خطبة عن ( إن العين حق )
يناير 25, 2017خطبة عن (احذر المادح، واترك القادح، واسمع الناصح)
يناير 25, 2017الخطبة الأولى( العين بين الجافين والمغالين )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له .. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الله به الغمة .. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
اما بعد ايها المسلمون
روى الامام مسلم في صحيحه عن ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « الْعَيْنُ حَقٌّ وَلَوْ كَانَ شَىْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا ».
أيها الموحدون
ماهي حقيقة العين ؟ وكيف نقي أنفسنا من إصابتها ؟ وما هي وسائل العلاج المشروعة منها ؟ وهل هناك فرق بين العين والحسد ؟ ذلك هو موضوع لقائنا اليوم إن شاء الله : بداية أقول : إن الناس أمام الإصابة بالعين علي ثلاثة أقسام ، أو قل ثلاثة طوائف : الطائفة الأولي : أهل الجفاة ، فهي تنكر هذا الأمر ، وتري أنه لا أساس له من الصحة ، ولا يصدقه العقل ، بل وقالوا: لا يوجد شيء اسمه الإصابة بالعين ، ولا تؤثر العين بأي حال من الأحوال، وإنما ذلك أوهام لا حقيقة لها ، وأغلب من يقول ذلك هم العاملون في مجال الطب ، وعلماء النفس وغيرهم من العلمانيين ورأي هذه الطائفة خالف الحقائق ، وينكرالواقع الملموس، ويتعارض مع الشرع والدين ،أما الطائفة الثانية : فهم من الغلاة : وهي علي النقيض من ذلك ، وعلي عكس ما تري الطائفة الأولى ، فهم يرون أن كل ما يحدث من مصائب في حياتهم فسببه العين ، بل وينسبون كلّ إخفاق أو فشل إلى العين، فمثلا : إذا تكاسل الطالب في مذاكرته ، ونام عن تحصيل دروسه ، ثم رسب في الامتحان فسرعان ما ينسب ذلك إلي العين ،وإذا خسر التاجر في تجارته ،أو الزارع في زراعته ، أو الصانع في صناعته ، فالسبب العين ،وإذا أصيب أحدهم بمرض في جسمه ، أو خلل في عقله ، فسببه العين ،وإذا مات ولده ، أو نفقت ماشيته ، فسببه العين ، وهكذا ،، فهم مسرفون في أمر العين ، وتطاردهم الأوهام ، ويحاصرهم القلق ، ويضعف عندهم اليقين ويختل فيهم ميزان التوكل، فأولئك ينسبون كلّ إخفاق أو فشل او كسل إلى العين وإن لم يكن بهم عين، وربما استدرجهم الشيطان ، فأمرَضهم وما بهم من مرض، وأقعدهم عن العمل وما بهم علّة، ذلكم لأنّ نسبة العجز والكسل إلى الآخرين أسهل عندهم من الاعتراف به ، وهي دوما تحمل اللوم علي الآخرين . أما الطائفة الثالثة : فهم أصحاب الوسطية والاعتدال ، لا الإفراط ، ولا التفريط ، من المؤمنين الموحدين ، وهم ليسوا مع الجافين ، ولا مع المغالين ، ولكنهم مع الشرع والدين ،فهم يرون أن العين حق ، لأن الرسول (صلي الله عليه وسلم ) هو الذي أخبرنا بذلك في الأحاديث الصحيحة ، والألفاظ الصريحة ، هذه الطائفة من الناس تقف موقفا وسطا، بين الجفاة والغلاة ،فهي تؤمن بالعين ، وتصدق بآثارها عقلا و نقلا ، ولكنها، لا تغالي فتنسب كل شيء إليها، فالعين حق، ولكن ، ليس كل ما يصيب الإنسان في نفسه ، أو ولده ،أو ماله من العين، أو سببه العين، وهذه الطائفة أيضا ،تفعل بالأسباب المأذون بها شرعا ،وتتقي العين قبل وقوعها ،وأيضا تعمل بالأسباب الشرعية بعد وقوعها، هذا هو موقف طوائف الناس من العين، وتلك هي حقيقتها
أيها المسلمون
العين، إنما هي جمرة متوهجة من حطب الحسد، ابتلي بها الكثيرون على حين غفلة من الأوراد الشرعية، والتي هي حروز أمنية، وحصون مكينة ،العين ، سهم يخرج من نفس الحاسد ، أو العائن ، نحو المحسود ، أوالمعين ، فهي تصيبه تارة وتخطئه تارة، وقد ورد ذكرها في القرآن الكريم تلميحا ، وفي السنة الصحيحة تصريحا ،قال العلماء والمفسرون : إن الإشارة إلى العين في القرآن الكريم جاءت على لسان يعقوب عليه السلام ، حين خاف على أبنائه ، فقال لهم ، كما في قوله تعالى : ( يَا بَنِي لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ ، وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ ، وَمَا أُغْنِي عَنكُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ، وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَ ) [يوسف: 67]. وهكذا يفعل المؤمنون بالأسباب، ويبقى التوكّل على الله ملاذا آمنا ، ومعتقدا صادقا، يأخذون بالحيطة والحذر، ويؤمنون بالقضاء والقدر، ويثقون بقدرة الواحد الأحد، ( وَمَا أُغْنِي عَنكُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ) . وجاء في القرآن الكريم أيضا إخبار من الله إلى رسوله ، عن حسد الكافرين له ، ومحاولة إنفاذه بأبصارهم: قال تعالى : ( وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ) [القلم: 51]. قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما: ( لَيُزْلِقُونَكَ ) أي: يعينونك بأبصارهم، بمعنى يحسدونك. وقال ابن كثير في تفسيره “وفي هذه الآية دليل على أن العين إصابتها وتأثيرها حق بأمر الله عز وجل ،كما وردت بذلك الأحاديث المروية من طرق متعددة وكثيرة” وأذكر لكم بعضا منها : ففي الحديث المتقدم والذي رواه مسلم في صحيحه (عن ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « الْعَيْنُ حَقٌّ وَلَوْ كَانَ شَىْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا ».، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((تورد الرجل القبر، وتدخل الجمل القدر)) رواه أبو نعيم في الحلية وحسنه الألباني في صحيح الجامع ، وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ فَإِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ ». رواه الحاكم وابن ماجه
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( العين حق )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له .. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الله به الغمة .. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
اما بعد ايها المسلمون
وروى الإمام أحمد في مسنده والحاكم في مستدركه (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « الْعَيْنُ حَقٌّ تَسْتَنْزِلُ الْحَالِقَ ».وفي مسند أحمد (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الْعَيْنُ حَقٌّ وَيَحْضُرُ بِهَا الشَّيْطَانُ وَحسَدُ ابْنِ آدَمَ ». وقد أورد الإمام أحمد في مسنده ، وصححه الألباني وقال الحاكم: ” صحيح الإسناد “. ووافقه الذهبي ، وقصة هذا الصحابي الذي أصابته العين ، وكيف عالجه الرسول صلى الله عليه وسلم منها : ( فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ انْطَلَقَ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ يُرِيدَانِ الْغُسْلَ – قَالَ – فَانْطَلَقَا يَلْتَمِسَانِ الْخَمْرَ – قَالَ – فَوَضَعَ عَامِرٌ جُبَّةً كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ صُوفٍ فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ فَأَصَبْتُهُ بِعَيْنِي فَنَزَلَ الْمَاءَ يَغْتَسِلُ – قَالَ – فَسَمِعْتُ لَهُ فِي الْمَاءِ قَرْقَعَةً فَأَتَيْتُهُ فَنَادَيْتُهُ ثَلاَثاً فَلَمْ يُجِبْنِي فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَأَخْبَرْتُهُ – قَالَ – فَجَاءَ يَمْشِى فَخَاضَ الْمَاءَ كَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ سَاقَيْهِ – قَالَ – فَضَرَبَ صَدْرَهُ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ « اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُ حَرَّهَا وَبَرْدَهَا وَوَصَبَهَا ». قَالَ فَقَامَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ أَخِيهِ أَوْ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ مَالِهِ مَا يُعْجِبُهُ فَلْيُبَرِّكْهُ فَإِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ ». وقد روى البزار في مسنده وصححه الألباني : (عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ الْعَيْنَ لَتُولِعُ الرَّجُلَ بِإِذْنِ اللهِ ، أَنْ يَصْعَدَ حَالِقًا ثُمَّ يَتَرَدَّى مِنْهُ. ) ،ومعنى يصعد حالقا: أي يصعد مكانا مرتفعا. وروى أبو داود في سننه وصححه الألباني : (عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها قَالَتْ : ( كَانَ يُؤْمَرُ الْعَائِنُ فَيَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ الْمَعِينُ) , وقال ابن القيم رحمه الله: “وتأثيرات النفوس بعضها في بعض أمر لا ينكره ذو حس سليم ، ولا عقل مستقيم, فإن تأثيرها في العالم يقوي جدا تأثيرا يعجز عنه البدن، وأعراضه أن تنظر إلى حجر عظيم فتشقه أو حيوان كبير فتتلفه أو إلى نعمة فتزيلها, وهذا أمر قد شاهدته الأمم على اختلاف أجناسها وأديانها وهو الذي يسمى (إصابة العين)
إخوة الإيمان
وينبغي أن نعلم أن العين إنسيّة وجنية، بمعنى أنها تصيب من الجنّ كما تصيب من الإنس، ففي الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه :(عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لِجَارِيَةٍ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- رَأَى بِوَجْهِهَا سَفْعَةً فَقَالَ « بِهَا نَظْرَةٌ فَاسْتَرْقُوا لَهَا ». يَعْنِى بِوَجْهِهَا صُفْرَةً. والسفعة علامة من الشيطان، وقيل: ضربة واحدة منه. والمعنى كما جاء في شرح السنة : بها عين أصابتها نظرة من الجن أنفذ من أسنّة الرماح؛ ولهذا كان يتعوذ من الجان ومن عين الإنسان، حتى إذا نزلت المعوذتان أخذ بهما وترك ما سوى ذلك. (فعَنْ أَبِى سَعِيدٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَتَعَوَّذُ مِنَ الْجَانِّ وَعَيْنِ الإِنْسَانِ حَتَّى نَزَلَتِ الْمُعَوِّذَتَانِ فَلَمَّا نَزَلَتَا أَخَذَ بِهِمَا وَتَرَكَ مَا سِوَاهُمَا.)أخرجه الترمذي وحسنه.
عباد الله
ومع ثبوت العين وأثرها بإذن الله، فلا ينبغي الإفراط ولا التفريط بشأنها، وكما لا يسوغ إنكارها ، فلا يسوغ الإسراف بشأنها ، ونسبة كل شيء إليها.ولكن ، هل هناك فرق بين العين والحسد ؟ وكيف يقي الإنسان نفسه ، وغيره ، منهما قبل وبعد الإصابة بهما ؟ ذلك وغيره هو موضوع اللقاء القادم إن شاء الله
الدعاء