خطبة عن (الإسلام بين الدنيوية والرهبانية)
مارس 5, 2022خطبة عن جنود الله (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ)
مارس 5, 2022الخطبة الأولى ( الاهتمام بالآخرين : أهميته ومظاهره وفوائده )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الامام أحمد في مسنده : (حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدَّتِهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ قَالَتْ :.. لَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَكَّةَ وَدَخَلَ الْمَسْجِدَ أَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ بِأَبِيهِ يَقُودُهُ فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « هَلاَّ تَرَكْتَ الشَّيْخَ فِي بَيْتِهِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا آتِيهِ فِيهِ ». قَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ أَحَقُّ أَنْ يَمْشِىَ إِلَيْكَ مِنْ أَنْ تَمْشِىَ أَنْتَ إِلَيْهِ. قَالَ فَأَجْلَسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ مَسَحَ صَدْرَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ « أَسْلِمْ ». فَأَسْلَمَ ..)
إخوة الإسلام
من أخلاق المسلم الاهتمام بالآخرين ، وإشعارهم باحترامه لهم ، فالاهتمام بالآخرين أساس قوي من أُسس الحب، ولا أظن أننا إذا عثرنا على هذا الشخص الذي يهتم لأمرنا، أننا سنتركه بسهولة؛ لأن القلب يَميل للتعلُّق بمَن يترك فيه أثرًا لطيفًا ، من ابتسامة أو كلمة طيبة، أو تشجيع أو مساعدة ، فهذا هو سرُّ البقاء في قلوب الناس، إنه الاهتمام وترك الأثر الجميل في نفوسهم، فحين تكون كذلك ، ستجد في كل مكان مررتَ به مَنْ يتذكَّرك بما كنت تفعل، حتى إنْ غبت عنه ، أو غبت عن الدنيا بأكملها، وما دمتَ فيها ومعه، فلن يملَّ من مرافقتك، وسيزداد تمسُّكًا بك. وقد كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- إذا تبادل الحديث مع أحد ، أو جاءه شخص يطلب شيئًا استمع إليه، بل إنه كان يُحرِّك كل جسده تجاهه، ويظل منتبهًا لما يقول؛ ليُشعِره باهتمامه، وليطمئن مَنْ يحادثه، ويترك في نفسه شعورًا جميلًا ، وفي سنن الترمذي : (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا اسْتَقْبَلَهُ الرَّجُلُ فَصَافَحَهُ لاَ يَنْزِعُ يَدَهُ مِنْ يَدِهِ حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ الَّذِى يَنْزِعُ وَلاَ يَصْرِفُ وَجْهَهُ عَنْ وَجْهِهِ حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَ الَّذِى يَصْرِفُهُ وَلَمْ يُرَ مُقَدِّمًا رُكْبَتَيْهِ بَيْنَ يَدَىْ جَلِيسٍ لَهُ). وقد انتقل صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى تاركًا في نفوس أهله وأصحابه الكثير من المدح والحب الاهتمام، وأنت كذلك ، يُمكنك أن تحظَى ببعض من هذه المكانة العظيمة ، إذا اقتديت بحبيبك عليه الصلاة والسلام، وكنت مهتما بالآخرين .
أيها المسلمون
إن المتأمل في طباع الناس يتبين له أنهم بطبيعتهم مهتمون بأنفسهم فقط ،وذلك في أكثر الظروف ،فإذا ما أظهرت اهتمامك بهم ،ستجد قبولاً مبهجا، وسيضعونك في قلوبهم، ويتمنون دائماً رؤيتك، فمن يستطيع أن يشبع هذه الرغبة في الأخرين، سوف يسيطر عليهم، ويملك قلوبهم، ويقودهم في سهولة ويسر ، وإذا كان هذا هو شأن الاهتمام بالأخرين، فقد جاء الاسلام وأضفي عليه صفة القداسة وجعله مبدأ اسلاميا، ففي صحيح مسلم : (عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ». كما جعل الاسلام الاهتمام بالأخرين حقاً للمسلم علي أخيه، ففي الصحيحين واللفظ للبخاري : (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ رَدُّ السَّلاَمِ ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ ، وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ »، وقد عاتب الله نبيه صلى الله عليه وسلم علي عدم اهتمامه بالصحابي الأعمى ابن أم مكتوم، وأنزل في حقه قرآنا يتلى ، فقال الله تعالى : (عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10) كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ) (1) :(12) عبس ، قال الثوري : فكان النبي – صلى الله عليه وسلم – بعد ذلك إذا رأى ابن أم مكتوم يبسط له رداءه ويقول : ” مرحبا بمن عاتبني فيه ربي ” . ويقول : ” هل من حاجة ” ؟ واستخلفه صلى الله عليه وسلم على المدينة مرتين في غزوتين غزاهما ، وإبان فتح مكة جاء أبو بكر بأبيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوده قبل إسلامه ، فلما رآه رسول الله صلي الله عليه وسلم قال له: « هَلاَّ تَرَكْتَ الشَّيْخَ فِي بَيْتِهِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا آتِيهِ فِيهِ ». قَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ أَحَقُّ أَنْ يَمْشِىَ إِلَيْكَ مِنْ أَنْ تَمْشِىَ أَنْتَ إِلَيْهِ.قَالَ فَأَجْلَسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ مَسَحَ صَدْرَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ « أَسْلِمْ ». فَأَسْلَمَ ..) رواه احمد
ولما دخل المسجد أعرابي يتخطى الصفوف ورسول الله فوق المنبر يخطب في الناس، صاح الاعرابي قائلاً يا رسول الله :رجل لا يدري ما دينه! فعلمه دينه ، فقد روى مسلم في صحيحه : (قَالَ أَبُو رِفَاعَةَ انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يَخْطُبُ قَالَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ رَجُلٌ غَرِيبٌ جَاءَ يَسْأَلُ عَنْ دِينِهِ لاَ يَدْرِى مَا دِينُهُ – قَالَ – فَأَقْبَلَ عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَتَرَكَ خُطْبَتَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَىَّ فَأُتِىَ بِكُرْسِيٍّ حَسِبْتُ قَوَائِمَهُ حَدِيدًا – قَالَ – فَقَعَدَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَجَعَلَ يُعَلِّمُنِي مِمَّا عَلَّمَهُ اللَّهُ ثُمَّ أَتَى خُطْبَتَهُ فَأَتَمَّ آخِرَهَا). وكان صلي الله عليه وسلم ذلك دأبه مع الناس جميعاً الصغير والكبير، حتي مع الاطفال كان يسلم عليهم ويمازحهم ويقدرهم عليه الصلاة والسلام ويلقي السلام عليهم ، ففي سنن الترمذي : (عَنْ سَيَّارٍ قَالَ كُنْتُ أَمْشِى مَعَ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ فَمَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ ثَابِتٌ كُنْتُ مَعَ أَنَسٍ فَمَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ أَنَسٌ كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَمَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ). وفي الصحيحين واللفظ للبخاري: (عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا ، وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو عُمَيْرٍ – قَالَ أَحْسِبُهُ فَطِيمٌ – وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَالَ « يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ » . نُغَرٌ كَانَ يَلْعَبُ بِهِ)، والاهتمام بالأخرين والتودد إليهم وتقديرهم في المناسبات والمواقف التي تستدعي ذلك علي هذا النمط الاسلامي، لا تفقد الانسان كرامته إطلاقاً، بل تزيد من رفعته وهيبته شريطة أن يبتغي بها وجه الله، وليس تملقاً أو مداهنة لأجل هدف دنيوي زائل.
أيها المسلمون
إن الاهتمام بالآخرين حاجة نفسية وضرورة إنسانية ، تساعد الشخص على الشعور بالأمن والأمان، وتزيد الانسان من ثقته بنفسه ، وتعمق روابط الفرد مع الآخرين المحيطين به ، بينما يؤدي عدم الاهتمام بالآخرين، والبرود العاطفي ، إلى برودة المشاعر والجمود ، وعدم المبالاة بالآخرين ،مما ينعكس على الصحة النفسية لديهم ، وقد يؤدي إلى الأمراض النفسية والجنوح ، فالاهتمام يعني الحب، والحب هو الشكل الأساسي في الاهتمام ، وهو العطف والحنان ، ولا شك أن أكثر الأشخاص بحاجة إلى الاهتمام وبالتالي إلى الحب والعطف والانتباه هم الأطفال ، والحنان يشمل اللمسات الجسدية الهادئة، والكلمات الطيبة ،والابتسامات المعبرة، وهذا كله تساعد الطفل على النمو الانفعالي بشكل أفضل ،وتساعدهم على النمو السليم للصحة النفسية ،وحتى الكبار ، فالاهتمام والحب والعطف والحنان تساعدهم على الصحة النفسية السليمة ، الخالية من أي من جوانب السلبية والخلل ، وتجعلهم يتحصنون ضد مشاعر القنوط والحزن والخوف.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الاهتمام بالآخرين )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
والسؤال: ما هي مظاهر الاهتمام بالآخرين؟ والجواب : إن أولى مظاهر الاهتمام بالآخرين هو : الإصغاء لهم ، وسماع كلامهم بشكل أفضل ، وإسداء النصائح لهم بشكل سليم ، ولكن احذَر أنْ تُكثِر الاهتمام، فتقضي على مساحة الحرية التي لا يستغني عنها الآخرون، أو أن تُكثر الاهتمام مع شخص لا يُقدِّر ما تفعل، فيَستنفِد طاقتَكَ، فكن معتدلا في اهتمامك بالآخرين ، وتذكَّر أن المؤمن فَطِن، ويعلم كيف يتوازن ، كما يجب أن تعلم أن البعض قد لا يتوافقون معك، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان لديه من يكرهه ويعاديه أيضًا! فهل وجود من يُعاديك، معناه أنك سيئ؟ ، بالطبع لا؛ لكنه اختلاف الطباع، بل اختلاف المعادن ، فلا تحزن واطمئنَّ ما دمت تفعل ما يُرضي رب الناس عز وجل. اهتمَّ بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ، واترك أثرًا في كل قلب وكل مكان، تكُنْ ذَهَبًا يلمع، وكن مهتما بالآخرين، تجد لك في قلوبهم مكانا، وحبا واحتراما .
الدعاء