خطبة عن قوله تعالى ( لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ )
يناير 10, 2023خطبة عن (ما يغضب رسول الله )
يناير 12, 2023الخطبة الأولى ( أَمِيطِي عَنَّا قِرَامَكِ هَذَا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام البخاري في صحيحه: (عَنْ أَنَسٍ كَانَ قِرَامٌ لِعَائِشَةَ سَتَرَتْ بِهِ جَانِبَ بَيْتِهَا فَقَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – «أَمِيطِي عَنَّا قِرَامَكِ هَذَا، فَإِنَّهُ لاَ تَزَالُ تَصَاوِيرُهُ تَعْرِضُ في صَلاَتِي»
إخوة الإسلام
للصلاة في الاسلام شأن كبير، إذ هي عماد الدين، وبها صلاح العمل، وعليها وبها النجاة، فإذا صلحت صلح سائر العمل، ففي سنن النسائي: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَلاَتُهُ فَإِنْ وُجِدَتْ تَامَّةً كُتِبَتْ تَامَّةً وَإِنْ كَانَ انْتَقَصَ مِنْهَا شَيْءٌ قَالَ انْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ لَهُ مِنْ تَطَوُّعٍ يُكَمِّلُ لَهُ مَا ضَيَّعَ مِنْ فَرِيضَةٍ مِنْ تَطَوُّعِهِ ثُمَّ سَائِرُ الأَعْمَالِ تَجْرِى عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ»، والصَّلاةُ عِبادةٌ رُوحيَّةٌ، وفيها يَقِفُ العبدُ بينَ يَدَيْ ربِّه سبحانه وتعالى، ويَلزَمُ فيها الخُشوعُ والتدبُّرَ، ويَنبَغي ألَّا يَكونَ للشَّيطانِ فيها نَصيبٌ ولا مَدخَلٌ، وقد علَّمَنا النبيُّ الكريمُ صلى الله عليه وسلم الهَيْئاتِ المنهيَّ عنها في الصَّلاةِ، كما علَّمَنا كَيفيَّةَ تَجويدِها، ونَهى عن كلِّ ما يَشغَلُ المصَلِّيَ في صَلاتِه، لأن الخشوع في الصلاة من أهم ثمراتها، قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ [المؤمنون: 1، 2]، وكان النبي صلى الله عليه وسلم مِن أكثرِ الناسِ خشوعًا في الصلاة؛ ففي سنن أبي داود: (عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّى وَفِى صَدْرِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الرَّحَى مِنَ الْبُكَاءِ -صلى الله عليه وسلم-).ومن علامات الخشوع في الصلاة: أن يتفاعل المصلّي مع ما يقرؤه ويتلوه ويؤدّيه في الصلاة، فيشعر أنه في صلة مع الله -عز وجل- أثناء صلاته، وبخشوع القلب يتحقّق خشوع الأعضاء والجوارح؛ إذ إنّها تتبع القلب، فالخشوع خشوعان: خشوع قلب، وخشوع جوارح، فخشوع القلب أن يستحضر رقابة الله عز وجل ويستحضر عظمته، ويتدبر معاني القرآن، ويتدبر ما يتلوه من آيات أو ما يسمعه، وما يذكره من أذكار، وخشوع الجوارح مكمل لخشوع القلب، وهو مظهر له، فلا يتلفت في الصلاة التفات الثعلب، ولا يعبث عبث الأطفال، ولا يتحرك حركات كثيرة تخل بالخشوع، وتذهب بروح الصلاة، وإنما ينبغي أن يقف المصلي وقورًا بين يدي الله عز وجل، وقد سئل حاتم الأصم: كيف يؤدي صلاته فقال : ” أكبر تكبيرًا بتحقيق، وأقرأ قراءة بترتيل، وأركع ركوعًا بتخشع، وأسجد سجودًا بتذلل، وأعتبر الجنة عن يميني، والنار عن شمالي، والصراط تحت قدمي، والكعبة بين حاجبي، وملك الموت على رأسي، وذنوبي محيطة بي، وعين الله ناظرة إليّ، وأعتدها آخر صلاة في عمري، وأتبعها الإخلاص ما استطعت، ثم أسلم، ولا أدري أيقبلها الله منّي أم يقول: اضربوا بها وجه من صلاها “. والخشوع في الصلاة درجة عالية قد يحتاج الصعود إليها لبعض الوقت ولكثير من المجاهدة، وفي هذا الإطار يفهم ما قاله قائل السلف: صليت لله عشرين سنة ثم تلذذت بالصلاة عشرين سنة، وجاء في صحيح مسلم حديث يدل على أن عدم الخشوع في الصلاة هو من كيد الشيطان ففي صحيح مسلم: (أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلاَتِي وَقِرَاءَتِي يَلْبِسُهَا عَلَىَّ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خِنْزِبٌ فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْهُ وَاتْفِلْ عَلَى يَسَارِكَ ثَلاَثًا ». قَالَ فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ عَنِّي).
أيها المسلمون
ومما يعين المسلم على الخشوع في صلاته: أن يُهَيِّئ المصلِّي نفسَه، فلا يُصلِّي وهو حاقِنٌ، ولا بحضْرة طعامٍ، ففي صحيح مسلم: (أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « لاَ صَلاَةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ وَلاَ وَهُوَ يُدَافِعُهُ الأَخْبَثَانِ»، وأن يُزيل المصلي كلَّ ما يَشغله في صلاته منَ الزخارف والصوَر ونحوها؛ ففي صحيح مسلم: (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّى فِي خَمِيصَةٍ ذَاتِ أَعْلاَمٍ فَنَظَرَ إِلَى عَلَمِهَا فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ قَالَ «اذْهَبُوا بِهَذِهِ الْخَمِيصَةِ إِلَى أَبِي جَهْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ وَائْتُونِي بِأَنْبِجَانِيِّهِ فَإِنَّهَا أَلْهَتْنِي آنِفًا فِي صَلاَتِي»،
وفي هذا الحديثِ الذي بين أيدينا اليوم يَروي أنسُ بنُ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه كان لعائشةَ رَضيَ اللهُ عنها قِرامٌ، وهو سِتْرٌ رقيقٌ مِن صُوَرٍ ذو ألوانٍ ونُقوشٍ، سترَتْ به جانبَ بَيتِها، فأمَرَها النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ تُزيلَ هذا السِّترَ؛ لأنَّ تَصاويرَه تَلوحُ له في صَلاتِه فتَشغَلُه عن الخُشوعِ فيها. وفي روايةِ مسلمٍ قالتْ عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها: «فقَطَعْناهُ فجَعَلْنا منه وِسادةً أو وِسادتَينِ »؛ لِيَجلِسَ عليها النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فتَكونَ في وضعٍ مُمتهَنٍ، لا وضع تعظيمٍ. وفي صحيح مسلم: (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ دَخَلَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عَلَىَّ وَقَدْ سَتَرْتُ نَمَطًا فِيهِ تَصَاوِيرُ فَنَحَّاهُ فَاتَّخَذْتُ مِنْهُ وِسَادَتَيْنِ) . وفيه أيضا: (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ لَنَا سِتْرٌ فِيهِ تِمْثَالُ طَائِرٍ وَكَانَ الدَّاخِلُ إِذَا دَخَلَ اسْتَقْبَلَهُ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « حَوِّلِي هَذَا فَإِنِّي كُلَّمَا دَخَلْتُ فَرَأَيْتُهُ ذَكَرْتُ الدُّنْيَا». قَالَتْ وَكَانَتْ لَنَا قَطِيفَةٌ كُنَّا نَقُولُ عَلَمُهَا حَرِيرٌ فَكُنَّا نَلْبَسُهَا).
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( أَمِيطِي عَنَّا قِرَامَكِ هَذَا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن الملاحظ أننا نرى في مساجنا ما يشغل المصلين في صلاتهم، ولا شك أن هذا العمل مخالف للسنة، لأنه يشوش على المصلين، ويكون سببا في التفات النظر والفكر حال الصلاة، وانصرافهم عن الإقبال على الله، وذهاب الخشوع، ويذهب هيبة المسجد، ويخرج المسجد عن حالته التي ينبغي أن يكون عليها: من خلوه من الكتابات والزخرفة والزينة، ولذلك ورد في السنة النهي عن زخرفة المساجد وتزيينها كما في سنن أبي داود: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَا أُمِرْتُ بِتَشْيِيدِ الْمَسَاجِدِ». وفي صحيح البخاري: (قَالَ أَبُو سَعِيدٍ كَانَ سَقْفُ الْمَسْجِدِ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ. وَأَمَرَ عُمَرُ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَقَالَ أَكِنَّ النَّاسَ مِنَ الْمَطَرِ، وَإِيَّاكَ أَنْ تُحَمِّرَ أَوْ تُصَفِّرَ، فَتَفْتِنَ النَّاسَ. وَقَالَ أَنَسٌ يَتَبَاهَوْنَ بِهَا، ثُمَّ لاَ يَعْمُرُونَهَا إِلاَّ قَلِيلاً. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَتُزَخْرِفُنَّهَا كَمَا زَخْرَفَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى). فكل هذه النصوص تدل على النهي عن وضع كل ما يشغل المصلي ويشوش عليه، سواء كان من الكتابة أو الزينة أو الصور وغيره. وقد كره السلف فعل ذلك وأمروا بتجريد القبلة من كل شيء قال ابن رشد: (كان مالك يكره أن يكتب في القبلة في المسجد شيء من القرآن أو التزاويق ويقول: إن ذلك يشغل المصلي)، كما نهى عن ذلك أهل العلم، قال العلامة محمد بن إبراهيم: (لا يجوز أن يكتب في قبلة المصلين شيء يشغلهم ويشوش عليهم لأن المصلي مأمور بالخشوع وإذا علق في قبلته نقوش أو تصاوير أو كتابة أي شيء أنشغل باله فيها وألهته عن صلاته).
الدعاء