خطبة حول قوله تعالى (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ)
فبراير 26, 2022خطبة عن (الإسلام بين الدنيوية والرهبانية)
مارس 5, 2022الخطبة الأولى ( إِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ .. سَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلاَءٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام مسلم في صحيحه : (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ رَبِّ الْكَعْبَةِ قَالَ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ جَالِسٌ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ وَالنَّاسُ مُجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ فَأَتَيْتُهُمْ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي سَفَرٍ فَنَزَلْنَا مَنْزِلاً فَمِنَّا مَنْ يُصْلِحُ خِبَاءَهُ وَمِنَّا مَنْ يَنْتَضِلُ وَمِنَّا مَنْ هُوَ فِي جَشَرِهِ إِذْ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الصَّلاَةَ جَامِعَةً. فَاجْتَمَعْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلاَّ كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا فِي أَوَّلِهَا وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلاَءٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ هَذِهِ مُهْلِكَتِي. ثُمَّ تَنْكَشِفُ وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ هَذِهِ هَذِهِ. فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِى يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ ..)
إخوة الإسلام
في هذا الحديث النبوي الكريم : يبين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرا هو في غاية الأهمية ،إنه صلى الله عليه وسلم يخبر أمته بما سيصيبها من فتن في آخر الزمان ،وفي نفس الوقت يبين لها طريق النجاة من هذه الفتن ،فيقول صلى الله عليه وسلم : « وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ .. سَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلاَءٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ هَذِهِ مُهْلِكَتِي. ثُمَّ تَنْكَشِفُ وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ هَذِهِ هَذِهِ. فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِى يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ) ، وقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا في أحاديث متعددة فتن آخر الزمان ،ليُحذر أمته من الوقوع فيها ، وليثبتوا على الحق عند وقوعها ،والهروب منها ،وعدم الاستشراف لها ،ففي الصحيحين : (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « سَتَكُونُ فِتَنٌ ،الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ ،وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي ،وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي ،وَمَنْ يُشْرِفْ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ ،وَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ »، ولما كان الأمر كذلك ،وبهذه الأهمية ،وجب على المسلم ،وخاصة في هذا الزمان ،زمن الفتن، أن يكون على دراية وبصيرة وعلم بهذه الفتن ،وذلك عن طريق مدارسة هذه الأحاديث التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في التحذير منها، ولنبدأ بالحديث الذي رواه أبو داود وأحمد : (قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بَيْنَمَا نَحْنُ حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذْ ذَكَرَ الْفِتْنَةَ فَقَالَ « إِذَا رَأَيْتُمُ النَّاسَ قَدْ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ وَخَفَّتْ أَمَانَاتُهُمْ وَكَانُوا هَكَذَا ». وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ قَالَ فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ كَيْفَ أَفْعَلُ عِنْدَ ذَلِكَ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ قَالَ « الْزَمْ بَيْتَكَ وَامْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ وَخُذْ بِمَا تَعْرِفُ وَدَعْ مَا تُنْكِرُ وَعَلَيْكَ بِأَمْرِ خَاصَّةِ نَفْسِكَ وَدَعْ عَنْكَ أَمْرَ الْعَامَّةِ ».، ففي هذا الحديث يبين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من فتن آخر الزمان أن تنقلب الموازين ،وتتغير الأحوال ،ويتخلى الناس عن دينهم وأخلاقهم ،فلا وفاء للعهود ،فالكثير يخلف وعده وعهده ،ولا أداء للأمانات ،فالكثير يخون أمانته، في بيته ،وفي عمله ،وفي كسبه ،وفي معاملاته ،وفي دينه وعباداته ،فأصبح المؤمن المتمسك بدينه في هذا الزمان يعيش بين أناس لا عهد لهم ولا ذمة ، ولا أمن ولا أمانة، فالخيانة هي السلعة الرائجة في كل مجال ،وفي كل شيء ،وهكذا يخدع الناس ،ويصبح الباطل حقا ،كما في سنن ابن ماجه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتٌ يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ وَيُخَوَّنُ فِيهَا الأَمِينُ وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ قِيلَ وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ قَالَ الرَّجُلُ التَّافِهُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ ».
فبماذا نصحنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما يقع ذلك ، قَالَ صلى الله عليه وسلم : « الْزَمْ بَيْتَكَ وَامْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ وَخُذْ بِمَا تَعْرِفُ وَدَعْ مَا تُنْكِرُ وَعَلَيْكَ بِأَمْرِ خَاصَّةِ نَفْسِكَ وَدَعْ عَنْكَ أَمْرَ الْعَامَّةِ » ، وفي رواية في سنن أبي داود وغيره 🙁 أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « كَيْفَ بِكُمْ وَبِزَمَانٍ ». أَوْ « يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ زَمَانٌ ،يُغَرْبَلُ النَّاسُ فِيهِ غَرْبَلَةً ،تَبْقَى حُثَالَةٌ مِنَ النَّاسِ ،قَدْ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ وَأَمَانَاتُهُمْ ،وَاخْتَلَفُوا فَكَانُوا هَكَذَا ». وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ فَقَالُوا وَكَيْفَ بِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « تَأْخُذُونَ مَا تَعْرِفُونَ وَتَذَرُونَ مَا تُنْكِرُونَ وَتُقْبِلُونَ عَلَى أَمْرِ خَاصَّتِكُمْ وَتَذَرُونَ أَمْرَ عَامَّتِكُمْ »،
أيها المسلمون
ثم ننتقل إلى حديث آخر من أحاديث فتن آخر الزمان : ففي سنن الترمذي : يقول صلى الله عليه وسلم 🙁 إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ وَدَعِ الْعَوَامَّ فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلاً يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ »، هكذا يبين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أحوال الناس في هذا الزمان بقوله : (إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا ،وَهَوًى مُتَّبَعًا) ،فالشح والبخل وعبادة المال هي سمة من سمات هذا العصر ،فيصبح المرء شحيحا على أهله ونفسه وجيرانه ووالديه ،شحيحا بخيلا على الفقراء والمحتاجين ،فلا إنفاق في سبيل الله ،ولا صدقات ،الكل يعبد هواه وحبه للمال ، يفعل ما تريده نفسه ،وما تمليه عليه رغباته ، فهو عبد لهواه وشهواته ، فبعض الناس يكون مثلا هواه متعلقا في التجارة وجمع المال بأي وسيلة وبكل طريقة ممكنة ,فتراه منشغلا بها ويحبها حبا جما ,حتى يصل به التعلق إلى مرتبة الطغيان والظلم فيصبح المال عنده معبودا مقدسا , يعادي فيه ويوالي, ولا يمتنع في جمعه من حلال أو حرام , وإذا سئل عن أداء حق الفقير فيه , قال هذا مال تعبنا في تحصيله وفي جمعه وحفظه وليس لأحد حق فيه لا من بعيد ولا من قريب ،ومن علامات هذا الزمان ، أن ترى الناس يؤثرون الحياة الدنيا ،ويرغبون فيها ،ولا يعملون للآخرة ،فيقول صلى الله عليه وسلم :(وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً)، و(وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ) ،فالكل يرى أنه على صواب ، وأن غيره على خطإ ،فهو عالم والناس جهال ، وهو مصيب والناس مخطئون ،لذلك فهو لا يسمع لموعظة ، ولا يستجيب لنصيحة ،فبماذا ينصحنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الفتن ، وعند حلول هذا الزمان ،فيقول صلى الله عليه وسلم : (فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا الصَّبْرُ) ،فهو يوصينا بالصبر والتحمل ،رغم أن المؤمن في هذا الزمان يعاني أشد المعاناة ،حتى يشبهه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يستمسك بدينه كأنه يمسك بيدية جمرة من نار (فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ) ، ثم يبشر صلى الله عليه وسلم المؤمنين المتمسكين بدينهم في هذا الزمان بالأجر العظيم ، فيقول : (لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلاً يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ)
ثم ننتقل إلى حديث آخر من أحاديث فتن آخر الزمان : ففي صحيح البخاري : (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ ،يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ »، فمن فتن آخر الزمان : أن يصبح الحصول على الكسب الحلال والمال الحلال أمرا صعبا ،وذلك لكثرة وسائل الكسب الحرام ،فأبواب الربا مفتوحة على مصراعيها ،وبالكذب والخيانة والنصب تستطيع بها أن تحقق أرباحا كثيرة، وبالرشوة تنال من المال ما تريد ،وبالغش والخداع تحقق ما ترجو ،وهكذا ، فأبواب الحلال مغلقة ،وأبواب الحرام مُفتحة ،فما هو المخرج؟ ،وكيف السبيل؟ ،يقول صلى الله عليه وسلم : « يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ ،يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ »، والمقصود من الحديث : أنه على المؤمن في هذا الزمان الذي تكثر فيه وسائل الكسب الحرام ،أن يبتعد عن ذلك ،ويجد له وسيلة من وسائل الكسب الحلال أي وسيلة (ولو أن يرعى غنما)، وذكر الرسول صلى الله عليه وسلم (رعي الغنم) لأنه عمل بسيط يليق بالفقراء، وراعي الغنم بعيد عن المدينة وفتنها ، فيكتسب من هذا العمل البسيط رزقه ،حتى ولو كان ربحه قليلا ، وعائده يسيرا ،فالله تبارك وتعالى سوف يبارك له في كسبه ورزقه ، وبذلك ينجو من فتنة المال ،ولا يعرض نفسه للعقاب والعذاب يوم القيامة ،والرسول صلى الله عليه وسلم يقول كما في سنن الترمذي : (يَا كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ إِنَّهُ لاَ يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلاَّ كَانَتِ النَّارُ أَوْلَى بِهِ »
أيها المسلمون
ثم ننتقل إلى حديث آخر من أحاديث فتن آخر الزمان : ففي معجم الطبراني : (عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (كيف بكم إذا فسق شبابكم وطغى نساؤكم قالوا يا رسول الله إن ذلك لكائن قال وشر من ذلك سيكون كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكرا والمنكر معروفا)، فيخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث : أنه مما يقع في آخر الزمان : أن يفسق الشباب ،والفسق هو الخروج من حظيرة الدين ،فيكثر بين الشباب والشابات الزنا ،واللواط ،والغناء والرقص، ويشربون المسكرات ،ويلعبون القمار ،ويقلدون الكافرين في كلامهم وشرابهم ،بل حتى في حلق شعورهم ،وملابسهم ،(يفسق الشباب)، وهم عماد الأمة ،فيتركون الدين ،فلا صلاة ولا صيام ،ولا بر بالوالدين ، ولا صلة للأرحام ،ولا مرؤة ولا شهامة ، ولا دين ولا أخلاق
وفي هذا الزمان تطغى النساء على الرجال ،وتصبح المرأة هي الآمرة الناهية ،وليتها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ،ولكنها تأمر بالمنكر وتنهى عن المعروف ،فالمرأة هي التي تطلب حفلات الرقص والغناء ،وهي التي تأمر باختلاط الرجال بالنساء ،وهي تأمر زوجها بجمع المال ولو بالكسب الحرام ،لتلبي رغباتها ،والمرأة هي التي كشفت عن ساقيها ،وعرت صدرها ونهديها ،وهي التي زاحمت الرجال ،وكانت سببا في سوء الحال المآل ، بسببها ساءت علاقة الرجل بوالديه ،وإخوانه وارحامه ،وهكذا ،وفي سنن الترمذي : (يقول صلى الله عليه وسلم : وَإِذَا كَانَ أُمَرَاؤُكُمْ شِرَارَكُمْ وَأَغْنِيَاؤُكُمْ بُخَلاَءَكُمْ وَأُمُورُكُمْ إِلَى نِسَائِكُمْ فَبَطْنُ الأَرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ ظَهْرِهَا »
وفي هذا الزمان يقول صلى الله عليه وسلم : (كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكرا ،والمنكر معروفا)، لقد أصبح المتمسك بدينه منبوذا مكروها وارهابيا ،وأصبحت العروس التي لا تظهر مفاتنها ليلة الزفاف فهي متخلفة وغير متحضرة، والمعلم الذي لا يغشش تلاميذه فهو متشدد ،والخطيب الذي يأمر بتباع القرآن والسنة فهو أصولي وينفر الناس من الدين ،وهكذا ،فأصبح المعروف منكرا ،(والمنكر معروفا)، فالموظف الذي يحصل على الرشوة الحرام ،ويسهل لك ما تريد فهذا رجل خدوم ،والمعلم الذي يغشش في اللجنة فهذا رجل طيب ،والطبيب الذي يكتب لك تقريرا مزورا مقبل (رشوة مالية) لتحصل به على المال فهو رجل رحيم ،وهكذا أصبح المنكر معروف ،فماذا عليك أيها المؤمن ؟ ،عليك أيها الشاب المؤمن أن تتمسك بدينك ،وتخالف هؤلاء الفسقة من الشباب المنحلين الخارجين عن الشرع والدين ،وعليك أيها الرجل المؤمن ألا تنصاع لأوامر المرأة فيما يغضب الله ،فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ،واجعل القوامة بيدك ،فأنت مسئول عن أسرتك ورعيتك ،وهذا لا يمنع أن تستشير زوجتك وأولادك ، ولكن القرار يجب أن يكون لك
ثم ننتقل إلى حديث آخر من أحاديث فتن آخر الزمان : ففي صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنَعَتِ الْعِرَاقُ دِرْهَمَهَا وَقَفِيزَهَا وَمَنَعَتِ الشَّأْمُ مُدْيَهَا وَدِينَارَهَا وَمَنَعَتْ مِصْرُ إِرْدَبَّهَا وَدِينَارَهَا وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ ». شَهِدَ عَلَى ذَلِكَ لَحْمُ أَبِى هُرَيْرَةَ وَدَمُهُ) . فيُخبرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم في هذا الحَديثِ عن أمور سوف تَقعُ آخِرَ الزَّمانِ، يَحصلُ فيها ضَعفُ المُسلمينَ وهَيمنةُ الأَعداءِ عَليهم، فيَقولُ: (مَنعتِ العراقُ دِرهَمها وَقفيزَها)، والقَفيزُ مِكيالٌ مَعروفٌ لأَهلِ العِراقِ، (ومَنعتِ الشَّامُ مُدْيَها ودِينارَها)، والمُدْي مِكيالٌ مَعروفٌ لأهلِ الشَّامِ (ومَنعتْ مِصرُ إِردِبَّها ودِينارَها)، والإرْدَبُّ مِكيالٌ مَعروفٌ لأهلِ مصرَ، وعُدْتُم مِن حيثُ بَدأتُم)، وَمَعناه : أنَّ أعداء الاسلام يَستولونَ على البلادِ في آخرِ الزَّمانِ ،فيَمنعونَ حُصولَ ذلكَ للمُسلمينَ، أو يَرتدُّ المسلمون عن دينهم في آخرِ الزَّمانِ ،فيَمنعونَ ما لَزِمَهم منَ الزَّكاةِ وغيرِها، وأمَّا قولُه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: «وعُدْتم مِن حيثُ بَدأتُم»، فهوَ بمعنى الحَديثِ: (بَدأَ الإسلامُ غريبًا وسيَعودُ كَما بدأَ).
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( إِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ .. سَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلاَءٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ثم ننتقل إلى حديث آخر من أحاديث فتن آخر الزمان : ففي صحيح البخاري : (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ ، يَكُونُ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ ، دَعْوَتُهُمَا وَاحِدَةٌ ، وَحَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ ، قَرِيبٌ مِنْ ثَلاَثِينَ ، كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ ، وَحَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ ، وَتَكْثُرَ الزَّلاَزِلُ ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ ، وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ وَهْوَ الْقَتْلُ ، وَحَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمَالُ فَيَفِيضَ ،حَتَّى يُهِمَّ رَبَّ الْمَالِ مَنْ يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ ، وَحَتَّى يَعْرِضَهُ فَيَقُولَ الَّذِى يَعْرِضُهُ عَلَيْهِ لاَ أَرَبَ لِي بِهِ . وَحَتَّى يَتَطَاوَلَ النَّاسُ فِي الْبُنْيَانِ ، وَحَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي مَكَانَهُ) ، ففي هذا الحديث يخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن مقتلة عظيمة سوف تكون بين دولتين عظيمتين ،دعوتهما واحدة ،فالكل يقول : أنا أريد الاصلاح ،والكل يقول : اقامة العدل ،ومقاومة الظلم والفساد ،والكل يقول : المحافظة على الأمن ،ومقاومة الارهاب ،والكل يقول :حقوق الانسان ومقاومة العنصرية ، ولا ندري من هو على الحق ،ومن هو على الباطل ،ومن هو الصادق ،ومن هو الكاذب، وفي هذا الزمان (تَكْثُرَ الزَّلاَزِلُ ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ ، وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ ،وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ وَهْوَ الْقَتْلُ) ، وهذا الأمر أصبح لدينا مشاهدا ،نراه ونسمعه ، وفي هذا الزمان : (يَتَطَاوَلَ النَّاسُ فِي الْبُنْيَانِ) ،( ويَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي مَكَانَهُ) وذلك لكثرة ما يرى من الفتن المهلكة ،ويخاف على نفسه من الوقوع فيها ،فيلقى الله مفتونا ،
كما يخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه حينما يتخلى المسلمون عن دينهم ،ويعصوا ربهم ،ويخالفوا نهج رسولهم ، ويخوضون في الفتن ،يعاقبهم الله في الدنيا قبل الآخرة بعدة عقوبات تتمشى مع ما وقعوا فيه من مخالفات ،ففي سنن ابن ماجه : ( يقول صلى الله عليه وسلم : لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلاَفِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا. وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلاَّ أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَؤُنَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ. وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلاَّ مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ وَلَوْلاَ الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ. وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلاَّ جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ ».،وفي مسند أحمد وسنن ابي داود : (عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى الأُكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا ». قَالَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ قَالَ « أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنْ تَكُونُونَ غُثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ يَنْتَزِعُ الْمَهَابَةَ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ ». قَالَ قُلْنَا وَمَا الْوَهَنُ قَالَ « حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ ».
الدعاء