خطبة عن حديث ( أَتَدْرُونَ مَا الْكَوْثَرُ؟ )
فبراير 19, 2022خطبة عن إيثار الدنيا على الآخرة (الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ)
فبراير 26, 2022الخطبة الأولى ( أَهْلُ الْجَنَّةِ جُرْدٌ مُرْدٌ كُحْلٌ لاَ يَفْنَى شَبَابُهُمْ وَلاَ تَبْلَى ثِيَابُهُمْ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام الترمذي في سننه بسند حسنه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَهْلُ الْجَنَّةِ جُرْدٌ مُرْدٌ كُحْلٌ لاَ يَفْنَى شَبَابُهُمْ وَلاَ تَبْلَى ثِيَابُهُمْ »، (وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمْ الْجَنَّةُ } قَالَ نُودُوا صِحُّوا فَلَا تَسْقَمُوا وَانْعَمُوا فَلَا تَبْؤُسُوا وَشِبُّوا فَلَا تَهْرَمُوا وَاخْلُدُوا فَلَا تَمُوتُوا) رواه الدارمي. وفيه أيضا : (عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عُقْبَةَ الْمُحَلِّمِيِّ قَالَ سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَيُعْطَى قُوَّةَ مِائَةِ رَجُلٍ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ وَالشَّهْوَةِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ إِنَّ الَّذِي يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ تَكُونُ مِنْهُ الْحَاجَةُ قَالَ يَفِيضُ مِنْ جِلْدِهِ عَرَقٌ فَإِذَا بَطْنُهُ قَدْ ضَمَرَ.
إخوة الإسلام
لقد وعَدَ اللهُ سُبحَانَه أهْلَ الإيمانِ والتَّقوى بالجَنَّة وبالنَّعيمِ المُقيمِ فيها، وقد أخْبَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن بَعضِ أوصافِ أهْلِ الجَنَّة كما يَروي أبو هُريرةَ ؛ حيث قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «أَهْلُ الجَنَّةِ جُرْدٌ»، جَمعُ أَجْرَد، وهو مَن لا شَعرَ على بَدنِه، «مُرْدٌ»، جَمعُ أَمْرَد وهو مَن لا لِحْيةَ له، والمرادُ: جُردٌ من الشَّعرِ القَبيحِ، ما عدا شَعر الحَواجِبِ ونَحوها؛ فَإنَّه فيه جَمالٌ، «كُحْلٌ»، جَمعُ أَكْحَل وهو الذي على جُفونِه سَوادٌ خِلْقي طَبيعي، «لا يَفْنى شَبابُهم»، أي: لا يُصيبُهم الهَرَمُ ولا الشَّيخوخةُ، «ولا تَبْلى ثِيابُهم»، أي: لا تَفنَى ولا يَلْحَقُها البِلَى ولا تَخلَقُ أو تَندرِسُ. وقيل: أرادَ أنَّه لا تَزالُ على أبْدانهم ثِيابٌ جَديدةٌ من فَضلِ اللهِ عليهم وإنْعامِه؛ فَكلُّ مَا في الجَنَّةِ وكلُّ مَن فيها باقٍ على حالِه؛ لأنَّ الآخِرةَ دارُ البَقاءِ، بخِلافِ الدُّنيا وما فيها؛ فإنَّها إلى فَناءٍ. وهكذا دلت الاحاديث أن أهل الجنة يكونون على أجمل هيئة ، وأحسن خلقة ، فهم جرد مرد ، على صورة أبيهم آدم عليه السلام ، كما روى الترمذي (عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ جُرْدًا مُرْدًا مُكَحَّلِينَ أَبْنَاءَ ثَلاثِينَ أَوْ ثَلاثٍ وَثَلاثِينَ سَنَةً )، وروى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الْجَنَّةَ صُورَتُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ، لا يَبْصُقُونَ فِيهَا وَلا يَمْتَخِطُونَ وَلا يَتَغَوَّطُونَ ، آنِيَتُهُمْ فِيهَا الذَّهَبُ ، أَمْشَاطُهُمْ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَمَجَامِرُهُمْ الأَلُوَّةُ وَرَشْحُهُمْ الْمِسْكُ ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ ، يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ مِنْ الْحُسْنِ ، لا اخْتِلافَ بَيْنَهُمْ وَلا تَبَاغُضَ ، قُلُوبُهُمْ قَلْبٌ وَاحِدٌ ، يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا ). فهذا وغيره يدل على أن أهل الجنة تتبدل هيآتهم لتكون على أحسن الهيآت ، فليس فيهم تشوهات ، ولا غيرها مما يعيب المرء ، أو يسبب له حزنا، بل هم في نعيم مقيم ، وفي صحيح مسلم : (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَسُوقًا يَأْتُونَهَا كُلَّ جُمُعَةٍ فَتَهُبُّ رِيحُ الشَّمَالِ فَتَحْثُو فِي وُجُوهِهِمْ وَثِيَابِهِمْ فَيَزْدَادُونَ حُسْنًا وَجَمَالاً فَيَرْجِعُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ وَقَدِ ازْدَادُوا حُسْنًا وَجَمَالاً فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُوهُمْ وَاللَّهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالاً. فَيَقُولُونَ وَأَنْتُمْ وَاللَّهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالاً ».
أيها المسلمون
لقد جعل الله عزّ وجلّ للمتقين منْزلة عالية وخصّهم بالعزة والإكرام، فقال الله تعالى : ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾. المنافقون (8) ،والمؤمن في هذه الدنيا إنما هو في سجن مغلق ، فإذا لقي الله تبارك وتعالى انتقل من الضيق إلى السعة ، ومن الأحزان إلى الأفراح ، ومن البؤس والفقر إلى النعيم المقيم ، ففي سنن الترمذي : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو حَدَّثَهُ عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَسَنَتُهُ فَإِذَا فَارَقَ الدُّنْيَا فَارَقَ السِّجْنَ وَالسَّنَةَ »، فقبر المؤمن روضة من رياض الجنة ، ويجعل الله له في قبره من هواء الجنّة ورائحتها ويوسّع قبره ويُملأ خضرة ونورًا وهناءً وسرورًا، فهذا القبر الذي هو في نظر النّاس كحالته حين حفر بقعة ضيّقة يوسّعه الله تعالى عليه سبعين ذراعًا في سبعين ذراعًا، وبعض النّاس قد يوسّع قبرهم أكثر من ذلك إلى مدّ البصر، ففي سنن الترمذي : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِذَا قُبِرَ الْمَيِّتُ – …ثُمَّ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا فِي سَبْعِينَ ثُمَّ يُنَوَّرُ لَهُ فِيهِ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ نَمْ. فَيَقُولُ أَرْجِعُ إِلَى أَهْلِي فَأُخْبِرُهُمْ فَيَقُولاَنِ نَمْ كَنَوْمَةِ الْعَرُوسِ الَّذِى لاَ يُوقِظُهُ إِلاَّ أَحَبُّ أَهْلِهِ إِلَيْهِ. حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ )، فالإنسان المؤمن التقي بعد خروجه من هذه الدّنيا يكون في نعيم عظيم بحيث لو أنّه عرض عليه أن يرجع إلى الدّنيا ويكون هو مالك الدنيا شرقها وغربها لا يحب أن يرجع إلى الدّنيا، لأنّه ذاق شيئًا لم يذقه قبل ذلك من النعيم والراحة، لا يشتهي الرجوع والنعيم الذي يلقاه المؤمن الكامل في قبره جزاء له على ما قدّم من العمل الصالح أقلّ بكثير من النعيم الذي أعدّه الله تعالى له في الآخرة، فقد قال عزّ وجلّ في وصف نعيم أهل الجنّة : ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (8) لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (9) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (10) لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً (11) فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ (12) فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13) وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ (14) وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15) وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ﴾. الغاشية(8) :(16)
اقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( أَهْلُ الْجَنَّةِ جُرْدٌ مُرْدٌ كُحْلٌ لاَ يَفْنَى شَبَابُهُمْ وَلاَ تَبْلَى ثِيَابُهُمْ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وأهل الجنّة تكون وجوههم متنعّمة نضرة ، ويكونون في مكانة عالية لا يسمعون فيها باطل ولا مأثم، ويكون لهم عيون ماء ، وعلى حافاتها أكواب ، يشربون بها تلذّذًا لا لعطش، ويجلسون على سرر ألواحها من ذهب ، مكلّلة بالزبرجد والدرّ والياقوت ، مرتفعة في الهواء ، وذلك لأجل أن يرى جميع ما أعطاه ربّه في الجنّة من النّعيم، ولهم فيها وسائد صفّ بعضها إلى جنب بعض ، يستندون إليها ويتّكئون عليها، وبسط عِراض فاخرة كثيرة متفرقة هنا وهناك في المجالس. فليعلم إخوة الإيمان أنّ النعيم هو نعيم الآخرة، أمّا النعيم الذي يناله الإنسان ممّا رزقه الله تعالى في هذه الدنيا ،فهو نعيم زائل ، وهو ليس علامة على علوّ قدر هذا الإنسان عند الله تعالى، ويروى عن الحسن بن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنهما أنّه قال : (رأينا من طلب الآخرة فأعطاه الله الدنيا والآخرة ، وما رأينا من طلب الدنيا فأعطاه الله الآخرة، ومصداق ذلك قوله تعالى : ﴿ وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ﴾. آل عمران (145) ،وفي حديث المقدمة : التَّرغيبُ في الجنَّةِ بِذكْرِ ما فيها من نَعيمٍ باقٍ. وفيه أيضا : تَعريضٌ بذمِّ الدُّنيا؛ فإنَّ نَعيمَها زائِلٌ ومقرونٌ بِه البؤسُ
الدعاء