خطبة عن (حسن الظن بالله تعالى )
مارس 21, 2016خطبة عن ( اعجاب المرء بنفسه مهلكة)
مارس 22, 2016الخطبة الأولى ( من المنجيات: العدل ،والقصد والخشية)
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله هو خير الخلق وحبيب الحق ورحمة الله للخلق أجمعين .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الامام أحمد في مسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه ( أَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِى الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَكَلِمَةَ الْحَقِّ فِى الْغَضَبِ وَالرِّضَا وَالْقَصْدَ فِى الْفَقْرِ وَالْغِنَى وَلِذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ)
إخوة الإسلام
من المنجيات : العدل ، والقصد ، والخشية : لذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الله بهن ،ففي قوله صلى الله عليه وسلم : وَكَلِمَةَ الْحَقِّ فِى الْغَضَبِ وَالرِّضَ) ، يأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن نعدل في حال غضبنا ، كما نعدل في حال رضانا ، بل وأوصى ألا نحكم بين الناس حال الغضب ، ففي صحيح البخاري ( عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِى بَكْرَةَ قَالَ كَتَبَ أَبُو بَكْرَةَ إِلَى ابْنِهِ وَكَانَ بِسِجِسْتَانَ بِأَنْ لاَ تَقْضِىَ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَأَنْتَ غَضْبَانُ ، فَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « لاَ يَقْضِيَنَّ حَكَمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهْوَ غَضْبَانُ » ، ولهذا قال بعض السلف : لا تكن ممن إذا رضي أدخله رضاه في الباطل وإذا غضب أخرجه غضبه من الحق. وقال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [المائدة:8]. ولقد ضرب الخلفاء الراشدون في ذلك المثل الأعلى: فقد جاء رجل إلى عمر ابن الخطاب يأخذ رزقه، وكان جنديا من جنود المسلمين، ولكنه كان في الجاهلية قد قتل أخاً لعمر، فلما رآه عمر أربد وجهه وقال له: يا هذا، إني لا أحبك حتى تحب الأرض الدم. فقال الرجل: أوَ مانعي ذلك عندك حقا من حقوق الله؟ فقال عمر: لا. قال الرجل: ما يضيرني بغضك، إنما يأسى على الحب النساء. فقد عرف الرجل من ورع عمر ودينه أن شدّة غضبه وغيظه وحنقه عليه وكراهيته له لا يخرج به عن العدل إلى الظلم، فلما علم بعدله ووثق بدينه أمن من بطشه. ويدخل في ذلك عدل الآباء مع الأبناء، فإن الحب والبغض ذو أثر عظيم في الجور والظلم، فكثيرا ما نسمع أن فلانا كتب ماله لولده فلان لأنه أحب أبنائه إليه، وكثيرا ما نسمع أن فلانة حرمت ابنها فلانا لأنها تبغضه وهذا ظلم عظيم يوبقها ويهلكها، ولا ينجيها من عذاب الله إلا العدل في الغضب والرضا. وفي صحيح البخاري (عَنْ عَامِرٍ قَالَ سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ – رضى الله عنهما – وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ أَعْطَانِي أَبِى عَطِيَّةً ، فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ لاَ أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – . فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِى مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً ، فَأَمَرَتْنِى أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ .قَالَ « أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا » . قَالَ لاَ . قَالَ « فَاتَّقُوا اللَّهَ ، وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ »
أيها المسلمون
ونأتي إلى قوله صلى الله عليه وسلم ( وَالْقَصْدَ فِى الْفَقْرِ وَالْغِنَى ) : فلما كان الفقر والغنى بليتين ومحنتين يبتلي الله بهما عبده، ففي الغنى يبسط يده وفي الفقر يقبضها، أرشدنا إلى القصد في الحالتين، وهو التوسط الذي ليس معه إسراف ولا تقتير. و ((القصد في الفقر والغنى))، فهذه صفة من صفات عباد الله المكرمين كما قال تعالى في وصفهم: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ) [الفرقان:67]. أي: ليسوا بمبذرين في إنفاقهم فيصرفون فوق حاجتهم، ولا بخلاء على أهليهم فيقصرون في حقهم، ولا يكفونهم، بل عدلا خيارا، وخير الأمور أوسطها، لا هذا ولا هذا، وكان بين ذلك قواما وهذا منهم تأدب بأدب الله وتعظيم لأمره، حيث قال سبحانه: ( وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ) [الإسراء:29]. فإن المسلم ليس حرا في إنفاق أمواله الخاصة يصرفها كيف يشاء، إنما هو مقيد بالتوسط في الأمرين الإسراف والتقتير، فالإسراف مفسدة للنفس والمال والمجتمع، والتقتير مثله حبس للمال عن انتفاع صاحبه به وانتفاع الجماعة من حوله، فالمال أداة اجتماعية لتحقيق خدمات اجتماعية والإسراف والتقتير يحدثان اختلالا في المحيط الاجتماعي والمجال الاقتصادي وحبس الأموال يحدث أزمات، ومثله إطلاقها بغير حساب، ذلك فوق فساد القلوب والأخلاق، والإسلام وهو ينظم هذا الجانب من الحياة يبدأ به من نفس الفرد فيجعل الاعتدال سمة من سمات الإيمان وكان بين ذلك قواما .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( من المنجيات: العدل ،والقصد والخشية)
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله هو خير الخلق وحبيب الحق ورحمة الله للخلق أجمعين .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ونأتي إلى قوله صلى الله عليه وسلم( أَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِى الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ) فقد قدم السر على العلانية لأن تقوى الله فيه أعلى درجة من العلن لما يخاف رؤية الناس وهذه درجة المراقبة ،وخشية الله في السر والعلن تمنع من ارتكاب كل منهي ، وتحثه على فعل كل مأمور ، فإن حصل للعبد غفلة عن ملاحظة خوفه وتقواه فارتكب مخالفة مولاه لجأ إلى التوبة ثم داوم الخشية. ويقول الله تعالى (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) [يونس:61]. فإذا كان الله رقيبا على العباد ، وجب على العباد أن يراقبوه، وهذه المراقبة تمنع العبد من ارتكاب المنهيات، وتحثه على فعل الواجبات. ولا يزال العبد يجتهد في المراقبة حتى يعبد الله كأنه يراه، وهذا هو الإحسان، وهو أعلى درجات الدين، وهؤلاء لهم أجر عظيم، كما قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ) [الملك:12]. وقد أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يبشرهم بهذا الأجر فقال تعالى : (إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ ) [يس:11]. فاعلم أخي المسلم ، وأختي المسلمة : أن الله ناظر إليك، ومطلع عليك، سميع لأقوالك، عليم بنياتك وأفعالك. فإذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب. ولا تحسبن الله يغفل ساعة ولا أن ما تخفى عليه يغيب.
الدعاء