خطبة عن (النذر وحكمه )
فبراير 22, 2016خطبة عن ( هدي النبي في المهر والزواج )
فبراير 22, 2016الخطبة الأولى ( الآثار السيئة للمغالاة في المهور، وتكاليف الزواج )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
في سنن البيهقي : (عَنْ عَائِشَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :« إِنَّ أَعْظَمَ النِّسَاءِ بَرَكَةً أَيْسَرَهُنَّ صَدَاقًا ». لَفْظُ حَدِيثِ عَفَّانَ وَفِى رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ :« أَيْسَرُهُنَّ مُؤْنَةً ».
إخوة الإسلام
للمغالاة في المهور آثارها السيئة ، ونتائجها المجحفة ، فإن كثرة المهور والمغالاة فيها عائق قوي للكثير من التزوج ، ولا يخفى ما ينجم عن ذلك من المفاسد الكثيرة وتفشي المنكرات بين الرجال والنساء، والوسائل لها حكم الغايات، والشريعة المطهرة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، ولو لم يكن في السعي في تقليل المهور إلا سد الذرائع المسببة فعل المحرمات لكفى. فمن الآثار السيئة للمغالاة في المهور ، وتكاليف الزواج – رغْبَة الزَّوج بالظُّهور بمظْهَر الغَنيِّ القادِر، وحِرصُه على إقناع أولياء الزَّوجة بالمُوافَقة على خِطبته. ومنها : – طمَع بعض أولياء الأمور، وعدم إدراكِهم لقيمة الزَّواج وأهدافِه الرئيسيَّة، إضافةً إلى ما يَتحمَّلونه مِن مَصاريفَ والْتزاماتٍ يَرَونها ضروريَّة حتَّى لا يُنسَبوا للتَّقصير. ومنها : – تغيُّر النظَر إلى الزوج الكُفْء، فأصبَحتْ عمليَّة الزَّواج عمليَّةَ بيعٍ وشِراء، الرابِح فيها مَن يَكسِب المال الكثير، ولا يُهمُّه النَّتائج وآثارها. ومن الاثار أيضا – التَّقليد – وهو السبب الأهمُّ – الذي استولى على عُقول الناس ومَشاعِرهم وسلَبهمالتَّفكير، وعطَّل عُقولهم، فكلٌّ يَزيد عَن الآخَر، فيَتزايَد الأمْر حتَّى يَبلُغ هذا الحدَّ. ومنها : – إسناد الحُكم في هذه الأمور إلى النِّساء، وسَماع آرائهنَّ، وتَنفيذ طلَباتهنَّ، وهنَّ ما تَعلَم مِن عاطِفة ورغْبَة في التَّفاخُر. ومنها : – سُكوت القادَة والمَعنيِّين بأمور الناس حتَّى استفْحَل الأمْر وبلَغ ما هو عليه. ومن الآثار السيئة للمغالاة في المهور انتشار العنوسة بين الجنسين، ولا يخفى ما في ذلك من نذير شؤم وفساد على المجتمع، حيث يتجه الشباب من الجنسين لقضاء شهواتهم بطرق غير مشروعة مضرة بهم وبمجتمعهم وأمتهم. والمغالاة في المهور يجعل الزوجة كأنها سلعة ، تباع وتشترى ، مما يخل بالمروءة ، وينافي الشيم ، ومكارم الأخلاق، وأيضا لا يخفي ما سببته المغالاة في المهور من المفاسد، فكم من حرة مصونة عضلها أولياؤها وظلموها فتركوها بدون زوج ولا ذرية، وكم من امرأة ألجأها ذلك إلى الاستجابة لداعي الهوى والشيطان فَجَرَّت العار والخزي على نفسها وعلى أهلها وعشيرتها مما ارتكبته من المعاصي التي تسبب غضب الرحمن، وكم من شاب أعيته الأسباب فلم يقدر على هذه التكاليف التي ما أنزل الله بها من سلطان فاحتوشته الشياطين وجلساء السوء حتى أضلوه وأوردوه موارد العطب والخسران، فخسر أهله، وفسد ا تجاهه ، بل خسرته أمته ووطنه ، وخسر دنياه وآخرته، ومن أضرار المغالاة في المهور : حدوث الأمراض النفسية لدى الشباب من الجنسين بسبب الكبت ، وارتطام الطموح بخيبة الأمل .ومنها : أن تكليف الزوج فوق طاقته يجلب العداوة في قلبه لزوجته لما يحدث له من ضيق مالي بسببها ، والهدف هو السعادة وليس الشقاء .وأن كثرة الصداق لو كان فيها شيء من المصلحة للمرأة وأوليائها فإن ما يترتب على ذلك من المفاسد يربو على تلك المصلحة إن وجدت ، والقاعدة الشرعية أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الآثار السيئة للمغالاة في المهور، وتكاليف الزواج )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وأسوق إليكم هذه القصَّص الرائعة مِن عصْر التابِعين نُقدِّمها؛ لعلَّها تُوقِظ ضَمائر المُغالِين في المُهور، أمَّا بطَل القصَّة الأولى فهو التابِعيُّ الجَليل سعيد بن المسيّب – رحمه الله. قال أبو ودَاعة: ( كنتُ أُجالِس سَعيد بن المسيّب ففَقدني أيامًا، فلمَّا جِئتُه قال: أين كُنتَ؟ قلتُ: تُوفِّيَتْ زوجتي فاشتغلْتُ بها، فقال: هلا أخبَرْتنا فشَهِدْناها، فلمَّا أردتُ أنْ أقوم قال: هلْ أحدَثت امرأةً غيرَها؟ فقلتُ: يَرحَمُك الله، ومَن يُزوِّجني وما أَملِك إلا دِرهمَين أو ثلاثة؟قال : إنْ فعلتُ تَفعل؟ قُلتُ: نعم، ثم حَمِد الله وصلَّى على النبي – صلى الله عليه وسلم – وزوَّجني ابنتَه على دِرهمَين. وفي مساء ذلك اليوم إذا بالباب يُقرَع، فقُلتُ: مَن هذا؟ فقال: سعيد، ففكَّرتُ في كل إنسان أَعرِفه اسمُه سعيد إلا سَعيد بن المسيّب؛ فإنه لم يُرَ منذ أَربعينَ سنةً إلا ما بين بيتِه والمسجد، فقُمتُ وفتحْتُ الباب، وإذا سعيد بن المسيّب، فظننْتُ أنه بدا له أمْر، فقلتُ: فما تَأمُرني؟ قال: رأيتُك رجلاً عزَبًا فكَرهْتُ أن تَبيت ليلتَكَ وحْدكَ، وهذه زوجتُك، فإذا هي قائمة خلْفَه في طُوله، ثمَّ دفَعها وردَّ الباب. وها هُو عُمر بن الخطاب – رضي الله عنه – مِن أعلام الإسْلام يَسعى بنفْسِه لزَواج ابنته حفْصة، فعِندما تُوفِّيَتْ زَوج عُثمان – رضي الله عنهما – رُقيَّة بنت رسول الله، سارَع الصَّحابة يُواسُونه ويَأسون جِراحه ويُسلُّونه، ولكنَّ عُمر أرد أن يَضرِب المثل الأعلى في المُواساة والتَّواضُع، فيأتي إلى عُثمان ويُواسيه، يَدعو له ولِميِّته، ويَعرِض عليه الزَّواج مِن ابنتِه حفْصة، ففي صحيح البخاري (عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ – رضى الله عنهما – يُحَدِّثُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حِينَ تَأَيَّمَتْ حَفْصَةُ قَالَ عُمَرُ لَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ إِنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ . فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ ثُمَّ خَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ إِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرْجِعَ إِلَيْكَ فِيمَا عَرَضْتَ إِلاَّ أَنِّى قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَدْ ذَكَرَهَا فَلَمْ أَكُنْ لأُفْشِىَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَلَوْ تَرَكَهَا لَقَبِلْتُهَا )، وتكون المعجزة على لسان الرسول – صلى الله عليه وسلم – فيُزوِّج ابنتَه أمَّ كلثوم إلى عُثمان، ويتزوَّج الرسول – صلى الله عليه وسلم – مِن حفصَة. هذا هو عمَلُ الصَّحابة، وهذه حقيقة حياتهم وتَعاونهم على البرِّ والتَّقوى، وسمُوُّ أرواحهم ومَقاصِدهم، وهذه عوائدهم في الزَّواج واختيار الأكْفاء لِبَناتِهم واختيار الصَّالِحات لبُيوتِهم ونُطَفهِم دون النَّظَر والاهتِمام بالمهْر والنفقات. وأمثِلَة الزَّواج البَسيط دون تَكاليفَ باهِظةٍ ولا نفَقات كبيرة كثيرة مِن زمن الصَّحابة إلى زمانِنا الحاضِر في بِقاع الأرْض شتَّى؛منها زواج تمَّ في إحدى البلاد الإسلاميَّة بكلِّ بسَاطة وبتَكاليف قَليلةٍ، وكان العُرْس عبارةً عن اجتِماع بين الأحبَّة والمعارف، ومِن مُستوى رفيع ممتاز، والمكان على سطْح البِناء بلا تلْك الزِّينات المُعقَّدة، وأُديرَتِ القهْوَة كالعادة، وجاء المأذون وتمَّ كلُّ شيء، ودعا الجَميعُ لهم بالتَّوفيق والسعادة، ثمَّ ذهَب العروسان والفرْحة تملأ قلبَيهِما بعد خُروج المدعوِّين بنصْف ساعة، ولم يَستغْرِق الحفْل سِوى ساعة خرَج على أثَرها المدعوُّون يَعلو وجوهَهم البِشْر. وزواجٌ آخَر في بلد أجنبي ؛ حيث يَبدأ الحفْل بتلاوة القرآن، ثمَّ تلْقين العَروسَين الشهادتَين، ثمَّ يقرأ كلٌّ منهما آياتٍ مِن القُرآن، ثمَّ يَصطفُّ بعد ذلك المدْعوُّون ويتوجَّهون إلى الله بالدعاء، فلْنُقارنْ بيننا وبينهم، وبين حفَلات الزَّواج عِندنا وحفَلات الزَّواج عِندهم. فهل تُريدون أن نَطلُب منهم أن يُعيدوا لنا مَناهِجَنا وتَقاليدنا التي تنازلْنا عنها عن طيب خاطِر، واستَبدلْنا بها هذه التعقيدات التي ما أنزَل الله بها مِن سُلطان؟!
الدعاء