خطبة عن فتنة السراء، وحديث (كَيْفَ بِكُمْ إِذَا غَدَا أَحَدُكُمْ فِي حُلَّةٍ وَرَاحَ فِي حُلَّةٍ)
نوفمبر 13, 2021خطبة عن الاستقامة على الدين ( وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ )
نوفمبر 20, 2021الخطبة الأولى ( الطَّاعِمُ الشَّاكِرُ بِمَنْزِلَةِ الصَّائِمِ الصَّابِرِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى البخاري في صحيحه معلقا، والترمذي في سننه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « الطَّاعِمُ الشَّاكِرُ بِمَنْزِلَةِ الصَّائِمِ الصَّابِرِ »
إخوة الإسلام
لقاؤنا اليوم -إن شاء الله- مع هذا الهدي النبوي ، والذي يحثنا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم على شكر الله تبارك وتعالى ، فهو المنعم المتفضل ، ومن حقه على عباده أن يشكروه على نعمه ، ويحمدوه على عطاياه ومننه ، فمن شكره زاده ، ومن توكل عليه كفاه . وفي قوله صلى الله عليه وسلم : «الطَّاعِمُ الشَّاكِرُ» : أي : الآكل الشارب ، والحسن الحال في المطعم ، له ثواب الصائم الصابر، وهذا من تفضل الله على عباده ، أن جعل للطاعم إذا شكر ربه على ما أنعم به عليه ثواب الصائم الصابر . وقيل : «الطَّاعِمُ الشَّاكِرُ» : هو الذي يطعم الفقير والمسكين وابن السبيل ، ويُقري الضيف ونحو ذلك ، مع شكره لله عز وجل على نعمة الغنى، وتصورها وإظهارها. وقال ابن القيم: “شكر العبد يدور على ثلاثة أركان : أحدها: اعترافه بنعمة الله عليه، الثاني: الثناء عليه بها، الثالث: الاستعانة بها على مرضاته ،وقال: “والشكر يتعلق بالقلب واللسان والجوارح؛ فالقلب للمعرفة والمحبة، واللسان للثناء والحمد، والجوارح لاستعمالها في طاعة المشكور وكفِّها عن معاصيه”. وقال القاري: «أقل شكره أن يسمي إذا أكل، ويحمد إذا فرغ، وأقل صبره أن يحبس نفسه عن مفسدات الصوم».
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: «كَالصَّائِمِ الصَّابِرِ» : قال المناوي في الفيض : ” لأن الطعم فعل، والصوم كفٌّ عن فعل، فالطاعم بطبعه يأتي ربه بالشكر، والصائم بكفه عن الطعم يأتي ربه بالصبر”. وقال ابن حبان في صحيحه: «شكر الطاعم الذي يقوم بإزاء أجر الصائم الصابر هو أن يطعم المسلم ثم لا يعصي باريه، يقويه ويتم شكره بإتيان طاعاته بجوارحه؛ لأن الصائم قرن به الصبر لصبره عن المحظورات، وكذلك قرن بالطاعم الشكر؛ فيجب أن يكون هذا الشكر الذي يقوم بإزاء ذلك الصبر يقاربه أو يشاكله، وهو ترك المحظورات على ما ذكرناه». فالشاكر لما رأى النعمة من الله ،وحبس نفسه على محبة المنعم بالقلب ،وأظهرها باللسان، نال درجة الصابر.. فيكون التشبيه واقعا في حبس النفس بالمحبة، والجهة الجامعة العامة حبس النفس مطلقا، فأينما وجد الشكر وجد الصبر ولا ينعكس”. فالعبد الذي يشكر الله عز وجل على نعمه ومننه التي منحها إياه، له من الأجر الكثير، والثواب الجزيل ،مثل ما للصائم الصابر الذي حبس نفسه عن الطعام والشراب ، وتَحَمَّل مَشَقَّة الإِمساك ،وظَمَأ الهواجِر، وذلك أن الغنى واليسار غالبا ما ينسي العبد ويلهيه ، ويحمله على البطر والبطش والظلم واقتراف المحرمات ، ويصرفه عن حق الشكر لله تعالى الذي أنعم عليه بذلك وبسط له فيه، فإذا وُفِّقَ الغني الميسور فأدرك إنعام الله عليه، وعلم فضلَه عليه ورحْمَتَه ،وقام بما يجب عليه إزاء ذلك من الشكر، فأنفق مما رزقه الله في السبل التي يرضاه الله سبحانه، وحمله ذلك على التواضع لله تعالى ،والتذلل بين يديه وطاعته؛ كان شاكرا حقا ، فاستحَقَّ أن يكون له أجر الصائم الصابروقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «والغني الشاكر ، والفقير الصابر ، أفضلهما أتقاهما لله، فإن استويا في التقوى ، استويا في الدرجة».وقال ابن القيم -رحمه الله-: «والتحقيق أن يقال: أفضلهما أتقاهما لله -تعالى- فإن فُرِض استواؤهما في التقوى ، استويا في الفضل، فإن الله -سبحانه- لم يُفَضِّل بالفقر والغِنَى، كما لم يفضل بالعافيةِ والبلاء، وإنما فَضَّلَ بالتقوى، كما قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (13) الحجرات ، وروى الامام أحمد في مسنده : (عَنْ أَبِى نَضْرَةَ حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ خُطْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَالَ : « يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلاَ إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ أَلاَ لاَ فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلاَ لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلاَ لأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلاَ أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلاَّ بِالتَّقْوَى أَبَلَّغْتُ ». قَالُوا بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ) ،والتقوى مبنيةٌ على أصلين: الصبر والشكر، وكل من الغَنِي والفقير لا بد له منهما، فمن كان صبْرُه وشُكْرُه أتم كان أفضل». فإن قيل : فإذا كان صبرُ الفقير أتم، وشكرُ الغني أتم، فأيهما أفضل؟ ،قيل: أتقاهما لله في وظيفته ومقتضى حاله، ولا يصح التفضيل بغير هذا البتة.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الطَّاعِمُ الشَّاكِرُ بِمَنْزِلَةِ الصَّائِمِ الصَّابِرِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن الفوائد المتعددة والتي يمكن لنا أن نستنبطها من هذا الحديث النبوي الكريم : أولا : في هذا الحديث الحث على شكر الله على جميع نعمه إذ لا يختص ذلك بالأكل . ثانيا : وفي الحديث الحث على الصبر ،وعلى الشكر، فهما شطرا الإيمان ،كما قال ابن مسعود، وأصل الشكر: صحة العزيمة، وأصل الصبر قوة الثبات، ومدار الدين على هذين الأصلين، وهما الأصلان المذكوران في الحديث الذي رواه أحمد والنسائي عن النبي صلى الله عليه وسلم: « اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الأَمْرِ وَالْعَزِيمَةِ عَلَى الرُّشْدِ) ،فمتى أُيِّد العبد بعزيمة وثبات ،فقد أُيد بالمعونة والتوفيق، ولهذا جمع الله سبحانه بين الصبر والشكر في قوله تعالى : (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) (5) إبراهيم، ثالثا : للشكر علاقة وثيقة بالصبر؛ قال ابن القيم رحمه الله : “فكل من الصبر والشكر داخل في حقيقة الآخر لا يمكن وجوده إلا به، وإنما يُعَبَّر عن أحدهما باسمه الخاص به باعتبار الأغلب عليه والأظهر منه، وإلا فحقيقة الشكر إنما يلتئم من الصبر والإرادة والفعل، فإن الشكر هو العمل بطاعة الله وترك معصيته، والصبر أصل ذلك، فالصبر على الطاعة وعن المعصية هو عين الشكر، وإذا كان الصبر مأمورا به فأداؤه هو الشكر. رابعا : في الحديث دليل على عظم الصبر في الصوم؛ فيصبر الإنسان على حبس نفسه عن الطعام والشراب طاعة لله عز وجل،
الدعاء