خطبة عن : الاستعانة بالصبر والصلاة ( وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ )
يناير 9, 2021خطبة عن ( الصحابة يسألون والنبي صلى الله عليه وسلم يجيب )
يناير 16, 2021الخطبة الأولى الاعتراف بمزايا الآخرين ومواهبهم وأفضليتهم (وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته على لسان نبيه موسى : (وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34) قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ) (34) ،(35) القصص
إخوة الإسلام
في قول نبي الله موسى عليه أفضل الصلاة والتسليم، (وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا) (34) القصص ،اعتراف بأفضلية أخيه هارون عليه في هذا الجانب (هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا)، فهو يقول: هو أحسن مني بيانا عما يريد أن يبينه ،فهو يبين لهم عني ما أكلمهم به, فإنه يفهم ما لا يفهمون، وهو أقدر منى على المدافعة عن الدعوة ،وعلى تبيان الحق وتوضيحه ،وقيل: إنما سأل موسى ربه أن يؤيده بأخيه, لأن الاثنين إذا اجتمعا على الخير, كانت النفس إلى تصديقهما أسكن منها إلى تصديق خبر الواحد، فأرسل أخي هارون معي إلى هؤلاء القوم ،لكى يساعدني ويعينني على تبليغ رسالتك ،ويصدقني فيما سأدعوهم إليه ، ويخلفني إذا ما اعتدي على ،والمتأمل في هذا الكلام الذى ساقه الله – تعالى – على لسان موسى – عليه السلام – يرى فيه إخلاصه في تبليغ رسالة ربه ، وحرصه على أن يؤتي هذا التبليغ ثماره الطيبة على أكمل صورة ،وأحسن وجه .وليس الغرض بتصديقه أن يقول له (صدقت) ،أو يقول للناس صدق أخي ، وإنما هو أن يلخص بلسانه الحق ،ويبسط القول فيه ،ويجادل به الكفار ،كما يصدق القول بالبرهان ،وفضل الفصاحة إنما يحتاج إليه لذلك ،
أيها المسلمون
وقوله تعالى : (وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا) : فيه بيان على أن من أخلاق المسلم أن يعترف بمواهب الآخرين ،ومزاياهم وأفضليتهم ،ويَذكرها ولا ينكرها. فلا مكان لحظوظ النفس ، فذكر مزايا الآخرين وطلب الخير لهم لا يصدر إلا من نفس كبيرة ،وأجره عظيم ،وهو مضاد للحسد ،فالمسلم لا يحسد أخاه ،ولا يقلل من قدراته ،ليستأثر بالخير لنفسه؛ فنفوس المؤمنين كبيرة ،وتستحق شرف التكريم ،فمهما بلغت من العلم والمعرفة ،فإنك محتاج إلى الاستفادة من غيرك؛ فسبيل نجاحك في كل أمورك: أن تعرف إمكاناتك ،وأن تكمل جوانب النقص فيها : ﴿ وأَخي هارُونُ هُو أَفصَحُ منِّي لسانًا ﴾ (قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ) ،فاكبر قوة معنوية تبث بروحك الإطمئنان عندما تجد أخا صادقا يخفف حملك ،ويكون لك نعم السند ،فالأخ الصالح حاجة ملحة في المهمات الصعبة،
أيها المسلمون
وإذا كان خلق (الاعتراف بمزايا الآخرين ومواهبهم وأفضليتهم) من أخلاق المسلمين ،فعلى العكس من ذلك ،فهناك خلق ذميم ،حذر منه الاسلام ،ألا وهو (إنكار أفضلية الآخرين، وعدم الاعتراف بمواهبهم وتميزهم) ،لأن هذا الخلق من أخلاق إبليس اللعين ،والشيطان الرجيم ، وأتباعه من أصحاب القلوب المريضة من المتجبرين والمتكبرين ،فلما أمر الله إبليس أن يسجد لآدم سجود تكريم وتشريف ،واعتراف بفضله ،كان موقفه الإنكار والجحود لأفضلية آدم (عليه السلام)،قال الله تعالى :(قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) (12) الاعراف ،وقال تعالى : (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (61) قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا) (61) ،(62) الاسراء
أيها المسلمون
والمتأمل في قوله تعالى :(وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا) (34) القصص ،يجد فيه بيان بأن الاعتراف بأفضلية الآخرين وتميزهم ،يضع الرجل المناسب في المكان المناسب ،فيكون ذلك سببا في رفعة المجتمع وتقدمه ،وأن عدم الاعتراف بتميز وأفضلية ومواهب الآخرين يؤدي إلى تسلق غير المؤهلين إلى المناصب ،فتكون النتيجة الخسران المبين ،وقد عد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك من علامات الساعة ،وانهيار الكون ،ففي صحيح البخاري : (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ بَيْنَمَا النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – فِي مَجْلِسٍ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ مَتَى السَّاعَةُ فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يُحَدِّثُ ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ سَمِعَ مَا قَالَ ، فَكَرِهَ مَا قَالَ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ لَمْ يَسْمَعْ ، حَتَّى إِذَا قَضَى حَدِيثَهُ قَالَ « أَيْنَ – أُرَاهُ – السَّائِلُ عَنِ السَّاعَةِ » . قَالَ هَا أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ « فَإِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ » . قَالَ كَيْفَ إِضَاعَتُهَا قَالَ « إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ »
والمتدبر لقوله تعالى: (وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا) ،يدلنا على أن الاعتراف بمزايا الآخرين فضيلة من بعض الفضائل التي نحاول إحياءها بعد أن أماتها المجتمع واستعاض عنها بالبغض والكره والحسد والغيرة الحمقاء ،وعدم الاعتراف بالآخر ومواهبهم وتميزهم، والتي لن تزيدنا إلا فرقة لا لشيء إلا لغيرة الحياة الدنيا الفانية، والاعتراف بمزايا الآخرين لن ينقص من قدرك، بل على العكس تمامًا، فهذه أخلاق الأنبياء التي ابتعدنا عنها ،فابتلينا بأناس يفسدون علينا واقعنا ،وسيفسدون مستقبلنا ،إن لم ننتبه ونصحح هذا الخطأ الشيطاني المتعمد. فدائمًا ننحاز ضد آخرين بسبب لونهم ،أو عرقهم، ونصل في تطرفنا إلى ميولهم “السياسية وآراءهم والرياضية أو أذواقهم الخاصة”، حتى أننا نعطي لأنفسنا الحق في أن نستبعدهم من فرص يستحقونها ،بسبب انتماءاتهم وآرائهم ومبادئهم، ونبحث عن كل ما يؤكد لنا عدم جدارتهم ،ونستبعدهم ونقمعهم في خياراتنا وقراراتنا، ونختلق الأعذار التي ترضي نفوسنا الأمارة بالسوء وليس ما يرضي ضمائرنا، ونسينا (وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا) ،
فالله تعالى لما خلق الخلق جعلهم متفاوتون في قدراتهم، وأرزاقهم ، وأسلوب تفكيرهم، وجعل لكل إنسان قدرات معينة ،يستطيع من خلالها أن يعمل في هذه الحياة، ويكسب رزقه، بل ويكون له دوره الفاعل في المجتمع ،مهما قل دوره ،أو صغرت مهمته، والمجتمعات المتقدمة اليوم، أو التي في طريقها إلى التقدم تسعى جاهدة إلى تعيين الأكفاء من العاملين في الإدارات العامة، وذلك وفق آليات واضحة، ومحددة فلا توجد محسوبية ،ولا يوجد خلل في إجراءات التعيين، وإنما يكون التعيين للأصلح، والأجدر، والأكفأ،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية: الاعتراف بمزايا الآخرين ومواهبهم وأفضليتهم (وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
المشكلة التي تعاني منها أكثر المجتمعات الإسلامية اليوم، أنك تجد الكثير ممن يعملون في القطاعات العامة ليسوا على درجة عالية من المهنية، والخبرة، والقدرة، وهناك بالتأكيد من يوجد من هو أفضل منهم علماً، وخبرة، وحسن إدارة، ولكن المشكلة تكمن بالدرجة الأولى، في عدم وجود آليات واضحة، ومقننة لاختيار العاملين، وإن وجدت، فإنك تجد المحسوبية تأخذ دورها، وتأثيرها البالغ في هذا المجال، وفي صحيح مسلم : (عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ تَسْتَعْمِلُنِي قَالَ فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي ثُمَّ قَالَ « يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ ضَعِيفٌ وَإِنَّهَا أَمَانَةٌ وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْىٌ وَنَدَامَةٌ إِلاَّ مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِى عَلَيْهِ فِيهَا ».قَالَ النَّوَوِيُّ : هَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ فِي اجْتِنَابِ الْوِلَايَةِ لَا سِيَّمَا لِمَنْ كَانَ فِيهِ ضَعْفٌ وَهُوَ فِي حَقِّ مَنْ دَخَلَ فِيهَا بِغَيْرِ أَهْلِيَّةٍ وَلَمْ يَعْدِلْ فَإِنَّهُ يَنْدَمْ عَلَى مَا فَرَّطَ فِيهِ إذَا جُوزِيَ بِالْجَزَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؛ وَأَمَّا مَنْ كَانَ أَهْلًا لَهَا وَعَدَلَ فِيهَا فَأَجْرُهُ عَظِيمٌ كَمَا تَضَافَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ وَلَكِنْ فِي الدُّخُولِ فِيهَا خَطَرٌ عَظِيمٌ وَلِذَلِكَ ، امْتَنَعَ الْأَكَابِرُ مِنْهَا ، فَامْتَنَعَ)،
وفي قول الله تعالى: ﴿ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾ القصص (26) . فوصف القوة والأمانة في اختيار الموظف، وصف دقيق للغاية، وبهما تسير الأعمال، وتنجز على الوجه المطلوب، ويقـول الشيخ السعدي – رحمه الله – حول هاتين الصفتين: ” وخير أجير استؤجر، من جَمعهما، أي: القوة والقدرة على ما استؤجر عليه، والأمانة فيه بعدم الخيانة، وهذان الوصفان، ينبغي اعتبارهما في كل من يتولى للإنسان عملاً بإجارة أو غيرها
الدعاء