خطبة عن قوله تعالى (مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى)
يوليو 13, 2019خطبة عن حديث (فَتَخْرُجُ بِطَاقَةٌ فِيهَا أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ)
يوليو 20, 2019الخطبة الأولى ( لا تُفتنوا بقوة الكافرين ،وانشغلوا بإصلاح المسلمين (فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (173) :(175) آل عمران
إخوة الإسلام
لقد فُتن في هذا الزمان الكثير من الناس بقوة الكافرين ، وعظّم البعض – من المسلمين- قوة أعدائنا من الكافرين ، وصار ينظر إليهم بمنظار من عنده القوة المطلقة ، والقدرة الكاملة ، وكأنهم أصبحوا على كل شيء قدير ، ويشعر في داخله أنهم بكل شيء عليم ، وأن عندهم من الاستخبارات ، والمعلومات ، ما يعلمون به كل شيء ، ولا يفوتهم شيء ، وهم يصّورون ويراقبون كل شيء ، ويحيطون علماً بكل الأمور، فجعلهم – والعياذ بالله – كالرب جل جلاله ، الذي هو بكل شيء عليم ، وعلى كل شيء قدير ، وما هذا إلا بسبب تعظيمهم لهم ، وخوفهم منهم ، وقلة خوفهم من الله ، ونسوا قول الله تعالى : ﴿ فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا ﴾ [النساء: 84]. فالواجب علينا – نحن المسلمين – أن نعلق قلوبنا بالله ، وأن نستمد قوتنا من الله ، ولا نخاف إلا من الله ، فإنه من خاف الله اتقاه ، ومن اتقى الله أكرمه الله ، ورفع قدره ، وأعلى مكانته ومنزلته ، ولنحذر من تعليق القلوب بالمخلوقين ، والرهبة منهم ، أو خشيتهم كخشية الله أو أشد خشية ، فإن هذا هو الضلال المبين ، وهو الشرك الصريح ، قال الله تعالى : ﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 175]. فقوله تعالى : ( فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ )، فقد جعل الله تعالى خوفه هو المطلوب، وخوف الله تعالى هو الواجب، وجعل نقيض خوفه أن يخاف الإنسان من المخلوق، فكأن قلب الإنسان إن سكنه خوف الله ،زال عنه خوف المخلوقين ، وإن خلا من خوف الله تعالى ، أصبح الإنسان يخاف من كل شيء، يخاف من كل المخلوقات، ليس فقط من الشيطان وأوليائه، بل يخاف من النجوم، ويخاف من الأمطار، ويخاف من العواصف، ويخاف من البحار، و…
أيها المسلمون
ومن الملاحظ اليوم ، تفنن أعداء الإسلام في زرع الخوف في قلوب المسلمين، فيوجد على سبيل المثال أجهزة متخصصة لنشر الرعب بين الناس، ويوجد وسائل إعلام، وكتب، ومجلات، وأشرطة الفيديو، وكلها مخصصة لزرع المخاوف في نفوس الناس، وهذا ما يسمونه عندهم بالردع، الردع الذي يولد الخوف عند الإنسان ، بحيث لا يقوم بأي عمل، والغريب أن تجد كثيراً من الناس لا يخاف الله ، ولا يقيم وزناً للملائكة الكرام الكاتبين، ولا يقيم وزناً للرقيب العتيد الحاضر الموجود، ولا يقيم وزناً للصحائف التي يدونها الملكان، فالخوف من الله قد غاب عنه ، أو ضعف في قلبه- ولكنه يقيم ألف وزن للمخلوقين، وهذا الخوف من أعداء الملة والدين قد أثقل كواهل المسلمين، وأصبح الواحد منهم لا يستطيع أن يصنع شيئاً لدينه ، لأنه مثقل بالأوهام والمخاوف من الأعداء ، فيا ليت خوفك من ربنا جل وتعالى، أو مراقبتك للملائكة عن يمينك وشمالك يكون كذلك، إذاً لأقلعت عن الذنوب والمعاصي، وما قارفتها سراً ولا علانية، أما هذا الخوف من المخلوقين، فهو يُخشى أن يكون قدحاً في التوحيد؛ لأنه أقعدك عن العمل الصالح، وأقعدك عن الطاعات، وصيرك إلى أن تتشبه أحياناً بغير المؤمنين وبالفاسقين ، وتتخلى عن سيماء الإيمان، وتتخلى عن نظرة المؤمن، وتتخلى عن جهاد المؤمن، وتتخلى عن نشر الدعوة، وتتخلى عن العلم، وتتخلى عن العمل في أوساط الناس
أيها المسلمون
فلنملأ قلوبنا خوفاً من الله وحده ، ولنتقرب إليه رغبة ورهبة ، حتى نكون من الموحدين لله، المتقين له ،الوجلين منه ،المعلقين قلوبهم به ، ومن الذين وصفهم الله بقوله تعالى : ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴾ [الأنبياء: 90]. وفي غزوة حمراء الأسد بعد ( أحد ) ، انتشرت الدعاية المرجفة، لتخيف المسلمين من قوة الكافرين ، فصبّرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد خرج المسلمون وهم في جراحاتهم ، فقال الله تعالى :(إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) (175) آل عمران فقوة الكفار مهم تكن ، ومهما عظمت ، فهي ليست بشيء عند إيمانكم، وعددهم هش بالنسبة لصدقكم، وعدتهم هزيلة لحزمكم وصبركم ، قال الله تعالى : (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (139) آل عمران ، لذلك كان الخوف مذموما لأهل الإيمان، متنافيا مع ما يعتقدونه من نصرة ويقين وتمكين ، والخوف من المخلوقين لا يليق إلا بالنفوس الخاوية والمتعلقة بزهرات الحياة الدنيا . ولا زال الأعادي يجمعون لهذه الأمة ولإسلامهم ، وزلزلة عقيدتهم، لعلمهم أنها نبض الشجاعة، وآية التحدي والإصرار،،! ولا زال الله يعصمنا منهم ويرد كيدهم في نحورهم
وليعلم المسلمون أن الإيمان مصدر قوة ، ونافذة صبر وإقدام، يغذي الشجاعة القلبية، ويزيد من الحصن الخارجي ، وهو الدرع الملبوس للحماية والصيانة ، وقد كان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس ، وأثبتهم قلبا إبان الفتن وشدائد الحروب، متوكلا على ربه، وينثر إيمانا مزلزلا للخصوم ، وقد صحت استعاذته صلى الله عليه وسلم من الجبن ، وهو في معنى الخوف والانقباض الحائل من كل خير وحرص ومواجهة ، ففي الصحيحين واللفظ للبخاري ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ « اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ » ، فالتعلق بالله يورث الثبات وبلوغ الشجاعة المانعة من الانزلاق في وادي الجبن والهلع المتزايد قال في الحديث : قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { شَرُّ مَا فِي الرَّجُلِ شُحٌّ هَالِعٌ ، وَجُبْنٌ خَالِعٌ } أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ وَأَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا ،وقال العلامة ابن القيم رحمه الله : ( فإنَّ الشحَّ و الجبن أردى صفتين في العبد، ولا سيما إذا كان شحُّه هالعًا، أي ملقٍ له في الهلع، وجبنه خالعًا أي: قد خلع قلبَه من مكانه، فلا سماحة، ولا شجاعة، ولا نفع بماله، ولا ببدنه، كما يقال: لا طعنة ولا جفنة، ولا يطرد ولا يشرد، بل قد قمعه وصغّره وحقره ودساه الشح والخوف والطمع والفزع ).
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( لا تُفتنوا بقوة الكافرين ،وانشغلوا بإصلاح المسلمين (فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وأما قول الله تعالى : ( فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (175) آل عمران ،أي : فلا تخافوهم الخوف الذي يمنعكم من قتالهم وجهادهم ،أو يجعلكم تجبنون عن قتالهم، هذا هو المنهي عنه، أما الخوف الذي يوجب الإعداد لهم ، وأخذ الحذر ، فهذا مطلوب ، فعلى المسلم أن يخاف شرهم ، وأن يحذر مكائدهم ، فيعد العدة، وعليه أن يعد العدة اللازمة من السلاح ، ومن الحرس ، ونشر العيون التي تعرف أحوالهم ، حتى لا يهجموا على المسلمين، ولهذا قال تعالى في محكم آياته : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا) (71) النساء ، وقال سبحانه : (وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً ) [النساء:102] ، فدل ذلك على أنهم مأمورون بأن يأخذوا حذرهم ، وأن يخافوا شر عدوهم ، ويخافوا مكائده، فيكونون على حذر ، وعلى أهبة ،وعلى استعداد ،حتى لا يهجم عليهم العدو على غفلة ، وعلى غرة.
الدعاء