خطبة عن أعمال الكافرين ( أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ )
أكتوبر 28, 2022خطبة عن الاعتدال والوسطية وحديث: ( صُمْ وَأَفْطِرْ ،وَقُمْ وَنَمْ )
أكتوبر 28, 2022الخطبة الأولى ( اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ مِنْهُ نَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام الترمذي في سننه بسند حسنه : (عَنْ أَبِى أُمَامَةَ قَالَ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِدُعَاءٍ كَثِيرٍ لَمْ نَحْفَظْ مِنْهُ شَيْئًا قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعَوْتَ بِدُعَاءٍ كَثِيرٍ لَمْ نَحْفَظْ مِنْهُ شَيْئًا. فَقَالَ « أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَجْمَعُ ذَلِكَ كُلَّهُ تَقُولُ اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ مِنْهُ نَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا اسْتَعَاذَ بِكَ مِنْهُ نَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ وَأَنْتَ الْمُسْتَعَانُ وَعَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ ».
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم إن شاء الله مع هذا الأدب النبوي ، والذي يعلمنا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعاء ، فقد كان النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يدعو الله – عز وجل – بأدعية كثيرة جامعة لخصال الخير كلها، بأسلوب بياني ساحر، يأخذ بمجامع القلوب المؤمنة، ويملك على السامعين مشاعرهم، ويسيطر على أحاسيسهم، فلا يسعهم إلا أن يجتهدوا في تحصيلها وحفظها، ليلهجوا بها خاشعين خاضعين ضارعين أسوة به – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لما عرفوا من أن الدعاء مخ العبادة، وترجمة صادقة عن العبودية الخالصة، ومظهر عميق الدلالة على كمال الافتقار إلى الواحد القهار ، وقد كان أبو أمامة – رضي الله عنه – يتتبع دعاء النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – هو ومن معه من خيرة أصحابه – بكل إنصات وإعجاب، ليحفظوه، فلم يستطيعوا ذلك لكثرته، وعرف النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ذلك في وجوههم بنور بصيرته، وقوة فطنته، فعرض عليهم أن يعلمهم دعاء موجزاً بليغاً، فقال – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – “أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَجْمَعُ ذَلِكَ كُلَّهُ؟”، أي ألا أدلكم على دعاء جامع لما قد سمعتموه مني على كثرته وطوله، ليكون لكم زخراً، تجدون له حلاوة في قلوبكم، وتشعرون بخفته على ألسنتكم، فتشوفت قلوبهم لهذا العرض الذي طالما تمناه هؤلاء الأخيار، فقال: تقول “اللَّهُمَّ إِنّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ مِنْهُ نَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –” إلى آخر الحديث ، فقوله صلى الله عليه وسلم : (اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ مِنْهُ نَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ): فيه تفضيل لاختيار الرسول على اختيار الداعي، لكمال نصحه، وحرصه على المؤمنين من أنفسهم، وهذا الدعاء الجليل، يتضمن كل ما فات الإنسان من أدعية عن النبي صلى الله عليه وسلم التي لم تبلغه أو لم يسمع بها، فهو يسأل كل ما سأله النبي صلى الله عليه وسلم بأوجز لفظ، وبأشمل معنى ، قوله: (وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا اسْتَعَاذَ بِكَ مِنْهُ نَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ ) ، فيدخل فيه كل شر ما استعاذ منه الرسول صلى الله عليه وسلم ، فهذا الدعاء من أجمع الأدعية ، إن لم يكن أجمعها ، فإن فيه سؤال كل خير ، والاستعاذة من كل شر ، ثم النص على سؤال أفضل الخير ، وهو الجنة والأعمال الصالحة المقربة إليها ، والاستعاذة من أعظم الشر ، وهو النار والمعاصي المقربة إليها ، قال المناوي في “فيض القدير” : “قال الحليمي : هذا من جوامع الكلم التي استحب الشارع الدعاء بها ، لأنه إذا دعا بهذا فقد سأل الله من كل خير ، وتعوذ به من كل شر ، ولو اقتصر الداعي على طلب حسنة بعينها أو دفع سيئة بعينها كان قد قَصَّر في النظر لنفسه”، فهذا الدعاء يكفي عن غيره ، وإذا أكثر المسلم من الدعاء به كان على خير عظيم ، ولا حرج على المسلم أن يقتصر عليه، إذا لم يقدر على غيره من الأدعية الجوامع ، وشق عليه حفظها ، وأما مع القدرة ، فلا شك أن الأفضل له أن يحفظ ما قد علمه من أدعية النبي صلى الله عليه وسلم الجوامع ، وينوع بينها قدر ما يستطيع ، ويدعو لنفسه ـ أيضا ـ بما شاء ، من خير الدنيا والآخرة .
أيها المسلمون
لقد كان الدعاء دين الأنبياء، فهم من أكثر الناس تضرعاً إلى الله – تبارك وتعالى، وأعظمهم في ذلك أفضلهم وأتقاهم وخاتمهم رسول الله محمد – صلوات الله عليه وعليهم جميعاً ، وقد نهج نهجهم في ذلك أولياء الله الصالحون من كل أمة، وكان أسبقهم إلى الخيرات، وخالص الدعوات أصحاب محمد – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ثم التابعون لهم بإحسان إلى يوم الدين ، وذلك لأن الدعاء مخ العبادة، بل هو روحها وريحانها وعمدتها وسلطانها ، ومما لا شك فيه أن الدعاء بالوارد عن رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أولى وأفضل، وأقرب إلى القبول، وأعظم للأجر، وإلا فلماذا حرص أصحاب النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – على أن يحفظوا كل ما دعا به الصادق المصدوق – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –.فعلى المسلم أن يتخير منه ما يسهل عليه حفظه، ويخف على لسانه النطق به، ويجد له في قلبه حلاوة، ويكون أصدق تعبيراً على ما يرجوه من ربه عز وجل ، وعلى المعلم أن يتعرف حال من يتلقى منه العلم، فيخاطبه على قدر عقله ووعيه، ويعلمه ما هو في حاجة إليه بأسلوب لا يشق عليه فهمه، ولا يصعب عليه تعليمه ، وليس هناك من يداني رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – في ذكائه وفطنته وحكمته وبصيرته، فهو – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – حكيم تفجرت من ينابيعه الحكمة، بل هو الحكمة نفسها – كما ذكرنا في مقدمة هذا الكتاب -، فهو ذكر ترجم الذكر بخلقه الفاضل، وسلوكه النبيل، فقد عمل بالقرآن حتى تقرأن فبدا للناس قرآناً تراه أعينهم، كما تسمعه آذانهم ، وإذا سأل العبد ربه من الخير يجدر به أن يستعيذ به من الشر، وبذلك يكون قد سأل الله الخير مرتين؛ لأن دفع الشر هو جلب للخير، ومصالح العباد كلها مبنية على جلب المنفعة الدنيوية والأخروية. وقد ختم هذا الدعاء بما يرفعه إلى الله – عز وجل – وهو قول الداعي: “وَأَنْتَ الْمُسْتَعَانُ، وَعَلَيْكَ الْبَلَاغُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ”. وقد تضمن هذا الختام براهين صحة الإيمان وسلامة اليقين كلها. فهو المستعان الذي يستمد منه العون والتوفيق في جميع الأمور، فقول العبد في آخر دعائه: “وَأَنْتَ الْمُسْتَعَانُ” وقوف به على آخر مراتب الإيمان، وذلك لأن جميع مقامات الصالحين ومنازلهم من القرب منحصرة بين قوله تعالى: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } الفاتحة 5،، فمن { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } يكون البدء، وإلى : { وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } يكون القرب إلى ساحات الجلال والجمال والكمال. وأما قوله: “وَعَلَيْكَ الْبَلَاغُ” فمعناه: عليك تحقيق الآمال تفضلاً منك علينا ورحمة بنا. وقوله: “وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ” فمعناه لا يتحول حال عن حال إلا بإرادة الله النافذة، وقدرته المنفذة، وهي تعبير صادق عن التسليم الكامل لله – عز وجل – بكل ما يقدره ويقضي به.
أيها المسلمون
وللدعاء آداب ينبغي مراعاتها ، وهذه الآداب كثيرة نكتفي هنا بذكر أهمها : الأدب الأول: أن يدعو العبد بقلبه ولسانه معاً بإخلاص ورجاء صادق، فِإِنّ الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى. كما جاء في الحديث الصحيح المشهور عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الأدب الثاني: أن يكون الداعي موقناً بالإجابة، فإن ذلك يجعل دعاءه مقبولاً، يؤجر عليه، وإن لم يجب فيه، فالإجابة أمر يتوقف على إرادته وحكمته جل شأنه، فقد روى الترمذي في سننه والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: “ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ”.
الأدب الثالث: أن يقدم بين يدي دعائه شيئا من الحمد والثناء ، ففي سنن الترمذي : (عن فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ يَقُولُ سَمِعَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلاً يَدْعُو فِي صَلاَتِهِ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « عَجِلَ هَذَا ». ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ « إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ثُمَّ لِيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- ثُمَّ لِيَدْعُ بَعْدُ بِمَا شَاءَ »
الأدب الرابع : ألا يتعجل الإجابة، بل يكل الأمر لخالقه عز وجل ، فقد يكون في تأخير الإجابة خير له، وقد يكون عدم الإجابة أيضاً خيراً له؛ فالإنسان قد يدعو على نفسه، وهو يعتقد أنه يدعو لها. يقول الله عز وجل { وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا } (الإسراء: 11). وقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: “يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، فَيَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي”.
الأدب الخامس : ألا يكون في دعائه إثم أو قطيعة رحم؛ فإن ذلك عدوان يمنع قبول الدعاء، والمسلم بطبعه محب للخير لا يدعو على أحد بما يؤذيه، أو يطغيه، بل يدعو لكل الناس بالهداية والتوفيق، ويثق بأن الله لن يخلف وعده معه في قوله: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } (البقرة: 186).
الأدب السادس: أن يتخير المسلم لدعائه الأوقات التي يغلب على ظنه أن الدعاء يستجاب فيها، والتي وردت في فضلها نصوص شرعية كيوم عرفة وشهر رمضان، ويوم الجمعة، ووقت السحر، والوقت الذي بين الأذان والإقامة، وفي السجود، وعقب الصلوات المفروضة وغيرها، ويغتنم وجوده في الأماكن المفضلة كالمسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى، وسائر المساجد الأخرى.
الأدب السابع: أن يستقبل القبلة في دعائه، ويرفع يديه إلى أعلى، وكفاه مبسوطتان، ولا يرفع صوته جداً بالدعاء مما يجعله بين المخافتة والرفع. وأن لا يتكلف السجع في الدعاء،
الأدب الثامن: أن يلح في الدعاء ويكرره ثلاثاً، فقد روى مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كَانَ إِذَا دَعَا دَعَا ثَلاَثًا. وَإِذَا سَأَلَ سَأَلَ ثَلاَثًا )
الدعاء