خطبة عن (خير الناس مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُه)
يوليو 23, 2022خطبة عن ( أَحِبُّوا اللَّهَ )
أغسطس 6, 2022الخطبة الأولى ( لا تتصيدوا أخطاء الآخرين )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153) ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154) إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) (152) :(155)آل عمران
إخوة الإسلام
هذه الآيات التي تلوتها على مسامعكم ، تبين لنا بعض ما كان من أمر المؤمنين يوم أحد ، فقد جاء في تفسير ابن كثير : (كَانَ الظَّفَرُ وَالنَّصْرُ أَوَّلَ النَّهَارِ لِلْإِسْلَامِ، فَلَمَّا حَصَلَ مَا حَصَلَ مِنْ عِصْيَانِ الرُّماة وَفَشَلِ بَعْضِ الْمُقَاتِلَةِ، تَأَخَّرَ الْوَعْدُ الَّذِي كَانَ مَشْرُوطًا بِالثَّبَاتِ وَالطَّاعَةِ؛.. ثم قال سبحانه وتعالى :{وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ} أَيْ: غَفَرَ لَكُمْ ذَلِكَ الصَّنِيع، كما ترتب على نزول الرماة من أماكنهم أن هرب الكثير من أرض المعركة فارين من العدو ولم يثبت إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعض أصحابه من حوله ، قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) ، ورغم أن الفرار من ساحة المعركة كبيرة من الكبائر ، إلا أن الله تعالى عفا عنهم ، فقال سبحانه : (وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ) ، وهكذا يتبين لنا من خلال الآيات أن الله تبارك وتعالى غفر للمؤمنين أخطاءهم ، وعفا عن زلاتهم ، نقول ذلك لأن أصحاب النفوس الضعيفة ، يتصيدون أخطاء الآخرين ، ولا يغفرون الزلات ، ولا يتجاوزن عن الأخطاء والهفوات ، فنقول لهم : كل منا لديه أخطاء ، ولا يوجد إطلاقا إنسان خالٍ من العيوب ، ولكن للأسف ، نجد البعض قد جعل هوايته هي تصيد أخطاء الآخرين ، نعم ، لقد انتشرت هذه الآفة ، حتى أصبحت في دم بعض البشر عادة ، ونقول لمثل هؤلاء : نحن لسنا ملائكة، ولا بد أن نتقبل وقوع الأخطاء ، والتجاوزات جزء من واقعية الحياة، والأشخاص الكبار من الداخل، الواثقون من أنفسهم ، هم الأكثر ميلاً للتسامح ، والترفع عن تصيّد أخطاء الآخرين، وهم الكاظمون للغيظ، وهم العافون عن الناس، وهؤلاء يتمتعون دائماً بأريحية واسعة، تجعلهم دائماً متصالحين مع أنفسهم، بعيدين عن التوتر والصراع، فتصيد الأخطاء أسلوب سلبى، يلجأ إليه البعض ، ليثبت لنفسه أنه أفضل من الآخرين، رغم أنهم يخطئون، وأحياناً يكون مبررهم لتصيد أخطاء الآخرين بحثاً عن مثالية وهمية ، والنتيجة : أن تصّيد الأخطاء يباعد بين هذا الشخص والآخرين، ويزرع بذور خلافات يكون الناس في كثير من الأحيان في غنى عنها ، فالتسامح يمنح الإنسان فضاء واسعا، ويجعل القضايا مهما كبرت صغيرة في نظره، وبالتالي تختصر على الإنسان الكثير من المسائل التي تستهلك طاقة ووقتاً، فالعمر أقصر مما نتخيل، ومن الظلم أن نخسر جزءاً منه في صراعات لا تجدى.
أيها المسلمون
إن الدين الاسلامي والشرع الحنيف ليدرك ضعف هذا المخلوق البشري الذي تهبط به ثقلة الجسد أحيانًا إلى درك الفاحشة، وتهيج به فورة اللحم والدم فينزو نزوة الحيوان في حمى الشهوة، وتدفعه نزواته وشهواته وأطماعه ورغباته إلى المخالفة عن أمر الله في حمى الاندفاع، يدرك ضعفه هذا فلا يقسو عليه، ولا يبادر إلى طرده من رحمة الله حين يظلم نفسه، حين يرتكب الفاحشة، المعصية الكبيرة، وحسبه أن شعلة الإيمان ما تزال في روحه لم تنطفئ، وأن نداوة الإيمان ما تزال في قلبه لم تجف، وأن صلته بالله ما تزال حية لم تذبل، وأنه يعرف أنه عبد يخطئ وأن له ربًا يغفر، وإذن فما يزال هذا المخلوق الضعيف الخاطئ المذنب بخير، إنه سائر في الدرب لم ينقطع به الطريق، ممسك بالعروة لم ينقطع به الحبل، فليعثر ما شاء له ضعفه أن يعثر، فهو واصل في النهاية ما دامت الشعلة معه، والحبل في يده، ما دام يذكر الله ولا ينساه، ويستغفره ويقر بالعبودية له ولا يتبجح بمعصيته ، فالله سبحانه وتعالى وهو العفو الغفور ، الرحيم الودود ، الذي خلق الانسان ويعلم ما توسوس به نفسه ، يعلم أن هذا الانسان ضعيف أمام شهواته ، لهذا فالله تعالى لم يغلق في وجه هذا المخلوق الضعيف الضال باب التوبة، ولا يلقيه منبوذًا حائرًا في التيه! ولا يدعه مطرودًا خائفًا من المآب، إنه يطمعه في المغفرة، ويدله على الطريق، ويأخذ بيده المرتعشة، ويسند خطوته المتعثرة، وينير له الطريق، ليفيء إلى الحمى الآمن، ويثوب إلى الكنف الأمين، شيء واحد يتطلبه : ألا يجف قلبه، وتظلم روحه، فينسى الله، وما دام يذكر الله، ما دام في روحه ذلك المشعل الهادي، ما دام في ضميره ذلك الهاتف الحادي، ما دام في قلبه ذلك الندى البليل، فسيطلع النور في روحه من جديد، وسيؤوب إلى الحمى الآمن من جديد، وستنبت البذرة الهامدة من جديد ، فكل إنسان بفطرته يكره أن يخطئ، ويحب أن يصيب دائمًا وأبدًا، ولكن ما دام أن الخطأ مكتوب على الإنسان لا محالة، وما دام أنك لا يمكن أن تنفك عن الخطأ، سواءً كنتَ فردًا أو جماعةً، أو دولةً أو أمةً، فإن المؤمن يفضل أن يُكاشف بالخطأ الآن ويبين له، وهذا أحب إليه من السكوت الذي تكون عاقبته سوء عليه في الدنيا وفي الدار الآخرة ، فهذا أبو بكر رضي الله عنه يعبر الرؤيا ، وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أصبت بعضًا وأخطأت بعضًا» ، ففي الصحيحين : (أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ – رضى الله عنهما – كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَجُلاً أَتَى رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ فِي الْمَنَامِ ظُلَّةً تَنْطِفُ السَّمْنَ وَالْعَسَلَ ، فَأَرَى النَّاسَ يَتَكَفَّفُونَ مِنْهَا فَالْمُسْتَكْثِرُ وَالْمُسْتَقِلُّ ، وَإِذَا سَبَبٌ وَاصِلٌ مِنَ الأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ ، فَأَرَاكَ أَخَذْتَ بِهِ فَعَلَوْتَ ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَعَلاَ بِهِ ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَعَلاَ بِهِ ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَانْقَطَعَ ثُمَّ وُصِلَ . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَاللَّهِ لَتَدَعَنِّي فَأَعْبُرَهَا . فَقَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « اعْبُرْ » . قَالَ أَمَّا الظُّلَّةُ فَالإِسْلاَمُ ، وَأَمَّا الَّذِى يَنْطِفُ مِنَ الْعَسَلِ وَالسَّمْنِ فَالْقُرْآنُ حَلاَوَتُهُ تَنْطُفُ ، فَالْمُسْتَكْثِرُ مِنَ الْقُرْآنِ وَالْمُسْتَقِلُّ ، وَأَمَّا السَّبَبُ الْوَاصِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ فَالْحَقُّ الَّذِى أَنْتَ عَلَيْهِ تَأْخُذُ بِهِ فَيُعْلِيكَ اللَّهُ ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ مِنْ بَعْدِكَ فَيَعْلُو بِهِ ، ثُمَّ يَأْخُذُ رَجُلٌ آخَرُ فَيَعْلُو بِهِ ، ثُمَّ يَأْخُذُهُ رَجُلٌ آخَرُ فَيَنْقَطِعُ بِهِ ثُمَّ يُوَصَّلُ لَهُ فَيَعْلُو بِهِ ، فَأَخْبِرْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ أَصَبْتُ أَمْ أَخْطَأْتُ . قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – : « أَصَبْتَ بَعْضًا وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا » . قَالَ فَوَاللَّهِ لَتُحَدِّثَنِّي بِالَّذِي أَخْطَأْتُ . قَالَ « لاَ تُقْسِمْ »
إذًا فالخطأ من شيمة الإنسان ومن طبعه، وإن كان قليلًا عند السابقين، فما بالك بأهل هذا الزمن، إنهم معدن الخطأ ومظنته، وليس عجيبًا أن يخطئوا بل العجيب أن لا يخطئوا، إلا من عصم الله عز وجل، وفي صحيح مسلم : ( عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِمَّا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَى أَدْرَكَ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ فَزِنَى الْعَيْنَيْنِ النَّظَرُ وَزِنَى اللِّسَانِ النُّطْقُ وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِى وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( لا تتصيدوا أخطاء الآخرين )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
على كل واحد منا أن يتذكر فلا ينسى ، أنه لم يخلق ملكًا كريمًا، ولم يخلق بشرًا معصومًا، وإنما هو إنسان تتنازعه قوى الخير والشر، فتارة يغلب خيره شره ،فهو خير من الملائكة، وتارة يغلب شره خيره فهو شر من البهائم. فالذنوب والمعاصي باب كلنا ولجناه، وبحر كلنا سبحنا فيه، ولا ينجو من ذلك إلا المعصومون ممن اصطفاهم الله واجتباهم من الأنبياء والرسل. فمن الطبيعي أن يخطئ الإنسان، فلا أحد يسلم من الخطأ، فإن كل ابن آدم خطاء، والله عز وجل لم يرد من عباده أن يكونوا ملائكة لا يعصون الله، بل ركب فيهم قابلية المعصية، وما شرع الله التوبة لعباده إلا لأنه قدَّر أن عبيده يخطئون ويصيبون ، ومن رحمته سبحانه وتعالى أنه شرع التوبة، ومن رحمته كذلك ، أنه يقبل هذه التوبة، فلماذا تخرج من حيز يمكن أن تخرج منه إلى حيز يضيق عليك لا تستطيع أن تخرج منه؟ ، وقد روى مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ ».، فلم يستثن الرسول الكريم في هذا أحدًا من أبناء آدم، والأنبياء من أولاد آدم بلا شك، وإن كانوا الصفوة المتخيرة من بين هؤلاء الأبناء، وإن كان رسول الله صلوات الله وسلامه عليه صفوة هؤلاء الصفوة!! وأن ما يحسب من ذنوب للمصطفين من عباد الله، هو مما يعد من حسنات غيرهم، كما يقال: «حسنات الأبرار سيئات المقربين».
الدعاء