خطبة عن (الطمع:أنواعه وعلاماته والباعث عليه وآثاره وعلاجه)
سبتمبر 12, 2016خطبة عن (الغش: وبعض صوره في حياتنا)
سبتمبر 12, 2016الخطبة الأولى ( العفو عند المقدرة )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال سبحانه وتعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين :{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} {199}الأعراف. وقال سبحانه:{ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } {13} المائدة.وقال تعالى : {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } {14} التغابن. وقال عز وجل:{ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } {134} آل عمران. وقال سبحانه :{وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } {34}فصلت . وقال عز وجل:{ وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ }{43} الشورى. وفي صحيح مسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللَّهُ ». ومدح النبي صلى الله عليه وسلم أشج عبد القيس فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِلأَشَجِّ أَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ « إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ الْحِلْمُ وَالأَنَاةُ ».رواه مسلم. وعَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيُعْطِى عَلَى الرِّفْقِ مَا لاَ يُعْطِى عَلَى الْعُنْفِ وَمَا لاَ يُعْطِى عَلَى مَا سِوَاهُ ».رواه مسلم.
إخوة الاسلام
لقد أمر الله سبحانه وتعالى بالعفو في كتابه العزيز , وامتدح العافين عن الناس , وذلك لما في هذه الخصلة الحميدة (العفو ) من الآثار الحسنة على النفوس, ولما تسببه من محبة وإخوة بين المؤمنين, ولقد تمثل صدر هذه الأمة هذه الوصايا الربانية, والتوجيهات النبوية, فعفوا عمن ظلمهم, وأعطوا من حرمهم, ووصلوا من قطعهم, طاعة لله ورسوله, وامتثالاً لأمره سبحانه, وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم. وقد روى البخاري في صحيحه (أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ – رضى الله عنهما – قَالَ قَدِمَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ الْحُرِّ بْنِ قَيْسٍ ، وَكَانَ مِنَ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمَرُ ، وَكَانَ الْقُرَّاءُ أَصْحَابَ مَجَالِسِ عُمَرَ وَمُشَاوَرَتِهِ كُهُولاً كَانُوا أَوْ شُبَّانًا . فَقَالَ عُيَيْنَةُ لاِبْنِ أَخِيهِ يَا ابْنَ أَخِي ، لَكَ وَجْهٌ عِنْدَ هَذَا الأَمِيرِ فَاسْتَأْذِنْ لِى عَلَيْهِ . قَالَ سَأَسْتَأْذِنُ لَكَ عَلَيْهِ .قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَاسْتَأْذَنَ الْحُرُّ لِعُيَيْنَةَ فَأَذِنَ لَهُ عُمَرُ ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ
قَالَ هِىْ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ، فَوَ اللَّهِ مَا تُعْطِينَا الْجَزْلَ ، وَلاَ تَحْكُمُ بَيْنَنَا بِالْعَدْلِ . فَغَضِبَ عُمَرُ حَتَّى هَمَّ بِهِ ، فَقَالَ لَهُ الْحُرُّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ – صلى الله عليه وسلم – ( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ) وَإِنَّ هَذَا مِنَ الْجَاهِلِينَ . وَاللَّهِ مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلاَهَا عَلَيْهِ ، وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ ) ،فانظروا رحمكم الله إلى هذا الخليفة القوي في إيمانه, والقوي في إمارته وحكمه وعدله, كيف عفا بمجرد سماعه لهذه الآية العظيمة: { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}, ولأن التواضع والعفو من علامات المؤمنين, والغلظة والشدة والتكبر والتجبر على الخلق من علامات المستكبرين , فالعفو منقبة حميدة , وخصلة رشيدة والخطأ في العفو خيرٌ من الخطأ في العقوبة . روى البيهقي وغيره عن عمر رضي الله عنه انه قال : ( لأنْ أُخطئ في العفو أحب إلىَّ من أن أخطئ في العقوبة).
وكما قيل: الندم على العفو خيرٌ من الندم على العقوبة. وروى البخاري أيضاً عن عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ ) قَالَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلاَّ فِي أَخْلاَقِ النَّاسِ ., وقال عبد الله بن براد, حدثنا أبو أسامة, حدثنا هشام عن أبيه وعن عبد الله بن الزبير قال : أمر الله نبيه صلى الله علي وسلم أن يأخذ العفو من أخلاق الناس
أيها المسلمون
روى مسلم في صحيحه (عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ الرِّفْقَ لاَ يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلاَّ زَانَهُ وَلاَ يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ شَانَهُ ». ومن مواقف العفو عند المقدرة تلك القصة التي وردت أحداثها في حكم امير المؤمنين عمر :أنه قدم ثلاثة من الشباب ممسكين برجل امام امير المؤمنين ( عمر بن الخطاب ) رضى الله عنه . وقالوا هذا الرجل قتل والدنا واعترف الرجل بفعلته ولكنه طلب امهاله ثلاثة أيام حتى يخبر أبناءه بثروة مدفونة لا يعلمها سواه، وضمنه أبو ذر الغفاري .وقاربت الثلاثة أيام على الانتهاء وكاد أبو ذر الغفاري أن يقتل بضمانه لهذا الرجل . وفى آخر لحظة قدم الرجل وعليه غبار الطريق واجهاد السفر . فقال عمر للرجل : لما حضرت وقد كان بإمكانك أن تهرب ؟؟ فقال الرجل : خوفا من أن يقال ذهب أهل الوفاء بالوعد . فقال عمر لأبي ذر : وأنت لماذا ضمنته وأنت لا تعرفه ؟؟ فقال أبو ذر : خوفا من أن يقال ذهب أهل المروءة والكرم فقال أبناء القتيل :- ونحن عفونا وتسامحنا حتى لا يقال ذهب أهل العفو عند المقدرة
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( العفو عند المقدرة )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن صور العفو عند المقدرة ( لما ظفر المنصور بأهل الشام وقد أجلبوا عليه وخالفوه, قال له رجلٌ من جلسائه: الانتقام عدل, والتجاوز فضل, ونحن نعيذ أمير المؤمنين بالله بأن يرضى لنفسه بأوكس النصيبين, ولا يبلغ أرفع الدرجتين ) . وقال المهلب ابن أبي صفرة 🙁 خير مناقب الملوك العفو). ولقد عفا نبي الله يوسف عليه السلام عن إخوته بعد ما كادوا له كيداً عظيماً, فبعد أن ظفر بهم مع قدرته على عقوبتهم قال لهم: (قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) يوسف (92) ،فالعفو عند المقدرة من أعظم الحسنات , وهو من شيم العرب التي تعارفوا عليها قبل الإسلام وبعده، والعفو خير كله، والعافي أجره عند الله عظيم؛ لذلك كان من أعظم الخصال التي ينبغي أن يتحلى بها المسلمون ، وقد نبه ابن مفلح المقدسي رحمه الله إلى هذا الأدب فقال: دخلت على أبي يومًا فقلت: بلغني أن رجلاً جاء إلى فضل الأنماطي فقال له: اجعلني في حِلٍّ إذا لم أقم بنصرتك، فقال فضل: لا جعلت أحدًا في حل، فتبسم أبي وسكت، فلما كان بعد أيام قال لي: مررت بهذه الآية: ﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾ [الشورى: 40]، فنظرت في تفسيرها فإذا هو ما حدثني به هاشم بن القاسم، حدثني المبارك، حدثني من سمع الحسن يقول:
إذا جثت الأمم بين يدي رب العالمين يوم القيامة ونودوا: ليقم من أجره على الله عز وجل، فلا يقوم إلا من عفا في الدنيا، قال أبي: فجعلت الميت في حِلٍّ من ضربه إياي، ثم جعل يقول: وما على رجل ألا يعذب الله تعالى بسببه أحدًا،
وقال في رواية حنبل وهو يداويه: اللهم لا تؤاخذهم، فلما برئ ذكره حنبل له فقال: نعم، أحببت أن ألقى الله تعالى وليس بيني وبين قرابة النبي صلى الله عليه وسلم شيء، وقد جعلته في حل، وروى الخلال عن الحسن قال: أفضل أخلاق المؤمن: العفو، وروى أيضًا عن مسروق، سمعت عمر يقول: كل الناس مني في حل”
الدعاء