خطبة عن حديث (لاَ دِينَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَهُ)
نوفمبر 28, 2016خطبة عن ( قَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاَتِ)
نوفمبر 29, 2016الخطبة الأولى ( بيوت لا تدخلها الملائكة )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى مسلم في صحيحه : (أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ أَخْبَرَتْنِي مَيْمُونَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَصْبَحَ يَوْمًا وَاجِمًا فَقَالَتْ مَيْمُونَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدِ اسْتَنْكَرْتُ هَيْئَتَكَ مُنْذُ الْيَوْمِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ جِبْرِيلَ كَانَ وَعَدَنِي أَنْ يَلْقَانِي اللَّيْلَةَ فَلَمْ يَلْقَنِي أَمَ وَاللَّهِ مَا أَخْلَفَنِي ». قَالَ فَظَلَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَهُ ذَلِكَ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ وَقَعَ فِي نَفْسِهِ جِرْوُ كَلْبٍ تَحْتَ فُسْطَاطٍ لَنَا فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِهِ مَاءً فَنَضَحَ مَكَانَهُ فَلَمَّا أَمْسَى لَقِيَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ لَهُ « قَدْ كُنْتَ وَعَدْتَنِي أَنْ تَلْقَانِي الْبَارِحَةَ ». قَالَ أَجَلْ وَلَكِنَّا لاَ نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلاَ صُورَةٌ. فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَئِذٍ فَأَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلاَبِ حَتَّى إِنَّهُ يَأْمُرُ بِقَتْلِ كَلْبِ الْحَائِطِ الصَّغِيرِ وَيَتْرُكُ كَلْبَ الْحَائِطِ الْكَبِيرِ. وفيه أيضا : (عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ وَاعَدَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِى سَاعَةٍ يَأْتِيهِ فِيهَا فَجَاءَتْ تِلْكَ السَّاعَةُ وَلَمْ يَأْتِهِ وَفِى يَدِهِ عَصًا فَأَلْقَاهَا مِنْ يَدِهِ وَقَالَ « مَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلاَ رُسُلُهُ ». ثُمَّ الْتَفَتَ فَإِذَا جِرْوُ كَلْبٍ تَحْتَ سَرِيرِهِ فَقَالَ « يَا عَائِشَةُ مَتَى دَخَلَ هَذَا الْكَلْبُ هَا هُنَا ». فَقَالَتْ وَاللَّهِ مَا دَرَيْتُ. فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ فَجَاءَ جِبْرِيلُ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « وَاعَدْتَنِي فَجَلَسْتُ لَكَ فَلَمْ تَأْتِ ». فَقَالَ مَنَعَنِي الْكَلْبُ الَّذِى كَانَ فِي بَيْتِكَ إِنَّا لاَ نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلاَ صُورَةٌ ) . وروى البخاري في صحيحه : (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ – رضى الله عنهما – يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا طَلْحَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « لاَ تَدْخُلُ الْمَلاَئِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلاَ صُورَةُ تَمَاثِيلَ » ،وفي رواية :« لاَ تَدْخُلُ الْمَلاَئِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلاَ صُورَةٌ » يُرِيدُ التَّمَاثِيلَ الَّتِي فِيهَا الأَرْوَاحُ ) ، وفي صحيح مسلم : ( أَنَّ بُسْرَ بْنَ سَعِيدٍ حَدَّثَهُ أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ الْجُهَنِيَّ حَدَّثَهُ وَمَعَ بُسْرٍ عُبَيْدُ اللَّهِ الْخَوْلاَنِيُّ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لاَ تَدْخُلُ الْمَلاَئِكَةُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ ». قَالَ بُسْرٌ : فَمَرِضَ زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ فَعُدْنَاهُ فَإِذَا نَحْنُ فِي بَيْتِهِ بِسِتْرٍ فِيهِ تَصَاوِيرُ فَقُلْتُ لِعُبَيْدِ اللَّهِ الْخَوْلاَنِىِّ أَلَمْ يُحَدِّثْنَا فِي التَّصَاوِيرِ قَالَ إِنَّهُ قَالَ إِلاَّ رَقْمًا فِي ثَوْبٍ أَلَمْ تَسْمَعْهُ قُلْتُ لاَ. قَالَ بَلَى قَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ ) .
إخوة الإسلام
إن من أركان الإيمان التي أمر الله بها عباده الإيمان بالملائكة، لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم حينما سأله جبريل عن الإيمان،: (قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإِيمَانِ. قَالَ « أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ ». قَالَ صَدَقْتَ) (متفق عليه)، والملائكة عالم غيبي خلقهم الله من نور، وجعلهم طائعين متذللين له، قال تعالى : [لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ] (التحريم:6)، ويجب علينا أن نؤمن بما علمنا من أسمائهم فمنهم جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت وحملة العرش، ومنكر ونكير، وغيرهم. والحكمة من خلقهم أن الله تعالى كلفهم بمهمات عظيمة يقومون بها، وهي مهمات كثيرة ومتنوعة، ولقد أثنى الله عليهم لقيامهم بها على أتم وجه وأكمله. ومن تلك الوظائف التي وكلت إليهم: تعظيمهم لله بالتنزيه والتسبيح، وهذه هي وظيفتهم الرئيسية، قال تعالى:[ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ ] (الأنبياء:20). ومن وظائفهم إبلاغ الأنبياء والرسل بالرسالات السماوية، فهم حملة الوحي الذي ينزله الله على من وقع عليه الاختيار من البشر ليكون نبياً أو رسولا، قال تعالى: [وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ] (الشعراء: 192ــ195). ومن ذلك أيضاً تدوين أعمال المكلفين، قال تعالى:[ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ] (ق: 18)، وأيضاً قبض أرواح البشر عند انتهاء آجالهم وانقضاء أعمارهم، قال تعالى: [ قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ] (السجدة:11). ومن ذلك البحث عن مجالس الذكر وحف الجالسين فيها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَلاَئِكَةً سَيَّارَةً فُضْلاً يَتَبَّعُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ فَإِذَا وَجَدُوا مَجْلِسًا فِيهِ ذِكْرٌ قَعَدُوا مَعَهُمْ وَحَفَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِأَجْنِحَتِهِمْ حَتَّى يَمْلَئُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَإِذَا تَفَرَّقُوا عَرَجُوا وَصَعِدُوا إِلَى السَّمَاءِ ….. الحديث ) (رواه مسلم). ومن وظائفهم: تهنئة المؤمنين بدخول الجنة، قال تعالى:[ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ] (الرعد:23، 24). ومن ذلك: القيام بتعذيب أهل النار، فهم خزنة جهنم والقائمون بتعذيب أهلها، وهم في غاية الغلظة والشدة والقسوة، قال تعالى:[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ](التحريم:6)، ولا يعلم عدد الملائكة وعظم خلقهم إلا الله جل جلاله، قال تعالى: [ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ] (المدثر:31). وجاءت أوصافهم في السنة على هيئة عظيمة جداً، فبعضهم له ستمائة جناح، وبعضهم رجلاه في الأرض وعلى قرنه العرش، وبعضهم ما بين شحمة أذنيه وعاتقه خفقان الطير سبعمائة عام، وهذا كله بقدرة الخالق العظيم الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، فلا إله إلا الله يخلق ما يشاء ويختار. عباد الله: ولقد أعطى الله الملائكة من الخصائص ما لا يعلمه البشر، فهم أقوياء أشداء موصوفون بالغلظة والشدة لكن لا نعلم حدودها ولا مقاييسها إلا ما جاء وصفهم في القرآن والسنة. والملائكة معصومون عن المعاصي، قائمون بطاعة الله، ملازمون لعبادته، لا يعصون الله تعالى ولا يخالفون له أمرا، قال تعالى:[ وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ ] الأنبياء: 19، 20 ،والملائكة يكونون معنا ولا نراهم، وعلى الرغم من أن الله أعطى البشر حاسة البصر لكنها لا تدرك إلا ما أقدرهم الله عليه، وحقيقة الملائكة خارجة عن هذه القدرة البشرية فلا يستطيع البشر رؤية الملائكة، ( إِنَّ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَوْمًا « يَا عَائِشَ ، هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكِ السَّلاَمَ » . فَقُلْتُ وَعَلَيْهِ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ ، تَرَى مَا لاَ أَرَى . تُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -) (رواه البخاري).
والملائكة قادرون على التشكل بأشكال البشر، وهذا الأمر ليس مستحيلاً، والله جل وعلا قادر على كل شيء، وهو الذي وهبهم هذه الخاصية، قال تعالى في حق مريم وجبريل: [وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا](مريم: 16ــ19). والروح هنا جبريل عليه السلام.
عباد الله: إن الإيمان بالملائكة له أثر عظيم في حياة الإنسان، فإذا شعر الإنسان بمراقبة الملائكة له، وتقييدهم أعماله فإنه يتحفظ لئلا يسجل في صحيفته أعمال يندم عليها يوم القيامة. فثمرة الإيمان بالملائكة أن الإنسان يحصن نفسه من الأقوال والأعمال السيئة التي تسجل عليه لاسيما أنه لا يرى الذين يكتبونها، وهذا دافع قوي في عدم الوقوع فيما حرم الله تعالى. فسبحان من خضعت له السماوات والأرض ومن فيهن، وسبحان من عظم قدره، وعلا شأنه، وجل سلطان، ولا إله إلا الله المنفرد بالبقاء والخلود. قال تعالى [الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ] (غافر:7ــ9)
أيها المسلمون
ومن المعلوم أن الملائكة تألف بيوت الصالحين ، لأن دخول الملائكة يعني دخول الرحمات والبركات والسعادة والبشر ، ويعني أيضا هروب الشياطين فهم يطوفون بالرحمة والتبريك والاستغفار لبيوت المسلمين ،والملائكة تهرب من بيوت الفاسقين، وعدم دخول الملائكة البيت يعني دخول الشياطين ، ومعناه حلول الغضب والأحزان والاختلافات والمنازعات وعدم السعادة لأهل هذا البيت ، فكثير من الناس اليوم يشتكي من عدم استقرار الأوضاع في بيته، وقلة في البركة، وعدم الاستقرار النفسي في المنزل، وبعض الناس يقضي كثيراً من الوقت خارج البيت، هروباً منه، لأنه يحس بالضيق والانزعاج في منزله. ولهذا الانزعاج، وعدم الطمأنينة أسباب، ومنها: هجر الملائكة لبيوتنا. نعم، إن عدم دخول ملائكة الرحمة. الذين يطوفون بالرحمة والتبريك والاستغفار لبيوت المسلمين، لهو من أعظم الأسباب في شكوى كثير من الناس من عدم الاستقرار والطمأنينة في البيوت. والسؤال الذي يطرح نفسه ، ماهي البيوت التي لا تدخلها ملائكة الرحمة ، وبالتالي يدخلها الشيطان ؟ فأقول مستعينا بالله : 1 – الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة إلا رقما في ثوب : ففي صحيح مسلم (عَنْ أَبِى طَلْحَةَ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لاَ تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ ». قَالَ بُسْرٌ ثُمَّ اشْتَكَى زَيْدٌ بَعْدُ فَعُدْنَاهُ فَإِذَا عَلَى بَابِهِ سِتْرٌ فِيهِ صُورَةٌ – قَالَ – فَقُلْتُ لِعُبَيْدِ اللَّهِ الْخَوْلاَنِىِّ رَبِيبِ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَلَمْ يُخْبِرْنَا زَيْدٌ عَنِ الصُّوَرِ يَوْمَ الأَوَّلِ فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ أَلَمْ تَسْمَعْهُ حِينَ قَالَ إِلاَّ رَقْمًا فِي ثَوْبٍ ). وفي البخاري (عَنْ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – قَالَتْ حَشَوْتُ لِلنَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – وِسَادَةً فِيهَا تَمَاثِيلُ كَأَنَّهَا نُمْرُقَةٌ ، فَجَاءَ فَقَامَ بَيْنَ الْبَابَيْنِ وَجَعَلَ يَتَغَيَّرُ وَجْهُهُ ، فَقُلْتُ مَا لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « مَا بَالُ هَذِهِ الْوِسَادَةِ » . قَالَتْ وِسَادَةٌ جَعَلْتُهَا لَكَ لِتَضْطَجِعَ عَلَيْهَا . قَالَ « أَمَا عَلِمْتِ أَنَّ الْمَلاَئِكَةَ لاَ تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ ، وَأَنَّ مَنْ صَنَعَ الصُّورَةَ يُعَذَّبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ » . وفي البخاري: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضى الله عنهما – قَالَ دَخَلَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – الْبَيْتَ فَوَجَدَ فِيهِ صُورَةَ إِبْرَاهِيمَ وَصُورَةَ مَرْيَمَ فَقَالَ « أَمَا لَهُمْ ، فَقَدْ سَمِعُوا أَنَّ الْمَلاَئِكَةَ لاَ تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ ، هَذَا إِبْرَاهِيمُ مُصَوَّرٌ فَمَا لَهُ يَسْتَقْسِمُ » . (وعَنْ عَلِيٍّ قَالَ صَنَعْتُ طَعَامًا فَدَعَوْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ فَدَخَلَ فَرَأَى سِتْرًا فِيهِ تَصَاوِيرُ فَخَرَجَ وَقَالَ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ تَصَاوِيرُ ) رواه النسائي قال الشيخ الألباني : صحيح .وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ اسْتَأْذَنَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ادْخُلْ فَقَالَ كَيْفَ أَدْخُلُ وَفِي بَيْتِكَ سِتْرٌ فِيهِ تَصَاوِيرُ فَإِمَّا أَنْ تُقْطَعَ رُءُوسُهَا أَوْ تُجْعَلَ بِسَاطًا يُوطَأُ فَإِنَّا مَعْشَرَ الْمَلَائِكَةِ لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ تَصَاوِيرُ ) رواه النسائي قال الشيخ الألباني : صحيح . 2 – الملائكة لا تدخل بيتا فيه تماثيل ) عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ أَنَّ رَافِعَ بْنَ إِسْحَاقَ أَخْبَرَهُ قَالَ دَخَلْتُ أَنَا وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى طَلْحَةَ عَلَى أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ نَعُودُهُ فَقَالَ لَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَنَّ الْمَلاَئِكَةَ لاَ تَدْخُلُ بَيْتاً فِيهِ تَمَاثِيلُ أَوْ صُورَةٌ ». رواه أحمد والترمذي قال الألباني : (صحيح) 3 – الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب : (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ – رضى الله عنهما – يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا طَلْحَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « لاَ تَدْخُلُ الْمَلاَئِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلاَ صُورَةُ تَمَاثِيلَ » رواه البخاري ومسلم ، وروى مسلم في صحيحه : (أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ أَخْبَرَتْنِى مَيْمُونَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَصْبَحَ يَوْمًا وَاجِمًا فَقَالَتْ مَيْمُونَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدِ اسْتَنْكَرْتُ هَيْئَتَكَ مُنْذُ الْيَوْمِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ جِبْرِيلَ كَانَ وَعَدَنِي أَنْ يَلْقَانِي اللَّيْلَةَ فَلَمْ يَلْقَنِي أَمَ وَاللَّهِ مَا أَخْلَفَنِي ». قَالَ فَظَلَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَهُ ذَلِكَ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ وَقَعَ فِي نَفْسِهِ جِرْوُ كَلْبٍ تَحْتَ فُسْطَاطٍ لَنَا فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِهِ مَاءً فَنَضَحَ مَكَانَهُ فَلَمَّا أَمْسَى لَقِيَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ لَهُ « قَدْ كُنْتَ وَعَدْتَنِي أَنْ تَلْقَانِي الْبَارِحَةَ ». قَالَ أَجَلْ وَلَكِنَّا لاَ نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلاَ صُورَةٌ. فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَئِذٍ فَأَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلاَبِ حَتَّى إِنَّهُ يَأْمُرُ بِقَتْلِ كَلْبِ الْحَائِطِ الصَّغِيرِ وَيَتْرُكُ كَلْبَ الْحَائِطِ الْكَبِيرِ. قال الإمام النووي : ” قال العلماء سبب امتناعهم من بيت فيه صورة كونها معصية فاحشة ، وفيها مضاهاة لخلق الله تعالى ، وبعضها في صورة ما يُعبد من دون الله تعالى ، وسبب امتناعهم من بيت فيه كلب لكثرة أكله النجاسات ، ولأن بعضها يُسمَّى شيطانا كما جاء به الحديث ، والملائكة ضد الشياطين ، ولِقُبح رائحة الكلب والملائكة تكره الرائحة القبيحة ، ولأنها منهي عن اتخاذها فعُوقِب مُتَّخِذها بحرمانه دخول الملائكة بيته وصلاتها فيه واستغفارها له وتبريكها عليه وفى بيته ،ودفعها أذى الشيطان ” ـ . وقال أيضا – رحمه الله – ” وأما هؤلاء الملائكة الذين لا يدخلون بيتا فيه كلب أو صورة فهم ملائكة يطوفون بالرحمة والتَّبريك والاستغفار ، وأما الحفظة فيدخلون في كل بيت ولا يفارقون بنى آدم في كل حال ، لأنهم مأمورون بإحصاء أعمالهم وكتابتها ” . ونقل الحافظ ابن حجر عن القرطبي قوله : واختلف في المعنى الذي في الكلب حتى مَنَعَ الملائكة من دخول البيت الذي هو فيه ، فقيل : لكونها نجسة العين ، ويتأيد ذلك بما ورد في بعض طرق الحديث عن عائشة عند مسلم : فأمَرَ بَنَضْحِ موضع الكلب ، وقيل : لكونها من الشياطين ، وقيل : لأجل النجاسة التي تتعلق بها ، فإنها تكثر أكل النجاسة وتتلطخ بها فينجس ما تعلّقت به ، وعلى هذا يَحمِل من لا يقول أن الكلب نجس العين نَضْح موضعه احتياطا . ـ .وأما الصور فلأن تصوير ذوات الأرواح مُحرَّم بل كبيرة من كبائر الذنوب ، وفيه مضاهاة لِخَلْقِ الله .فهذه الأشياء تجلب الشياطين ، فلا تدخلها الملائكة ! أما الصورة المضطر إليها الإنسان، كالمعاملات الرسمية، فهذه جائزة للاضطرار، وما عداها فإنها داخلة في عموم النهي عن التصاوير فإن الألف واللام للجنس، وسواء كانت معلقة أو غير معلقة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق، ولم يقل: “التصاوير المعلقة” مثلاً، فإنها جميعاً تمنع من دخول الملائكة. 4 – الملائكة لا تدخل بيتا فيه أجراس وما يشابهها من الموسيقى والنغمات : ( فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ بَيْنَمَا هِيَ عِنْدَهَا إِذْ دُخِلَ عَلَيْهَا بِجَارِيَةٍ وَعَلَيْهَا جَلاَجِلُ يُصَوِّتْنَ فَقَالَتْ لاَ تُدْخِلْنَهَا عَلَىَّ إِلاَّ أَنْ تَقْطَعُوا جَلاَجِلَهَا وَقَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « لاَ تَدْخُلُ الْمَلاَئِكَةُ بَيْتًا فِيهِ جَرَسٌ ».رواه أبو داود قال الشيخ الألباني : حسن . وعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ بَيْنَا هِيَ عِنْدَهَا إِذْ دُخِلَ عَلَيْهَا بِجَارِيَةٍ عَلَيْهَا جَلاَجِلُ يُصَوِّتْنَ فَقَالَتْ لاَ تُدْخِلُوهَا عَلَىَّ إِلاَّ أَنْ تَقْطَعُوا جَلاَجِلَهَا. فَسَأَلَتْهَا بُنَانَةُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « لاَ تَدْخُلُ الْمَلاَئِكَةُ بَيْتاً فِيه ِجَرَسٌ وَلاَ تَصْحُبُ رُفْقَةً فِيهَا جَرَسٌ ». رواه أحمد ،ومثلها الصور والتماثيل الجرس أو المعازف إذا كانت بصحبة قوم أو ركب أو كانت في بيت ، وقُل مثل ذلك في النّغمات الموسيقية في أجهزة الجوال ! فإنها تمنع صُحبة الملائكة ،وإذا كان الكلب والصورة تمنع دخول الملائكة فمن باب أولى أن ما هو أكبر من ذلك كالزنا والخمر والنظر إلى العاهرات في الفضائيات والتلفاز أن يكون مانعاً من دخول الملائكة، فكيف حال بيوت المسلمين الآن والحالة هذه؟ فعلينا أن نراجع حساباتنا وأن نتقي الله ربنا، وأن نبتعد عما يسخطه سبحانه، وأن نحقق عبودية الله عز وجل وتكون عبودية حقيقية وليست صورة فقط، فعندما نشعر بلذة الطاعة والعبادة. 5 – الملائكة لا تدخل بيتا فيه بول منتقع : عبد الله بن يزيد يحدث عن النبي صلى الله عليه و سلم قال لا ينقع بول في طست في البيت فإن الملائكة لا تدخل بيتا فيه بول ينقع ولا تبولن في مغتسلك) رواه الطبراني في الأوسط
وفي حاشية السيوطي على النسائي وفيض القدير للمناوي – أنه لعل المراد بانتقاعه طول مكثه, وما يجعل في الإناء لا يطول مكثه غالبا. أوأنه يحتمل أن يكون أراد كثرة النجاسة في البيت بخلاف القدح فإنه لا يحصل به نجاسة لمكان آخر. 6 – الملائكة لا تصحب رفقة فيها جلد نمر : عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لاَ تَصْحَبُ الْمَلاَئِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا جِلْدُ نَمِرٍ ». رواه أبو داود قال الشيخ الألباني : حسن . 7 – ثلاثة لا تقربهم الملائكة : عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « ثَلاَثَةٌ لاَ تَقْرَبُهُمُ الْمَلاَئِكَةُ جِيفَةُ الْكَافِرِ وَالْمُتَضَمِّخُ بِالْخَلُوقِ وَالْجُنُبُ إِلاَّ أَنْ يَتَوَضَّأَ ». رواه أبو داود قال الشيخ الألباني : حسن ، ( والخلوق طيب معروف مركب يتخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب وتغلب عليه الحمرة والصفرة . وإنما نهى عنه لأنه من طيب النساء كما في النهاية . والجنب معروف وهو الذي يجب عليه الغسل بالجماع وبخروج الماء الدافق . ولعل المراد به هنا الذي يترك الاغتسال من الجنابة عادة فيكون أكثر أوقاته جنبا . وهذا يدل على قلة دينه وخبث باطنه كما قال ابن الأثير . وإلا فإنه قد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينام وهو جنب من غير أن يمس ماء ) ، 8 – الملائكة تتأذى من الروائح الكريهة : (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الْبَقْلَةِ الثُّومِ – وَقَالَ مَرَّةً مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ – فَلاَ يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا فَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ ». رواه مسلم ،وروى الطبراني في المعجم (عن أبي هريرة قال ،قال رسول الله : إن الملائكة تلعن أحدكم إذا أشار إلى أخيه بحديدة وإن كان أخاه لأبيه وأمه)
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( بيوت تدخلها الملائكة )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ونأتي إلى الأماكن التي تتنزل فيها ملائكة الرحمة لتستغفر للمؤمنين العاملين ،فالملائكة تتنزل على بيوت يُقرأ فيها القرآن : عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ قَالَ بَيْنَمَا هُوَ يَقْرَأُ مِنَ اللَّيْلِ سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَفَرَسُهُ مَرْبُوطٌ عِنْدَهُ إِذْ جَالَتِ الْفَرَسُ فَسَكَتَ فَسَكَتَتْ فَقَرَأَ فَجَالَتِ الْفَرَسُ ، فَسَكَتَ وَسَكَتَتِ الْفَرَسُ ثُمَّ قَرَأَ فَجَالَتِ الْفَرَسُ ، فَانْصَرَفَ وَكَانَ ابْنُهُ يَحْيَى قَرِيبًا مِنْهَا فَأَشْفَقَ أَنْ تُصِيبَهُ فَلَمَّا اجْتَرَّهُ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى مَا يَرَاهَا فَلَمَّا أَصْبَحَ حَدَّثَ النَّبِىَّ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ « اقْرَأْ يَا ابْنَ حُضَيْرٍ اقْرَأْ يَا ابْنَ حُضَيْرٍ » . قَالَ فَأَشْفَقْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ تَطَأَ يَحْيَى وَكَانَ مِنْهَا قَرِيبًا فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَانْصَرَفْتُ إِلَيْهِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي إِلَى السَّمَاءِ فَإِذَا مِثْلُ الظُّلَّةِ فِيهَا أَمْثَالُ الْمَصَابِيحِ فَخَرَجَتْ حَتَّى لاَ أَرَاهَا . قَالَ « وَتَدْرِى مَا ذَاكَ » . قَالَ لاَ . قَالَ « تِلْكَ الْمَلاَئِكَةُ دَنَتْ لِصَوْتِكَ وَلَوْ قَرَأْتَ لأَصْبَحَتْ يَنْظُرُ النَّاسُ إِلَيْهَا لاَ تَتَوَارَى مِنْهُمْ » متفق عليه واللفظ للبخاري ،وفي سنن البيهقي : ( عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ : أَتَيْتُ صَفْوَانَ بْنَ عَسَّالٍ الْمُرَادِىَّ فَقَالَ : مَا جَاءَ بِكَ؟ فَقُلْتُ : أَبْتَغِى الْعِلْمَ. فَقَالَ : إِنَّ الْمَلاْئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ.) ، وفيه أيضا : (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ ( …..مَا مِنْكُمْ مِنْ رَجُلٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتَهِ مُتَطَهِّرًا فَيُصَلِّى مَعَ الْمُسْلِمِينَ الصَّلاَةَ فِي جَمَاعَةٍ ، ثُمَّ يَقْعُدُ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَّلاَةَ الأُخْرَى إِلاَّ أَنَّ الْمَلاَئِكَةَ تَقُولُ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ…. الحديث ) ، وفيه : (عَنْ ثَوْبَانَ : أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- شَيَّعَ جَنَازَةً فَأُتِىَ بِدَابَّةٍ فَأَبَى أَنْ يَرْكَبَهَا ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أُتِىَ بِدَابَّةٍ فَرَكِبَهَا فَقِيلَ لَهُ فَقَالَ :« إِنَّ الْمَلاَئِكَةَ كَانَتْ تَمْشِى فَلَمْ أَكُنْ لأَرْكَبَ وَهُمْ يَمْشُونَ ، فَلَمَّا ذَهَبُوا أَوْ قَالَ عَرَجُوا رَكِبْتُ ». وفي سنن الترمذي (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ لَمَّا حُمِلَتْ جَنَازَةُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ قَالَ الْمُنَافِقُونَ مَا أَخَفَّ جَنَازَتَهُ. وَذَلِكَ لِحُكْمِهِ فِى بَنِى قُرَيْظَةَ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « إِنَّ الْمَلاَئِكَةَ كَانَتْ تَحْمِلُهُ ». وفي صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ الْمَلاَئِكَةَ تُصَلِّى عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ تَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ وَأَحَدُكُمْ فِي صَلاَةٍ مَا كَانَتِ الصَّلاَةُ تَحْبِسُهُ ».وفي مسند أحمد (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ الْمَلاَئِكَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ يَكْتُبُونَ النَّاسَ عَلَى مَنَازِلِهِمْ جَاءَ فُلاَنٌ مِنْ سَاعَةِ كَذَا جَاءَ فُلاَنٌ مِنْ سَاعَةِ كَذَا جَاءَ فُلاَنٌ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ جَاءَ فُلاَنٌ فَأَدْرَكَ الصَّلاَةَ وَلَمْ يُدْرِكِ الْجُمُعَةَ إِذَا لَمْ يُدْرِكِ الْخُطْبَةَ ». وفي مسند أحمد :(عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ « إِنَّهَا لَيْلَةُ سَابِعَةٍ أَوْ تَاسِعَةٍ وَعِشْرِينَ إنَّ الْمَلاَئِكَةَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فِي الأَرْضِ أَكْثَرُ مِن عَدَدِ الْحَصَى ». وفي مسند أحمد قَالَ صلى الله عليه وسلم « إِنَّ الْمَلاَئِكَةَ تُصَلِّى عَلَى الصَّائِمِ إِذَا أُكِلَ عِنْدَهُ حَتَّى يَفْرُغُوا »
أيها المسلمون
ومن أسباب دخول الشياطين لبعض البيوت وابتعاد الملائكة عنها : أولاً: عدم التسمية عند دخول البيت: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَذَكَرَ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ لاَ مَبِيتَ لَكُمْ وَلاَ عَشَاءَ. وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ. وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ ».(رواه مسلم) ،فكم من الناس ينسى أو يتناسى أن يسمي الله فتدخل معه الشياطين.
ولذا قال عليه الصلاة والسلام : لأنس بن مالك : يا بني إذا دَخَلْتَ على أهلك فَسَلِّم يكون بركة عليك وعلى أهل بيتك . رواه الترمذي . ثانيا : عند إتيان الرجل أهله: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا . فَقُضِىَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ ، لَمْ يَضُرَّهُ » (متفق عليه)، فهل يسمي المسلم عندما يأتي أهله؟. ثالثا: وجود آلات الطرب والغناء في البيت: فتجد الموسيقى والغناء في كل شيء، في التلفاز، والراديو، والجوال، وغير ذلك من الآلات، حتى أصبحت تملأ أوقات الكثير من الناس، ألم يسمع هؤلاء قوله تعالى:[ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ] (لقمان:6)، وفي صحيح البخاري: ( حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ الأَشْعَرِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو عَامِرٍ – أَوْ أَبُو مَالِكٍ – الأَشْعَرِيُّ وَاللَّهِ مَا كَذَبَنِي سَمِعَ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِى أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ) ، فتجد الشيطان قد تمكن من قلوب أصحاب هذه البيوت لتعلقهم بغير ذكر الله. رابعا : عدم ذكر الله في البيت وخاصة تلاوة القرآن: عَنْ أَبِى عَيَّاشٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ قَالَ إِذَا أَصْبَحَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ كَانَ لَهُ كَعَدْلِ رَقَبَةٍ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ وَكُتِبَ لَهُ بِهَا عَشْرُ حَسَنَاتٍ وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا عَشْرُ سَيِّئَاتٍ وَرُفِعَتْ لَهُ بِهَا عَشْرُ دَرَجَاتٍ وَكَانَ فِي حِرْزٍ مِنَ الشَّيْطَانِ حَتَّى يُمْسِى وَإِذَا أَمْسَى مِثْلُ ذَلِكَ حَتَّى يُصْبِحَ ».رواه أحمد صححه الألباني ،وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لاَ تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِى تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ ». رواه مسلم). فقد رتب صلى الله عليه وسلم على ذكر الله وقراءة القرآن في البيت وخاصة سورة البقرة ألا يدخله الشيطان لأن الملائكة تتنزل بالسكينة عند الذكر وتلاوة القرآن. خامسا: عدم ذكر الله عند النوم: ففي صحيح البخاري عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلاَثَ عُقَدٍ ، يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ ، فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ ، وَإِلاَّ أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلاَنَ » .وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا استيقظ أحدكم من منامه فتوضأ فليستنثر ثلاث مرات فإن الشيطان يبيت على خياشيمه) (صححه الألباني في صحيح الجامع ).
سادسا : عدم حفظ الأولاد من الخروج عند دخول الليل: ففي البخاري (عَطَاءٌ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ – رضى الله عنهما – يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ – أَوْ أَمْسَيْتُمْ – فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ ، فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ ، فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ فَحُلُّوهُمْ ، فَأَغْلِقُوا الأَبْوَابَ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يَفْتَحُبَابًا مُغْلَقًا ، وَأَوْكُوا قِرَبَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ ،وَخَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ ، وَلَوْ أَنْ تَعْرُضُوا عَلَيْهَا شَيْئًا وَأَطْفِئُوا ، مَصَابِيحَكُمْ » .
الدعاء