خطبة حول (الدين أم الوطن- الدين أصل والوطن خادم)
مارس 17, 2022خطبة عن (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ)
مارس 19, 2022الخطبة الأولى ( إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « .. – ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ ».
إخوة الإسلام
لقاؤنا اليوم -إن شاء الله- مع هذا الحديث النبوي الكريم ، والذي ينهى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كثرة السؤال ،والاختلاف على الأنبياء ، وفعل ما أمر به صلى الله عليه وسلم ، والنهي عما نهى عنه ،ومن أقوال العلماء حول منزلة هذا الحديث: قال النووي رحمه الله : هذا الحديث من قواعد الإسلام المهمة، ومن جوامع الكلم التي أعطيها النبي صلى الله عليه وسلم، ويدخل فيما لا يحصى من الأحكام ، وقال ابن حجر الهيتمي رحمه الله : هو حديث عظيم من قواعد الدين وأركان الإسلام، فينبغي حفظه والاعتناء به، وقوله صلى الله عليه وسلم : (ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ ) ، فالمرادُ: لا تُكثِروا الاسئلة في المواضِعِ التي تُفِيدُ وجهًا ظاهرًا، وإنْ صلَحتْ لغيرِه؛ لئلا يقَعَ الجوابُ بما فيه التَّعَبُ والمشقَّةُ ،فإنَّما هلَكَتِ الأُممُ السَّابقةُ بسببِ كثرةِ أسئلتِهم لغير حاجةٍ وضرورة ، وأنَّهم هلَكوا بسببِ كَثرةِ مُخالفتِهم، وعِصيانِهم لأنبيائهم، وفي صحيح البخاري : (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضى الله عنهما – قَالَ كَانَ قَوْمٌ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – اسْتِهْزَاءً ، فَيَقُولُ الرَّجُلُ مَنْ أَبِى وَيَقُولُ الرَّجُلُ تَضِلُّ نَاقَتُهُ أَيْنَ نَاقَتِي فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ هَذِهِ الآيَةَ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ) المائدة 101، حَتَّى فَرَغَ مِنَ الآيَةِ كُلِّهَا) ، فالنهي كان مقصورا عن السؤال عما لا يُحتاج إليه ، وما يسوء السائل جوابه ، والسؤال على وجه التعنت والعبث والاستهزاء كما كان يفعله كثير من المنافقين وغيرهم ، وفي الصحيحين : (عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « إِنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ ، فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ » ، وقال الأوزاعي ـ رحمه الله ـ : ” إن الله إذا أراد أن يحرم عبده بركة العلم ألقى على لسانه المغاليط ، فلقد رأيتهم أقل الناس علما “. ثم يقول صلى الله عليه وسلم ناصحا لأمته : (فإذا نهيتُكم عن شيءٍ فاجتنِبوه)، أي: فإذا منَعتُكم عن شَيءٍ فلا تفعَلُوه، وابتعِدوا عنه كلِّه؛ إذ الامتثالُ لا يحصُلُ إلَّا بتركِ الجميع، (وإذا أمرتُكم بأمرٍ)، أي: وإذا طلبتُ منكم فِعلَ شيءٍ؛ (فأْتُوا منه ما استطعتُم)، أي: فافعَلوا منه ما قدَرتُم عليه على قدرِ طاقتِكم واستطاعتِكم؛ وجوبًا في الواجبِ، وندبًا في المندوب.
أيها المسلمون
فقد دل هذا الحديث على أنه يتعين على المسلم الاعتناء بما جاء عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وبذل وسعه في فعل ما يستطيعه من الأوامر ،واجتناب ما ينهى عنه، فتكون همتُه مصروفةً بالكلية إلى ذلك لا إلى غيره، وهكذا كان حال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان في طلب العلم النافع من الكتاب والسنة، علمًا وعملًا، فأما إن كانت الهمة مصروفة عند سماع الأمر والنهي إلى فرض أمور قد تقع وقد لا تقع، فإن هذا مما يثبط عن الجد في متابعة الأمر واجتناب النهي، ومن امتثل ما في هذا الحديث حصلت له النجاة في الدنيا والآخرة، ومن خالف ذلك واشتغل بخواطره وما يستحسنه وقع فيما حذَّر منه النبي صلى الله عليه وسلم من حال أهل الكتاب الذين هلكوا بكثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم، وعدم انقيادهم وطاعتهم لرسلهم عليهم السلام ، كما يجب على المسلم اجتناب كل ما نهى الله تعالى عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الأصل في النهي ما لم يوجد ما يصرفه عن التحريم إلى غيره، وكان السلف رحمهم الله يحرصون على اجتناب جميع المناهي من غير تفصيل، سواء ما كان منها محرمًا وما كان مكروهًا، ولم يقيِّد النبي صلى الله عليه وسلم اجتناب المنهيات بالاستطاعة كما قيد فعل المأمورات؛ وذلك لأن الترك لا يحتاج إلى قدرة ولا نية؛ لأنه جارٍ على الأصل، وهو عدم الفعل، قال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله: ليس تقوى الله بصيام النهار ولا بقيام الليل والتخليط فيما بين ذلك، ولكن تقوى الله ترك ما حرم الله، وأداء ما افترض الله، فمَن رُزق بعد ذلك خيرًا، فهو خيرٌ إلى خير ، ونعلم من هذا الحديث: أن المسلم إذا تمكن من فعل بعض ما أمر الله به، فإنه يفعله، ولا يتركه بسبب عجزه عن غيره، ويدخل في ذلك صور كثيرةٌ، منها: من استطاع غسل بعض أعضائه في الوضوء وعجز عن بعضها، وجب عليه غسل ما أمكنه منها، ومن استطاع القيام في الصلاة وعجز عن الركوع، وجب عليه القيام، وأومأ بالركوع، ومن استطاع صيام بعض أيام رمضان وعجز عن بعضها، وجب عليه صيام ما يقدِر عليه، ويُفطِر ما يعجِز عنه، ويقضيه وقت الاستطاعة، وهكذا.
أيها المسلمون
ويتبين لنا من خلال هذا الحديث : أن الشريعة الإسلامية قد شددت في جانب المنهيات أكثر من المأمورات ، فعلقت تنفيذ الأوامر على الاستطاعة ، بخلاف النهي ، وذلك لأن الشريعة الغرّاء تسعى دائما للحد من وقوع الشر ، والحيلولة دون انتشاره ، ولا يكون ذلك إلا بالابتعاد عما حرّم الله عز وجل ، ولذلك يقول الله تعالى في محكم تنزيله : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} (النور: 21) ، فحرّم الله تعالى الأسباب المؤدية إلى الوقوع في الحرام ،ومن باب أولى تحريم الحرام نفسه. ومن خلال ذلك ، يتبين لنا خطأ كثير من المسلمين ، الذين يجتهدون في فعل الطاعات ، مع تساهل عظيم في ارتكاب المحرمات ، فتراه يصوم مع الناس إذا صاموا، فإذا جنّ عليه الليل لم يتورّع عن مقارفة الذنوب ، وارتكاب المعاصي ، ناسيا – أو متناسيا – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مرشدا أمته : (اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ ) رواه الترمذي ، ولا يعني ذلك التهوين من أمر الطاعة ، أو التساهل في أمرها ، لكن كما قال الحسن البصري رحمه الله : ” ما عبد العابدون بشيء أفضل من ترك ما نهاهم الله عنه ” . فالحديث يربي المسلم على الجدية في التعامل مع هذا الدين ، كما قال الله عز وجل : { إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ}(13)، (14) الطارق ، وهذه الجدّية تدعوه إلى أن يقبل بكليّته على تعلّم ما ينفعه من العلم ، ويجتهد في تربية نفسه وتزكيتها ، مجرّدا قلبه عن كل ما يشغله عن هذا الهدف الذي جعله نُصب عينيه. وحتى يرسّخ النبي صلى الله عليه وسلم فيهم هذا المبدأ ؛ بيّن لهم خطورة الحيدة عن هذا المنهج الدقيق ، وأثر ذلك في هلاك الأمم السابقة ، والتي تكلّفت في أسئلتها ، واختلفت على أنبيائها ، فكان سؤالهم تشديدا عليهم ، وكان اختلافهم سببا لهلاكهم ، وخير مثال على ذلك ، ما كان عليه قوم موسى عليه السلام ، فإنهم لما طُلب منهم ذبح بقرة ، تنطّعوا في السؤال عن أوصافها ، وتكلّفوا في ذلك ، وكان في سعتهم أن يأتوا بأي بقرة ، ولكنهم أبوا ذلك ، فشدّد الله عليهم ، ولما اختلفوا على أنبيائهم ، لم تقبل منهم التوبة إلا بقتل أنفسهم ، وعاقبهم الله بالتيه أربعين سنة ، والجزاء من جنس العمل .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن الفوائد والثمرات المستنبطة من هذا الحديثِ: أولا : النَّهيُ عن الاختلافِ وكثرةِ الأسئلةِ مِن غير ضَرورة؛ لأنَّه تُوُعِّدَ عليه بالهلاك، ثانيا : الأمرُ بطاعةِ الرَّسولِ صلَّى الله عليه وسلَّم، والتَّمسُّكِ بسُنَّتِه، والعملِ بأقوالِه وأفعالِه وتقريراتِه، والوقوفِ عندَها أمرًا ونهيًا. ثالثا : في الحديث دليلٌ على أنَّ السُّنَّةَ هي المصدرُ الثَّاني من مصادرِ التَّشريعِ الإِسلاميِّ. رابعا : في قوله صلى الله عليه وسلم: (فإذا أمرتُكم بشيء فأْتُوا منه ما استطعتُم) فهذا مِن قواعدِ الإسلام المهمَّةِ، ومن جوامِعِ الكَلِمِ التي أُعْطِيها صلَّى الله عليه وسلَّم، ويَدخُلُ فيها ما لا يُحصَى من الأحكام، وهذا الحديثُ مُوافقٌ لقولِ الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] ، خامسا : أنه لا يجب على الإنسان أكثر مما يستطيع ، وسهولة هذا الدين؛ حيث لم يوجب على المرء إلا ما يستطيعه. سادسا : من عجز عن بعض المأمورات ، كفاه أن يأتي بما قدر عليه، مثاله: الصلاة يأتي بها قائمًا، أو قاعدًا، أو على جَنْبٍ.
الدعاء