خطبة عن (المحن والابتلاءات كاشفة فاضحة)
نوفمبر 30, 2023خطبة عن السعي للعمل وحديث (لأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَحْتَطِبَ)
ديسمبر 5, 2023الخطبة الأولى ( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (47) ذَوَاتَا أَفْنَانٍ (48) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (49) فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ (50) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (51) فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ (52) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (53) مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (54) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (55) فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (56) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (57) كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ (58) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (59) هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (61) وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (63) مُدْهَامَّتَانِ (64) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (65) فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ (66) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (67) فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68)فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (69) فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (70) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (71) حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (73) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (74) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (75) مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ (76) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (77) تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) (46): (78) الرحمن
إخوة الإسلام
يقول الدكتور/ زغلول النجار: كنت اقرأ سورة الرحمن يوما ،فسمعني رجل كبير ،فسألني سؤالا، قال لي: الله تعالى يقول في سورة الرحمن الآية ٤٦ 🙁وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ) ويقول الله تعالى في الآية ٦٢ 🙁وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ) ،فهذا يعني أن هناك أربع جنان ،ينقسمان اثنين اثنين. فما الفرق بينهما ؟ فقلت : لا أعرف. قال : سوف أوضح لك. وهنا كانت المفاجأة، أن هناك فرقا شاسعا بين الجنتين، فقال: إن الجنتين الأفضل هما للمُتقي الذى يخاف ربه (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) – وهما (ذَوَاتَا أَفْنَانٍ) : أي تحتوي على شجر كثيف ،يتخلله الضوء، وهذا منظر بديع جميل ،يسر النفس والقلب… وأما الجنتان الأقل منهما فهما : (مُدْهَامَّتَانِ ) : أي تحتوي على شجر كثيف جدا ،ولكن لا يتخلله ضوء ،أي أن هناك ظلا كاملا، فالمنظر أقل جمالا.
والجنتان للمُتقي الذي يخاف ربه : (فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ) : وماء العيون الجارية هو أنقى ماء ،ولا يتعكر ،لأنه يجري … والجنتان الأقل منهما : (فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ): أي فوارتان، يعني ماء يفور ،ويخرج من العين ،لكنه لا يجري. وطبعا قد تتصف العينان اللتان تجريان أنها أيضا نضاختان وفوارتان، ولكن لا يجوز العكس .
والجنتان للمُتقي الذي يخاف ربه : (فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ)، أي فيهما نوعان من الفاكهة : رطب ، ويابس، لا ينقص هذا عن ذلك في الطيب والحسن… والجنتان الأقل منهما : (فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ): يعنى نوع واحد ، وهو في المتعة أقل .
والجنتان للمُتقي الذي يخاف ربه 🙁 مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ) ،فتخيل أن هذا وصف البطائن ،فما بالك بالظواهر ،وفي صحيح ابن حبان وسنن ابن ماحه : (أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ يَوْمٍ لأَصْحَابِهِ « أَلاَ مُشَمِّرٌ لِلْجَنَّةِ فَإِنَّ الْجَنَّةَ لاَ خَطَرَ لَهَا هِيَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ نُورٌ يَتَلأْلأُ وَرَيْحَانَةٌ تَهْتَزُّ وَقَصْرٌ مَشِيدٌ وَنَهَرٌ مُطَّرِدٌ وَفَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ نَضِيجَةٌ وَزَوْجَةٌ حَسْنَاءُ جَمِيلَةٌ وَحُلَلٌ كَثِيرَةٌ فِي مَقَامٍ أَبَدًا فِي حَبْرَةٍ وَنَضْرَةٍ فِي دَارٍ عَالِيَةٍ سَلِيمَةٍ بَهِيَّةٍ ». قَالُوا نَحْنُ الْمُشَمِّرُونَ لَهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « قُولُوا إِنْ شَاءَ اللَّهُ ». ثُمَّ ذَكَرَ الْجِهَادَ وَحَضَّ عَلَيْهِ.،
ففي الجنة الشجر يدنو للمؤمن وهو مضطجع، فيقطف منها جناها ، فتخيل العظمة : أن الشجر يأتي لمكانك وأنت مضطجع ،لتختار وتقطف من ثماره : أما الجنتان الأقل منهما : (مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ) وصف الظاهر فلا تعرف عن الباطن شيئا ، وهو أقل من وصف الباطن وترك الظاهر مبهما.
فصاحب الجنتين الأقل قد عمل أعمالا صالحة ،ولكنه في الخلوات أحيانا قد يعصى الله جل وعلا ،ظنا منه أن لا أحد من الناس يراه ،فلك أن تتخيل أن ذنوب الخلوات جعلت الفرق الشاسع بينهما في الجنة .. فانتبه أيها المسلم لخلواتك ،فسيئاتك في الخلا تنسف حسناتك في الملأ .. فقد أجمع العارفون بالله أن ذنوب الخلوات هي أصل الانتكاسات ،وأن عبادات الخفاء هي أصل الثبات : فكن من المتقين وحافظ على خلواتك،
أيها المسلمون
فالجنة درجاتها متفاوتة ،ومنازلها متباعدة ،ففي سنن الترمذي : (فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« فِي الْجَنَّةِ مِائَةُ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ مِائَةُ عَامٍ » ، وفيه أيضا : (عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَصَلَّى الصَّلَوَاتِ وَحَجَّ الْبَيْتَ لاَ أَدْرِى أَذَكَرَ الزَّكَاةَ أَمْ لاَ إِلاَّ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ إِنْ هَاجَرَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مَكَثَ بِأَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ بِهَا ». قَالَ مُعَاذٌ أَلاَ أُخْبِرُ بِهَذَا النَّاسَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « ذَرِ النَّاسَ يَعْمَلُونَ فَإِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَالْفِرْدَوْسُ أَعْلَى الْجَنَّةِ وَأَوْسَطُهَا وَفَوْقَ ذَلِكَ عَرْشُ الرَّحْمَنِ وَمِنْهَا تُفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ » ،وفيه : (عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « فِي الْجَنَّةِ مِائَةُ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَالْفِرْدَوْسُ أَعْلاَهَا دَرَجَةً وَمِنْهَا تُفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ الأَرْبَعَةُ وَمِنْ فَوْقِهَا يَكُونُ الْعَرْشُ فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ ». عَنْ أَبِى سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ لَوْ أَنَّ الْعَالَمِينَ اجْتَمَعُوا فِي إِحْدَاهُنَّ لَوَسِعَتْهُمْ ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فكن أخي من أصحاب الهمم العالية ،لتسبق الناس إلى الدرجات العالية ،في جنة قطوفها دانية ،وقصورها عالية ،يقول ابن القيم رحمه الله: (وهمة المؤمن دائما متعلقة بالآخرة)، فكل ما في الدنيا يحرك المؤمن إلى ذكر الآخرة؛ فالمؤمن إذا رأى ظلمةً تذكر ظلمة القبر، وإذا ذكر مؤلمًا تذكَّر العقاب، وإذا سمع صوتًا فظيعًا تذكر نفخة الصور، وإذا رأى الناس نيامًا تذكر الموتى في القبور، وإذا رأى لذةً ذكر الجنة؛ فهمَّتُه متعلقة بأحوال الآخرة، وأعظم ما عنده أن يتخيل دوام البقاء في الجنة، وأن مقامه فيها لا ينقطع ولا يزول ،ولا يعتريه منغِّصٌ، فإذا تخيل ذلك يطيش فرحًا، ويسهل عليه كل ما في هذه الدنيا من آلام ومآسٍ، ومرض وابتلاء، وفقدِ أحبابٍ، وهجوم الموت ومعالجة غُصَصِهِ؛ فالتائق إلى العافية لا يبالي بمرارة الدواء،
والجنة هي الجزاء العظيم ، والثواب الجزيل، الذي أعده الله لأوليائه وأهل طاعته، وهي نعيم كامل لا يشوبه نقص، ولا يعكر صفوه كَدَرٌ، وما حدثنا الله به عنها، وما أخبرنا به الرسول صلى الله عليه وسلم يحير العقل ويذهله؛ لأن تصور عظمة ذلك النعيم يعجز العقل عن إدراكه واستيعابه؛ ففي صحيح البخاري : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « قَالَ اللَّهُ أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ »،
فالجنة سلعة الله الغالية ،التي عرضها السماوات والأرض، وهي التي لا يفوز بها إلا المؤمنون الموحدون، الذين آمنوا بربهم، وعبدوه حق عبادته، ولم يشركوا في عبادته شيئًا، والذين عملوا صالحًا في حياتهم الدنيا، واستعدوا للقاء ربهم في الآخرة ،
الدعاء