خطبة عن ( فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا )
ديسمبر 15, 2016خطبة عن (أعداء الإسلام قالوها صراحة: لن نسمح بقيام دولة إسلامية)
ديسمبر 17, 2016الخطبة الأولى ( تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : ( تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [ الأنفال: من الآية 67]
وقال تعالى مخاطبا رسوله صلى الله عليه وسلم : {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً } [ الكهف: 28] ،وقال تعالى :{وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } [ العنكبوت : 64] ،وقال تعالى : {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى } [ طه: 131]
إخوة الإسلام
الدنيا والآخرة في نظر الإسلام ليست كالدنيا والآخرة في نظر غيره من الملل، وبنظرة سريعة إلى القرآن الكريم نستطيع أن نحدد مفهوم الدنيا والآخرة في الإسلام، أما الدنيا في القرآن الكريم فقد وصفها بالأوصاف التالية: الدنيا زُينت للكفار بخلاف الآخرة: كما في قوله تعالى: {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [البقرة: 212]. •مظاهر الزينة في هذه الحياة هي متاع: قال تعالى {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} [آل عمران: 14]. الدنيا متاع الغرور: قال تعالى {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُور} [آل عمران: 185]. الدنيا متاعها قليل: قال تعالى {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ } [النساء: 77]. الدنيا لعب ولهو : قال تعالى {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} [الأنعام: 32]. الدنيا مثلها كمثل الزرع اليابس الذي نزل عليه المطر من السماء فاخضر ثم يبس فأصبح هشيماً: قال تعالى : {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون} [يونس: 24]. ومثله قوله تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا} [الكهف: 45]. ومثله أيضا قوله تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا} [الحديد: 20]. الدنيا أمر الله تبارك وتعالى بعدم الاغترار بها قال تعالى: {فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ } [لقمان: 33]. ومثله قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ } [فاطر: 5]. هذه هي بعض الحقائق عن الدنيا في القرآن الكريم.
أيها المسلمون
أما الآخرة وحقيقتها في القرآن الكريم فدعونا نستقرأ الآيات التالية: أن الآخرة لا حظ فيها للكفار: قال تعالى {وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 176]. الآخرة خير من الدنيا للذين آمنوا: قال تعالى {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُون} [الأنعام: 32]. ومثله قوله تعالى: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى} [النساء: 77] الآخرة مرادة لله تعالى:{تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }الأنفال: 67 ، أن متاع الآخرة أكثر من متاع الدنيا، بل لا مقارنة بينهما ي ذلك: قال تعالى {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ } [التوبة: 38]. أن أجر الآخرة خير من أجر الدنيا وأكبر: قال تعالى {وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يوسف: 57]. ومثله أيضاً: {وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [النحل: 41]. أن دار الآخرة خير من دار الدنيا وأبقى منها، وهي دار المتقين قال تعالى : {وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [يوسف: 109].
ومثله أيضاً قال تعالى: {وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ} [النحل: 30]. ومثله أيضاً: {وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِين} [الزخرف: 35]. ومثله أيضاً: {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى: 17] ، أن عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا وأكثر مدة وخزياً : قال تعالى {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} [طه: 127]. وقوله تعالى: {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى} [فصلت: 16]. أن الحياة التامة لا تكون إلا في الآخرة بخلاف الدنيا فهي حياة ناقصة، قال تعالى : {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } [العنكبوت: 64]. أن الاستقرار الكامل في الآخرة بخلاف الدنيا قال تعالى: {يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} [غافر: 39].
هذه هي نظرة عجلى في حقيقة الدنيا والآخرة في القرآن الكريم. وقد تبين منها أن هذه الحياة الدنيا ليست ذا قيمة في جنب الحياة الآخرة؛ والحياة الممدوحة التامة الكاملة إنما هي الحياة الآخرة. والمؤمن اللبيب لا شك أنه سيؤثر الحياة الباقية الكاملة على الحياة الفانية، والخاسر هو من اختار الحياة الزائلة على الحياة الخالدة. والحياة الآخرة والفوز بها لا طريق له سوى التمسك بما أمر الله عز وجل به على لسان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، واجتناب نهيه. ولذلك ندرك خطورة من يسعى للآخرة والفوز بها من طرق غير شرعية من الكفر والشرك والظلم بكافة صوره وركوب الموبقات من قتل النفوس المحرمة ونقض العهود وإهلاك الحرث والنسل؛ فهذه الأعمال وما شابهها ليست من أعمال أهل الآخرة الذين يرجون ما عند الله تعالى..
أيها المسلمون
دخل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ــ على رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ وهو نائم على حصير ليس عليه سوى إزاره وقد أثر الحصير في جنبه ــ صلى الله عليه وسلم ــ يقول سيدنا عمر كما في صحيح مسلم من حديث طويل ( ….. فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى حَصِيرٍ فَجَلَسْتُ فَأَدْنَى عَلَيْهِ إِزَارَهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَإِذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ فَنَظَرْتُ بِبَصَرِى فِي خِزَانَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَإِذَا أَنَا بِقَبْضَةٍ مِنْ شَعِيرٍ نَحْوِ الصَّاعِ وَمِثْلِهَا قَرَظًا فِي نَاحِيَةِ الْغُرْفَةِ وَإِذَا أَفِيقٌ مُعَلَّقٌ – قَالَ – فَابْتَدَرَتْ عَيْنَايَ قَالَ « مَا يُبْكِيكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ». قُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَمَا لِي لاَ أَبْكِى وَهَذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِكَ وَهَذِهِ خِزَانَتُكَ لاَ أَرَى فِيهَا إِلاَّ مَا أَرَى وَذَاكَ قَيْصَرُ وَكِسْرَى فِي الثِّمَارِ وَالأَنْهَارِ وَأَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَصَفْوَتُهُ وَهَذِهِ خِزَانَتُكَ.
فَقَالَ « يَا ابْنَ الْخَطَّابِ أَلاَ تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَنَا الآخِرَةُ وَلَهُمُ الدُّنْيَا ». قُلْتُ بَلَى -) ، وبعد فتح خيبر وما أفاء الله على رسوله من أهل القرى تَجَمْعَ نساءُ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ــ حَوْلَهُ يطالبنه بسعة في الدار وزيادة في النفقة ، فما استُجِيبَ لهم بل خيرهن بين البقاء على هذه الحال أو الطلاق . ونزل قول الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً . وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً ) [ الأحزاب : ،2928 ] ، وقضى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ــ حياته في غرفات بالطوب اللبن سقفها الجريد يطالها الرجل بيده وما كان من قلة ذات اليد فقد فتح الله عليه خيبر ، وفاء الله عليه من أهل القرى ومن غيرهم ، ولكن هكذا شاء الله لنبيه ــ صلى الله عليه وسلم ــ . ولما نصر الله نبيه وأظهر دينه تنادى نفر من أصحاب رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ لإصلاح أموالهم ، فنزل قول الله تعالى ( وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) [ البقرة : 195] ، ففي سنن أبي داود والترمذي : (عَنْ أَسْلَمَ أَبِى عِمْرَانَ قَالَ : غَزَوْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ نُرِيدُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ وَعَلَى الْجَمَاعَةِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَالرُّومُ مُلْصِقُو ظُهُورِهِمْ بِحَائِطِ الْمَدِينَةِ فَحَمَلَ رَجُلٌ عَلَى الْعَدُوِّ فَقَالَ النَّاسُ : مَهْ مَهْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يُلْقِى بِيَدَيْهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ. فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ : إِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِينَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ لَمَّا نَصَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ وَأَظْهَرَ الإِسْلاَمَ قُلْنَا : هَلُمَّ نُقِيمُ فِي أَمْوَالِنَا وَنُصْلِحُهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) فَالإِلْقَاءُ بِالأَيْدِي إِلَى التَّهْلُكَةِ أَنْ نُقِيمَ فِي أَمْوَالِنَا وَنُصْلِحَهَا وَنَدَعَ الْجِهَادَ. قَالَ أَبُو عِمْرَانَ : فَلَمْ يَزَلْ أَبُو أَيُّوبَ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى دُفِنَ بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
إن كثيرا من الناس من يعميه حب المال وزينة الحياة الدنيا ، وتصبح الدنيا شغله الشاغل وتنسيه العمل لآخرته ،
وغفل أو تغافل كثير منا أن الدنيا دار ممر ، والآخرة هي دار المستقر ، وما الدنيا إلا طريق ، نهايته إما للجنة أو إلى النار ،وقد قيل أن أحد الملوك سأل عالما: ما بالنا نكره الموت فقال لآنكم عمرتم دنياكم ، وخربتم آخرتكم ، فتكرهون الانتقال من العمار إلى الخراب. وفي مسند أحمد : (عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ اضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى حَصِيرٍ فَأَثَّرَ فِي جَنْبِهِ فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ جَعَلْتُ أَمْسَحُ جَنْبَهُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ آذَنْتَنَا حَتَّى نَبْسُطَ لَكَ عَلَى الْحَصِيرِ شَيْئاً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا لِي وَلِلدُّنْيَا مَا أَنَا وَالدُّنْيَا إِنَّمَا مَثَلِى وَمَثَلُ الدُّنْيَا كَرَاكِبٍ ظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا » ، وفي صحيح البخاري (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ – رضى الله عنهما – قَالَ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – بِمَنْكِبِي فَقَالَ « كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ ، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ » . وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ إِذَا أَمْسَيْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الْمَسَاءَ ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ ) . فلماذا الحرص علي الدنيا وشهواتها ؟ ولماذا لا نعتبر بمن عمروا و جمعوا ثم رحلوا عنها ملفوفين في قطعة من القماش بيضاء ليس فيها جيوبا وخلفوا ما تركوه من الأموال والقصور يتنازع عليه ويقتسمه الورثة ،بينما هم من سيحاسبهم الله ، من أين اكتسبوا تلك الأموال؟ وفيما أنفقوها ؟ ولنذكر دائما قوله تعالى : ( تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [ الأنفال: من الآية 67]
الدعاء