خطبة عن (وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)
أغسطس 28, 2023خطبة عن (باب التوبة مفتوح)
أغسطس 29, 2023الخطبة الأولى (استصغار النفس واحتقارها ( إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى على لسان امرأة العزيز : (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) يوسف (53) ، وفي الصحيحين ،تقول أم المؤمنين عائشة رض الله عنها ، في حديث الإفك الطويل 🙁.. ثُمَّ تَحَوَّلْتُ عَلَى فِرَاشِي ، وَأَنَا أَرْجُو أَنْ يُبَرِّئَنِي اللَّهُ ، وَلَكِنْ وَاللَّهِ مَا ظَنَنْتُ أَنْ يُنْزِلَ فِي شَأْنِي وَحْيًا ، وَلأَنَا أَحْقَرُ فِي نَفْسِي مِنْ أَنْ يُتَكَلَّمَ بِالْقُرْآنِ فِي أَمْرِي ، وَلَكِنِّى كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ ، فَوَ اللَّهِ مَا رَامَ مَجْلِسَهُ وَلاَ خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ حَتَّى أُنْزِلَ عَلَيْهِ ،.. )
إخوة الإسلام
من آداب المؤمن وأخلاقه وصفاته التواضع والانكسار ، وهضم النفس وانكسارها واحتقارها، وإظهار عيوبها وازدرائها ، واتهامها في جميع أعمالها وأحوالها ، وعدم العجب بالنفس والرأي ، والعلم والمنطق ، فالنفس البشرية إذا تركت وأعطيت مرادها ، أهلكت الإنسان ، فهي داعية إلى المهالك والمزالق، وهي معينة للأعداء، وطامحة إلى كل قبيح، ومتبعة لكل سوء؛ وهي تجري بطبعها في ميدان المخالفة والهوى، فالنعمة التي لا خطر لها: هي الخروج منها، والتخلص من رقها، فإنها أعظم حجاب بين العبد وبين الله تعالى ، وأعرف الناس بها أشدهم إزراءً عليها، ومقتا لها ، ومقت النفس في ذات الله من صفات الصديقين، ويدنو العبد به من الله سبحانه في لحظة واحدة أضعاف أضعاف ما يدنو به بالعمل ، وقد ذكر الله تعالى في كتابه العزيز : (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ) يوسف (53) ، وهذا هو ما جعل أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها ) تقول : (وَلأَنَا أَحْقَرُ فِي نَفْسِي مِنْ أَنْ يُتَكَلَّمَ بِالْقُرْآنِ فِي أَمْرِي ) ،وقد ذكر الإمام الذهبي –رحمه الله– في كتاب الكبائر، أن من أعجب بنفسه وتعاظمها ، فقد أتى أشر أنواع الكبر وأخبثه، فقال رحمه الله : (وأشر الكبر: من تكبر على العباد بعلمه، وتعاظم في نفسه بفضيلته، فإن هذا لم ينفعه علمه، فإن من طلب العلم للآخرة كسره علمه، وخشع قلبه، واستكانت نفسه، وكان على نفسه بالمرصاد، فلم يفتر عنها، بل يحاسبها كل وقت ويثقفها؛ فإن غفل عنها جمحت عن الطريق المستقيم وأهلكته، ومن طلب العلم للفخر والرياسة ، ونظر إلى المسلمين شزراً، وتحامق عليهم، وازدرى بهم؛ فهذا من أكبر الكبر، ولا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر) ،فالعبد الصادق هو من لا يرى نفسه إلا مقصراً ، والموجب لهذه الرؤية كما قال ابن القيم -رحمه الله – والموجب له لهذه الرؤية : (استعظام مطلوبه ،واستصغار نفسه ،ومعرفته بعيوبها، وقلة زاده في عينه، فمن عرف الله وعرف نفسه، لم يرَ نفسه إلا بعين النقصان ، وقال السري السقطي–رحمه الله- : ما رأيت شيئاً أحبطَ للأعمال، ولا أفسدَ للقلوب، ولا أسرعَ في هلاك العبد، ولا أدومَ للأحزان، ولا أقربَ للمقت، ولا ألزمَ لمحبة الرياء والعجب والرياسة ، من قلة معرفة العبدِ لنفسه، ونظرِهِ في عيوب الناس ! لاسيما إن كان مشهورا معروفا بالعبادة، وامتد له الصيت حتى بلغ من الثناء ما لم يكن يؤمله، وتربص في الأماكن الخفية بنفسه، وسراديب الهوى، وفي تجريحه في الناس ومدحه فيهم.(الطبقات الكبرى)، فالمؤمن الصادق أرفع ما يكون عند الله ،أوضع ما يكون عند نفسه ،وأوضع ما يكون عند الله أرفع ما يكون عند نفسه، ويؤكد الإمام الشافعي –رحمه الله-: على هذا المعنى فيقول: ( أرفع الناس قدرًا من لا يرى قدره، وأكثرهم فضلًا من لا يرى فضله) ،
أيها المسلمون
ومما جاء في ذكر (هضم النفس والإزراء عليها) في الكتاب والسنة ،فقد قال الله تعالى في كتابه المبين ،في وصف عباده المؤمنين : (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) {المؤمنون:60}، أي : أنهم مع إحسانهم وإيمانهم وعملهم الصالح ، فهم مشفقون من الله ،خائفون منه ،وجلون من مكره بهم، كما قال الحسن البصري: إن المؤمن جمع إحسانا وشفقة ، وإن الكافر جمع إساءة وأمنا ، في مسند أحمد : (عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي هَذِهِ الآيَةِ ( الَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ الَّذِي يَسْرِقُ وَيَزْنِي وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ وَهُوَ يَخَافُ اللَّهَ قَالَ « لاَ يَا بِنْتَ أَبِى بَكْرٍ يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ وَلَكِنَّهُ الَّذِى يُصَلِّي وَيَصُومُ وَيَتَصَدَّقُ وَهُوَ يَخَافُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ »، وفي رواية «وهم يخافون ألا يقبل منهم » ،وقال نبي الله إبراهيم – عليه الصلاة والسلام – في دعائه: { وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ } [الشعراء: 83 :82] ،وقال نبي الله يوسف – عليه الصلاة والسلام- في دعائه : { تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ } [يوسف: 101] ، قال الشربيني –رحمه الله-: (وإنما قال عليه السلام ذلك هضماً لنفسه، وإظهاراً للحاجة والفاقة إلى فضل الله في كل المطالب، وفي ذلك دليل على أنّ عصمة الأنبياء بتوفيق الله تعالى وحفظه إياهم) .(السراج المنير) ،
وهذا هو النبي صلى الله عليه وسلم ،على جلال قدره ،وعظيم مكانته عند الله وعند الناس ، فماذا قال عندما رأى رجلاً مقبلاً يرتعد رهبة منه ، ففي سنن ابن مجه وصححه الألباني 🙁عَنْ أَبِى مَسْعُودٍ قَالَ أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلٌ فَكَلَّمَهُ فَجَعَلَ تُرْعَدُ فَرَائِصُهُ فَقَالَ لَهُ « هَوِّنْ عَلَيْكَ فَإِنِّي لَسْتُ بِمَلِكٍ إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ » ،وفي البخاري 🙁قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ كَانَتِ الأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ» ، وعن عائشة –رضي الله عنها- قالت :قلت : يا رسول الله ! كل جعلني الله فداك متكئا ؛ فإنه أهون عليك . فأحنى رأسه حتى كاد أن تصيب جبهته الأرض وقال : بل آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد).(السلسلة الصحيحة ) ، وقد علق المارودي –رحمه الله- على هذه القصة فقال :(وإنما قال ذلك – صلى الله عليه وسلم – حسما لمواد الكبر، وقطعا لذرائع الإعجاب، وكسرا لأشر النفس، وتذليلا لسطوة الاستعلاء). ومثل ذلك ما روي عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أنه نادى الصلاة جامعة فلما اجتمع الناس صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه – صلى الله عليه وسلم – ثم قال: (أيها الناس لقد رأيتني أرعى على خالات لي من بني مخزوم فيقبض لي القبضة من التمر والزبيب فأظل اليوم وأي يوم. فقال له عبد الرحمن بن عوف والله يا أمير المؤمنين ما زدت على أن قصرت بنفسك. فقال عمر – رضي الله عنه -: ويحك يا ابن عوف إني خلوت فحدثتني نفسي، فقالت أنت أمير المؤمنين فمن ذا أفضل منك فأردت أن أعرفها نفسها).(أدب الدنيا والدين)
أيها المسلمون
ومما جاء في الآثار من أقوال العلماء الواردة في (هضم النفس والإزراء عليها) : قال أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-: (لوددت أني كنت شعرة في جنب عبد مؤمن) (الزهد، للإمام أحمد) ، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعتُ عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوماً وخرجت معه حتى دخل حائطاً فسمعتُه يقول وبيني وبينه جدار: (عمر! ! أمير المؤمنين! ! بخٍ بخٍ، واللهِ بُنَيّ الخطاب لتتقينّ الله أو ليعذبنّك) (الموطأ )، وقال جبير بن نفير –رحمه الله-: (إن نفرا قالوا لعمر بن الخطاب والله ما رأينا رجلا أقضى بالقسط ولا أقول بالحق ولا أشد على المنافقين منك يا أمير المؤمنين فأنت خير الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال عوف بن مالك كذبتم والله لقد رأينا خيرا منه بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال من هو يا عوف فقال أبو بكر فقال عمر : صدق عوف وكذبتم والله لقد كان أبو بكر أطيب من ريح المسك وأنا أضل من بعير أهلي.!) (التاريخ الكبير للبخاري)، وأمَّ أبو عبيدة بن الجراح – رضي الله عنه-: قوماً مرة، فلما انصرف، قال: «ما زال الشيطان بي آنفا حتى رأيت أن لي فضلا على من خلفي، لا أؤم أبدا» (مصنف ابن أبي شيبة)، وقال أبو حازم الأعرج –رحمه الله- يخاطب نفسه: (يا أعرج ينادى يوم القيامة يا أهل خطيئة كذا وكذا، فتقوم معهم، ثم ينادى يا أهل خطيئة أخرى فتقوم معهم، فأراك يا أعرج تريد أن تقوم مع أهل كل خطيئة) .(حلية الأولياء)، وقال ابن شهاب الزهري –رحمه الله- كان أهل المدينة عيالا على عبد الرحمن بن عوف: ثلث يقرضهم ماله، وثلث يقضى دينهم، ويصل ثلثا. وكان لا يعرف من بين عبيده .! أي من تواضعه في اللباس) .(طبقات ابن سعد) ، وقال عمران بن عبد الله -رحمه الله -: (أرى نفس سعيد بن المسيب كانت أهون عليه في الله من نفس ذباب) .(شعب الإيمان)، وقال عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه-: (لو تعلمون بعيوبي ما تبعني منكم رجلان؛ ولوددت أني دعيت عبد الله بن روثة وأن الله غفر لي ذنباً من ذنوبي) (شعب الإيمان)، وقال مالك بن دينار -رحمه الله-: (لو أن مناديًا ينادي بباب المسجد: ليخرج شركم رجلاً، والله ما كان أحد يسبقني إلى الباب إلا رجلاً بفضل قوة أو سعي.!) ، قال: فلما بلغ ابن المبارك قوله ، قال: بهذا صار مالك مالكًا.، وقال سلمة بن دينار –رحمه الله-: «أفضل خصلة ترجى للمؤمن أن يكون أشد الناس خوفا على نفسه وأرجاه لكل مسلم» (حلية الأولياء) ،وقيل لأحمد بن حنبل –رحمه الله-: (جزاك الله عن الإسلام خيرا. فقال: بل جزى الله الإسلام عني خيرا، من أنا؟ وما أنا؟؟ (سير أعلام النبلاء) ، وقال جابر بن عمرو الراسبي -رحمه الله-لابن عمر رضي الله عنه: (لا يزال الناس بخير ما أبقاك الله لهم. فغضب، وقال: إني لأحسبك عراقيا، وما يدريك ما يغلق عليه ابن أمك بابَه) (الإصابة في تمييز الصحابة ) ، وسئل عمر بن عبد العزيز –رحمه الله-: يا أمير المؤمنين، كيف أصبحت؟ قال: (أصبحت بطينًا، ملوثًا في الخطايا، أتمنى على الله الأماني) (سيرة عمر بن عبد العزيز)، وقال أيوب السختياني: (ولما احتضر سفيان الثوري :دخل عليه أبو الأشهب، وحماد بن سلمة، فقال له حماد: «يا أبا عبد الله، أليس قد أمنت مما كنت تخافه؟ وتقدم على من ترجوه، وهو أرحم الراحمين، فقال: يا أبا سلمة، أتطمع لمثلي أن ينجو من النار؟ قال: إي والله، إني لأرجو لك ذلك».، وقال أبو حفص: «من لم يتهم نفسه على دوام الأوقات ولم يخالفها في جميع الأحوال، ولم يجرها إلى مكروهها في سائر أوقاته، كان مغرورا، ومن نظر إليها باستحسان شيء منها فقد أهلكها».، فالنفس داعية إلى المهالك، معينة للأعداء، طامحة إلى كل قبيح، متبعة لكل سوء؛ فهي تجري بطبعها في ميدان المخالفة ، فالنعمة التي لا خطر لها: الخروج منها، والتخلص من رقها، فإنها أعظم حجاب بين العبد وبين الله تعالى، وأعرف الناس بها أشدهم إزراء عليها، ومقتا لها ، قال أحمد بن خالد –رحمه الله-:سألت أحمد بن حنبل عَنْ مسألة في الورع. فقال: أنا أستغفر الله، لا يحل لي أن أتكلم في الورع؛ أنا آكل من غلة بغداد. لو كان بشر بْن الحارث صلح أن يجيبك عنه؛ فإنه كان لا يأكل من غلة بغداد ولا من طعام السواد؛ فهو يصلح أن يتكلم في الورع ) (تاريخ بغداد) ،وقال الفضيل بن عياض –رحمه الله- يعاتب نفسه : يا مسكين! أنت مسيء، وترى أنك محسن، وأنت جاهل، وترى أنك عالم، وتبخل، وترى أنك كريم، وأحمق، وترى أنك عاقل، أجلك قصير،وأملك طويل) (سير أعلام النبلاء)
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (استصغار النفس واحتقارها ( إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وقال ذو النون المصري –رحمه الله-: ما أعز الله عبدا بعز هو أعز له من أن يذله على ذل نفسه، وما أذل الله عبدا بذل هو أذل له من أن يحجبه عن ذل نفسه ، وقال سعيد بن إسماعيل –رحمه الله-: الخوف من الله يوصلك إلى الله، والكبر، والعجب في نفسك يقطعك عن الله، واحتقار الناس في نفسك مرض عظيم لا يداوى ،وقال وهب بن منبه -رحمه الله-: لا يستكمل الرجل العقل حتى يستكمل عشر خصال : حتى يكون الخير منه مأمولا ،والشر منه مأمونا ،وحتى لا يتبرم بكثرة حوائج الناس من قبله ،وحتى يكون الفقر أحب إليه من الغنى ،والذل أعجب إليه من العز ،والتواضع أحب إليه من الشرف ،وحتى يستقل كثير المعروف من نفسه ،ويستكثر قليل المعروف من غيره ،والعاشرة – وما العاشرة – بها شَادَ مجده ، وعلا جده ، إذا خرج من بيته لم يلق أحدا إلا رأى أنه خير منه ! ، وقال السري السقطي–رحمه الله-: ما رأيت شيئاً أحبطَ للأعمال، ولا أفسدَ للقلوب، ولا أسرعَ في هلاك العبد، ولا أدومَ للأحزان، ولا أقربَ للمقت، ولا ألزمَ لمحبة الرياء والعجب والرياسة ، من قلة معرفة العبدِ لنفسه، ونظرِهِ في عيوب الناس ! لاسيما إن كان مشهورا معروفا بالعبادة، وامتد له الصيت حتى بلغ من الثناء ما لم يكن يؤمله، وتربص في الأماكن الخفية بنفسه، وسراديب الهوى، وفي تجريحه في الناس ومدحه فيهم ، وقال محمد بن بكار –رحمه الله-: بعث هارون الرشيد إلى ابن السماك فدخل عليه وعنده يحيى بن خالد البرمكي فقال يحيى لابن السماك : إن أمير المؤمنين أرسل إليك لما بلغه من صلاح حالك في نفسك وكثرة ذكرك لربك عز وجل ودعائك للعامة فقال ابن السماك: أمَّا ما بلغ أمير المؤمنين من صلاحنا في أنفسنا فذلك بستر الله علينا فلو اطلع الناس على ذنب من ذنوبنا لما أقدم قلب لنا على مودة. ولا جرى لسان لنا بمدحة، وإني لأخاف أن أكون بالستر مغرورا وبمدح الناس مفتونا وإني لأخاف أن أهلك بهما وبقلة الشكر عليهما فدعا بدواة وقرطاس فكتبه إلى الرشيد ،
الدعاء