خطبة عن الشفاعة وقوله تعالى ( مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا )
أغسطس 6, 2022خطبة حول (الأَمَل وَالأَجَل) وحديث (هَذَا الإِنْسَانُ وَهَذَا أَجَلُهُ)
أغسطس 13, 2022الخطبة الأولى ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا) (62) الفرقان
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم -إن شاء الله- مع هذه الآية الكريمة من كتاب الله تعالى، نتدبرها ، ونسبح في بحار معانيها ، ونرتشف من رحيقها المختوم ،فقد جاء في تفسير الطبري : أن معناها : أن الله جعل كل واحد من الليل والنهار خلفًا من الآخر, في أن ما فات أحدهما من عمل يعمل فيه لله , أدرك قضاؤه في الآخر، فعن شقيق قال: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه, فقال: فاتتني الصلاة الليلة, فقال: أدرك ما فاتك من ليلتك في نهارك, فإن الله جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر, أو أراد شكورا، وقال آخرون: بل معناه : أنه جعل كل واحد منهما مخالفا صاحبه, فجعل هذا أسود ،وهذا أبيض، وقال آخرون: بل معنى ذلك: أن كل واحد منهما يخلف صاحبه, إذا ذهب هذا جاء هذا, وإذا جاء هذا ذهب هذا ، فلو لم يجعلهما خلفة لم يدر كيف يعمل, فلو كان الدهر ليلا كله كيف يدري أحد كيف يصوم, أو كان الدهر نهارا كله كيف يدري أحد كيف يصلي، وفي الوسيط لطنطاوي : ” لمن أراد أن يذكر ” . أي : يتعظ ،ويعتبر ، ويتذكر أن الله – تعالى – لم يجعلهما على هذه الهيئة عبثا ،فيتدارك ما فاته من تقصير وتفريط في حقوق الله – عز وجل – ، ” أو أراد شكورا ” : أي : وجعلهما كذلك لمن أراد أن يزداد من شكر الله على نعمه التي لا تحصى ، والتي من أعظمها وجود الليل والنهار على هذه الهيئة الحكيمة ، التي تدل على وحدانية الله – تعالى – وعظيم قدرته ، وسعة رحمته ، فالله تعالى جعل في تقلب الليل والنهار آية لكل معتبر ، فلا شيء يدوم ، ودوام الحال من المحال ، وستمضى حياتك في تقلبات ، أوقات كالليل في ظلامه ، وأوقات كالنهار في إشراقه ، فاعتبر ، واشكر ربك على نعمه الجزيلة .
أيها المسلمون
ألم تروا إلى هذه الشمس تطلع كل يوم من مشرقها ،وتغرب كل يوم في مغربها ، فيتعاقب الليل والنهار ، وفي ذلك أعظم الاعتبار ، فإن طلوع الشمس ثم غروبها هو إيذان بأن هذه الدنيا ليست بدار قرار ، إنما هي شروق وغروب ثم إلى زوال، وهكذا عمر الإنسان، فاعتبروا يا أولي الأبصار، فهذه الأعوام تتجدد عامًا بعد عام، فإذا دخل العام الجديد نظر الإنسان إلى آخره نظر البعيد ، ثم تمر به الأيام سراعًا، والليالي تباعًا، فينصرم العام كلمح البصر، وإذا بالإنسان في آخره، وهكذا عمر الإنسان ،يتطلع إلى آخره تطلع البعيد، وفجأة إذا بالموت قد حضر ،قال الله تعالى: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيد} [ق:19] ، فالعقلاء والحكماء من الناس هم الذين يتبصرون ويعتبرون في مضي الدقائق والساعات ، والليالي والأيام ، ويرون أنها مراحل يقطعونها إلى الآخرة ، فطوبى لعبد اغتنم حياته فيما يقربه من مولاه ، طوبى لعبد شغل الليل والنهار فيما يرفعه في الجنة درجات ، و ويقيه من حر النار والدركات ، طوبى لعبد استدل بتقلب الليل والنهار على ما في ذلك من الحكمة البالغة لأولي الأبصار ، قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ . إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ . هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ . إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ} [يونس:3-6].، وقال الله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آَيَاتِنَا غَافِلُونَ . أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يونس:7-8]،
ولما كانت الدنيا هي كذلك ، فقد نبذها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، وصرفوا قلوبهم عنها ، وهجروها ، ولم يألفوها ، بل عدوها سجنًا لا جنة ، فزهدوا فيها حقيقة الزهد ، ولو أرادوها لنالوا منها كل مرغوب، فقد عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم مفاتيح كنوزها ، فردها ، وفاضت على أصحابه فلم يبيعوا حظهم من الآخرة ، فقد علموا أنها دار ممر لا دار مقام ومستقر ، وأنها دار عبور لا دار حبور وسرور ، عَنِ الْحَسَنِ قال: «لَمَّا احْتُضِرَ سَلْمَانُ بَكَى، وقال: إن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَهِدَ إِلَيْنَا عَهْدًا فَتَرَكْنَا ما عَهِدَ إِلَيْنَا أن يَكُونَ بُلْغَةُ أَحَدِنَا مِنَ الدُّنْيَا كَزَادِ الرَّاكِبِ، قال: ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا تَرَكَ فإذا قِيمَةُ ما تَرَكَ بضعه وَعِشْرُونَ دِرْهَماً أو بِضْعَةٌ وَثَلاَثُونَ دِرْهَمًا» رواه أحمد
أيها المسلمون
لقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى اغتنام الليل والنهار ، والدقائق والساعات ، فقال صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه كما في المستدرك للحاكم : «اغتنم خمساً قبل خمس شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناءك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك». ، فالوقت غال ونفيس ، وهو سريع الانقضاء ، لا ينتظر الغافلين حتى يستيقظوا، بل كل نفس يتنفسه الإنسان هو جزء من عمره ، وكل يوم تغيب شمسه لا يعود للدنيا أبدا، والذين يدركون سرعة الزمن هم الذين يوفقون لاغتنام ساعاته بما ينفع ويفيد ، قال حكيم “ومن أمضى يومه في غير حق قضاه ، أو فرض أداه ، أو مجد أثله ،أو حمد حصله ،أو خير أسسه ،أو علم اقتبسه ، فقد عق يومه وظلم نفسه” ، وقال الحسن: “إنما أنت أيام مجموعة ، كلما مضى يوم مضى بعضك” وقال بعض الحكماء: “كيف يفرح بالدنيا من يومه يهدم شهره ،وشهره يهدم سنته ،وسنته تهدم عمره ،كيف يفرح من يقوده عمره إلى أجله ، وتقوده حياته إلى موته”.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
هكذا نسير إلى الآجال في كل لحظة ، وأيامنا تطوي وهن مراحل ، ولم أر مثل الموت حقًا ، كأنه إذا ما تخطته الأماني باطل ، وما أقبح التفريط في زمن الصبا ،فكيف به والشيب للرأس شاعل ، ترحل من الدنيا بزاد من التقى ، فعمرك أيام وهن قلائل ، كان ابن مسعود رضي الله عنه يقول إذا قَعَدَ: “إِنَّكُمْ في مَمَرِّ اللَّيْلِ والنهار في آجَالٍ مَنْقُوصَةٍ وَأَعْمَالٍ مَحْفُوظَةٍ وَالْمَوْتُ يَأْتِي بَغْتَةً فَمَنْ يَزْرَعْ خَيْرًا يُوشِكُ أَنْ يَحْصُدَ رَغْبَةً وَمَنْ يَزْرَعْ شَرًّا يُوشِكُ أَنْ يَحْصُدَ نَدَامَةً وَلِكُلِّ زَارِعٍ لا يَسْبِقُ بَطِيءٌ بِحَظِّهِ وَلا يُدْرِكُ حَرِيصٌ ما لم يُقَدَّرْ له فَمَنْ أُعْطِيَ خَيْرًا فَاللَّهُ أَعْطَاهُ وَمَنْ وُقِيَ شَرًّا فَاللَّهُ وَقَاهُ الْمُتَّقُونَ سَادَةٌ وَالْفُقَهَاءُ قَادَةٌ وَمُجَالَسَتُهُمْ زِيَادَةٌ”.
فعلينا أن نغتنم الأيام والليالي فيما يقربنا إلى الله تعالى، فقد وقف أبو ذر رضي الله عنه عند الكعبة ، فقال: “يا أيها الناس هلم إلى أخ ناصح شفيق” فاكتنفه الناس ثم قال: “أرأيتم لو أن أحدكم أراد سفرًا أليس كان يأخذ من الزاد ما يصلح لسفره سفر الآخرة، فتزودوا ما يصلحكم”، فقالوا: “وما الذي يصلحنا؟” قال: “حجوا حجة لعظائم الأمور، وصوموا يومًا شديدًا حره للنشور، وصلوا ركعتين في سواد الليل لظلمة القبور ،وكلمة خير تقولها ،أو كلمة شر تسكت عنها ، لوقوف يوم عظيم”
الدعاء