خطبة عن ( سبل النجاة من الفتن )
أكتوبر 18, 2016خطبة عن ( وحدة المسلمين ضرورة ملحة)
أكتوبر 20, 2016الخطبة الأولى ( الكسب الحلال )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : ﴿ وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ﴾ [الأعراف:١٠]
وروى الترمذي في سننه بسند صحيح (عَنْ أَبِى بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَا فَعَلَ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَا أَبْلاَهُ ».
إخوة الإسلام
إن نعم الله عز وجل علينا كثيرةٌ لا تحصى عديدةٌ لا تستقصى ، وإن من نعمه سبحانه تمكينه لعباده في الأرض وتهيئته لهم من أنواع الرزق وطيِّب الثمار ما يقتاتون به وتتغذى به أبدانهم ؛ ليتناولوا من الطيِّب المباح ويحمدوا الربَّ الكريم ويشكروه على منّه وعطائه وفضله ،والواجب على المسلم أن يعي هذه الحقيقة جيداً وأن يعلم أن الرب الكريم والرزّاق المحسن سبحانه هيأ في هذه الأرض وجوه المكاسب الطيبة وأنواع الأرزاق المباحة وهيأ لهم السبل ، يقول الله جل وعلا: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ [الملك:١٥] ؛ وقِفْ هنا أيها المسلم متأملاً في ختم الله تبارك وتعالى لهذه الآية بقوله: ﴿ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ أي المرجع والمآب ، فأنت في هذه الحياة لك أمدٌ محدود ووقتٌ معدود من بعده تنتقل إلى الله عز وجل وتقف بين يديه سبحانه ويسألك عما قدمت في هذه الحياة ، وإن مما سيسألك الله عنه يوم القيامة مالك ومطعمك ومشربك يسألك عن ذلك كله إذا وقفت بين يديه ، وقد صح في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لاَ تَزُولُ قَدِمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعِ وذكر منها وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ؟ )) ، فيا أيها المسلم الراشد ويا أيها المؤمن الناصح انصح لنفسك وأنت في هذه الحياة قبل الوقوف بين يدي الله جل وعلا وأعد للسؤال جوابا وأعد للجواب صوابا فإنك والله مسئولٌ أمام الله جل وعلا . وإن من نعمة الله على عباده معاشر المؤمنين : أن هيَّأ لهم أنواع المكاسب الطيبة ووجوه الأرباح المباحة وجعل أمْر الحلِّ بينا وأمْر الحرام بينا وتأمل هذا فيما ثبت في الصحيحين من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه – وهو من صغار الصحابة رضي الله عنه وأرضاه ، وقد تحمل هذا الحديث على صغر سنه مما يدل على كمال حرص الصحابة صغارهم وكبارهم – عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول : ((إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ ، فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ؛كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى ، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ )) .
عباد الله : ما أعظم هذا الحديث وما أروعَ بيانَه وما أكمل ما فيه من نصح ودلالة وإرشاد ، وقد قسَّم النبي صلى الله عليه وسلم قسّم الأشياء إلى ثلاثة أقسام : – قسمٌ حِلٌّ بيِّنٌ : أي يعرِف حلَّه كلُّ مسلم ولا يشتبه أمره على أحد فهو حلٌّ بيِّن أي واضحٌ حلّه لاشتباه فيه. – والقسم الثاني عباد الله وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بالحرام البيِّن : أي الواضح حرمته لكل أحد فلا يشتبه على مسلم حرمته ، وهذا يتناول أنواع المحرمات التي جاءت الأدلة في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم دالة على حرمتها مبيِّنةً سوء خطرها وسوء مغبَّتها ، فهي أمورٌ محرمةٌ بيِّنٌ حرمتها . – وقسم ثالثٌ عباد الله وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه مشتبِه ؛ مشتبهٌ ليس على الناس كلهم وعلى المسلمين جميعهم وإنما هو مشتبهٌ على كثير من الناس (( أمور مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ)) أي جُهَال المسلمين وعوامهم ومن ليس عندهم علمٌ ولا فقه ولا بصيرة في دين الله ؛ فإن أمثال هؤلاء تشتبه عليهم بعض الأمور وتلتبس عليهم بعض الأشياء فلا يدرون أهي حلٌّ بين أم حرام بين ؟ وهاهنا – عباد الله – يظهر مقام العلماء ومكانتهم الرفيعة ومنة الله عليهم بزوال الاشتباه واتضاح الأمور وعدم التباسها ، ((لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ)) أي أن من الناس من يعلمونهنَّ وهم العلماء الراسخون والفقهاء المحققون الذين لا غنى للمسلمين عن نصحهم وبيانهم وسؤالهم واستفتائهم والاسترشاد بعلومهم وفقههم ، فما أعظم أثرهم على الناس وما أوسع نفعهم، وكيف لا وهم ورثة الأنبياء !! .
عباد الله : ولقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الطريقة السديدة والمسلك الرشيد عند اشتباه الأمور والتباسها إلى ماذا يصير الإنسان وماذا يفعل ؟ فقال عليه الصلاة والسلام (( فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ )) ؛ من اتقى الشبهات : أي ابتعد عنها ولم يقاربها فإنه بذلك يستبرئُ لدينه أي فيما بينه وبين الله ، ويستبرئُ لعرضه أي ما بينه وبين الناس ؛ أي يطلب البراءة لدينه وعرضه . وبهذا يُعلم معاشر المؤمنين أن طلب البراءة للعرض والدين إنما يكون باتقاء الشبهات والبعد عنها ، أما – عباد الله- إذا كان الإنسان يقارف الشبهات ويستهين بها ويستخفُّ من شأنها فإنها يوماً من الأيام ولابد ستنقله إلى الحرام البيِّن وتوقعه في حظيرته كما قال عليه الصلاة والسلام ((فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ )) ؛ أي أن الشبهات – عباد الله – تنقل من يقع فيها إلى الحرام البين . ((وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ ؛ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ )) حمى الله عز وجل التي حرمها على عباده هي المحارم ، هي الأمور التي نهى عباده عنها ، والحصافة هنا – عباد الله – والكياسة والفطنة أن يكون العبد بعيداً عن المحرمات أشد البعد ، وبعيداً في الوقت نفسه عن الوسائل المفضية والأسباب المؤدية إلى الوقوع في الحرام ؛ ومن ذلك التهاون في الأمور المشتبهات.
عباد الله : إن الفقه في هذا الباب تمس إليه الحاجة ولاسيما في هذا الزمان الذي اختلط فيه الحابل والنابل والتبست فيه كثيرٌ من الأمور على الناس ، والواجب على المسلم أن يطلب دائماً وأبدًا البراءة لدينه وعرضه ليلقى الله عز وجل بحالةٍ طيبة وببُعدٍ عن المحرمات وأسبابها ووسائلها . روى الإمام أحمد في مسنده عن وابصة بن معبدٍ رضي الله عنه قال أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم فقال : (( جِئْتَ تَسْأَلُ عَنْ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ فَقُلْتُ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا جِئْتُكَ أَسْأَلُكَ عَنْ غَيْرِهِ فَقَالَ الْبِرُّ مَا انْشَرَحَ لَهُ صَدْرُكَ وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ وَإِنْ أَفْتَاكَ عَنْهُ النَّاسُ )) . وروى الإمام مسلم : (عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال : قال رسول صلى الله عليه وسلم: (( الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ )) . وعندما تستريبُ – أيها المؤمن – من أمرٍ أهو من الحلال البيِّن؟ أو من الحرام البين فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك كما صح بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ففي الترمذي والنسائي من حديث أبي محمد الحسن بن علي سبط رسول الله عليه وسلم رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ((دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ )) ، والحسن بن علي رضي الله عنه من صغار الصَّحابة وقد تحمّل هذا الحديث في صغره مما يدل على كمال حرص الصحابة صغارهم وكبارهم على العناية بالسنة ومعرفة الحلال والحرام والتّفقه في دين الله، بينما واقع كثير من شباب المسلمين الآن وصغارهم عدم المبالاة بهذا الأمر والاكتراث به ؛ وهذه مصيبة – عباد الله- يجب أن نعالجها بالنظر إلى حال الصحابة ومقامهم مع دين الله تبارك وتعالى ، الصغار منهم والكبار يعتنون بهذا الباب غاية العناية ويهتمون به تمام الاهتمام استبراءً لدينهم وعرضهم وتهيئاً للقاء الله عز وجل بعيدين عن المحرمات ، متعففين ومتقين للمشتبهات ، متناولين للمباحات ، حامدين الله عز وجل شاكرينه على نعمه التي لا تعد وآلائه التي لا تحصى ،والله جل وعلا يقول : ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم:٧] . وإن من كمال حال الصحابة والصور الدالة على كمال فقههم وحرصهم على الاستبراء للدين والعرض واتقاء المحرمات والحذر من المشتبهات ما رواه البخاري في صحيحه عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت : (( كَانَ لِأَبِي بَكْرٍ غُلَامٌ يُخْرِجُ لَهُ الْخَرَاجَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَأْكُلُ مِنْ خَرَاجِهِ فَجَاءَ يَوْمًا بِشَيْءٍ فَأَكَلَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ الْغُلَامُ أَتَدْرِي مَا هَذَا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَمَا هُوَ قَالَ كُنْتُ تَكَهَّنْتُ لِإِنْسَانٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَمَا أُحْسِنُ الْكِهَانَةَ إِلَّا أَنِّي خَدَعْتُهُ فَلَقِيَنِي فَأَعْطَانِي بِذَلِكَ فَهَذَا الَّذِي أَكَلْتَ مِنْهُ فَأَدْخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ فَقَاءَ كُلَّ شَيْءٍ فِي بَطْنِهِ ))
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الكسب الحلال )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون .
ومن الصور الرائعة والنماذج المؤثرة في هذا الباب ما روي عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيف كانوا يتحرون الحلال في مطعمهم ،فمن الصور الدالة على كمال فقههم وحرصهم على الاستبراء للدين والعرض واتقاء المحرمات والحذر من المشتبهات : ما رواه البخاري في صحيحه عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت :
(( كَانَ لِأَبِي بَكْرٍ غُلَامٌ يُخْرِجُ لَهُ الْخَرَاجَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَأْكُلُ مِنْ خَرَاجِهِ فَجَاءَ يَوْمًا بِشَيْءٍ فَأَكَلَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ الْغُلَامُ أَتَدْرِي مَا هَذَا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَمَا هُوَ قَالَ كُنْتُ تَكَهَّنْتُ لِإِنْسَانٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَمَا أُحْسِنُ الْكِهَانَةَ إِلَّا أَنِّي خَدَعْتُهُ فَلَقِيَنِي فَأَعْطَانِي بِذَلِكَ فَهَذَا الَّذِي أَكَلْتَ مِنْهُ فَأَدْخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ فَقَاءَ كُلَّ شَيْءٍ فِي بَطْنِهِ )) ،انظروا إلى هذه الصورة عباد الله شيءٌ دخل في جوفه على أصل الحل والإباحة ولما تبينت له الحرمة واتضح له حال هذا المال أخرجه من جوفه وتقيّأه ، فكيف – عباد الله – ممن يزدردون ويبتلعون أموالاً يعرفون حرمتها ويتضح لهم عدم حلِّها وليل نهار يدخلونها في أجوافهم ويملؤون بها أمعدتهم وأمعدة أبنائهم وأهليهم ألا يتقون الله !! ألا يتقون الله ،فاللهم إلهنا وفقنا للقائك بقلوب سليمة وأجسام نظيفة قائمة على الحلال بعيدةٍ عن السُّحت ، وباعدنا من حال من قال عنهم رسولك عليه الصلاة والسلام ((كُلُّ جَسَدٍ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ ))
الدعاء