خطبة عن حسرة الكافرين ( رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ)
أكتوبر 28, 2022خطبة حول قوله تعالى ( وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ)
أكتوبر 28, 2022الخطبة الأولى ( إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً بِابْنِ آدَمَ وَلِلْمَلَكِ لَمَّةً )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام الترمذي في سننه بسند حسنه : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً بِابْنِ آدَمَ وَلِلْمَلَكِ لَمَّةً فَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ فَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ وَتَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ وَأَمَّا لَمَّةُ الْمَلَكِ فَإِيعَادٌ بِالْخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنَ اللَّهِ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ الأُخْرَى فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ثُمَّ قَرَأَ : (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ) »
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم – إن شاء الله- مع هذا الحديث النبوي الكريم ، والذي يبين لنا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يقع في قلب الانسان من خواطر من (الملك) أو من (الشيطان) ، والفرق بينهما ، فقوله صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ لِلشَّيْطَانِ) أي : إبليس ،أو بعض جنده (لَمَّةً بِابْنِ آدَمَ وَلِلْمَلَكِ لَمَّةً) : اللمة هي النزول ،والقرب ،والإصابة ،والمراد بها ما يقع في القلب بواسطة الشيطان : فلمة الشيطان تسمى وسوسة ،ولمة الملك إلهاما ،(فَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ فَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ) : كالكفر ،والفسق ،والظلم ،(وَتَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ) أي : في حق الله ،أو حق الخلق ،أو بالأمر الثابت كالتوحيد ،والنبوة ،والبعث ،والقيامة ،والنار ،والجنة ،(وَأَمَّا لَمَّةُ الْمَلَكِ فَإِيعَادٌ بِالْخَيْرِ) : كالصلاة ، والصوم (وَتَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ) : ككتب الله ، ورسله ،والإيعاد في اللمتين من باب الإفعال ، (فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ) : أي في نفسه ، أو أدرك ،وعرف لمة الملك (فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنَ اللَّهِ) : أي : هذه منة جسيمة ، ونعمة عظيمة ، واصلة إليه ، ونازلة عليه ،إذ أمر الملك بأن يلهمه (فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ) أي على هذه النعمة الجليلة حيث أهله لهداية الملك ،ودلالته على ذلك الخير تصديقا وتحصيلا ، ثم معرفة الخواطر والتمييز بينها فقد قال العلماء :أن من كان مأكله من الحرام لا يميز بين الوسوسة والإلهام ،(وَمَنْ وَجَدَ الأُخْرَى) أي : لمة الشيطان (فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) : وليخالفه ،وفي ذلك بيان إلى أن الكل من الله تعالى ، وإنما الشيطان عبد مسخر ،أعطي له التسليط على بعض أفراد الإنسان ، كما قال تعالى : (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ) الحجر 42،
أيها المسلمون
وهذا الصراع بين الانسان وبين الشيطان بدأ في الجنة ،حين رفض الشيطان أن يمتثل لأمر الله بالسجود لآدم، فطرده الله ولعنه، فأقسم بين يدي الله أن يضل آدم وذريته ما استطاع إلى ذلك سبيلا ،قال تعالى: { قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} (82)، (83) ص ، ثم كانت الجولة الأولى في إضلال الأبوين، فنجح الشيطان في إغوائهما وإخراجهما من الجنة، قال الله تعالى :{ قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} (24) الأعراف ، وأنزل آدم إلى الأرض ،ليواجه هو وذريته كيد الشيطان ،ودأبه على إضلال بني آدم، وقد تسلح الشيطان بأسلحته المختلفة، ومنها: أولا : قدرته على التزيين والإغواء ،كما في قوله تعالى : { قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} (39) الحجر. ، ثانيا : الكذب والمخادعة ، قال الله تعالى : (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ) (20) ،(21) الأعراف ، ثالثا : أن هذا العدو يرانا ولا نراه ، قال الله تعالى : { إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} (27) الأعراف، وهو يجري منا مجرى الدم قال صلى الله عليه وسلم: « إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِى مِنَ الإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ) [البخاري ومسلم]. ، رابعا : قدرته على الاطلاع على شيء من الغيب فيوحي به إلى أوليائه، ففي صحيح البخاري : (عنْ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – زَوْجِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « إِنَّ الْمَلاَئِكَةَ تَنْزِلُ فِي الْعَنَانِ – وَهْوَ السَّحَابُ – فَتَذْكُرُ الأَمْرَ قُضِىَ فِي السَّمَاءِ ، فَتَسْتَرِقُ الشَّيَاطِينُ السَّمْعَ ، فَتَسْمَعُهُ فَتُوحِيهِ إِلَى الْكُهَّانِ ، فَيَكْذِبُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ »، ومن المعلوم أن غاية الشيطان النهائية التي يريدها لكل بني البشر هي أن يصيروا إلى النار، كما قال تعالى: { إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} (6) فاطر . ، فإن لم يصل الشيطان إلى غايته ولم يقدر على إكفار الناس فإنه لا ييأس بل يرضى ببعض أبواب الغواية والتقصير، ففي سنن النسائي : (عَنْ سَبْرَةَ بْنِ أَبِي فَاكِهٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ الشَّيْطَانَ قَعَدَ لِابْنِ آدَمَ بِأَطْرُقِهِ فَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْإِسْلَامِ فَقَالَ تُسْلِمُ وَتَذَرُ دِينَكَ وَدِينَ آبَائِكَ وَآبَاءِ أَبِيكَ فَعَصَاهُ فَأَسْلَمَ ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْهِجْرَةِ فَقَالَ تُهَاجِرُ وَتَدَعُ أَرْضَكَ وَسَمَاءَكَ وَإِنَّمَا مَثَلُ الْمُهَاجِرِ كَمَثَلِ الْفَرَسِ فِي الطِّوَلِ فَعَصَاهُ فَهَاجَرَ ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْجِهَادِ فَقَالَ تُجَاهِدُ فَهُوَ جَهْدُ النَّفْسِ وَالْمَالِ فَتُقَاتِلُ فَتُقْتَلُ فَتُنْكَحُ الْمَرْأَةُ وَيُقْسَمُ الْمَالُ فَعَصَاهُ فَجَاهَدَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ وَمَنْ قُتِلَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ وَإِنْ غَرِقَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ وَقَصَتْهُ دَابَّتُهُ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ)
أيها المسلمون
وتبدأ معركة الشيطان مع ابن آدم من حين ولادته ، ففي صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلاَّ نَخَسَهُ الشَّيْطَانُ فَيَسْتَهِلُّ صَارِخًا مِنْ نَخْسَةِ الشَّيْطَانِ إِلاَّ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ »، وخلال حياة الإنسان تستمر صور الكيد الشيطاني لهذا الإنسان في كثير من أحواله، ففي صحيح مسلم : (عَنْ جَابِرٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ : « إِنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُ أَحَدَكُمْ عِنْدَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ شَأْنِهِ حَتَّى يَحْضُرَهُ عِنْدَ طَعَامِهِ) ، وقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما يصرف عنا كيد الشيطان وشره، ومن ذلك: الإخلاص، قال الله تعالى: { قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} (39) :(42) الحجر، فأخبر الشيطان بنجاة المخلصين منه ، وحسن العبودية لله ، وكذلك الاستعاذة بالله والاحتماء واللوذ بجنابه ، قال الله تعالى : { وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (200) الأعراف.
أيها المسلمون
ومن الخطإ أن بعض الناس يتصورون أن للشيطان تلك القدرة التي يستطيع بها أن يجبر الإنسان على ترك الطاعات ،وفعل المعاصي، ومن ثم فلا ذنب للإنسان إذا قصر في طاعة الله ، أو فعل معصية من المعاصي، وهذا التصور إنما سببه الجهل بالقرآن ،الذي بين لنا حقيقة الشيطان ،وأنه ليس له سلطان بقهر الإنسان على فعل المعصية ،أو يثبطه عن القيام بالطاعة ، لأنه بهذا التصور يكون مشاركاً لله في القدرة على قهر العباد ،وجبرهم على ما يشاء, وهذا هو عين الشرك في الربوبية، ولو كان للشيطان مثل هذه السلطة ،لكان في ذلك مناقضة لتكليف الله للبشر, وفي ذلك مناقضة صريحة لما في القرآن الكريم, لأن التكليف مبني على قدرة الإنسان في اختيار الخير أو الشر, وإذا انتفى الاختيار عند الإنسان – بسبب إجبار الشيطان له على فعل المعاصي وترك الواجبات – لكان في ذلك بطلان التكليف من قبل الله للإنسان، وهذا الكلام لا يقول به إلا كافر أو جاهل، لأن بعث الله للرسل على مدار التاريخ إنما جاء لاختبار هذه الإرادة عند الإنسان، فإما أن يستجيب هذا الإنسان لداعي الله، وإما أن يستجيب لداعي الشيطان ،الذي يوسوس للإنسان ويزين له المعاصي، وعلى أساس هذه الاستجابة أو عدمها يكون جزاء الإنسان بالجنة أو النار.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً بِابْنِ آدَمَ وَلِلْمَلَكِ لَمَّةً )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
لقد نفى القرآن أن يكون للشيطان سلطان على الكافرين ،فضلا عن المؤمنين ،يقهرهم أو بالحجة لما يدعوهم إليه، وبين القرآن حدود سلطان الشيطان على الكافرين، وأنه مجرد دعوة للكفر والمعاصي، واستجابة منهم له في ذلك، يقول الله عز وجل في هذا الشأن حاكياً عن الشيطان: (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [إبراهيم: 22] . فها هو الشيطان في الدار الآخرة ،يعلن في صغار وانكسار تخليه عن أتباعه، الذين أطاعوه فيما زين لهم من المعاصي، ويوضح لهم أنه لم يكن له سلطان يجبر هؤلاء على ما كان سبباً في دخولهم جهنم، قال الإمام الشوكاني في قوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ) الآية. (أي وما كان لي تسلط عليكم بإظهار حجة على ما وعدتكم به وزينته لكم (إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي): أي إلا مجرد دعائي لكم إلى الغواية والضلال بلا حجة ولا برهان..، وقيل: المراد بالسلطان هنا: القهر، أي: ما كان لي عليكم من قهر يضطركم إلى إجابتي، وهذه الأقوال بمجملها تدل على انتفاء السلطان من قبل الشيطان على أتباعه في الدنيا، وأن وظيفته كانت منحصرة في الدعوة إلى الغواية والضلال، وهذه الدعوة البراقة معراة عن الحجة والبرهان من جهة، وبعيدة عن القهر والسلطان من جهة أخرى، وإذا انتفى الأمران انتفت معهما دواعي الاستجابة لهذه الدعوة من قبل الشيطان، وبناء على ذلك فلا لوم ولا عتاب.
وبهذا يتبين أن الله لم يجعل للشيطان سلطاناً على بني آدم، لتكون إرادة الناس حرة في اختيارها طريق الخير أو الشر، ومن ثم فليس له سلطان على الإنس في عقائدهم وتوجيه إرادتهم للأعمال السيئة، فإن ذلك مما لا سبيل له إليه ، فالذنوب التي تحصل من المؤمنين لا تحدث بسبب أن للشيطان سلطاناً عليهم، لأنها ذنوب يتبعها التوبة والاستغفار، فيعودون أقوى مما كانوا عليه من الإيمان، وسلطان الشيطان على الكافرين إنما يكون بسب استمرارهم على فعل المعاصي، حيث قد جعلوا للشيطان سبيلاً إلى قلوبهم، فلا يقلعون من معصية إلا عادوا لها أو أشد ، فالذين يعرضون عن الله تستهويهم الشياطين، فيسارعون إليها في معصيتهم لله، فيصبحون حيارى تائهين في الأرض ، وهكذا يتبين لنا أنه لا سلطان للشيطان على الناس، وإنما استجاب له بعضهم بمجرد دعوته إياهم، جرياً وراء أهوائهم وأغراضهم وشهواتهم، فهم الذين أعانوا على أنفسهم ،ومكنوا عدوهم من سلطانه عليهم بموافقته ومتابعته، فلما أعطوا ما بأيديهم واستأسروا له، سلط عليهم عقوبة لهم، وبهذا يظهر معنى قوله سبحانه: (وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) [النساء: 141]
الدعاء