خطبة عن ( الظلم : أنواعه ،والتحذير من خطورته)
يوليو 11, 2016خطبة عن ( فوائد ذكر الله والتحذير من الغفلة)
يوليو 11, 2016الخطبة الأولى ( النجاة في عصر الفتن )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام أحمد في مسنده وغيره (عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو قَالَ قَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « كَيْفَ أَنْتَ إِذَا بَقِيتَ فِى حُثَالَةٍ مِنَ النَّاسِ ». قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ ذَلِكَ قَالَ « إِذَا مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ وَأَمَانَاتُهُمْ وَكَانُوا هَكَذَا » وَشَبَّكَ يُونُسُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ يَصِفُ ذَاكَ قُلْتُ مَا أَصْنَعُ عِنْدَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « اتَّقِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَخُذْ مَا تَعْرِفُ وَدَعْ مَا تُنْكِرُ وَعَلَيْكَ بِخَاصَّتِكَ وَإِيَّاكَ وَعَوَامَّهِمْ ».
أيها المؤمنون
رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيم بأمته رءوف بها ، مشفق عليها من الفتن ، وصدق من وصفه ،بقوله تعالى : (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) التوبة 128 ، ومن رحمته صلى الله عليه وسلم بأمته ، أنه يدلها ويرشدها إلى طريق النجاة إذا حلت بها الفتن ، ونزلت بها المهالك ، وأحاطت بها الأهوال والشهوات ، وفي هذا الحديث المتقدم ، يقول صلى الله عليه وسلم للصحابي عبد الله بن عمرو « كَيْفَ أَنْتَ إِذَا بَقِيتَ فِى حُثَالَةٍ مِنَ النَّاسِ » . والحثالة تطلق على ما في آخر الإناء ، وهي الرديء من كل شيء ، أما الحثالة من الناس ، فهم أراذل الناس ، وشرارهم وسفلتهم الذين لا خير فيهم ، هؤلاء لا يهمهم أمر البلاد ولا العباد ولا يهمهم أمر الدين ، ولا حال المسلمين ، هم يعيشون لبطونهم وشهواتهم فيأكل ملء بطنه ويضحك ملء فمه وينام ملء عينيه ، لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا ، فالرسول صلى الله عليه وسلم يحذرك أخي المسلم أن تكون من هذه الحثالة ، بل كن من الأطهار الأبرار الأخيار ، كن من الأتقياء الأصفياء ، ثم يذكر لنا الرسول صلى الله عليه وسلم شيئا من حال هذه الحثالة فقال « إِذَا مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ وَأَمَانَاتُهُمْ وَكَانُوا هَكَذَا » أي : اختلفت وفسدت عهودهم وأماناتهم ، فلا عهد لهم ولا أمانة فقد خانوا العهد وضيعوا الأمانة ، لأن قلوبهم من الإيمان خاوية ، وألسنتهم عن الذكر طاوية ، ثم يقول صلى الله عليه وسلم (وَكَانُوا هَكَذَا » وَشَبَّكَ يُونُسُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ يَصِفُ ذَاكَ ) ،وفي تشبيكه صلى الله عليه وسلم بين أصابعه، فهو يعطي صورة واضحة جلية لما يصل إليه حال الأمة في هذا الزمان ، حيث تتشابك الأمور وتختلط ، فلا تعرف أين الطريق الصحيح ، ولا تميز الحق من الباطل ، ولا الأمين من الخائن ، ولا البر من الفاجر ، ولا الصالح من الطالح ، نعم ، تتشابك الأمور ، وتختلط المفاهيم بل وتنقلب ، فتصبح الخيانة هي السلعة الرائجة الرابحة ، فيقدم الخائن ، ،ويؤخر الأمين ، ومن يعمل بالكتاب والسنة فهو في خانة المنبوذين ، لأن الفساد عندهم هو الأصل ، أما أهل الصلاح أهل الدين ، أهل الإيمان فهم كما قال قوم لوط (أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ) الاعراف 82
أيها الموحدون
ولما خاف الصحابي الجليل عبد الله بن عمرو أن يدركه هذا الزمان وذاك الوضع وتلك الفتن ، سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المخرج ، فقال (قُلْتُ مَا أَصْنَعُ عِنْدَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ) ،وهذا هو المطلوب من المسلم ، أن يسأل أهل العلم وأهل الخبرة ، وأن يلجأ إلى العلماء في حالة الفتن ، وألا ينفرد برأيه وعقله ، فقال صلى الله عليه وسلم « اتَّقِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَخُذْ مَا تَعْرِفُ وَدَعْ مَا تُنْكِرُ وَعَلَيْكَ بِخَاصَّتِكَ وَإِيَّاكَ وَعَوَامَّهِمْ ». هكذا يبين له الرسول صلى الله عليه وسلم العلاج وطريق النجاة إذا أدرك المؤمن عصر الفتن ، فالعلاج في خمسة أمور ، أولها : قوله صلى الله عليه وسلم (اتَّقِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ) فتقوى الله هي العاصم من الزلل ، والنجاة من المهالك ، تقوى الله ، هي طريقك إلى الجنة ، ونجاتك من النار ، فهل تظن أخي المؤمن أن أهل التقوى تختلط عهودهم وأماناتهم ؟ ، كيف يكون ذلك والتقوى عندهم تعني (الخوف من الجليل ، والعمل بالتنزيل ، والقناعة بالقليل ، والاستعداد ليوم الرحيل) ،نعم ، فتقوى الله هي العاصم إذا تداعت الخطوب ، وتشابكت الأمور ، وضاقت المسالك والسبل ، قال تعالى (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ) الطلاق 2،3 وقال سبحانه : (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) ، أما الوصية الثانية والثالثة لنجاة المؤمن في عصر الفتن فهي في قوله صلى الله عليه وسلم :(وَخُذْ مَا تَعْرِفُ وَدَعْ مَا تُنْكِرُ ) أي خذ ما تعرف من الحلال ، ودع ما تنكر من الحرام ، خذ الطيب ، ودع الخبيث ، اعمل بالطاعات ، وابتعد عن المعاصي والمنكرات ، فالحلال بين ، والحرام بين ، ودع الشبهات ، لأن حثالة القوم لا يتورع أحدهم فيما يأخذ أمن الحلال أم من الحرام ، المهم عنده أن يقضي حاجته ، أما أنت أيها المؤمن ، فخذ ما تعرف ، ودع ما تنكر ، كما في سنن الترمذي وغيره عَنْ أَبِى الْحَوْرَاءِ السَّعْدِىِّ قَالَ قُلْتُ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِىٍّ مَا حَفِظْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ وَإِنَّ الْكَذِبَ رِيبَةٌ )
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( النجاة في عصر الفتن )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ونأتي إلى الوصية الرابعة والخامسة من وصايا الرسول -صلى الله عليه وسلم- للنجاة في عصر الفتن ،وهي في قوله -صلى الله عليه وسلم- (وَعَلَيْكَ بِخَاصَّتِكَ وَإِيَّاكَ وَعَوَامَّهِمْ ». والمعنى : إذا عمت الفتن، وتشابكت الأمور، واختلفت الرؤى، وفسد الزمان، واختلط الحلال بالحرام ، وأصبحت في حيرة من أمرك ، ولا تدري ماذا تفعل ، هنا ، الزم أهل الدين ، أهل العلم والدعوة إلى الله ، الزم خاصتك من أهل الصلاح والفلاح ، الزم خاصتك من أهل الورع والتقوى ، الزم من يذكر الله ، ويرسم لك طريق النجاة ، الزمهم ، جالسهم ،صادقهم ، اقترب منهم ، اسمع حديثهم ، تعلم منهم ، واعمل بصالح الأعمال ، فهم نعم العون لك ،ونعم الصديق ،، نعم ،، إذا تشابكت الأمور (عَلَيْكَ بِخَاصَّتِكَ وَإِيَّاكَ وَعَوَامَّهِمْ ».، فلا تتبع العوام ، والعوام : هم غالبية المجتمع الفاسد ، هم أهل الجهل ،وأهل البدع ،وأهل الغفلة ، هم في زماننا أهل الرقص والمغنى ، أهل الطرب والسكر ، أهل الزنا والخنا ، أهل العرى والمنكرات ، أهل الغيبة والنميمة ، أهل السحر والكهانة ، أهل الفسق والضلال ،أهل القتل والتعذيب، أهل الظلم والبغي والكذب والبهتان ، أهل العقوق وقطيعة الأرحام ،، نعم ،، وإياك وعوامهم ، فلا تقل : ( كل الناس يقولون كذا أو يفعلون كذا ، أو كل البلاد تصنع أو تفعل كذا ) ، فالرسول صلى الله عليه وسلم يحذرك ، فقد يكون في رأي الأغلبية الفاسدة الهلاك والدمار ، فليست العبرة في رأي الأغلبية أو الأقلية ، ولكن العبرة فيما يوافق الشرع والدين ، فإياك وعوام الناس إن كانوا على غير منهج الله ففي سنن الترمذي (عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تَكُونُوا إِمَّعَةً تَقُولُونَ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا وَإِنْ أَسَاءُوا فَلاَ تَظْلِمُوا »
أيها المسلمون
نحن الآن نعيش في عصر الفتن ، فعليكم بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تكتب لكم النجاة ، عليكم بتقوى الله ، وخذوا ما تعرفون من الحلال والطاعات ، واتركوا ما تنكرون من الحرام والمنكرات ، والزموا أهل العلم والتقوى ، وابتعدوا عن أهل التقليد الأعمى وأهل الأهواء وأهل الفساد والضلال ،فمن فعل ذلك فقد نجا ، ومن خاض في الباطل فقد هوى وضل وغوى ، وكان فيمن قال الله عنهم (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ) الكهف 103 ، 104
الدعاء