خطبة عن (نَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ)
مايو 4, 2023خطبة حول دلائل القدرة (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ)
مايو 6, 2023الخطبة الأولى ( مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الامام مسلم في صحيحه : (عن سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ ». وفيه أيضا : (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ طَلَبَ الشَّهَادَةَ صَادِقًا أُعْطِيَهَا وَلَوْ لَمْ تُصِبْهُ ».
إخوة الإسلام
لقاؤنا اليوم – إن شاء الله- مع هذا الأدب النبوي الكريم ، والذي يحثنا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم على نيل الشهادة في سبيل الله ،وطلبها بصدق ونية ،وأن العبد المؤمن يثاب على نيته ،ويعطى بالنية الصادقة أجر وثواب ومنزلة من قام بالعمل ،وقوله صلى الله عليه وسلم 🙁مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ) أي : طلب من الله أن يقبضه شهيدًا في سبيله، وذلك لفضل الشهادة وأجرها العظيم، وليغفر له عند أول دفعة من دمه، وليرى مقعده من الجنة، وليأمن الفتان، وليأمن فتنة القبر، وليكون من الذين عند ربهم يرزقون، أحياء فرحين بما آتاهم الله من فضله، وأرواحهم في حواصل طير خضر تسرح في الجنة، وتأوي إلى قناديل معلقة في العرش، ويطلع عليهم ربهم ، وأيضا استجابة لقول الله تعالى :(فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء) [النساء: 69].، وأما قوله صلى الله عليه وسلم 🙁بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ) ،فذلك مجازاة له على طلبه الذي كان صادقًا فيه، فكل من سأل الله الشهادة بصدق ،أعطي من ثواب الشهداء، وقوله صلى الله عليه وسلم 🙁وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ) ،أي : وإن لقي الله تعالى على فراشه ، لأن المجاهد في سبيل الله ، والذي نوى الجهاد في سبيل الله ،كلاً منهما نوى خيرًا ،وفعل ما يقدر عليه، فاستويا في أصل الأجر، ولا يلزم من استوائهما فيه من هذه الجهة استواؤهما في كيفيته وتفاصيله، فلو أن شخصا سأل الله تعالى الشهادة صادقًا ،ولم يقدر له أن يدخل في معركة ،ويموت أو يقتل في سبيل الله، فمات على فراشه، فهو يستوي مع من قاتل في سبيل الله ،وقتل لتكون كلمة الله هي العليا في أصل الأجر، ولا يستويان في المضاعفات ،فيبقى لمن عانى ألم القتل ميزة، ويبقى لمن أريق دمه حقيقية ميزة، إذ الأجر على حسب العمل، ونيته، ويزيد العامل بعمله على الناوي على مجرد النية، فمثلا : من نوى الحج صادقًا ،ولا مال له يحج به ،يؤجر ،ولكن من باشر الحج ،وذهب ،وتعب ،وطاف وسعى، ونقل الأقدام، ووقف ورمى، ورأى المشاعر، وصار في الشمس والغبار والزحام والمشقة، ليس مثل من نوى فقط، فإن استويا في أصل الأجر، فلا يستويان ضرورة في التفاصيل، وبقية المزايا، كالمضاعفة، نعم هو يثاب ، ولكن هناك ثواب دون ثواب من باشر العمل الأول ، ففي فيض القدير قال : “من ثواب الشهادة: تزيد كيفيته وصفاته على الحاصل للناوي الميت على فراشه، وإن بلغ منزلة الشهيد، فهما وإن استويا في الأجر، لكن الأعمال التي قام بها العامل تقتضي أثرًا زائدًا، وقربًا خاصًا، وهو فضل الله يؤتيه من يشاء”
أيها المسلمون
وهذا الحديث الذي بين أيدينا اليوم : فيه بيان لفضل الله تعالى على عباده، وأنه تعالى يعظم أجرهم، ويضاعف ثوابهم، وأن من عرف الله صدقه وإخلاصه، وماذا تبلغ نوياه، فإنه عز وجل لا يضيع أجر هذا، ومن هنا نعرف أهمية أعمال القلوب، وهذا الحديث فيه بيان لقاعدة الشريعة العظيمة، وهي : “أن العزم التام إذا اقترن به ما يمكن من الفعل، أو مقدمات الفعل، نُزل صاحبه في الثواب والعقاب منزلة الفاعل التام” ،فمن كان يجاهد في سبيل الله صادقا محتسبا ،ويشارك في قتال الأعداء ،ويرجو مِن الله أن يكتب له الشهادة ، ولكن مع ذلك لم ينلها حقيقة ، فمثله يكتب الله له أجر الشهيد كاملا غير منقوص ، وكذا من اتخذ الأسباب التي يملكها لنيل الشهادة ، وسعى للمشاركة في الجهاد في سبيل الله، وسبق ذلك عزيمةٌ صادقةٌ ، وسأل الله بإخلاص أن يكتب له هذه المرتبة ،غير أنه حيل بينه وبين المشاركة الفعلية في الجهاد : فهذا يكتب الله له أجر الشهيد ، ويعطيه مِن سعة فضله سبحانه ما يبلغ به أجر الشهداء ، وأما من نوى الجهاد في سبيل الله نية مجردة عن اتخاذ الأسباب والسعي التام لنيل الشهادة، فهذا له أجر نيته فقط ، وليس له أجر الشهيد الذي قُتل في المعركة ، وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( َمَنْ سَأَلَ اللَّهَ الْقَتْلَ مِنْ نَفْسِهِ صَادِقًا ثُمَّ مَاتَ أَوْ قُتِلَ فَإِنَّ لَهُ أَجْرَ شَهِيدٍ ) رواه أبو داود وغيره ، يقول ابن القيم رحمه الله :” بل هذا النوع منقسم إلى : الأول : معذور من أهل الجهاد ، غلبه عذره ، وأقعده عنه ، ونيته جازمة لم يتخلف عنها مقدورها ، وإنما أقعده العجز ، فهذا الذي تقتضيه أدلة الشرع أن له مثل أجر المجاهد ، وهذا القسم لا يتناوله الحكم بنفي التسوية ،وهذا لأن قاعدة الشريعة أن العزم التام إذا اقترن به ما يمكن من الفعل أو مقدمات الفعل نزل صاحبه في الثواب والعقاب منزلة الفاعل التام ، كما دل عليه قوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « إِذَا تَوَاجَهَ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَكِلاَهُمَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ » . قِيلَ فَهَذَا الْقَاتِلُ ، فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ قَالَ « إِنَّهُ أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ »، وفي الترمذي ومسند الإمام أحمد من حديث أبى كبشة الأنماري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (« إِنَّمَا الدُّنْيَا لأَرْبَعَةِ نَفَرٍ عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالاً وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِى فِيهِ رَبَّهُ وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالاً فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالاً لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلاَنٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالاً وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لاَ يَتَّقِى فِيهِ رَبَّهُ وَلاَ يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَلاَ يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالاً وَلاَ عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالاً لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلاَنٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ ».،فأخبر صلى الله عليه وسلم أن وزر الفاعل والناوي الذي ليس مقدوره إلا بقوله دون فعله سواءٌ ؛لأنه أتى بالنية ومقدورِه التام ،وكذلك أجر الفاعل والناوي الذي اقترن قوله بنيته، وكذلك المقتول الذي سل السيف وأراد به قتل أخيه المسلم فقتل ،نزل منزلة القاتل لنيته التامة التي اقترن بها مقدورها من السعي والحركة ، ومثل هذا قوله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم: (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ ».ومثل هذا من كان له وِردٌ يُصَلِّيه من الليل فنام ، ومن نيته أن يقوم إليه فغلب عينه نوم كتب له أجر ورده ، وكان نومه عليه صدقة ، ومثله المريض والمسافر إذا كان له عمل يعمله فشغل عنه بالمرض والسفر كتب له مثل عمله وهو صحيح مقيم ،القسم الثاني : هو المعذور الذي ليس من نيته الجهاد ، ولا هو عازم عليه عزماً تاماً ، فهذا لا يستوي هو والمجاهد في سبيل الله ، بل قد فضَّل الله المجاهدين عليه وإن كان معذوراً ؛ لأنه لا نية له تلحقه بالفاعل التام كنية أصحاب القسم الأول ” طريق الهجرتين “
أيها المسلمون
فالشهادة في سبيل الله منزلة رفيعة عالية من منازل أهل الجنة، وقد أخبر الله تعالى عن جزائهم بقوله: (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة: 111]،فهذا بيع للنفوس والمُهج لله -تبارك وتعالى، وذلك أعظم البيع؛ لأن أغلى ما يملكه الإنسان هو مهجته ونفسه يفديها بماله وبكل ما يستطيع، فإذا قدمها في سبيل نصرة دينه كان ذلك من أعظم البرهان على صدق دعوى الإيمان، ولهذا قيل لها: شهادة، أي : شهادة على صحة دعوى الإيمان ، أنْ قدم نفسه رخيصة في سبيل دينه، وهذا الأمر لا شك أنه يدل على سمو الهمة وعلوها، ويدل على صدق الإيمان، والإنسان من لطف الله به أنه إذا طلب الشهادة ،فالله تعالى يبلغه تلك المرتبة وإن لم ينل الشهادة حقيقة في الدنيا؛ وذلك لأن الآجال مكتوبة، والله قد قدر مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء، فالإنسان إذا كتب له أن يموت في مكان لابدّ أن يبلغه، وأن يموت فيه لا محالة، وإذا كتب له أن يموت على فراشه فلو أنه ركب الأسنة، ولو أنه ناطح الجيوش بمفرده، لا يمكن أن يموت إلا كما كتب الله -عز وجل- له أن يموت، ومن المعلوم أن للشهادة أنواعا كثيرة ، ومنها : الشهادة بأحكام الله عز وجل على عباد الله، وهذه شهادة العلماء التي قال الله فيها: ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ ﴾ [آل عمران: 18].فقد ذهب كثير من العلماء في تفسير قوله: ﴿ وَالشُّهَدَاءِ ﴾ إلى أنهم العلماء ، ولا شك أن العلماء شهداء، فيشهدون بأن الله تعالى أرسل رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق، ويشهدون على الأمة بأنها بلغت شريعة الله، ويشهدون في أحكام الله: هذا حلال، وهذا حرام، وهذا واجب، وهذا مستحب، وهذا مكروه، ولا يعرف هذا إلا أهل العلم؛ لذلك كانوا شهداء ، ومن الشهداء أيضًا: من يصاب بالطعن والبطن والحرق والغرق، ومن الشهداء: الذين يقتلون دون أموالهم ودون أنفسهم؛ كما قال النبي عليه الصلاة والسلام حينما سأله رجل وقال: أرأيت يا رسول الله إن جاءني رجل يطلب مالي؟ أي: عنوة، قال: «لَا تُعْطِهِ مَالَكَ»، قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: «قَاتِلْهُ»، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: «هُوَ فِي النَّارِ»؛ لأنه معتد ظالم، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: «فَأَنْتَ شَهِيدٌ»، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: «هُوَ فِي النَّارِ». وقال النبي عليه الصلاة والسلام: «مَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ».،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ) الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن الشهداء أيضًا: من قُتِل ظلمًا، كأن يعتدي عليه إنسان فيقتله غيلة، ظلمًا؛ فهذا شهيد.، ومن الشهداء: الذين قتلوا في سبيل الله : فأعلى الشهداء هم الذين يُقتلون في سبيل الله؛ كما قال تعالى: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران 169- 171]؛ فهؤلاء الشهداء في الآية هم الذين قاتلوا لتكون كلمة الله هي العليا، فما قاتَلوا لحظوظ أنفسهم، وما قاتلوا لأموالهم؛ وإنما قاتَلوا لتكون كلمة الله هي العليا؛ كما قال لك النبي عليه الصلاة والسلام حين سئل عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حَميَّة، ويقاتل ليُرى مكانه، أيُّ ذلك في سبيل الله؟ قال: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ». فهذا الميزان ميزان عدلٍ، لا يخيس ميزان وضعه النبي صلى الله عليه وسلم يزن الإنسان به عمله. فمن قاتل لهذه الكلمة، فهو في سبيل الله، إن قُتِلت فأنت شهيد، وإن غنمت فأنت سعيد؛ فهذا الذي يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا هو الشهيد، فإذا سال الإنسان ربه، وقال: اللهم إني أسألك الشهادة في سبيلك – ولا تكون الشهادة إلا بالقتال؛ لتكون كلمة الله هي العليا – فإن الله تعالى إذا علم منه صدق القول والنية أنزله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه ،وقد أخرج البخاري في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:« إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ ، كُلُّ دَرَجَتَيْنِ مَا بَيْنَهُمَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ) ،وفي مسند أحمد 🙁عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لَمَّا أُصِيبَ إِخْوَانُكُمْ بِأُحُدٍ جَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَرْوَاحَهُمْ فِي أَجَوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَرِدُ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا وَتَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ فَلَمَّا وَجَدُوا طِيبَ مَشَْربِهِمْ وَمَأْكَلِهِمْ وَحُسْنَ مُنْقَلَبِهِمْ قَالُوا يَا لَيْتَ إِخْوَانَنَا يَعْلَمُونَ بِمَا صَنَعَ اللَّهُ لَنَا لِئَلاَّ يَزْهَدُوا فِي الْجِهَادِ وَلاَ يَنْكُلُوا عَنِ الْحَرْبِ. فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَا أُبَلِّغُهُمْ عَنْكُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَؤُلاَءِ الآيَاتِ عَلَى رَسُولِهِ (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ ).،وفي سنن الترمذي 🙁عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِيكَرِبَ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَيَأْمَنُ مِنَ الْفَزَعِ الأَكْبَرِ وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ الْيَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الْحُورِ الْعِينِ وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ »،وفي مصنف عبد الرزاق: أن عمر بن الخطاب قال: اللهم إني أسالك شهادة في سبيلك، في مدينة رسولك صلى الله عليه وسلم ـ ورزق الشهادة بصدق نيته ، وفي الحديث: أن تمني الشهادة، وسؤال الله الشهادة، مرغب فيه شرعًا مطلوب ،وفيه: أهمية إخلاص القلب لقوله: بصدق يعني بإخلاص وحسن ظن ،وفيه: الحثُّ على عملِ الخيرِ عمومًا وأنْ يَنوِيَه، وسُؤالِ الشَّهادةِ خصوصًا ،وفيه: أنَّ مَن نوى خَيرًا وحال بينه وبين فِعلِه حائلٌ، فإنَّه يُكتبُ له أَجرُه .
الدعاء