خطبة عن ( الفتن وكيفية النجاة منها )
يوليو 11, 2016خطبة عن ( كيف تنجو بنفسك من الفتن؟)
يوليو 11, 2016الخطبة الأولى ( واجب المسلم تجاه الفتن )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد .. وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له.. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله . دعانا إلى الهدي وحذرنا من الردى فاللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله جل وعلا في محكم آياته وهو أصدق القائلين : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) الانفال 25 ، وروى مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِى كَافِرًا أَوْ يُمْسِى مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا ».
إخوة الإسلام
في الآية السابقة والحديث الشريف يحذرنا الله ورسوله من الفتن ..فما هي الفتنة ؟؟ وما أنواعها ؟؟ وما واجب المسلم تجاه الفتن ؟؟ هذه الأسئلة وغيرها سوف أحاول الإجابة عليها اليوم إن شاء الله تعالى.. ونسأل الله أن يحفظنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن ...وبدية أقول.. الفتنة هي : الابتلاء والامتحان.. وتطلق الفتنة أيضا على الأمور والأحداث التي تحول المرء من الإيمان إلى الكفر… أو من الحال الحسنة إلى الحال السيئة ، والفتنة نوعان …عامة.. وخاصة …. أما الفتنة العامة فهي التي تلازم البشر في كل مكان وفي كل زمان .. ومن أمثلتها.. فتنة النساء .. ففي صحيح البخاري (عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ – رضي الله عنهما – عَنِ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « مَا تَرَكْتُ بَعْدِى فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ »…وفتنة المال.. والأولاد.. فقد قال الله تعالى (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ) الانفال 28 .. وكل ما يصب الإنسان من الخير والشر.. من الفقر والغنى.. والصحة والمرض.. وغيرها..فهو من الفتنة .. قال تعالى (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ) الانبياء 35 ، هذه هي الفتنة العامة.فكل الناس معرضون لها.. والمؤمن العالم بدينه يعلم أنها فتنة.. ويستطيع أن يميز بين الحلال والحرام ..والحق والباطل والخطأ والصواب.. أما الفتنة الخاصة … فهي التي تظهر في مكان معين.. أو زمان معين..ولفئة معينة من الناس …. وهذه الفتن الخاصة….يحتار فيها المسلمون العاديون .. وينقسمون إلى فريقين أو أكثر … ولا يدرون أين الحق وأين الباطل.. إلا من رحم ربي .. وهو المؤمن الذي تسلح بسلاح العلم فبصره ربه ..فعن حذيفة رضي الله عنه: أنه سئل: أي الفتن أشد ؟ قال: “أن يعرض عليك الخير والشر فلا تدري أيهما تركب”. وروى عن خالد بن الوليد رضي الله عنه: أنه قال: “الفتنة: أن تكون في أرض يعمل فيها بالمعاصي وتريد أن تخرج منها إلى أرض لم يعمل فيها بالمعاصي فلا تجدها”.. وعند ظهور الفتنة الخاصة تري المسلمين مختلفين .. هذا يقول حلال.. والآخر يقول حرام.. هذا يقول خطأ وآخر يقول صواب .. هذا يقول الحق معي .. ويرد عليه آخر بل أنت على الباطل .. فكل فريق يري أن الحق معه…ثم تنجلي الفتنة عن فريقين… فريق خاسر هالك… وفريق رابح ناجي…هذا هو حال الناس عند نزول الفتن الخاصة.. والتي حذرنا الرسول صلى الله عليه وسلم منها كما في صحيح مسلم ..قَالَ صلى الله عليه وسلم « إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِىٌّ قَبْلِى إِلاَّ كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا فِى أَوَّلِهَا وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلاَءٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا وَتَجِىءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَتَجِىءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ هَذِهِ مُهْلِكَتِى. ثُمَّ تَنْكَشِفُ وَتَجِىءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ هَذِهِ هَذِهِ. فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِى يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ )
أيها الموحدون
وهناك بعض هذه الفتن الخاصة.. ظهرت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ولم يكن ثم خطر هناك على المسلمين.. لأن الرسول كان بينهم. وقد كفاهم شرها.. ومن هذه الفتن التي كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهور مدعي النبوة في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن صياد .. ففي صحيح مسلم : (عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ انْطَلَقَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِى رَهْطٍ قِبَلَ ابْنِ صَيَّادٍ حَتَّى وَجَدَهُ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ عِنْدَ أُطُمِ بَنِى مَغَالَةَ وَقَدْ قَارَبَ ابْنُ صَيَّادٍ يَوْمَئِذٍ الْحُلُمَ فَلَمْ يَشْعُرْ حَتَّى ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ظَهْرَهُ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لاِبْنِ صَيَّادٍ « أَتَشْهَدُ أَنِّى رَسُولُ اللَّهِ ». فَنَظَرَ إِلَيْهِ ابْنُ صَيَّادٍ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ الأُمِّيِّينَ. فَقَالَ ابْنُ صَيَّادٍ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَتَشْهَدُ أَنِّى رَسُولُ اللَّهِ فَرَفَضَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَقَالَ « آمَنْتُ بِاللَّهِ وَبِرُسُلِهِ ». ثُمَّ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَاذَا تَرَى ». قَالَ ابْنُ صَيَّادٍ يَأْتِينِى صَادِقٌ وَكَاذِبٌ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « خُلِّطَ عَلَيْكَ الأَمْرُ ». ثُمَّ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنِّى قَدْ خَبَأْتُ لَكَ خَبِيئًا ». فَقَالَ ابْنُ صَيَّادٍ « هُوَ الدُّخُّ ». فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « اخْسَأْ فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ ». فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ذَرْنِى يَا رَسُولَ اللَّهِ أَضْرِبْ عُنُقَهُ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنْ يَكُنْهُ فَلَنْ تُسَلَّطَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْهُ فَلاَ خَيْرَ لَكَ فِى قَتْلِهِ »
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( واجب المسلم تجاه الفتن )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك…واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له .. واشهد أن محمدا عبده ورسول اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ونواصل حديثنا عن الفتن ..فقد اخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كذابين آخرين سوف يفتنون الناس.. ويدعون النبوة بعد هذا الكذاب.. ففي صحيح مسلم عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ فِى يَدَىَّ سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ فَأَهَمَّنِى شَأْنُهُمَا فَأُوحِىَ إِلَىَّ فِى الْمَنَامِ أَنِ انْفُخْهُمَا فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ مِنْ بَعْدِى فَكَانَ أَحَدُهُمَا الْعَنْسِىَّ صَاحِبَ صَنْعَاءَ وَالآخَرُ مُسَيْلِمَةَ صَاحِبَ الْيَمَامَةِ ». وفي مسند الصحابة أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال:(وَإِنَّ مِمَّا أَتَخَوَّفُ عَلَى أُمَّتِي أَئِمَّةً مُضِلِّينَ وَسَتَعْبُدُ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي الْأَوْثَانَ وَسَتَلْحَقُ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي بِالْمُشْرِكِينَ وَإِنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ دَجَّالِينَ كَذَّابِينَ قَرِيبًا مِنْ ثَلَاثِينَ كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ وَلَنْ تَزَالَ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ مَنْصُورِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ).. ومن الفتن الخاصة التي تعرض لها الرسول والمسلمون أيضا.. حادثة الإفك.. وفيها اتهم بعض المنافقين ..أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بفعل الفاحشة مع احد الصحابة الأطهار ..واتهموها في عرضها وشرفها ..وتفاصيل القصة معلومة لديكم ولا يتسع الوقت لسردها .. فوقع النبي و المسلمون في حيرة شديدة وضاقت على الرسول وأصحابه الأرض بما رحبت الكل يسأل.. أين الحقيقة؟؟.. إلى أن أنزل الله براءتها من فوق سبع سماوات.. وهكذا انقشع غبار هذه الفتنة المظلمة ؟؟
إخوة الإسلام
وبعد انتقال الرسول صلى الله عليه وسلم إلي الرفيق الأعلى.. تعرض المسلمون للفتن تلو الفتن.. والتي كادت أن تفتن الكثير منهم عن دينه.. واذكر لكم بعضا منها : فتنة أهل الردة : وهي فتنة الامتناع عن دفع الزكاة لبيت مال المسلمين وهي أول فتنة واجهت خلافة سيدنا أبي بكر الصديق ( رضي الله عنه) وذلك عندما فهم البعض منهم آيات القرآن على غير مرادها في قوله تعالى : ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) التوبة 103… فقال بعض المسلمين .. إن الله أمرنا أن ندفع الزكاة للنبي صلى الله عليه وسلم والنبي قد مات .. فلا ندفع الزكاة لأحد بعده .. وهنا رأى الخليفة أبو بكر أن يقاتل مانعي الزكاة.. فقال البعض.. وكيف تقاتل من قال لا اله إلا الله ؟؟..وانقسم الناس إلى رأيين أمام هذه الفتنة .. رأي يرى قتالهم والآخر يرى عدم قتالهم ..كما جاء في سنن الترمذي :(عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لأَبِى بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ أَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ :« أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّى دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ ». فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ : هَذَا مِنْ حَقِّهَا لاَ تُفَرِّقُوا بَيْنَ مَا جَمَعَ اللَّهُ ..لَوْ مَنَعُونِى عَنَاقًا مِمَّا أَعْطُوا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَاتَلْتُهُمْ عَلَيْهِ. ).. وهكذا اقنع أبو بكر الصحابة بالدليل أنه على حق وأن قتال المرتدين واجب.. و إلا تفلتت عري الإسلام وأركانه ركنا بعد ركن.. فوافقوه على قتالهم( وهو ما يعرف بقتال المرتدين ) حتى عادوا لرشدهم..ودفعت الزكاة لبيت مال المسلمين .. وهكذا .. خرج المسلمون من هذه الفتنة الغبراء الدهماء منتصرين بإذن الله رب الأرض والسماء …
إخوة الإسلام
وماذا عن الفتن الخاصة ..والتي تعرض لها المسلمون من الصحابة والتابعين… وهل نتعرض نحن الآن..في هذا الزمن للفتن ؟؟ وما واجبنا نحوها.؟؟ ذلك ما سوف نتناوله في اللقاء القادم ان شاء الله
الدعاء