خطبة عن (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ)
مايو 30, 2022خطبة حول حديث (الْمُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ)
يونيو 4, 2022الخطبة الأولى ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبَّ أَنْ يُرَى أَثَرُ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام الترمذي بسند حسنه : (عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « إِنَّ اللَّهَ يُحِبَّ أَنْ يُرَى أَثَرُ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ ».
إخوة الإسلام
ما من مخلوق إلا وقد شمِلَتْه نِعَم الله تعالى، وما مِن أحد يستطيع أن يحصيَ هذه النعم، قال الله تعالى: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النحل: 18]، فحقيقٌ بكلِّ عبدٍ لله أن يقابل هذه النعم بالشكر لا بالكفر، وبالطاعة لا بالعصيان، قال تعالى: ﴿ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾ [البقرة: 152]. وقد وعد الله تعالى عباده الشاكرين لنعمه بالزيادة، كما توعد الجاحدين لها بالسلب والخسران، فقال الله تعالى: ﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7]، فالشكر كما قالوا: قَيد الموجود، وصيد المفقود ، ومِن عظيم فضلِ الله على عباده أن يُنعِم عليهم بنعمه، ثم يجازي الشاكرين ويُثيبهم على شكرهم، قال الله تعالى: ﴿ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾ [آل عمران: 144].
وفي هذا الحديثِ المتقدم ذكره ، يقولُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “إنَّ اللهَ يحِبُّ أنْ يَرَى أثَرَ نِعْمتِه على عبْدِه”، أي: يحِبُّ الله أنْ يُظهِرَ العبْدُ فضْلَ اللهِ عليه ، بما رزَقَه من مالٍ، أو جاهٍ، بأنْ يلبَسَ ثِيابًا تليقُ بحالِه؛ من النَّفاسةِ والنَّظافةِ، مع مُراعاةِ القَصْدِ وترْكِ الإسرافِ ، وهذا من بابِ شُكْرِه على نِعَمِه، والاستِعانةِ بها على طاعتِه، واتِّخاذِها طريقًا إلى جنَّتِه، وهذا أفضلُ من الزُّهدِ فيها، والتَّخلِّي عنها، ومُجانبةِ أسبابِها؛ فأمَّا إنْ شغَلَتْه عنِ اللهِ تعالى، فالزُّهدُ فيها أفضلُ، وإنْ لم تَشْغَلْه وكان شاكرًا للهِ فيها، ولم تدخل عليه العجب والغرور ، فحالُه أفضلُ، ويَزهُد بتَرْكِ تَّعلُّقِ قلْبِه بها والطُّمأنينةِ إليها. وهذه الرِّوايةُ يوضِّحُها حديثٌ آخَرُ أخرَجَه ابنُ ماجه، وفيه: أنَّه صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: “كُلوا واشْرَبوا وتصدَّقوا والْبَسوا، ما لم يُخالِطْه إسرافٌ أو مَخِيلةٌ”، أي: افْعَلوا كلَّ ذلك من أموالِكم، ولا حرَجَ عليكم فيما أباحه اللهُ عَزَّ وجَلَّ وفصَّلَته السُّنَّةُ النَّبويَّةُ، وهذا كما قال تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31]، وقال تعالَى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67]، وهو جامِعٌ لفَضائلِ تَدْبيرِ الإنسانِ لنفْسِه، وفيه تَدبيرُ مَصالحِ النَّفْسِ والجسَدِ في الدُّنيا والآخرةِ.
أيها المسلمون
فالتجمُّل وإظهارُ نِعَم الله هو مِن الشكر الذي أمرنا الله به، سواء أكان ذلك في الملبس ،أو في المطعَم ، أو في المركَب، فالله يحب أن يرى أثرَ نعمته على عبده، وفي المعجم الكبير للطبراني : (عن زهير بن أبي علقمة الضبعي قال : أتى النبي صلى الله عليه و سلم رجل سيء الهيئة فقال : ألك مال ؟ قال : نعم من كل أنواع المال قال : فلير عليك فإن الله عز و جل يحب أن يرى أثره على عبده حسنا ولا يحب البؤس والتباؤس) ، وفي صحيح ابن حبان : (عن أبي الأحوص عن أبيه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم أشعث أغبر في هيئة أعرابي فقال ما لك من المال قال من كل المال قد آتاني الله قال إن الله إذا أنعم على العبد نعمة أحب أن ترى به) ، هذا ولا بد أن يكون إظهارُ النِّعم بعيدًا عن السرف والكِبْر المنهي عنهما، مقرونًا بالتواضع لله، قال تعالى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31]، وفي مسند الإمام أحمد : (عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « كُلُوا وَاشْرَبُوا وَتَصَدَّقُوا وَالْبَسُوا فِي غَيْرِ مَخِيلَةٍ وَلاَ سَرَفَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُرَى نِعْمَتُهُ عَلَى عَبْدِهِ » ، والنعمة إن كانت مالا ، فإنه يحب سبحانه وتعالى أن يرى أثر هذا المال على من أنعم الله عليه به ، وذلك بالإنفاق والصدقات والمشاركة في الإحسان والثياب الجميلة اللائقة به ، وغير ذلك ، وإذا أنعم الله على عبده بعلم ، فإنه يحب أن يرى أثر هذه النعمة عليه بالعمل بهذا العلم في العبادة ، وحسن المعاملة ، ونشر الدعوة ، وتعليم الناس ، وغير ذلك ، فكلما أنعم الله عليك نعمة فأر الله تعالى أثر هذه النعمة عليك ، فإن هذا من شكر النعمة ، وأما من أنعم الله عليه بالمال وصار لا يرى عليه أثر النعمة، فيخرج إلى الناس مثلا بلباس رث ، وكأنه أفقر عباد الله ، فهذا في الحقيقة قد جحد نعمة الله عليه ، فكيف ينعم الله عليك بالمال والخير وتخرج إلى الناس بثياب كلباس الفقراء أو أقل؟ ، وكذلك ينعم الله عليك بالمال ثم تمسك ، ولا تنفق لا فيما أوجب الله عليك ، ولا فيما ندب لك أن تنفق فيه ، أو ينعم الله عليك بالعلم ، فلا يرى أثر هذه النعمة عليك لا بزيادة عبادة ، أو خشوع أو حسن معاملة ، ولا بتعليم الناس ، ونشر العلم ، فكل هذا من كتمان النعمة ،التي ينعم الله بها على العبد ، فالإنسان كلما أنعم الله عليه بنعمة ،فإنه ينبغي أن يظهر أثر هذه النعمة عليه ، حتى لا يجحد نعمة الله
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبَّ أَنْ يُرَى أَثَرُ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومحبة الله تعالى لأن يرى أثر نعمته على عبده هي أبعد ما تكون من مظاهر البذخ والإسراف، وهي أقرب ما تكون من العمل بما علمه المسلم من دينه، فإن حفظ شيئاً من القرآن فالله يحب أن يرى أثر هذا المحفوظ على واقع الحافظ تعاملاً وسلوكاً، وكذلك بتبليغ الدين، وتعليمه للناس لمن فقه منه شيئاً، وإن كانت النعمة ولداً فبتعليمه وتربيته. وكل نعمة لها آثارها الإيجابية الفاضلة فالله يحب أن يرى هذه الآثار ممن أنعم بها عليه واقعاً ماثلاً للناس. ومن المعلوم أن ذكاء العقل وحصافته ونضجه من أكبر النعم، والتحديث بها ليس بتعالي صاحبه بأفكاره على الناس، وازدرائهم احتقاراً لعقولهم التي لم تبلغ مبلغ عقله؛ ولكن بإفادة المجتمع، بله العالم أجمع من أفكار هذا العقل المبدع، والإسهام به في مشاريع التنمية والثقافة والمعرفة، فهذا من أعظم التحديث بنعمة العقل والفكر. فالتحديث بنعمة الله مهما كانت هي في حقيقتها تواصل بين أفراد المجتمع بكل ما هو مفيد، وإسهام في كل مشروع بنّاء، وهو من فعل المعروف والأمر به، أما أن يكتفي الشخص المُنعم عليه بمجرد التحدث بما فُضل به على غيره من نعمة ، فما هذا إلا بابٌ من أبواب التعالي والرياء والسمعة ، وقلّ من يسلم من هذه الغوائل التي لها منافذها الدقيقة النافذة إلى القلب.
الدعاء