خطبة عن ( الاسراء والمعراج في ضوء الكتاب والسنة)
فبراير 12, 2022خطبة عن حديث ( أَتَدْرُونَ مَا الْكَوْثَرُ؟ )
فبراير 19, 2022الخطبة الأولى ( وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) (120) هود
إخوة الإسلام
إن قلب المؤمن يثبت ويزداد يقينه بمعايشة تجارب الأمم السابقة، ودعوة الرسل، وعِناد المعاندين للشرائع عبر التاريخ الإنساني، ونهاية كل معاندٍ أو ظالمٍ أو طاغية، ونهاية أتباع الظالمين، ونهاية أتباع الرسل، وهذا يجعلنا نقول للمعاندين، والماكرين، والكارهين للإسلام، سنثبت على شريعة ربنا ، وسنظل إن شاء الله -عاملين بها ولها، حتى نلقى الله، وسنرى من الفائز في النهاية؟! ، مع علمنا اليقيني بفوز أهل الله ،وخسارة كل معاند، فأتباع الشرائع هم أهل الله الذين ركنوا إلى الركن الذي لا يضام ، والذي إليه يرجع الأمر كله ،والذي لا يغفل ولا ينام ،وهو وحده المستحق للعبادة وتمام التوكل، وفي هذه الآية الكريمة ما يؤيد ذلك ، فقوله تعالى : (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) (120) هود ، جاء في التفسير الميسر : ونقصُّ عليك -أيها النبي- من أخبار الرسل الذين كانوا قبلك، كل ما تحتاج إليه مما يقوِّي قلبك للقيام بأعباء الرسالة، وقد جاءك في هذه السورة وما اشتملت عليه من أخبار، بيان الحق الذي أنت عليه، وجاءك فيها موعظة يرتدع بها الكافرون، وذكرى يتذكر بها المؤمنون بالله ورسله.
وفي الوسيط لطنطاوي : قال : بين الله سبحانه – أهم الفوائد التي تعود على الرسول – صلى الله عليه وسلم – من وراء إخباره بأحوال الأنبياء السابقين مع أقوامهم فقال : ( وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرسل مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ . .) أي : وكل نبأ من أنباء الرسل الكرام السابقين نقصه عليك – أيها الرسول الكريم – ونخبرك عنه . فالمقصود به تثبيت قلبك ، وتقوية يقينك ، وتسلية نفسك ونفوس أصحابك عما لحقكم من أذى في سبيل تبليغ دعوة الحق إلى الناس ..وجاءك – أيها الرسول الكريم – في هذه السورة الكريمة وغيرها من سور القرآن الكريم : الحق الثابت المطابق للواقع ، والعظات الحكيمة ، والذكرى النافعة للمؤمنين بما جئت به ، وأما من هم ليسوا من أهل الإيمان، فلا تنفعهم المواعظ، وأنواع التذكير، ولهذا قال الله تعالى : {وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ} فقُلْ- يا نبي الله يا محمَّدُ- للكافرينَ الذين لا يُقرُّونَ بوحدانيَّةِ اللهِ: اعمَلوا ما أنتم عامِلونَ، على حالتِكم وطريقَتِكم في مقاومةِ الدَّعوةِ، وإيذاءِ الرَّسولِ والمُستَجيبينَ له، فإنَّا عامِلونَ على مكانَتِنا وطريقَتِنا مِن الثَّباتِ على دينِنا، وتَنفيذِ أمرِ اللهِ، وانتَظِروا عاقِبةَ أمرِنا؛ فإنَّا مُنتَظِرونَ عاقِبةَ أمرِكم، ولله سُبحانَه وتعالى عِلمُ كُلِّ ما غاب في السَّمَواتِ والأرضِ، وإليه يُرجَعُ الأمرُ كلُّه يومَ القيامةِ، فاعبُدْه- أيُّها النبيُّ- وفوِّضْ أمرَك إليه، وما ربُّك بغافِلٍ عمَّا تعملونَ مِن الخيرِ والشَّرِّ، وسيُجازي كُلًّا بعَمَلِه.
أيها المسلمون
فمما يهدف إليه القصص القرآني تثبيت قلب النبي صلّى الله عليه وسلم، ففي أخبار المرسلين وتكذيب أقوامهم تسلية وتصبير لقلب النبي صلّى الله عليه وسلم ، وللمؤمنين والدعاة من بعده ، على ما يلقاه من أذى المشركين وتكذيبهم، وإثبات صدق النبي صلّى الله عليه وسلم في رسالته حيث ينبئ بأخبار الأمم السابقة والقرون السحيقة مما لا يعلمه أحد من كتاب العرب ،فضلا عن أميٍّ مثله ،والاعتبار والاتعاظ من خلال النظر في سنة الله النافذة في الكون ،وتصحيح العقائد الفاسدة ،وتثبيت العقائد الصحيحة ،وتقويم الخلق والسلوك الفردي والجماعي، وتحقيق خلافة الإنسان في الأرض. وثمة أهداف أخرى كثيرة لمن تأملها من أولي الألباب، مثل التوكل على الله، لاسيما بالنسبة للدعاة والمصلحين، وانتهاج الأسوة الحسنة في الأنبياء، والتجمل بمكارم الأخلاق، وتعلم آداب الحوار، والجدال بالحسنى، وأساليب الدعوة إلى الله تعالى. وقد ذكر القرآن الكريم بعض قصص الرسل السابقين ،ومواقف أقوامهم منهم ،وأكد على أن في قصصهم عبراً لأصحاب العقول ،فقد جاء القرآن الكريم داعيًا إلى الهداية والرشاد، بأساليب شتى ،فتارةً بالوعد والوعيد، وتارة بالإقناع العقلي، وتارة ثالثة بمخاطبة الضمير والوجدان، ورابعةً بتوجيه الفطرة إلى حقيقتها، وخامسة بالإعجاز بشتى ألوانه، وأحياناً كثيرة بأسلوب القصص، الذي هو أقرب الوسائل التربوية إلى فطرة الإنسان، وأكثر العوامل النفسية تأثيرًا فيه. والقصة في القرآن تهب لنا من المعرفة ما لا يقدر على هبته أي نوع أدبي سواها ، وتبسط أمامنا الحياة في سعة وامتداد ،وعمق وتنوع ،حيث إن القرآن الكريم اهتم بالقصة اهتماماً كبيراً ،وظهرت المعجزة بالتحدث عن الغيب ،وعن أخبار الأمم السابقة التي بادت وزالت. والقصة في القرآن واقعية ،لأن الله تعالى أخبرنا فيها ما حصل من أحداث جرت مع الأنبياء والرسل وغيرهم من الأمم السابقة ،مثل قصة آدم ويوسف وأهل الكهف وصالح وغيرها ، فالقصة لا سيّما إن كانت بأسلوب شيق، وبيان رائق، لها من التأثير والجاذبية مالا تبلغه أي وسيلة أخرى من الوسائل الدعوية أو التعليمية أو التربوية، فكيف إذا كانت بأسلوب رباني معجز، له من الواقعية والصدق ،ودقة التصوير، ومِن السِمَاتِ ما ليس لغيره. والغاية الأولى من قصص القرآن هي تأملها وأخذ العبرة منها وتصحيح العقائد والأخلاق، حتى ينصلح الفرد والمجتمع، وليست الغاية قاصرةً على إمتاع النفوس بسماع قصص مسليِّة ،أو بطولات خيالية، أو إظهارَ براعة أدبية مجردة عن هدف الإصلاح
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن الفوائد التربوية التي تضمنتها هذه الآية الكريمة : (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ)، فيها بيان أن للقصة الحقيقية أثرا بالغا في التربية السلوكية ، لقارئها وسامعها؛ فهي تنمِّي العقل وتشحذ الذهن وتؤسس لمنهج سليم وتجدد الذاكرة وتحمل على المحاكاة، وتحُد من الإرادات المنفردة والقرارات الخاطئة أو تمنعها؛ فضلاً عن أنها عذبة القراءة، سهلة الحفظ، لا يمل القارئ ولا السامع من سردها، لاسيما إذا كانت بأسلوب أدبي أخَّاذ، وسياق مترابط؛ لذلك كانت عناية القرآن الكريم بها كبيرة، فكم سرد الله تعالى من قصص الأولين من الأنبياء والصالحين وكيف كانت عاقبتهم، والفجار والكافرين والمشركين وكيف كانت عاقبتهم؟! فقال الله تعالى: ﴿وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾، فذكر من فوائدها تثبيت القلب وطمأنينته بوعد الله تعالى بالنصر والتمكين كما كانت عاقبة الأنبياء والمرسلين قبله، وقال سبحانه: ﴿كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً﴾ طه 99. وفي قولُه تعالى: (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) فيه أنَّ سَماع أخبارِ الأخيارِ فيه تقويةٌ للعزائم، وإعانةٌ على اتِّباعِ تلك الآثارِ؛ فإنَّ النفوسَ تأنسُ بالاقتداءِ ، وتنشطُ على الأعمالِ، وتريدُ المنافسةَ لغيرِها، ويتأكَّد الحقُّ بذكرِ شواهدِه، وكثرةِ مَن قام به ،كما تضمَّنَت الآيةُ الكريمة الاعتبارَ مِن قَصَصِ الرُّسُل، بما فيها مِن حُسنِ صَبرِهم على أُمَمِهم، واجتهادِهم على دُعائِهم إلى عبادةِ الله بالحَقِّ، وتذكير الخيرِ والشَّرِّ، وما يدعو إليه كلٌّ منهما مِن عاقبةِ النَّفعِ والضُّرِّ؛ للثَّباتِ على ذلك جميعِه اقتداءً بهم
ومن الفوائد العلمية واللطائف في هذه الآية الكريمة : قَولُ الله تعالى: (وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ) ذكَرَ العُلَماءُ في تخصيصِ هذه السورةِ بوَصفِها بالحَقِّ- والقرآنُ كُلُّه حقٌّ- أوجُهًا : الوجهُ الأولُ: أنَّ ذلك يتضمَّنُ معنى الوعيدِ للكَفَرةِ والتَّنبيهِ للنَّاظر، أي: جاءك في هذه السُّورةِ الحَقُّ الذي أصاب الأُمَم الظَّالمة، الوجهُ الثاني: خصَّ هذه السُّورةَ؛ لأنَّ فيها أخبارَ الأنبياءِ والجنَّةِ والنَّارِ ، والوجهُ الثالثُ: خصَّها بالذِّكرِ تأكيدًا، وإن كان الحقُّ في كلِّ القُرآنِ، وهذا تشريفٌ لهذه السورة؛ لأنَّ غيرَها من السُّوَرِ قد جاء فيها الحقُّ والموعِظةُ والذِّكرى
الدعاء