خطبة عن (الصحابي: عبد الله بن عباس)
يوليو 20, 2016خطبة عن (الصحابي: عمار بن ياسر)
يوليو 20, 2016الخطبة الأولى (الصحابي: عبد الله بن عمرو بن العاص)
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الفتح:29]،وروى مسلم في صحيحه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ وَأَنَا أَمَنَةٌ لأَصْحَابِي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِى مَا يُوعَدُونَ ».
إخوة الاسلام
إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هم – أبر الناس قلوباً، وأعمقهم علماً ، وأحسنهم خلقاً، واليوم إن شاء الله نريد أن نقترب من أولئك الرجال الأبرار ،لنستقبل فيهم أروع نماذج البشرية ، ولنرى في سيرتهم اسمى ما عرفت البشرية من عظمة ونبل ورشاد ،نقترب منهم لنرى إيمانهم ، وثباتهم ، وبطولاتهم ، وولاءهم لله ورسوله لنرى البذل الذي بذلوا ، والهول الذي احتملوا ، والفوز الذي أحرزوا ،نرى الدور الجليل الذي نهضوا به لتحرير البشرية كلها من وثنية الضمير ، وضياع المصير ، حقا ، إنهم فتية آمنوا بربهم ، فزادهم الله هدى ، واليوم إن شاء الله موعدنا مع صحابي جليل إنه الصحابي: (عبد الله بن عمرو بن العاص ) ، أما عن نسبه وكنيته : فهو عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي القرشي السهمي، وكنيته أبو عبد الرحمن، وأمه ريطة بنت منبه بن الحجاج السهمي. يقال: كان اسمه العاص، فغيّره النبي صلى الله عليه وسلم .إنه القانت, التائب, العابد, الأواب, كان أبوه أستاذا في الذكاء والدهاء وسعة الحيلة.. وكان هو أستاذا ذا مكانة عالية بين العابدين الزاهدين, الواضحين.. ولقد أعطى العبادة وقته كله, وحياته ملها..وثمل بحلاوة الإيمان, فلم يعد الليل والنهار يتسعان لتعبّده ونسكه.. أسلم قبل أبيه ولم يكن بين مولدهما إلا اثنتا عشرة سنة. وقد استأذن النبي في كتابة ما يسمع منه، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال عبد الله بن عمرو : “قد حفظت عن رسول الله ألف مثل”. ومن أهم ملامح شخصية الصحابي عبد الله بن عمرو: حب عبد الله بن عمرو للجهاد في سبيل الله: فعن عبد الله بن عمرو قال: شهدنا أَجْنَادين ونحن يومئذ عشرون ألفًا وعلينا عمرو بن العاص ، فهزمهم الله ففاءت فئة إلى فِحْل في خلافة عمر ، فسار إليهم عمرو في الجيش فنفاهم عن فِحْل. وفي عام سبعة وعشرين من الهجرة عزل عثمانُ عن مصر عَمْرًا ، وولّى عليها عبد الله بن سعد ، فغزا إفريقية ومعه عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وعبد الله بن الزبير ، فالتقى هو وجرجير بسُبَيْطلة على يومين من القيروان، وكان جرجير في مائتي ألف مقاتل، وقيل: في مائة وعشرين ألفًا، وكان المسلمون في عشرين ألفًا. ومن ملامح شخصيته أيضا : أنه كان كثير البكاء من خشية الله: عن عبد الله بن عمرو قال: لو أن رجلاً من أهل النار أخرج إلى الدنيا لمات أهل الدنيا من وحشة منظره، ونتن ريحه. ثم بكى عبد الله بكاءً شديدًا. وكان يحفظ كتاب الله ، ولم يكن يحفظه ليكون مجرّد ذاكرة قوية, تضمّ بين دفتيها كتابا محفوظا.. بل كان يحفظه ليعمر به قلبه, وليكون بعد هذا عبده المطيع, يحلّ ما أحلّ, ويحرّم ما يحرّم, ويجيب له في كل ما يدعو إليه ثم يعكف على قراءته, وتدبّره وترتيله, متأنقا في روضاته اليانعات, محبور النفس بما تفيئه آياته الكريمة من غبطة, باكي العين بما تثيره من خشية.. وكأن عبدالله قد خلق ليكون قدّيسا عابدا, ولا شيء في الدنيا كان قادرا على أن يشغله عن هذا الذي خلق له, وهدي إليه..
أيها المسلمون
ومن بعض المواقف للصحابي عبد الله بن عمرو مع الرسول صلى الله عليه وسلم:ففي صحيح البخاري (عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: تَخَلّفَ عَنّا النّبِيُّ فِي سَفْرَةٍ سَافَرْنَاهَا، فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ أَرْهَقَتْنَا الصّلاَةُ وَنَحْنُ نَتَوَضّأُ، فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: “وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنْ النّارِ”، مَرّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا ). وفي الصحيحين : ( عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ وَقَفَ فِي حَجّةِ الْوَدَاعِ بِمِنًى لِلنّاسِ يَسْأَلُونَهُ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: لَمْ أَشْعُرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ. فَقَالَ: “اذْبَحْ وَلاَ حَرَجَ”. فَجَاءَ آخَرُ فَقَالَ: لَمْ أَشْعُرْ فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ. قَالَ: “ارْمِ وَلاَ حَرَجَ”. فَمَا سُئِلَ النّبِيُّ عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلاَ أُخِّرَ إِلاّ قَالَ: افْعَلْ وَلاَ حَرَجَ ). وفي الصحيحين : (عن عبد اللهُ بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ: “يَا عَبْدَ اللّهِ، لاَ تَكُنْ مِثْلَ فُلاَنٍ كَانَ يَقُومُ اللّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللّيْلِ”. ومع حبه للجهاد في سبيل الله ، فإذا وضعت الحرب أوزارها, فأين نراه.. هناك في المسجد الجامع, أو في مسجد داره, صائم نهاره, قائم ليله, لا يعرف لسانه حديثا من أحاديث الدنيا مهما يكن حلالا, إنما هو رطب دائما بذكر الله, تاليا قرآنه, أو مسبّحا بحمده, أو مستغفرا لذنبه.. وحسبنا إدراكا لأبعاد عبادته ونسكه, أن نرى الرسول الذي جاء يدعو الناس إلى عبادة الله. يجد نفسه مضطرا للتدخل كما يجد من إيغال عبدالله في العبادة.. وهكذا إذا كان أحد وجهي العظة في حياة عبدالله بن عمرو, الكشف عما تزخر به النفس الإنسانية من قدرة فائقة على بلوغ أقضى درجات التعبّد والتجرّد والصلاح, فان وجهها الآخر هو حرص الدين على القصد والاعتدال في نشدان كل تفوّق واكتمال, حتى يبقى للنفس حماستها وأشواقها.. وحتى تبقى للجسد عافيته وسلامته.. لقد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عبد الله بن عمرو بن العاص يقضي حياته على وتيرة واحدة.. وما لم يكن هناك خروج في غزوة فان أيامه كلها تتلخص في أنه من الفجر إلى الفجر في عبادة موصولة, صيام وصلاة, وتلاوة قرآن.. فاستدعاه النبي إليه, وراح يدعوه إلى القصد في عبادته.. قال له الرسول عليه الصلاة والسلام: كما جاءت روايته في الصحيحين (فعن عبد اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ: “يَا عَبْدَ اللّهِ، أَلَمْ أُخْبَرْ أَنّكَ تَصُومُ النّهَارَ وَتَقُومُ اللّيْلَ؟” فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللّهِ. قَالَ: “فَلاَ تَفْعَلْ، صُمْ وَأَفْطِرْ وَقُمْ وَنَمْ؛ فَإِنّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنّ بِحَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ كُلّ شَهْرٍ ثَلاَثَةَ أَيّامٍ، فَإِنّ لَكَ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا، فَإِنّ ذَلِكَ صِيَامُ الدّهْرِ كُلِّهِ”. فَشَدّدْتُ فَشُدِّدَ عَلَيّ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ، إِنِّي أَجِدُ قُوّةً. قَالَ: “فَصُمْ صِيَامَ نَبِيِّ اللّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السّلاَم، وَلاَ تَزِدْ عَلَيْهِ”. قُلْتُ : وَمَا كَانَ صِيَامُ نَبِيِّ اللّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السّلاَم. قَالَ: “نِصْفَ الدّهْرِ”. فَكَانَ عَبْدُ اللّهِ يَقُولُ بَعْدَمَا كَبِرَ: يَا لَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ النَّبِيِّ ).
أيها المسلمون
ومن بعض مواقف الصحابي عبد الله بن عمرو مع الصحابة رضوان الله عليهم : موقفه مع معاذ بن جبل: ففي سنن ابن ماجة ( عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ، أَنّ أَبَا سَعِيدٍ الْحِمْيَرِيّ حَدّثَهُ قَالَ: كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يَتَحَدّثُ بِمَا لَمْ يَسْمَعْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ، وَيَسْكُتُ عَمّا سَمِعُوا، فَبَلَغَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عَمْرٍو مَا يَتَحَدّثُ بِهِ، فَقَالَ: وَاللّهِ مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ يَقُولُ هَذَا، وَأَوْشَكَ مُعَاذٌ أَنْ يَفْتِنَكُمْ فِي الْخَلاَءِ. فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاذًا فَلَقِيَهُ، فَقَالَ مُعَاذٌ: يَا عَبْدَ اللّهِ بْنَ عَمْرٍو، إِنّ التّكْذِيبَ بِحَدِيثٍ عَنْ رَسُولِ اللّهِ نِفَاقٌ، وَإِنّمَا إِثْمُهُ عَلَى مَنْ قَالَهُ، لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ يَقُولُ: “اتقُوا الْمَلاَعِنَ الثّلاَثَ: الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ، وَالظِّلِّ، وَقَارِعَةِ الطّرِيقِ”. وموقفه من مقتل عمار بن ياسر: فقد روى الإمام أحمد في مسنده ( عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: إِنِّي لأَسِيرُ مَعَ مُعَاوِيَةَ فِي مُنْصَرَفِهِ مِنْ صِفِّينَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما، قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: يَا أَبَتِ، مَا سَمِعْتَ رَسُولَ اللّهِ يَقُولُ لِعَمّارٍ : “وَيْحَكَ يَابْنَ سُمَيّةَ! تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ”. قَالَ: فَقَالَ عَمْرٌو لِمُعَاوِيَةَ: أَلاَ تَسمعُ مَا يَقُولُ هَذَا؟! فَقَالَ مُعَاوِيَةُ : لاَ تَزَالُ تَأْتِينَا بِهَنَةٍ، أَنَحْنُ قَتَلْنَاهُ؟! إِنّمَا قَتَلَهُ الّذِينَ جَاءُوا بِهِ ). وأما عن موقفه مع أبيه عند وفاته: ففي مسند الإمام أحمد :( جَزِعَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ عِنْدَ الْمَوْتِ جَزَعًا شَدِيدًا، فَلَمّا رَأَى ذَلِكَ ابْنُهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللّهِ، مَا هَذَا الْجَزَعُ؟! وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ يُدْنِيكَ وَيَسْتَعْمِلُكَ. قَالَ: أَيْ بُنَيّ، قَدْ كَانَ ذَلِكَ، وَسَأُخْبِرُكَ عَنْ ذَلِكَ، إِنِّي وَاللّهِ مَا أَدْرِي أَحُبًّا ذَلِكَ كَانَ أَمْ تَأَلُّفًا يَتَأَلّفُنِي، وَلَكِنِّي أَشْهَدُ عَلَى رَجُلَيْنِ أَنّهُ قَدْ فَارَقَ الدُّنْيَا وَهُوَ يُحِبُّهُمَا: ابْنُ سُمَيَّةَ، وَابْنُ أُمِّ عَبْدٍ. فَلَمَّا حَدَّثَهُ وَضَعَ يَدَهُ مَوْضِعَ الْغِلاَلِ مِنْ ذَقْنِهِ، وَقَالَ: اللّهُم أَمَرْتَنَا فَتَرَكْنَا، وَنَهَيْتَنَا فَرَكِبْنَا، وَلاَ يَسَعُنَا إِلاّ مَغْفِرَتُكَ. وَكَانَتْ تِلْكَ هجيرَاهُ دَأْبه وشأنه حَتَّى مَاتَ ).
أيها المسلمون
ومن أثر الصحابي عبد الله بن عمرو في الآخرين: فقد روى البخاري :(عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: لَقِيتُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللّهِ فِي التّوْرَاةِ؟ قَالَ: أَجَلْ، وَاللّهِ إِنّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي الْقُرْآنِ يَا أَيهَا النَّبِيُّ إِنّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشّرًا وَنَذِيرًا وَحِرْزًا لِلأُميينَ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَميْتُكَ المتَوَكلَ لَيْسَ بِفَظٍّ وَلاَ غَلِيظٍ وَلاَ سَخَّاب فِي الأَسْوَاقِ، وَلاَ يَدْفَعُ بِالسيئَةِ السيئَةَ وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللّهُ حَتّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلّةَ الْعَوْجَاءَ بِأَنْ يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاّ اللّهُ، وَيَفْتَحُ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا وَآذَانًا صُمًّا وَقُلُوبًا غُلْفًا ).وفي صحيح البخاري 🙁 عن مسروقٍ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرٍو حِينَ قَدِمَ مَعَ مُعَاوِيَةَ إِلَى الْكُوفَةِ، فَذَكَرَ رَسُولَ اللّهِ فَقَالَ: “لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلاَ مُتَفَحشًا”. وَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ: “إِنّ مِنْ أَخْيَرِكُمْ أَحْسَنَكُمْ خُلُقًا”.وفي صحيح مسلم :(عَنْ خَيْثَمَةَ قَالَ: كُنّا جُلُوسًا مَعَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرٍو إِذْ جَاءَهُ قَهْرَمَانٌ لَهُ، فَدَخَلَ فَقَالَ: أَعْطَيْتَ الرّقِيقَ قُوتَهُمْ؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: فَانْطَلِقْ فَأَعْطِهِمْ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ: “كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يَحْبِسَ عَمنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ”.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (الصحابي: عبد الله بن عمرو بن العاص)
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
أما عن علم الصحابي عبد الله بن عمرو بالقرآن وتفسيره: فقد قال الثوري: أخبرني حبيب بن أبي ثابت، أن عبد الله بن عمرو قال في قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الأعراف: 175] هو أمية بن أبي الصلت. وعن عبد الله بن عمرو أنه قال: من تاب قبل موته بعام تيب عليه، حتى ذكر شهرًا، حتى ذكر ساعة، حتى ذكر فواقًا. قال: فقال رجل: كيف يكون هذا والله تعالى يقول: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ} [النساء: 18]؟! فقال عبد الله : أنا أحدثك ما سمعت من رسول الله. وعن عبد الله بن عمرو في قوله: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الأعراف: 172]، قال: أخذهم كما يأخذ المشط من الرأس.
أيها المسلمون
وقد روى رضي الله عنه الكثير من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعض ما روى عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: ففي صحيح البخاري (عن عبد اللّه بن عمرٍو ، عن النّبي قال: “الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللّهُ عَنْهُ”. وفي الصحيحين (عن عبد اللّه بن عمرٍو أنّ رجلاً سأل النّبيّ: أَي الإِسْلاَمِ خَيْرٌ؟ قَالَ: “تُطْعِمُ الطّعَامَ، وَتَقْرَأُ السّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ” .وفي الصحيحين (عن عبد اللّه بن عمرٍو أنّ النّبيّ قال: “أَرْبَعٌ مَنْ كُنّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النفَاقِ حَتّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ”. وفي مسند أحمد ( عن عبد اللّه بن عمرٍو قال: سمعت رسول اللّه يقول: “مَنْ قَالَ عليّ مَا لَمْ أَقُلْ، فَلْيَتَبَوّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النّارِ”. ومن الأقوال الخالدة للصحابي عبد الله بن عمرو رضي الله عنه : قوله : ينبغي لحامل القرآن ألاّ يخوض مع من يخوض، ولا يجهل مع من يجهل، ولكن يعفو ويصفح لحق القرآن؛ لأن في جوفه كلام الله تعالى. وينبغي له أن يأخذ نفسه بالتصاون عن طرق الشبهات، ويقل الضحك والكلام في مجالس القرآن وغيرها بما لا فائدة فيه، ويأخذ نفسه بالحلم والوقار. وينبغي له أن يتواضع للفقراء، ويتجنب التكبر والإعجاب، ويتجافى عن الدنيا وأبنائها، إنْ خاف على نفسه الفتنة، ويترك الجدال والمراء، ويأخذ نفسه بالرفق والأدب. وينبغي له أن يكون ممن يؤمن شره، ويرجى خيره، ويسلم من ضره، وألاّ يسمع ممن نمّ عنده، ويصاحب من يعاونه على الخير، ويدله على الصدق ومكارم الأخلاق، ويزينه ولا يشينه. وينبغي له أن يتعلم أحكام القرآن فيفهم عن الله مراده، وما فرض عليه فينتفع بما يقرأ، ويعمل بما يتلو، فما أقبح لحامل القرآن أن يتلو فرائضه وأحكامه عن ظهر قلب وهو لا يفهم ما يتلو! فكيف يعمل بما لا يفهم معناه؟ وما أقبح أن يسأل عن فقه ما يتلوه ولا يدريه، فما مثل من هذه حالته إلا كمثل الحمار يحمل أسفارًا. وينبغي له أن يعرف المكي من المدني؛ ليفرق بذلك بين ما خاطب الله به عباده في أول الإسلام وما ندبهم إليه في آخر الإسلام، وما افترض الله في أول الإسلام، وما زاد عليه من الفرائض في آخره، فالمدني هو الناسخ للمكي في أكثر القرآن، ولا يمكن أن ينسخ المكي المدني؛ لأن المنسوخ هو المتقدم في النزول قبل الناسخ له، ومن كماله أن يعرف الإعراب والغريب؛ فذلك مما يسهل عليه معرفة ما يقرأ، ويزيل عنه الشك فيما يتلو.
أيها المسلمون
وذات يوم وهو جالس في مسجد الرسول مع بعض أصحابه مرّ بهم الحسين بن علي رضي الله عنهما, وتبادلا السلام.. ولما مضى عنهم قال عبدالله لمن معه: ” أتحبون أن أخبركم بأحب أهل الأرض إلى أهل السماء.. انه هذا الذي مرّ بنا الآن الحسين بن علي.. وانه ما كلمني منذ صفين.. ولأن يرضى عني أحب إليّ من حمر النعم”..!! واتفق مع أبي سعيد الخدري على زيارة الحسين.. وهناك في دار الحسين تم لقاء الأكرمين.. ونأتي إلى الخاتمة إلى وفاة عبد الله بن عمرو: فبينما هو يتوغل الثانية والسبعين من عمره المبارك.. وإذ هو في مصلاه, يتضرّع إلى ربه, ويسبّح بحمده دعي إلى رحلة الأبد, فلبى الدعاء في شوق عظيم.. وإلى إخوانه الذين سبقوه بالحسنى, ذهبت روحه تسعى وتطير.. والبشير يدعوها من الرفيق الأعلى فقد تُوُفي سنة خمس وستين من الهجرة، وفيها مات -على الصحيح- عبد الله بن عمرو بن العاص السهمي ، وكان أصغر من أبيه باثنتي عشرة سنة. وكان دينًا صالحًا كثير العلم رفيع القدر
الدعاء