خطبة عن قوله تعالى (وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ)
يناير 22, 2022خطبة حول درجات الجنة ،وحديث(فِي الْجَنَّةِ مِائَةُ دَرَجَةٍ)
يناير 29, 2022الخطبة الأولى حديث ( إِنَّمَا يُبْعَثُ النَّاسُ عَلَى نِيَّاتِهِمْ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام البخاري في صحيحه: (قَالَتْ عَائِشَةُ – رضى الله عنها – :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – :« يَغْزُو جَيْشٌ الْكَعْبَةَ ، فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الأَرْضِ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ » . قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ ، وَفِيهِمْ أَسْوَاقُهُمْ وَمَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ . قَالَ « يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ ، ثُمَّ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ » ، وفي رواية لمسلم : (أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ عَبِثَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي مَنَامِهِ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ صَنَعْتَ شَيْئًا فِي مَنَامِكَ لَمْ تَكُنْ تَفْعَلُهُ. فَقَالَ « الْعَجَبُ إِنَّ نَاسًا مِنْ أُمَّتِى يَؤُمُّونَ بِالْبَيْتِ بِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ لَجَأَ بِالْبَيْتِ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْبَيْدَاءِ خُسِفَ بِهِمْ ». فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الطَّرِيقَ قَدْ يَجْمَعُ النَّاسَ. قَالَ « نَعَمْ فِيهِمُ الْمُسْتَبْصِرُ وَالْمَجْبُورُ وَابْنُ السَّبِيلِ يَهْلِكُونَ مَهْلَكًا وَاحِدًا وَيَصْدُرُونَ مَصَادِرَ شَتَّى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ عَلَى نِيَّاتِهِمْ ». وفي سنن ابن ماجه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « إِنَّمَا يُبْعَثُ النَّاسُ عَلَى نِيَّاتِهِمْ ».
أيها المسلمون
إن الله سبحانه وتعالى له الحكمة البالغة، والأمر الرشيد، حكمه العدل، وقوله الحق، حرم الظلم على نفسه، وجعله بيننا محرما، وأرسل الرسل، وأنزل الكتب، حجة على الخلق، وشرع التوبة، وأمر بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لئلا يتنزل العذاب على عامة الأمة، قال سبحانه وتعالى: { فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116) وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} هود (116) ،(117)،قال ابن جرير الطبري رحمه الله: (وما كان ربك – يا محمد – ليهلك القرى التي أهلكها – التي قص عليك نبأها – ظلما، وأهلها مصلحون في أعمالهم غير مسيئين، فيكون إهلاكه إياهم – مع إصلاحهم في أعمالهم وطاعتهم ربهم – ظلما، ولكنه أهلكها بكفر أهلها بالله، وتماديهم في غيهم، وتكذيبهم رسلهم وركوبهم السيئات) ، فإذا انتهكت محارم الله، وعصيت أوامره، واستعلن بالفواحش؛ حلّ العذاب، ونزل النكال، وحاق بالمفسدين سوء أعمالهم، فيرسل الله عذابه ونقمته على المعاندين، كما قال تعالى مخبرا عن حال ثمود: { وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (17) وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} فصلت (17)، (18) ، وقال جل ثناؤه في بيان خبر لوط مع قومه: { وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (54) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55) فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ (57) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ } النمل (54) :(58) ، فانظر كيف عمهم العذاب، وأنجى الله سبحانه وتعالى، بمنه وكرمه أولياءه وحزبه المفلحين، ويكون العذاب عاما إذا كان الفساد عاما، وينجي الله المتقين، ويكون النكال خاصا إذا كان المنكر خاصا غير مستعلن، كما قال عز من قائل في خبر قارون: {فخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ} القصص 81،
أيها المسلمون
وقد يقول قائل : إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم بعث رحمة، فكيف يقول المسلم: إن الآيات التي يسلطها الله على الخلق تعّد عذابا لهم؟! فأين رحمة المسلم لغيره من البشر؟!.. فنقول : إن من كمال رحمة الله سبحانه وتعالى بخلقه أن أرسل إليهم الرسل، وأنزل إليهم الكتب، فكانت رسالات الرسل تجمع بين الدلالة على الخير، والتحذير من الشر، ترغيبا وترهيبا، بشارة ونذارة، قال الله تعالى: {رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} النساء 165، فكانت رسالتهم هداية للناس ورحمة، قال الله تعالى عن موسى عليه السلام – كما قال عن غيره-: {وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إَمَامًا وَرَحْمَةً} هود 17، . وقال عز من قائل عن عيسى عليه السلام: {وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا} مريم 21 ،والرسل مع كونهم أرسلوا رحمة للعالمين، فكل رسول قال لقومه: إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم، فهذا نوح عليه السلام يقول كما أخبر الله عنه: {يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} الاعراف 59، وهذا شعيب يقول لقومه: {يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيط} هود 84،. وكذلك هود خاف على قومه فقال: {إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} الشعراء 135، . ودعا الخليل أباه إلى الله، وخوفه مما يعلم، فقال: {يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا} مريم 45، . وهذا إمام الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم يخاف عذاب ربه، إن هو عصاه، ويأمره ربه أن يقول لقومه – كما ذكر الله عنه-: {قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} الانعام 15،. ويأمر قومه بالاستغفار، ويخبرهم أنهم إن تولوا عن طاعة ربهم فإنه يخاف عليهم العذاب الكبير، فقال عز من قائل: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ} هود 3،
وكل الأنبياء – ما عدا الخليلين – عليهم السلام لما كُذّبوا دعوا على قومهم بالعذاب وبالاستئصال ، فقال نوح عليه السلام، كما أخبر الله عنه: {وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} نوح 26،. وقال جلّ ثناؤه عن موسى عليه السلام: { وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (88) قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} يونس (88) ،(89) ، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله سبحانه وتعالى جعل لكل نبي دعوة مستجابة، وأن كل نبي تعجل دعوته، وأنه صلى الله عليه وسلم من رحمته بأمته ادخر دعوته شفاعة لأمته يوم القيامة، ففي الصحيحين : (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ ، فَأُرِيدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَخْتَبِئ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ » ، وفي رواية لمسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِى لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا ».
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (ومحمد وإبراهيم أفضل الرسل؛ فإنهم إذا علموا الدعوة حصل المقصود، وقد يتوب منهم من يتوب بعد ذلك، كما تاب من قريش من تاب، وأما حال إبراهيم فكانت إلى الرحمة أميل، فلم يسع في هلاك قومه لا بالدعاء، ولا بالمقام ودوام إقامة الحجة عليهم، وقد قال تعالى: { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} إبراهيم (13) ،(14) … والخليلان هما أفضل الجميع، وفي طريقتهما من الرأفة والرحمة ما ليس في طريقة غيرهما) ، فنبينا محمد صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين من كل وجه، باعتبار ما حصل من الخير العام به، وما حصل للمؤمنين به من سعادة الدنيا والآخرة، وباعتبار أنه في نفسه رحمة، فمن قَبِلَها وإلا كان هو الظالم لنفسه، وباعتبار أنه قمع الكفار والمنافقين، فنقص شرهم، وعجزوا عما كانوا يفعلونه بدونه ، فالرسول صلى الله عليه وسلم رحمة للخلق في دعوته وفي سلمه وفي حربه، يقول ابن القيم رحمه الله: (وأما نبي الرحمة فهو الذي أرسله الله رحمة للعالمين؛ فرحم به أهل الأرض كلهم مؤمنهم وكافرهم، أما المؤمنون فنالوا النصيب الأوفر من الرحمة، وأما الكفار: فأهل الكتاب منهم عاشوا في ظله وتحت حبله وعهده، وأما من قتله منهم هو وأمته فإنهم عجلوا به إلى النار، وأراحوه من الحياة الطويلة التي لا يزداد بها إلا شدة العذاب في الآخرة) ، والعذاب والنكال الذي توعدت به الرسل أقوامهم لم يكن مجرد تهديد ووعيد؛ بل إذا تنكبت الأقوام عن الصراط، وعاندت المرسلين، واستكبرت على رب العالمين؛ فحينئذ يحق القول، وينزل بهم ما كان أنذرهم إياه رسولهم، كما قال تعالى: {فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} العنكبوت 40، وبين سبحانه وتعالى أن هذا العذاب الذي يصيب به أعداءه، إنما هو عذاب خزي لهم في الحياة الدنيا، وهو عذاب هوان لهم، قال تعالى: { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ (16) وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} فصلت (16) ،(17) . وأخبر الحق سبحانه وتعالى أن هذا العذاب المهين مستمر لكل من استكبر وطغى، فقال جل ثناؤه: { وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} الانعام (93).،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية حديث ( إِنَّمَا يُبْعَثُ النَّاسُ عَلَى نِيَّاتِهِمْ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن
محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
والرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن بدعا من الرسل، فكما خاف على قومه المعاصرين له، وأنذرهم وخوّفهم ؛ فقد خوف اللاحقين من أمته، وحذرهم من المعاصي والذنوب عموما، وحذرهم من معاص معينة محددة بعينها، وأخبرهم بما يترتب عليها من العذاب العاجل ،فإخباره صلى الله عليه وسلم أمته، وتحذيره إياها لا يتعارض مع كونه أرسل رحمة للعالمين، فمن كمال رحمته إنذاره، ومن كمال رحمته أنه سأل ربه أن لا يهلك أمته بسنة بعامّة،، ففي صحيح مسلم : (حدث عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَقْبَلَ ذَاتَ يَوْمٍ مِنَ الْعَالِيَةِ حَتَّى إِذَا مَرَّ بِمَسْجِدِ بَنِى مُعَاوِيَةَ دَخَلَ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ وَصَلَّيْنَا مَعَهُ وَدَعَا رَبَّهُ طَوِيلاً ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَيْنَا فَقَالَ -صلى الله عليه وسلم- « سَأَلْتُ رَبِّى ثَلاَثًا فَأَعْطَانِي ثِنْتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً سَأَلْتُ رَبِّى أَنْ لاَ يُهْلِكَ أُمَّتِى بِالسَّنَةِ فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلْتُهُ أَنْ لاَ يُهْلِكَ أُمَّتِى بِالْغَرَقِ فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلْتُهُ أَنْ لاَ يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمَنَعَنِيهَا ».، بل لما بلغ به صلى الله عليه وسلم الأذى من قومه ما بلغ، وجاءه ملك الجبال يستأذنه في أن يطبق عليهم الأخشبين، قال مقالته الرحيمة المشهورة ـ كما في الصحيحين : (فَرَفَعْتُ رَأْسِي ، فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِي فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ ، فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ ، فَسَلَّمَ عَلَىَّ ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ ، فَقَالَ ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمِ الأَخْشَبَيْنِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا »، ومن واجبه صلى الله عليه وسلم إبلاغ أمته بما ينتظرها، إن هي خالفت الأوامر الربانية، ومن كمال رأفته ورحمته أن يبين لأمته أسباب العذاب الذي يوشك أن يقع بها. ، وأيضا فحَمَلَة رسالته صلى الله عليه وسلم يقتدون بهديه، ويستنون بسنته، فيبشرون بما بشر به من سعة رحمة الله، وعظيم مغفرته، وفرحه بتوبة عبده، وينذرون بما أنذر به من أسباب الهلاك المترتب على مقارفة الذنوب والمعاصي. ولو لم يفعلوا لكان ذلك خيانة منهم لأمتهم، ومعصية لرسولهم صلى الله عليه وسلم. ، فإذا وقع ما حذر منه الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا مصداق نبوته صلى الله عليه وسلم، ثم إذا قام العلماء بواجب التنبيه والتذكير فلا يتجه إليهم اللوم والتعنيف بسبب تحذيرهم وإنذارهم، ولا يعدّ عملهم هذا من باب الشماتة بمن وقعت عليهم هذه الأحداث، كما لا يعدّ قولهم هذا تزكية لأنفسهم ومجتمعهم، بل الجميع عرضة للخطأ، وعرضة لنزول العذاب إذا قارفوا أسبابه، وتعرضوا لما يسخط الجبار، سبحانه وتعالى.
الدعاء