كِلْ لَهُ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ سَوْفَ يُوَفِّيهِ ». فَنَظَرْتُ إِلَى السَّمَاءِ فَإِذَا الشَّمْسُ قَدْ دَلَكَتْ قَالَ « الصَّلاَةَ يَا أَبَا بَكْرٍ ». فَانْدَفَعُوا إِلَى الْمَسْجِدِ فَقُلْتُ قَرِّبْ أَوْعِيَتَكَ فَكِلْتُ لَهُ مِنَ الْعَجْوَةِ فَوَفَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَفَضَلَ لَنَا مِنَ التَّمْرِ كَذَا وَكَذَا فَجِئْتُ أَسْعَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي مَسْجِدِهِ كَأَنِّى شَرَارَةٌ فَوَجَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَدْ صَلَّى فَقُلْتُ َا رَسُولَ اللَّهِ أَلَمْ تَرَ أَنِّى كِلْتُ لِغَرِيمِي تَمْرَهُ فَوَفَّاهُ اللَّهُ وَفَضَلَ لَنَا مِنَ التَّمْرِ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ « أَيْنَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ». فَجَاءَ يُهَرْوِلُ فَقَالَ « سَلْ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ غَرِيمِهِ وَتَمْرِهِ ». فَقَالَ َا أَنَا بِسَائِلِهِ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ سَوْفَ يُوَفِّيهِ إِذْ أَخْبَرْتَ أَنَّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ سَوْفَ يُوَفِّيهِ. فَكَرَّرَ عَلَيْهِ هَذِهِ الْكَلِمَةَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ كُلَّ ذَلِكَ يَقُولُ مَا أَنَا بِسَائِلِهِ. وَكَانَ لاَ يُرَاجِعُ بَعْدَ الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ فَقَالَ َا جَابِرُ مَا فَعَلَ غَرِيمُكَ وَتَمْرُكَ قَالَ قُلْتُ َفَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَفَضَلَ لَنَا مِنَ التَّمْرِ كَذَا وَكَذَا فَرَجَعَ إِلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ َلَمْ أَكُنْ نَهَيْتُكِ أَنْ تَكَلِّمِي رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَتْ َكُنْتَ تَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُورِدُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بَيْتِي ثُمَّ يَخْرُجُ وَلاَ أَسْأَلُهُ الصَّلاَةَ عَلَىَّ وَعَلَى زَوْجِي قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ. )
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (الصحابي: جابر بن عبد الله)
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن مواقفه مع الصحابة : فمع أبي بكر الصديق رضي الله عنه : ففي مسند الإمام أحمد (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ دخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ لِي « يَا جَابِرُ لَوْ قَدْ جَاءَنَا مَالٌ لَحَثَيْتُ لَكَ ثُمَّ لَحَثَيْتُ لَكَ ثُمَّ لَحَثَيْتُ لَكَ ». قَالَ فَقُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَبْلَ أَنْ يُنْجِزَ لِي تِلْكَ الْعِدَةَ فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ فَحَدَّثْتُهُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَنَحْنُ لَوْ قَدْ جَاءَنَا شَيْءٌ لَحَثَيْتُ لَكَ ثُمَّ لَحَثَيْتُ لَكَ ثُمَّ حَثَيْتُ لَكَ . قَالَ َأَتَاهُ مَالٌ فَحَثَى لِي حَثْيَةً ثُمَّ حَثْيَةً ثُمَّ قَالَ َيْسَ عَلَيْكَ فِيهَا صَدَقَةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ. قَالَ فَوَزَنْتُهَا فَكَانَتْ أَلْفاً وَخَمْسَمِائَةٍ. ) ، ومن مواقفه مع عبد الله بن أنيس: فقد روى أحمد (جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ : بَلَغَنِي حَدِيثٌ عَنْ رَجُلٍ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَاشْتَرَيْتُ بَعِيراً ثُمَّ شَدَدْتُ عَلَيْهِ رَحْلِي فَسِرْتُ إِلَيْهِ شَهْراً حَتَّى قَدِمْتُ عَلَيْهِ الشَّامَ فَإِذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ فَقُلْتُ لِلْبَوَّابِ قُلْ لَهُ جَابِرٌ عَلَى الْبَابِ. فَقَالَ بنُ عَبْدِ اللَّهِ قُلْتُ نَعَمْ. فَخَرَجَ يَطَأُ ثَوْبَهُ فَاعْتَنَقَنِي وَاعْتَنَقْتُهُ فَقُلْتُ حَدِيثاً بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي الْقِصَاصِ فَخَشِيتُ أَنْ تَمُوتَ أَوْ أَمُوتَ قَبْلَ أَنْ أَسْمَعَهُ. قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ – أَوْ قَالَ الْعِبَادُ – عُرَاةً غُرْلاً بُهْماً ».قَالَ قُلْنَا َمَا بُهْماً قَالَ « لَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ ثُمَّ يُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مِنْ قُرْبٍ أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الدَّيَّانُ وَلاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ وَلَهُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَقٌّ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ وَلاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَلأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ عِنْدَهُ حَقٌّ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ حَتَّى اللَّطْمَةُ ». قَالَ قُلْنَا كَيْفَ وَإِنَّا إِنَّمَا نَأْتِي اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عُرَاةً غُرْلاً بُهْماً. قَالَ « بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ». ومع جابر بن عمير: عن عطاء أنه رأى جابر بن عبد الله وجابر بن عمير الأنصاريين -رضي الله عنهما- يرتميان، فملَّ أحدهما فجلس، فقال له صاحبه: كسلت؟ قال: نعم. فقال أحدهما للآخر: أما سمعت رسول الله يقول: “كل شيء ليس من ذكر الله فهو لعب، إلا أن يكون أربعة: ملاعبة الرجل امرأته، وتأديب الرجل فرسه، ومشي الرجل بين الغرضين، وتعلم الرجل السباحة”.
أيها المسلمون
ومن بعض مواقف الصحابي جابر بن عبد الله مع التابعين: فمع سعيد بن الحارث: فعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ سَأَلْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الصَّلاَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ فَقَالَ خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ ، فَجِئْتُ لَيْلَةً لِبَعْضِ أَمْرِى ، فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّى وَعَلَىَّ ثَوْبٌ وَاحِدٌ ، فَاشْتَمَلْتُ بِهِ وَصَلَّيْتُ إِلَى جَانِبِهِ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ « مَا السُّرَى يَا جَابِرُ » . فَأَخْبَرْتُهُ بِحَاجَتِي ، فَلَمَّا فَرَغْتُ قَالَ « مَا هَذَا الاِشْتِمَالُ الَّذِى رَأَيْتُ » . قُلْتُ كَانَ ثَوْبٌ . يَعْنِى ضَاقَ . قَالَ « فَإِنْ كَانَ وَاسِعًا فَالْتَحِفْ بِهِ ، وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَاتَّزِرْ بِهِ » رواه البخاري ،وقد روى رضي الله عنه الكثير من الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن بعض الأحاديث التي رواها جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم : حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ قَبْلِي ، نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِى أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ فَلْيُصَلِّ ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً ، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً ، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ »رواه البخاري ، وفي صحيح مسلم : (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلاَثَةِ أَيَّامٍ يَقُولُ « لاَ يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلاَّ وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ». أما عن أثر جابر بن عبد الله في الآخرين: روى عنه أحاديث النبي أكثر من مائة وعشرين من الصحابة والتابعين؛ وحسبك أن تعلم أن مسنده بلغ ألفا وخمس مئة وأربعين حديثا، اتفق له الشيخان على ثمانية وخمسين حديثا، وانفرد له البخاري بستة وعشرين حديثا، ومسلم بمئة وستة وعشرين حديثا. فممن روى عنه من الصحابة: أنس بن مالك، وعبد الله بن ثعلبة، ومحمود بن لبيد، وماعز التميمي، ومحمود بن عبد الرحمن التميمي وغيرهم. وممن روى عنه من التابعين: واسع بن حبان بن قرمز، ومعاذ بن رفاعة بن رافع، ويزيد بن صهيب، والحارث بن رافع، وغيرهم الكثير. وكان يعلِّم غيره وينشر ما تعلمه من رسول الله ، وكان أحد المفتين بعد رسول الله ، وكانت له حلقة في المسجد النبوي، يعلِّم فيها الناس ويفقههم. فكان لجابر بن عبد الله حَلقة في المسجد ــ يعني النبويّ ــ يؤخذ عنه العلم، وقد روى جابر بن عبد الله عن أبي بكر، وعُمَر، وَعَليّ، وكان من المكثرين في الحديث، الحافظين للسنن. ففي سنن الدارقطني (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَخْطُبُنَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذْ أَقْبَلَتْ عِيرٌ تَحْمِلُ الطَّعَامَ حَتَّى نَزَلُوا بِالْبَقِيعِ فَالْتَفَتُوا إِلَيْهَا وَانْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَيْسَ مَعَهُ إِلاَّ أَرْبَعُونَ رَجُلاً أَنَا مِنْهُمْ – قَالَ – وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا ).[سورة الجمعة: 11]. ومن كلمات جابر بن عبد الله الخالدة : قال جابر بن عبد الله : “ما منا أحد إلا مالت به الدنيا ومال بها، ما خلا عمر وابنه عبد الله”. وقال عندما سمع بموت ابن عباس وصفق بإحدى يديه على الأخرى: “مات أعلم الناس، وأحلم الناس، ولقد أصيبت به هذه الأمة مصيبة لا ترتق”. وأما عن وفاة جابر بن عبد الله: فقد مات جابر رضي الله عنه سنة ثمان وسبعين، ويقال: إنه عاش أربعًا وتسعين سنة، وصلَّى عليه أبان بن عثمان.
الدعاء