خطبة عن الصحابي (عبد الرحمن بن أبي بكر)
يوليو 20, 2016خطبة عن (الصحابي: عبد الله بن الزبير بن العوام)
يوليو 20, 2016الخطبة الأولى (الصحابي: عبد الرحمن بن عوف)
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الفتح:29]، وروى مسلم في صحيحه : ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ وَأَنَا أَمَنَةٌ لأَصْحَابِي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِى مَا يُوعَدُونَ ».
إخوة الاسلام
إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هم – أبر الناس قلوباً، وأعمقهم علماً ،وأحسنهم خلقاً ،واليوم إن شاء الله نريد أن نقترب من أولئك الرجال الأبرار ،لنستقبل فيهم أروع نماذج البشرية ، ولنرى في سيرتهم اسمى ما عرفت البشرية من عظمة ونبل ورشاد ،نقترب منهم لنرى إيمانهم ، وثباتهم ، وبطولاتهم ، وولاءهم لله ورسوله لنرى البذل الذي بذلوا ، والهول الذي احتملوا ، والفوز الذي أحرزوا ،نرى الدور الجليل الذي نهضوا به لتحرير البشرية كلها من وثنية الضمير ، وضياع المصير ،حقا ، إنهم فتية آمنوا بربهم ، فزادهم الله هدى ، واليوم إن شاء الله موعدنا مع صحابي جليل إنه الصحابي: ( عبد الرحمن بن عوف ) ، أما عن نسبه ومولده : فهو عبد الرحمن بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي الزهري، يكنى أبا محمد، وكان اسمه في الجاهلية عبد عمرو، وقيل: عبد الكعبة؛ فسماه رسول الله عبد الرحمن. وأمه الشفاء بنت عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة . وكان مولده بعد عام الفيل بعشر سنوات. وعبد الرحمن بن عوف هو أحد العشرة الذين شهد لهم رسول الله بالجنة. وأحد الستة الذين جعل عمر الشورى فيهم وأخبر أن رسول الله توفي وهو عنهم راض. وقد أسلم عبد الرحمن بن عوف قبل أن يدخل رسول الله دار الأرقم، وكان إسلامه على يد أبي بكر الصديق ، فقد أسلم على يديه : الزبير بن العوام وعثمان بن عفان وطلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف ، فانطلقوا إلى رسول الله ومعهم أبو بكر فعرض عليهم الإسلام وقرأ عليهم القرآن وأنبأهم بحق الإسلام فآمنوا، وكان هؤلاء النفر الثمانية الذين سبقوا في الإسلام صدقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمنوا بما جاء من عند الله. وكان عمره عند إسلامه ثلاثين عامًا. وكان عبد الرحمن بن عوف من المهاجرين الأولين، وجمع الهجرتين جميعًا: هاجر إلى أرض الحبشة ثم قدم قبل الهجرة وهاجر إلى المدينة. فحين أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالهجرة إلى الحبشة هاجر ابن عوف ثم عاد إلى مكة, ثم هاجر إلى الحبشة في الهجرة الثانية ثم هاجر إلى المدينة.. وشهد بدرا, وأحدا, والمشاهد كلها..
أيها المسلمون
أما عن أثر الرسول صلى الله عليه وسلم في تربية الصحابي عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه : فلما كان قد أسلم عبد الرحمن بن عوف قبل أن يدخل النبي دار الأرقم التي ، فقد ربى فيها الرسول صلى الله عليه وسلم الجماعة المؤمنة التي حملت دعوة الإسلام حتى علا شأنها، وبلغت ما بلغ الليل والنهار، وكان أثر الرسول واضحًا في تربية سيدنا عبد الرحمن بن عوف، وفي معاملاته مع المسلمين وغيرهم، فقد ظهرت أثر تربية النبي عندما آخى بينه وبين سيدنا سعد بن الربيع وأراد الآخر أن يؤثره بنصف ماله إلا أنه قابل هذا الكرم بعفة شديدة مع أنه كان فقيرًا معدمًا ترك أمواله ودياره بمكة، والمتتبع لحياة سيدنا عبد الرحمن بن عوف يجد أثر تربية الرسول واضحًا في حياته. ومن المواقف التي تظهر أثر الرسول في تربيته، لما بعثه إلى دومة الجندل ووصاه قائلاً: “اغز بسم الله وفي سبيل الله، فقاتل من كفر بالله، لا تغل ولا تغدر ولا تقتل وليدًا” وقال: إن استجابوا لك فتزوج ابنة ملكهم، فسار عبد الرحمن حتى قدم دومة الجندل، فمكث ثلاثة أيام يدعوهم إلى الإسلام فأسلم الأصبغ بن عمرو الكلبي وكان نصرانيًا، وكان رأسهم وأسلم معه ناس كثير من قومه وأقام من أقام على إعطاء الجزية، وتزوج عبد الرحمن تماضر بنت الأصبغ وقدم بها إلى المدينة وهي أم أبي سلمة بن عبد الرحمن. ومن ملامح من شخصية عبد الرحمن بن عوف عفته : فمن أهم ما يميز ملامح شخصية سيدنا عبد الرحمن بن عوف عفته، وظهر ذلك جليًا عندما آخى الرسول بينه وبين سيدنا سعد بن الربيع، فقال له سعد: إن لي مالاً فهو بيني وبينك شطران، ولي امرأتان فانظر أيهما أحب إليك فأنا أطلقها فإذا حلت فتزوجها، فقال عبد الرحمن بن عوف: بارك الله لك في أهلك ومالك. دلوني على السوق.. وخرج إلى السوق, فاشترى.. وباع.. وربح”.. وتزوج ،ففي صحيح البخاري : (قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ – رضى الله عنه – لَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ آخَى رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – بَيْنِي وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ فَقَالَ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ إِنِّي أَكْثَرُ الأَنْصَارِ مَالاً ، فَأَقْسِمُ لَكَ نِصْفَ مَالِي ، وَانْظُرْ أَيَّ زَوْجَتَيَّ هَوِيتَ نَزَلْتُ لَكَ عَنْهَا ، فَإِذَا حَلَّتْ تَزَوَّجْتَهَا . قَالَ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لاَ حَاجَةَ لِي فِي ذَلِكَ ، هَلْ مِنْ سُوقٍ فِيهِ تِجَارَةٌ قَالَ سُوقُ قَيْنُقَاعَ . قَالَ فَغَدَا إِلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ، فَأَتَى بِأَقِطٍ وَسَمْنٍ – قَالَ – ثُمَّ تَابَعَ الْغُدُوَّ ، فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَيْهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « تَزَوَّجْتَ » . قَالَ نَعَمْ . قَالَ « وَمَنْ » . قَالَ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ . قَالَ « كَمْ سُقْتَ » . قَالَ زِنَةَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ . فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ » . ومن ملامح شخصيته : مهارته في التجارة : فقد استطاع سيدنا عبد الرحمن بن عوف أن يكون ثروة واسعة، بعد أن ترك دياره وأرضه وأمواله، فبمجرد وصوله للمدينة وبعد أن آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سيدنا سعد بن الربيع، ففي مسند أحمد (عَنْ أَنَسٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَآخَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيِّ فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ َ يا أَخِي أَنَا أَكْثَرُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَالاً فَانْظُرْ شَطْرَ مَالِي فَخُذْهُ وَتَحْتِي امْرَأَتَانِ فَانْظُرْ أَيُّهُمَا أَعْجَبُ إِلَيْكَ حَتَّى أُطَلِّقَهَا. فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ َارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ دُلُّونِي عَلَى السُّوقِ. فَدَلُّوهُ عَلَى السُّوقِ فَذَهَبَ فَاشْتَرَى وَبَاعَ فَرَبِحَ فَجَاءَ بِشَيْءٍ مِنْ أَقِطٍ وَسَمْنٍ ثُمَّ لَبِثَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَلْبَثَ فَجَاءَ وَعَلَيْهِ رَدْعُ زَعْفَرَانٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَهْيَمْ ». فَقَالَ َا رَسُولَ اللَّهِ تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً . فَقَالَ « مَا أَصْدَقْتَهَا ». قَالَ وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ. قَالَ « أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ ». قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي وَلَوْ رَفَعْتُ حَجَراً لَرَجَوْتُ أَنْ أُصِيبَ ذَهَباً أَوْ فِضَّةً. )، وقال عنه بعض المؤرخين: : كان تاجرا مجدودا في التجارة وكسب مالا كثيرا وخلف ألف بعير وثلاثة آلاف شاة ومائة فرس ترعى بالبقيع ،وكان يزرع بالجرف على عشرين ناضحًا فكان يدخل منه قوت أهله سنة. وذات يوم، والمدينة ساكنة هادئة، أخذ يقترب من مشارفها نقع كثيف، راح يتعالى ويتراكم حتى كاد يغطي الأفق. ودفعت الريح هذه الأمواج من الغبار المتصاعد من رمال الصحراء الناعمة, فاندفعت تقترب من أبواب المدينة, وتهبّ هبوبا قويا على مسالكها. وحسبها الناس عاصفة تكنس الرمال وتذروها, لكنهم سرعان ما سمعوا وراء ستار الغبار ضجة تنبئ عن قافلة كبيرة مديدة. ولم يمض وقت غير وجيز, حتى كانت سبعمائة راحلة موقرة الأحمال تزحم شوارع المدينة وترجّها رجّا, ونادى الناس بعضهم بعضا ليروا مشهدها الحافل, وليستبشروا ويفرحوا بما تحمله من خير ورزق.. وسألت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها, وقد تردد إلى سمعها أصداء القافلة الزاحفة..سألت: ما هذا الذي يحدث في المدينة.. وأجيبت: إنها قافلة لعبدالرحمن بن عوف جاءت من الشام تحمل تجارة له.. قالت أم المؤمنين: قافلة تحدث كل هذه الرّجّة.. أجل يا أم المؤمنين.. إنها سبعمائة راحلة.. وهزت أم المؤمنين رأسها, وأرسلت نظراتها الثاقبة بعيدا, كأنها تبحث عن ذكرى مشهد رأته, أو حديث سمعته.. “أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: رأيت عبدالرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوا”.. عبدالرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوا؟،ولماذا لا يدخلها وثبا هرولة مع السابقين من أصحاب رسول الله؟ ،ونقل بعض أصحابه مقالة عائشة إليه, فتذكر أنه سمع من النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث أكثر من مرة, وبأكثر من صيغة. وقبل أن تفضّ مغاليق الأحمال من تجارته, حث خطاه إلى بيت عائشة وقال لها: لقد ذكّرتيني بحديث لم أنسه.. ثم قال:” أما إني أشهدك أن هذه القافلة بأحمالها, وأقتابها, وأحلاسها, في سبيل الله عز وجل”.. ووزعت حمولة سبعمائة راحلة على أهل المدينة وما حولها في مهرجان برّ عظيم.. هذه الواقعة وحدها, تمثل الصورة الكاملة لحياة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالرحمن بن عوف”. فهو التاجر الناجح, أكثر ما يكون النجاح وأوفاه.. وهو الثري، أكثر ما يكون الثراء وفرة وإفراطا.. وهو المؤمن الأريب, الذي يأبى أن تذهب حظوظه من الدين, ويرفض أن يتخلف به ثراؤه عن قافلة الإيمان ومثوبة الجنة.. فهو رضي الله عنه يجود بثروته في سخاء وغبطة ضمير.. فقد كان محظوظا في التجارة إلى حدّ أثار عجبه ودهشه فقال: ” لقد رأيتني, لو رفعت حجرا, لوجدت تحت فضة وذهبا”.. ولم تكن التجارة عند عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه شرها ولا احتكارا.. بل لم تكن حرصا على جمع المال شغفا بالثراء.. كلا.. إنما كانت عملا, وواجبا يزيدهما النجاح قربا من النفس, ومزيدا من السعي.. وكان ابن عوف يحمل طبيعة جيّاشة, تجد راحتها في العمل الشريف حيث يكون.. ومن ملامح شخصيته شجاعته : ومن مواقف بطولته ما كان في يوم أحد، فقد كان من النفر القليل الذي ثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يفر كما فر غيره، ويحكي الحارث بن الصمة فيقول: سألني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وهو في الشعب فقال : “هل رأيت عبد الرحمن بن عوف؟” فقلت: نعم رأيته إلى جنب الجبيل وعليه عسكر من المشركين فهويت إليه لأمنعه فرأيتك فعدلت إليك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الملائكة تمنعه” قال الحارث: فرجعت إلى عبد الرحمن فأجد بين يديه سبعة صرعى فقلت: ظفرت يمينك؛ أكل هؤلاء قتلت؟ فقال: أما هذا لأرطاة بن شرحبيل، وهذان فأنا قتلتهم وأما هؤلاء فقتلهم من لم أره قلت: صدق الله ورسوله. ومن بعض مواقف الصحابي عبد الرحمن بن عوف مع النبي صلى الله عليه وسلم : فبعد أن أسلم عبد الرحمن بن عوف، ووجد تعذيب المشركين للمسلمين، وكانوا قبل الإسلام أعزة ، ففي سنن البيهقي والنسائي (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَأَصْحَابًا لَهُ أَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي عِزٍّ وَنَحْنُ مُشْرِكُونَ فَلَمَّا آمَنَّا صِرْنَا أَذِلَّةً فَقَالَ إِنِّي أُمِرْتُ بِالْعَفْوِ فَلَا تُقَاتِلُوا فَلَمَّا حَوَّلَنَا اللَّهُ إِلَى الْمَدِينَةِ أَمَرَنَا بِالْقِتَالِ فَكَفُّوا فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ :{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ } النساء 77. ولقد صلى وراءه النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، ففي صحيح مسلم : (أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- تَبُوكَ – قَالَ الْمُغِيرَةُ – فَتَبَرَّزَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قِبَلَ الْغَائِطِ فَحَمَلْتُ مَعَهُ إِدَاوَةً قَبْلَ صَلاَةِ الْفَجْرِ فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَىَّ أَخَذْتُ أُهَرِيقُ عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الإِدَاوَةِ وَغَسَلَ يَدَيْهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثُمَّ ذَهَبَ يُخْرِجُ جُبَّتَهُ عَنْ ذِرَاعَيْهِ فَضَاقَ كُمَّا جُبَّتِهِ فَأَدْخَلَ يَدَيْهِ فِى الْجُبَّةِ حَتَّى أَخْرَجَ ذِرَاعَيْهِ مِنْ أَسْفَلِ الْجُبَّةِ. وَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثُمَّ تَوَضَّأَ عَلَى خُفَّيْهِ ثُمَّ أَقْبَلَ – قَالَ الْمُغِيرَةُ – فَأَقْبَلْتُ مَعَهُ حَتَّى نَجِدُ النَّاسَ قَدْ قَدَّمُوا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فَصَلَّى لَهُمْ فَأَدْرَكَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ فَصَلَّى مَعَ النَّاسِ الرَّكْعَةَ الآخِرَةَ فَلَمَّا سَلَّمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُتِمُّ صَلاَتَهُ فَأَفْزَعَ ذَلِكَ الْمُسْلِمِينَ فَأَكْثَرُوا التَّسْبِيحَ فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- صَلاَتَهُ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ قَالَ « أَحْسَنْتُمْ ». أَوْ قَالَ « قَدْ أَصَبْتُمْ ». يَغْبِطُهُمْ أَنْ صَلَّوُا الصَّلاَةَ لِوَقْتِهَا. )
أيها المسلمون
ومن مواقفه مع الصحابة ما حدث بينه وبين سيدنا خالد بن الوليد، فقد اشتكى عبد الرحمن بن عوف خالد بن الوليد للنبي فقال له النبي : “يا خالد لم تؤذي رجلا من أهل بدر، لو أنفقت مثل أحد ذهبا لم تدرك عمله”، فقال: يا رسول الله إنهم يقعون في فأرد عليهم فقال: “لا تؤذوا خالدًا فإنه سيف من سيوف الله صبه الله على الكفار”. ومن مواقفه أيضًا ما كان بينه وبين بقية أصحاب الشورى، والذين استخلفهم سيدنا عمر بن الخطاب لاختيار من بينهم خليفة المسلمين، فقد روي أن عبد الرحمن بن عوف قال لأصحاب الشورى: هل لكم أن أختار لكم وأنتقي منها، قال علي بن أبي طالب : أنا أول من رضي فإني سمعت رسول الله يقول: “أنت أمين في أهل السماء وأمين في أهل الأرض”. ومن بعض المواقف من حياة عبد الرحمن بن عوف مع التابعين: ومن مواقفه مع التابعين ما كان بينه وبين نوفل بن إياس الهذلي ،فقد قال: كان عبد الرحمن بن عوف لنا جليسًا، وكان نعم الجليس ،وإنه انقلب بنا ذات ويوم حتى دخلنا منزله ودخل فاغتسل ثم خرج فجلس معنا، فأتينا بقصعة فيها خبز ولحم، ولما وضعت بكى عبد الرحمن ابن عوف ،فقلنا له: ما يبكيك يا أبا محمد؟ قال: مات رسول الله ولم يشبع هو وأهل بيته من خبز الشعير، ولا أرانا أخرنا لهذا لما هو خير لنا.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (الصحابي: عبد الرحمن بن عوف)
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وقد روى الصحابي عبد الرحمن بن عوف الكثير من الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ومنها : ما رواه البخاري (عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ – رضى الله عنه – قَالَ كَاتَبْتُ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ كِتَابًا بِأَنْ يَحْفَظَنِى فِى صَاغِيَتِى بِمَكَّةَ ، وَأَحْفَظَهُ فِى صَاغِيَتِهِ بِالْمَدِينَةِ ، فَلَمَّا ذَكَرْتُ الرَّحْمَنَ قَالَ لاَ أَعْرِفُ الرَّحْمَنَ ، كَاتِبْنِى بِاسْمِكَ الَّذِى كَانَ فِى الْجَاهِلِيَّةِ . فَكَاتَبْتُهُ عَبْدُ عَمْرٍو فَلَمَّا كَانَ فِى يَوْمِ بَدْرٍ خَرَجْتُ إِلَى جَبَلٍ لأُحْرِزَهُ حِينَ نَامَ النَّاسُ فَأَبْصَرَهُ بِلاَلٌ فَخَرَجَ حَتَّى وَقَفَ عَلَى مَجْلِسٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ ، لاَ نَجَوْتُ إِنْ نَجَا أُمَيَّةُ . فَخَرَجَ مَعَهُ فَرِيقٌ مِنَ الأَنْصَارِ فِى آثَارِنَا ، فَلَمَّا خَشِيتُ أَنْ يَلْحَقُونَا خَلَّفْتُ لَهُمُ ابْنَهُ ، لأَشْغَلَهُمْ فَقَتَلُوهُ ثُمَّ أَبَوْا حَتَّى يَتْبَعُونَا ، وَكَانَ رَجُلاً ثَقِيلاً ، فَلَمَّا أَدْرَكُونَا قُلْتُ لَهُ ابْرُكْ . فَبَرَكَ ، فَأَلْقَيْتُ عَلَيْهِ نَفْسِى لأَمْنَعَهُ ، فَتَخَلَّلُوهُ بِالسُّيُوفِ مِنْ تَحْتِى ، حَتَّى قَتَلُوهُ ، وَأَصَابَ أَحَدُهُمْ رِجْلِى بِسَيْفِهِ ، وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ يُرِينَا ذَلِكَ الأَثَرَ فِى ظَهْرِ قَدَمِهِ . ) ، وفي مسند أحمد والبزار : (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « شَهِدْتُ حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ مَعَ عُمُومَتِي وَأَنَا غُلاَمٌ فَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي حُمْرَ النَّعَمِ وَأَنِّى أَنْكُثُهُ ». قَالَ الزُّهْرِيُّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لَمْ يُصِبِ الإِسْلاَمُ حِلْفاً إِلاَّ زَادَهُ شِدَّةً وَلاَ حِلْفَ فِي الإِسْلاَمِ ». وَقَدْ أَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالأَنْصَارِ .)
أيها المسلمون
ومن كلمات عبد الرحمن بن عوف: ابتلينا مع رسول الله بالضراء فصبرنا ثم ابتلينا بالسراء بعده فلم نصبر. وباع في يوم أرضا بأربعين ألف دينار, ثم فرّقها في أهله من بني زهرة, وعلى أمهات المؤمنين, وفقراء المسلمين. وقدّم يوما لجيوش الإسلام خمسمائة فرس, ويوما آخر ألفا وخمسمائة راحلة. وعند موته، أوصى بخمسين ألف دينار في سبيل الله, وأوصى لكل من بقي ممن شهدوا بدرا بأربعمائة دينار, حتى إن عثمان بن عفان رضي الله عنه, أخذ نصيبه من الوصية برغم ثرائه ،وقال: ” إن مال عبدالرحمن حلال صفو، وان الطعمة منه عافية وبركة”. وكان ابن عوف سيّد ماله ولم يكن عبده.. وآية ذلك أنه لم يكن يشقى بجمعه ولا باكتنازه.. بل هو يجمعه هونا، ومن حلال.. ثم لا ينعم به وحده.. بل ينعم به معه أهله ورحمه وإخوانه ومجتمعه كله. ولقد بلغ من سعة عطائه وعونه أنه كان يقال: ” أهل المدينة جميعا شركاء لابن عوف في ماله. ” ثلث يقرضهم.. وثلث يقضي عنهم ديونهم.. وثلث يصلهم ويعطيهم..” ، ولم يكن ثراؤه هذا ليبعث الارتياح لديه والغبطة في نفسه، لو لم يمكّنه من مناصرة دينه، ومعاونة إخوانه. أما بعد هذا فقد كان دائم الوجل من هذا الثراء.. جيء له يوما بطعام الإفطار, وكان صائما.. فلما وقعت عيناه عليه فقد شهيته وبكى وقال: ” استشهد مصعب بن عمير وهو خير مني, فكفّن في بردة إن غطت رأسه, بدت رجلاه, وان غطت رجلاه بدا رأسه. واستشهد حمزة وهو خير مني, فلم يوجد له ما يدفن فيه إلا بردة. ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط, وأعطينا منها ما أعطينا واني لأخشى أن نكون قد عجّلت لنا حسناتنا”.. واجتمع يوما مع بعض أصحابه على طعام عنده. وما كاد الطعام يوضع أمامهم حتى بكى وسألوه: ما يبكيك يا أبا محمد..؟؟ قال: ” لقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم, وما شبع هو وأهل بيته من خبز الشعير.. ما أرانا أخرنا لم هو خير لنا”.. كذلك لم يبتعث ثراؤه العريض ذرة واحدة من الصلف والكبر في نفسه.. حتى لقد قيل عنه: إنه لو رآه غريب لا يعرفه وهو جالس مع خدمه, ما استطاع أن يميزه من بينهم.
أيها المسلمون
أما عن وفاة عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه : فلما حضرت الوفاة عبد الرحمن بن عوف بكى بكاء شديدًا فسئل عن بكائه فقال: إنَّ مصعب بن عمير كان خيرًا مني توفي على عهد رسول الله ، ولم يكن له ما يكفن فيه وإن حمزة بن عبد المطلب كان خيرًا مني لم نجد له كفنًا، وإني أخشى أن أكون ممن عجلت له طيباته في حياته الدنيا وأخشى أن أحتبس عن أصحابي بكثرة مالي. وبينما كانت روحه تتهيأ لرحلتها الجديدة كانت عيناه تفيضان من الدمع ولسانه يتمتم ويقول: ” إني أخاف أن أحبس عن أصحابي لكثرة ما كان لي من مال”.. ولكن سكينة الله سرعان ما تغشته, فكست وجهه غلالة رقيقة من الغبطة المشرقة المتهللة المطمئنة.. وأرهفت أذناه للسمع.. كما لو كان هناك صوت عذب يقترب منهما.. لعله آنئذ، كان يسمع صدق قول الرسول صلى الله عليه وسلم له منذ عهد بعيد: ” عبدالرحمن بن عوف في الجنة”.. ولعله كان يسمع أيضا وعد الله في كتابه : ( ّالّذيِنَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (262))..(البقرة ) ، وكانت وفاة عبد الرحمن بن عوف سنة إحدى وثلاثين، وقيل: سنة اثنتين وثلاثين وهو ابن خمس وسبعين سنة بالمدينة. ودفن بالبقيع وصلى عليه عثمان وكان قد أوصى بذلك.
الدعاء