خطبة حول حديث (بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ مَسْخٌ وَخَسْفٌ وَقَذْفٌ)
فبراير 23, 2023خطبة عن النفقة على الولد وحديث (أَنْفِقِي وَلاَ تُحْصِي)
فبراير 26, 2023الخطبة الأولى ( اتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ ،وَصَلُّوا خَمْسَكُمْ ،وَصُومُوا شَهْرَكُمْ .. تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الترمذي في سننه واحمد في مسنده وصححه الألباني : ( أن أَبَا أُمَامَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَخْطُبُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَ « اتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ وَصَلُّوا خَمْسَكُمْ وَصُومُوا شَهْرَكُمْ وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ وَأَطِيعُوا ذَا أَمْرِكُمْ تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ ».
إخوة الاسلام
إن التقرُّب إلى اللهِ تعالى بأداءِ ما افتَرض علينا مِن صَلاةٍ وصِيامٍ وزَكاةٍ وحَجٍّ من أحبِّ الأعمال إلى الله سُبحانه وتعالى ، وهي من أعظمِ أسبابِ دُخولِ الجنَّةِ ، وفي هذا الحديثِ الذي تصدرت به هذه الخطبة، خطُب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حِجَّةِ الوَداعِ ، فقال: “اتَّقوا اللهَ ربَّكم”، أيِ: اجعَلوا بينَكم وبينَ عذابِ اللهِ وِقايةً ، واخشَوا اللهَ كأنَّكم ترَونه، وامْتثِلوا أوامِرَه ، واجتنبوا نَواهِيَه، فواجب على المسلمين أن يتقوا ربَّهم الذي خلقهم، وأمدَّهم بِنعمه، وأعدهم لقبول رسالاته ، “وصَلُّوا خَمْسَكم”، أي: وأدُّوا ما افتَرض اللهُ علَيكم مِن الصَّلواتِ الخَمسِ في أوقاتِها وحافِظوا عليها، “وصُوموا شَهرَكم”، أي: صوموا شهرَ رمَضانَ، محتسبين عند الله صيامكم ، “وأدُّوا زَكاةَ أموالِكم”، أي: وأخرِجوا حقَّ اللهِ علَيكم مِن أموالِكم إذا ما بلَغَت النِّصابَ وأتى عليها الحَولُ، “وأطيعوا ذا أَمرِكم”، أي: وأطيعوا أميرَكم وولِيَّ الأمرِ علَيكم، ولا تَعْصوه ولا تُخالِفوه، وطاعتُهم تكونُ في المعروفِ، وأمَّا إذا أَمَروا بشيءٍ فيه معصيةٌ للهِ تعالى؛ فلا طاعةَ لمخلوقٍ في مَعصيةِ الخالِقِ، “تَدْخُلوا جَنَّةَ ربِّكم”، أي: يكونُ جَزاؤُكم إذا فعَلتُم ذلك أن يُدخِلَكم اللهُ الجَنَّةَ؛ فجزاءُ مَن أدَّى فرْضَ اللهِ عليه الجنَّةُ ونَعيمُها ، فهذا النعيم الكريم ، وهذا الثواب العظيم، وما فيه مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، كما قال الله تعالى : (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [السجدة:17]، هو لمن اتقى الله ،وأدى ما افترضه الله عليه ، هذا ومن الملاحظ أن في قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: (تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ) إضافة الجنة إلى الرب سبحانه وتعالى ، وهذا فيه تشريفٌ لها، وتعليةٌ لشأنها، ورفعٌ لقدرها.
أيها المسلمون
وإن المتأمل والمتدبر لقوله صلى الله عليه وسلم : (اتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ) ، فأصل التقوى أن يجعل العبدُ بينه وبين ما يخافه وقاية تقيه منه، وتقوى العبد لربه أن يجعل بينه وبين ما يخشاه من ربه من غضبه وسخطه وعقابه وقاية تقيه من ذلك، وهو فعلُ طاعته، واجتنابُ معاصيه، كما قال طلق بن حبيب ـ رحمه الله: (تقوى الله عمل بطاعة الله على نور من الله رجاءُ رحمة الله، وترك معصية الله على نور من الله خيفة عقاب الله). ،فتقوى الله عز وجل جدٌّ واجتهاد، ونصح للنفس بطاعة الله والتقرب إليه بما يرضيه، ولا سيما فعلُ الفرائض والواجبات، والبعدُ عن المعاصي والمنكرات ، ويدخل في تقوى الله : الإيمانُ بأصول هذا الدين ، وعقائده القويمة، والقيام بشرائع الإسلام ، وعبادته، فكل ذلك من خصال التقوى ومن أوصاف المتقين، كما قال الله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) [البقرة:177].
والمتأمل والمتدبر لقوله صلى الله عليه وسلم : (وَصَلُّوا خَمْسَكُمْ) فإن الصلاة هي عماد الدين ، والمحافظة عليها من موجبات دخول الجنة، وإضاعتَها من موجبات دخول النار، ففي سنن ابن ماجه : (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ افْتَرَضْتُ عَلَى أُمَّتِكَ خَمْسَ صَلَوَاتٍ وَعَهِدْتُ عِنْدِي عَهْدًا أَنَّهُ مَنْ حَافَظَ عَلَيْهِنَّ لِوَقْتِهِنَّ أَدْخَلْتُهُ الْجَنَّةَ وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهِنَّ فَلاَ عَهْدَ لَهُ عِنْدِي ».، والصلاة هي عماد الدين ، وآكد أركانه بعد الشهادتين، وهي صلة بين العبد وربه، وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، فإذا صلحت صلح سائر عمله، وإذا فسدت فسد سائر عمله، وفي السنن : أن (رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلاَتُهُ فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ فَإِنِ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِى مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنَ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ ». ، وفي المسند وغيره عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة يوماً فقال: ((من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبيِّ بن خلف)).
أيها المسلمون
والمتأمل والمتدبر لقوله صلى الله عليه وسلم : (وَصُومُوا شَهْرَكُمْ) فقد قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة:183]، وفي هذا الشهر الكريم، يجتمع المسلمون كلُّهم على أداء هذه الطاعة، فيتركون فيه شهواتهم الأصليةَ من طعامٍ وشراب ونكاح، ويعوضهم الله عن ذلك من فضله وإحسانه تتميمَ دينهم، وزيادة كمالهم، ونيل أجره العظيم وبره العميم، ففي صحيح البخاري :(عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ » ، وفيه :(عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ » ، وفيه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ »، وفيه أيضا : (عَنْ سَهْلٍ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ يُقَالُ أَيْنَ الصَّائِمُونَ فَيَقُومُونَ ، لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ ، فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ »
والمتأمل والمتدبر لقوله صلى الله عليه وسلم : (وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ) فقد فرض الله تعالى عليكم الزكاة، وجعلها حقاً في المال، وهي لا تجب على فقير ليس عنده نصاب زكوي، وإنما تجب على الأغنياء تتميماً لدينهم وإسلامهم، وتنمية لأموالهم وأخلاقهم، ودفعاً للآفات عنهم وعن أموالهم، وتطهيراً لهم من السيئات ومواساةً لمحاويجهم وفقرائهم، مما يدل على كمال هذه العبادة وعظم نفعها، وروى البخاري في صحيحه : (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضى الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا – رضى الله عنه – عَلَى الْيَمَنِ قَالَ « إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللَّهِ ، فَإِذَا عَرَفُوا اللَّهَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِى يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ ، فَإِذَا فَعَلُوا ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهُمْ زَكَاةً {تُؤْخَذُ} مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ ، فَإِذَا أَطَاعُوا بِهَا فَخُذْ مِنْهُمْ ، وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِ النَّاسِ » ، وقد حذر الله أشد التحذير من عدم اخراج الزكاة ، وتوعد مرتكب هذه الكبيرة بأشد العذاب ، ففي صحيح مسلم : ( أن أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلاَ فِضَّةٍ لاَ يُؤَدِّى مِنْهَا حَقَّهَا إِلاَّ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحَ مِنْ نَارٍ فَأُحْمِىَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ فَيُرَى سَبِيلُهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ ». قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالإِبِلُ قَالَ « وَلاَ صَاحِبُ إِبِلٍ لاَ يُؤَدِّى مِنْهَا حَقَّهَا وَمِنْ حَقِّهَا حَلَبُهَا يَوْمَ وِرْدِهَا إِلاَّ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ أَوْفَرَ مَا كَانَتْ لاَ يَفْقِدُ مِنَهَا فَصِيلاً وَاحِدًا تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا وَتَعَضُّهُ بِأَفْوَاهِهَا كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولاَهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ فَيُرَى سَبِيلُهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ ». قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ قَالَ « وَلاَ صَاحِبُ بَقَرٍ وَلاَ غَنَمٍ لاَ يُؤَدِّى مِنْهَا حَقَّهَا إِلاَّ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ لاَ يَفْقِدُ مِنْهَا شَيْئًا لَيْسَ فِيهَا عَقْصَاءُ وَلاَ جَلْحَاءُ وَلاَ عَضْبَاءُ تَنْطِحُهُ بِقُرُونِهَا وَتَطَؤُهُ بِأَظْلاَفِهَا كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولاَهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ فَيُرَى سَبِيلُهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ ». قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالْخَيْلُ قَالَ « الْخَيْلُ ثَلاَثَةٌ هِيَ لِرَجُلٍ وِزْرٌ وَهِىَ لِرَجُلٍ سِتْرٌ وَهِىَ لِرَجُلٍ أَجْرٌ فَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ وِزْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا رِيَاءً وَفَخْرًا وَنِوَاءً عَلَى أَهْلِ الإِسْلاَمِ فَهِيَ لَهُ وِزْرٌ وَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ سِتْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي ظُهُورِهَا وَلاَ رِقَابِهَا فَهِيَ لَهُ سِتْرٌ وَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ أَجْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لأَهْلِ الإِسْلاَمِ فِي مَرْجٍ وَرَوْضَةٍ فَمَا أَكَلَتْ مِنْ ذَلِكَ الْمَرْجِ أَوِ الرَّوْضَةِ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ كُتِبَ لَهُ عَدَدَ مَا أَكَلَتْ حَسَنَاتٌ وَكُتِبَ لَهُ عَدَدَ أَرْوَاثِهَا وَأَبْوَالِهَا حَسَنَاتٌ وَلاَ تَقْطَعُ طِوَلَهَا فَاسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ إِلاَّ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ عَدَدَ آثَارِهَا وَأَرْوَاثِهَا حَسَنَاتٍ وَلاَ مَرَّ بِهَا صَاحِبُهَا عَلَى نَهْرٍ فَشَرِبَتْ مِنْهُ وَلاَ يُرِيدُ أَنْ يَسْقِيَهَا إِلاَّ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ عَدَدَ مَا شَرِبَتْ حَسَنَاتٍ ». قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالْحُمُرُ قَالَ « مَا أُنْزِلَ عَلَىَّ فِي الْحُمُرِ شَيْءٌ إِلاَّ هَذِهِ الآيَةُ الْفَاذَّةُ الْجَامِعَةُ (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( اتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ ،وَصَلُّوا خَمْسَكُمْ ،وَصُومُوا شَهْرَكُمْ .. تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
والمتأمل والمتدبر لقوله صلى الله عليه وسلم : (وَأَطِيعُوا ذَا أَمْرِكُمْ) ففي هذا الأمر بالسمع والطاعة لولاة أمر المسلمين في غير معصية الله والنصح لهم، وعدم الخروج عليهم، ونزعِ اليد من طاعتهم، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) [النساء: 59]، ومن تأكيد النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الأمر في حجة الوداع ما رواه مسلم في صحيحه : (عَنْ يَحْيَى بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ سَمِعْتُ جَدَّتِي تُحَدِّثُ أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَخْطُبُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهُوَ يَقُولُ « وَلَوِ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا ».، فالذي أمر بطاعة ولاة الأمر هو الذي أمر بالصلاة والصيام والزكاة، وكلُّ ذلك من موجبات دخول الجنة ونيلِ رضا الله عز وجل. وقد أضيفت هذه الخصالُ الخمس في الحديث إلى المؤمنين لأنها من خصوصيتهم وموجبات كمالهم. قال الطيبي ـ رحمه الله ـ: ((حكمةُ إضافةِ هذا وما بعده إليهم إعلامُهُم بأن ذواتِ هذه الأعمالِ بكيفيتها المخصوصة من خصوصياتهم التي امتازوا بها عن سائر الأمم، وحثُّهُم على المبادرة للامتثال بتذكيرهم بما خوطبوا به، وتذكيرُهم بأن هذه الإضافةَ العمليةَ يقابلها إضافةٌ فضليةٌ هي أعلى منها وأتمُّ، وهي الجنةُ المضافةُ إلى وصف الربوبية المشعرِ بمزيد تربيتهم وتربيةِ نعيمهم بما فارقوا به سائر الأمم)
والمتأمل والمتدبر لقوله صلى الله عليه وسلم : (تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ) ، وهذا عهد ووعد من الله تعالى لمن آمن به تعالى وعمل الصالحات ، ففي الصحيحين : (عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ كُنْتُ رِدْفَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ قَالَ فَقَالَ « يَا مُعَاذُ تَدْرِى مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ ». قَالَ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ « فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَحَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لاَ يُعَذِّبَ مَنْ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ». قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ أُبَشِّرُ النَّاسَ قَالَ « لاَ تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا ».، وفي صحيح البخاري : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَصَامَ رَمَضَانَ ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، أَوْ جَلَسَ فِي أَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا » . فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ نُبَشِّرُ النَّاسَ . قَالَ « إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ ، أُرَاهُ فَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ » ،وروى مسلم في صحيحه :(عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ نُودِىَ فِي الْجَنَّةِ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا خَيْرٌ. فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلاَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلاَةِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ ». قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَلَى أَحَدٍ يُدْعَى مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ كُلِّهَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « نَعَمْ وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ ».
الدعاء